الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[الشورى: 21]، فمن تقرب إلى الله بعمل لم يجعله الله ورسوله قربة إلى الله فعمله باطل مردود عليه"
(1)
.
ويقول الإمام الشاطبي: "وهذا فساد عظيم؛ لأن اعتقاد ما ليس بسُنّة سنة، والعمل بها على حد العمل بالسُّنَّة؛ نحوٌ من تبديل الشريعة؛ كما لو اعتقد في الفرض أنه ليس بفرض، أو بما ليس بفرض أنه فرض، ثم عمل على وفق اعتقاده؛ فإنه فاسد، فهب العمل في الأصل صحيحًا؛ فإخراجه عن بابه اعتقادًا وعملًا من باب إفساد الأحكام الشرعية، ومن هنا ظهر عذر السلف الصالح في تركهم سننًا قصدًا؛ لئلا يعتقد الجاهل أنها من الفرائض؛ كالأضحية وغيرها؛ كما تقدم ذلك"
(2)
.
*
المسألة الثالثة * أقوال أهل العلم في تقرير معنى القاعدة
لقد اهتم أهل العلم بهذه القاعدة لما لها من الأثر الكبير في صيانة الشريعة من البدع والمحدثات؛ وذلك لكثرة أفعاله صلى الله عليه وسلم التي حصل فيها اللبس، وتنوعت أنظار العلماء حيالها، ومن أكثر من قررها ودندن حولها الإمام ابن تيمية رحمه الله، وفيما يأتي أذكر ما وقفت عليه من أقواله، وأقوال غيره من أهل العلم في تقرير معنى القاعدة.
يقول الإمام ابن تيمية: "فَمَا فَعَلَهُ عَلَى وَجْهِ التَّقَرُّبِ كَانَ عِبَادَةً تُفْعَلُ عَلَى وَجْهِ التَّقَرُّبِ، وَمَا أَعْرَضَ عَنْهُ وَلَمْ يَفْعَلْهُ مَعَ قِيَامِ السَّبَبِ الْمُقْتَضِي لَمْ يَكُنْ عِبادَةً وَلَا مُسْتَحَبًّا. وَمَا فَعَلَهُ عَلَى وَجْهِ الْإِبَاحَةِ مِنْ غَيْرِ قَصْدِ التَّعَبُّدِ بِهِ كَانَ مُبَاحًا، وَمِنْ الْعُلَمَاءِ مَنْ يَسْتَحِبُّ مُشَابَهَتَهُ فِي هَذَا فِي الصُّورَةِ كَمَا
(1)
جامع العلوم والحكم (ص 60).
(2)
الاعتصام، للشاطبي (1/ 448).
كَانَ ابْنُ عُمَرَ يَفْعَلُ، وأَكْثَرُهُمْ يَقُولُ: إنَّمَا تَكُونُ الْمُتَابَعَةُ إِذَا قَصَدْنا مَا قَصَدَ، وَأَمَّا الْمُشَابَهَةُ فِي الصورَةِ مِنْ غَيْرِ مُشَارَكَةٍ فِى الْقَصْدِ وَالنِّيَّةِ فَلَا تَكُونُ مُتَابَعَةً. فَمَا فَعَلَهُ عَلَى غَيْرِ الْعِبَادَةِ فَلَا يُسْتَحَبُّ أَنْ يُفْعَلَ عَلَى وَجْهِ الْعِبَادَةِ فَإِنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِمُتَابَعَةِ؛ بَلْ مُخَالَفَةٌ"
(1)
.
ويقول أيضًا: "ونحن مأمورون باتباعه صلى الله عليه وسلم وذلك بأن نصدقه في كل ما أخبر به، ونطيعه في كل ما أوجبه وأمر به، لا يتم الإيمان به إلا بهذا وهذا، ومن ذلك أن نقتدي به في أفعاله التي يشرع لنا أن نقتدي به، فما فعله على وجه الوجوب، أو الاستحباب، أو الإباحة نفعله على وجه الوجوب، أو الاستحباب، أو الإباحة، وهو مذهب جماهير العلماء، إلا ما ثبت اختصاصه به، فإذا قصد عبادة في مكان شرع لنا أن نقصد تلك العبادة في ذلك المكان"
(2)
.
ويقول أيضًا: "وما فعله النبي صلى الله عليه وسلم على وجه التعبد فهو عبادة، يشرع التأسي به فيه، فإذا خَصَّصَ زمانًا أو مكانًا بعبادة كان تخصيصه بتلك العبادة سنة، كتخصيصه العشر الأواخر بالاعتكاف فيها، وكتخصيصه مقام إبراهيم بالصلاة فيه، فالتأسي به أن يفعل مثل ما فعل على الوجه الذي فعل لأنه فعل"
(3)
.
ويقول -الإمام المجدد- الشيخ محمد بن عبد الوهاب: "وأما متابعة الرسول صلى الله عليه وسلم فواجب على أمته متابعته في الاعتقادات والأقوال والأفعال، فتوزن الأقوال والأفعال بأقواله وأفعاله، فما وافق منها قُبل، وما خالف رد على فاعله كائنًا من كان"
(4)
.
(1)
مجموع الفتاوى (27/ 422).
(2)
المصدر نفسه (27/ 420).
(3)
المصدر نفسه (10/ 409).
(4)
انظر: مؤلفات محمد بن عبد الوهاب في العقيدة (ص 106).