الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وجهرًا، هل يستوي هذا وذاك، لا يستويان مع أنهما مخلوقان، وغير محال استواؤهما، فإذا كانا لا يستويان فكيف يستوي المخلوق والعبد الذي ليس له ملك، ولا قدرة، ولا استطاعة، بل هو فقير من جميع الوجوه بالرب المالك لجميع الممالك، القادر على كل شيء
…
فكأنه قيل إذا كان الأمر كذلك فَلِمَ سوَّى المشركون آلهتهم بالله
…
والمثل الثاني: مثل رجلين أحدهما أبكم لا يسمع، ولا ينطق، ولا يقدر على شيء؛ لا قليل ولا كثير، وهو كَلٌّ على مولاه؛ أي: يخدمه مولاه، ولا يستطيع هو أن يخدم نفسه، فهو ناقص من كل وجه، هل يستوي هو ومن يأمر بالعدل، وهو على صراط مستقيم، فأقواله عدل، وأفعاله مستقيمة، فكما أنهما لا يستويان فلا يستوي من عبد من دون الله، وهو لا يقدر على شيء من مصالحه، فلولا قيام الله بها لم يستطع شيئًا منها، ولا يكون كفوًا، ولا ندًّا لمن لا يقول إلا الحق، ولا يفعل إلا ما يحمد عليه"
(1)
.
والمقصود من هذين المثلين الاستدلال بعدم تساوي هذه المذكورات على امتناع التساوي بينه سبحانه وبين ما يجعلونه شريكًا له
(2)
، وهذا يدل على أن حقيقة ما وقعوا فيه هو التسوية بين الخالق والمخلوق.
*
المسألة الرابعة * أقوال أهل العلم في تقرير معنى القاعدة
لقد تضافرت أقوال العلماء على تأييد معنى القاعدة ولفظها، وذلك انطلاقًا من اهتمامهم بأصل الإسلام الذي هو التوحيد، ومعرفة حقيقة ما
(1)
تفسير السعدي (ص 445)، [وانظر: تفسير الطبري (14/ 150)، وتفسير السمعاني (3/ 190)، ومعاني القرآن (4/ 93)، وتفسير ابن زمنين (2/ 357)، و (2/ 412)، والصواعق المرسلة (3/ 1035)].
(2)
انظر: فتح القدير، للشوكاني (3/ 182).
يناقضه ويضاده من الشرك بأنواعه المختلفة، وفيما يأتي أذكر بعض ما وقفت عليه من ذلك:
يقول الإمام ابن القيم مبينًا حقيقة الشرك وشناعته: "الشرك أبغض الأشياء إليه؛ لأنه ينقص هذه المحبة ويجعلها بينه وبين من أشرك به، ولهذا لا يغفر الله أن يشرك به؛ لأن الشرك يتضمن نقصان هذه المحبة والتسوية فيها بينه وبين غيره"
(1)
.
ويقول رحمه الله أيضًا: "وهو الشرك الذي تضمن تسوية آلهة المشركين برب العالمين"
(2)
.
ويقول الشيخ سليمان بن عبد الله آل الشيخ في بيانه لحقيقة الشرك بالله العظيم: "فتسوية المخلوق بالخالق بصرف حقه لمن لا يستحقه من خلقه، وجعله شريكًا له فيما اختص به تعالى وتقدس هو أعظم ذنب عصي الله تعالى به"
(3)
.
ويقول الشيخ عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ: "وتسوية المخلوق بالخالق بكل نوع من العبادة شرك"
(4)
.
ويصف الشيخ عبد اللطيف آل الشيخ الشرك بكونه تسوية فيقول: "فكيف بالشرك الأكبر وما فيه التسوية بين الله وبين عباده في خالص حقه؟ "
(5)
.
ويقول أيضًا -واصفًا للشرك بالتسوية- في معرض كلامه على المتنقصين لأهل العلم والتقى، والمستحلين لأعراض خيار الأمة وأئمتها: "الذين يأمرون بعبادة الله وحده لا شريك له، ويدعون إلى ذلك، وينهون عن الشرك به، واتخاذ الأنداد معه، والتسوية بينه وبين
(1)
طريق الهجرتين (ص 365).
(2)
مدارج السالكين (1/ 339).
(3)
تيسير العزيز الحميد (ص 601).
(4)
قرة عيون الموحدين (ص 207).
(5)
مصباح الظلام (ص 443).