الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقال الشيخ عبد اللطيف آل الشيخ في الآية: "وهذا الدعاء ظاهر في دعاء المسألة حال الشدة والضرورة"
(1)
.
بل هذا هو الكثير والغالب في الاستعمال؛ إذا أطلق لفظ الدعاء في النصوص الشرعية فالمقصود به دعاء المسألة المتضمن لدعاء العبادة.
يقول الشيخ عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ: "قلت: وأكثر ما يستعمل الدعاء في الكتاب والسُّنَّة واللغة ولسان الصحابة ومَن بعدهم من العلماء: في السؤال والطلب، كما قال العلماء من أهل اللغة وغيرهم: الصلاة لغة الدعاء، وقد قال تعالى: {وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ (13)} [فاطر: 13]، في الآيتين، وقال: {قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً} [الأنعام: 63]، وَقَالَ: {وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنْبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا} [يونس: 12]، وَقَالَ: {وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ فَذُو دُعَاءٍ عَرِيضٍ (51)} [فُصِّلَت: 51]، وَقَالَ: {لَا يَسْأَمُ الْإِنْسَانُ مِنْ دُعَاءِ الْخَيْرِ} [فُصِّلَت: 49] "
(2)
.
*
المسألة الثانية * معنى القاعدة
القاعدة نصت على ضابط لمسألة الطلب والدعاء والسؤال، وأنه يعتبر شركًا أكبر، مخرجًا من ملة الإسلام إذا توجه به العبد لغير الله سبحانه وتعالى؛ سواء لنبي، أو صالح، أو ملك، أو جني، أو غير ذلك في الأمور التي لا تكون في مقدور ذلك الغير بحسب طبيعته وفطرته التي فطر عليها، ولا يستطيعها إلا الرب سبحانه وتعالى.
يقول الإمام ابن تيمية: "وتفصيل القول أن مطلوب العبد إن كان
(1)
تحفة الطالب والجليس في كشف شبه داود بن جرجيس (ص 115).
(2)
فتح المجيد شرح كتاب التوحيد (ص 136).
من الأمور التي لا يقدر عليها إلا الله تعالى؛ مثل أن يطلب شفاء مريضه من الآدميين والبهائم، أو وفاء دينه من غير جهة معينة، أو عافية أهله وما به من بلاء الدنيا والآخرة، وانتصاره على عدوه، وهداية قلبه، وغفران ذنبه، أو دخوله الجنة، أو نجاته من النار، أو أن يتعلم العلم والقرآن، أو أن يصلح قلبه، ويُحَسِّن خلقه، ويزكي نفسه، وأمثال ذلك، فهذه الأمور كلها لا يجوز أن تطلب إلَّا من الله تعالى، ولا يجوز أن يقول لملك، ولا نبي، ولا شيخ؛ سواء كان حيًّا أو ميتًا اغفر ذنبي، ولا انصرني على عدوي، ولا اشف مريضي، ولا عافني أو عاف أهلي أو دابتي"
(1)
.
وقال في موضع آخر بعد ذكره لهذه الأمور: "فمن سأل مخلوقًا شيئًا من ذلك فهو مشرك، به قد اتخذ لله ندًّا، يجب أن يستتاب، فإن تاب وإلا قتل، وهذا مثل دين النصارى"
(2)
.
وحتى يتضح معنى القاعدة بجلاء، ويمكن التفريق بين ما هو جائز وما هو محرم أو شرك من أنواع السؤال، ومعرفة الضابط للسؤال الذي إذا وقع لغير الله تعالى كان دعاء وعبادة للمسؤول، وصار شركًا بالله العظيم؛ فمن أجل كل ذلك فإنه لا بد من معرفة أصل مسألة السؤال، وما ذكره أهل العلم من تقسيمات لحالات السؤال، فأقول مستعينًا بالله تعالى.
لقد ورد في بعض النصوص الشرعية الأمر بسؤال الله تعالى وحده، كما في حديث ابن عباس رضي الله عنهما:(إذا سألت فاسأل الله)
(3)
، وصح عنه صلى الله عليه وسلم
(1)
مجموع الفتاوى (27/ 67).
(2)
مختصر الفتاوى المصرية (ص 192).
(3)
أخرجه الإمام أحمد (1/ 293) برقم (2669)، والترمذي في سننه (4/ 667)، برقم (2516)، وقال: هذا حديث حسن صحيح، وصحح الشيخ الألباني، [انظر: مشكاة المصابيح (3/ 1459)، برقم (5302)، وذكر الإمام ابن رجب روايات الحديث، ثم حكم على رواية الترمذي بأنها: حسنة جيدة (ص 184 - 185)].
أنه بايع جماعة من أصحابه على أن لا يسألوا الناس شيئًا، فكان بعض أولئك النفر يسقط سوط أحدهم فما يسأل أحدًا يناوله إياه
(1)
.
قال النووي في معنى الحديث: "فيه التمسك بالعموم؛ لأنهم نهوا عن السؤال فحملوه على عمومه، وفيه الحث على التنزيه عن جميع ما يسمى سؤالًا وإن كان حقيرًا والله أعلم"
(2)
.
وجاءت أحاديث كثيرة في تحريم سؤال الناس
(3)
شيئًا من أموالهم في غير ما ضرورة، فقط من باب التكثير بالمال، أو استشراف النفس له.
يقول ابن تيمية: "فقد جاء بضعة عشر حديثًا في النهي عن المسألة"
(4)
.
وجاء في حديثٍ النهيُ عن الاسترقاء في شأن الذين يدخلون الجنة بدون حساب ولا عذاب: (قال: هم الذين لا يسترقون، ولا يكتوون، ولا يتطيرون، وعلى ربهم يتوكلون)
(5)
، فمدحهم عليه السلام من أجل اتصافهم
(1)
أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الزكاة، باب: كراهية المسألة للناس (2/ 721)، برقم (1043)، من حديث عوف بن مالك الأشجعي.
(2)
شرح النووي على صحيح مسلم (7/ 132).
(3)
ومن ذلك ما رواه مسلم في صحيحه، كتاب الزكاة، باب: من تحل له المسألة (2/ 722)، برقم (1044)، عن قبيصة بن مخارق الهلالي، وفيه:(يا قبيصة إن المسألة لا تحل إلا لأحد ثلاثة: رجل تحمل حمالة فحلت له المسألة حتى يصيبها ثم يمسك، ورجل أصابته جائحة اجتاحت ماله فحلت له المسألة حتى يصيب قوامًا من عيش، أو قال سدادًا من عيش، ورجل أصابته فاقة حتى يقوم ثلاثة من ذوي الحجا من قومه لقد أصابت فلانًا فاقة فحلت له المسألة حتى يصيب قوامًا من عيش، أو قال سدادًا من عيش، فما سواهن من المسألة يا قبيصة سحتًا يأكلها صاحبها سحتًا).
(4)
مختصر الفتاوى المصرية (ص 575).
(5)
أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الطب، باب: من اكتوى أو كوى غيره (5/ 2157)، برقم (5378)، ومسلم في صحيحه، كتاب الإيمان، باب: الدليل على دخول طوائف المسلمين الجنة بغير حساب (1/ 199)، برقم (220)، من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.
بعدة صفات ومنها: عدم استرقائهم، والاسترقاء: طلب الرقية من الغير، وهي من جنس الدعاء والسؤال.
فالله تعالى لم يأمر بسؤال الخلق قط؛ لا أحياء ولا أمواتًا، ومن زعم أن سؤال المخلوق حيًّا أو ميتًا قد أمر الله به، أو هو واجب، أو مستحب فهو غالط
(1)
.
يقول الإمام ابن تيمية: "وأما نفس سؤال الناس فسؤالهم في الأصل محرم بالنصوص المحرمة له، وإنما يباح عند الضرورة"
(2)
.
ولا شك أن ترك سؤال المخلوق اعتياضًا بسؤال الخالق أفضل مطلقًا
(3)
.
ويزيد الإمام ابن تيمية الأمر إيضاحًا بقوله: "وأصل سؤال الخلق الحاجات الدنيوية التي لا يجب عليهم فعلها ليس واجبًا على السائل، ولا مستحبًا، بل المأمور به سؤال الله تعالى، والرغبة إليه، والتوكل عليه، وسؤال الخلق في الأصل محرم لكنه أبيح للضرورة، وتركه توكلًا على الله أفضل، قال تعالى: {فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ (7) وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ (8)} [الشرح: 7، 8]؛ أي: ارغب إلى الله لا إلى غيره، وقال تعالى: {وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا مَا آتَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إِنَّا إِلَى اللَّهِ رَاغِبُونَ (59)} [التوبة: 59]، لم يأمرهم أن يقولوا: إنا لله ورسوله راغبون؛ فالرغبة إلى الله وحده"
(4)
.
ويقول الشيخ عبد اللطيف آل الشيخ: "ومعلوم أن الرسل نهت عن دعاء غير الله بما لا يقدر عليه إلا الله، بل وفيما لا تدعو إليه حاجة ولا
(1)
انظر: تلخيص كتاب الاستغاثة المعروف بالرد على البكري (1/ 217 - 218).
(2)
تلخيص كتاب الاستغاثة (1/ 401).
(3)
انظر: تلخيص كتاب الاستغاثة (1/ 215).
(4)
انظر: مجموع الفتاوى (1/ 181).
ضرورة من جنس المسألة"
(1)
.
وقد لخص العلامة المعلمي حالات السؤال وأحكامه بعد أن ذكر جملة من الأدلة المتعلقة بالسؤال فقال رحمه الله: "وقد نظرت في وجوه السؤال فوجدته على أقسام:
القسم الأول: ما هو من باب سؤال الإنسان حقًا له عند المسؤول؛ كأن يكون لك دَيْن عند إنسان فتطلبه منه.
الثاني: ما جرت العادة بالتسامح به على نية المكافأة؛ كقول التلميذ لزميله: ناولني الكتاب.
الثالث: سؤال الإنسان ما ليس بحق له ولا جرت العادة بالتسامح به على نية المكافأة، وذلك كقول من يجد الكفاف من العيش لغني لا حق له عليه: أعطني دينارًا مثلًا، ومن هذا القسم سؤال الإنسان من ربه تعالى؛ لأنه لا حق له على ربه تعالى.
فأما الأول: فلا يسمى استعانة ولا يلزمه التذلل والخضوع، وأما الثاني: فإنه وإن سمي استعانة لكنه لا يلزمه التذلل والخضوع إلا أن فيه رائحة ما من ذلك. وأما الثالث: فهو الذي يلزمه التذلل والخضوع"
(2)
.
ويبين الشيخ ابن عثيمين حالات سؤال ودعاء المخلوق بقوله: "ودعاء المخلوق ينقسم إلى ثلاثة أقسام:
الأول: جائز، وهو أن تدعو مخلوقًا بأمر من الأمور التي يمكن أن يدركها بأشياء محسوسة معلومة، فهذا ليس من دعاء العبادة، بل هو من الأمور الجائزة، قال صلى الله عليه وسلم:"وَإِذَا دَعَاكَ فَأَجِبْه""
(3)
.
(1)
تحفة الطالب والجليس في كشف شبه داود بن جرجيس (ص 140).
(2)
انظر: مخطوط (العبادة) للمعلمي، (لوحة: 507 - 508).
(3)
أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب السلام، باب: من حق المسلم للمسلم رد السلام، (4/ 1705)، برقم (2162)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.