المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ المسألة الثالثة * أدلة القاعدة - القواعد في توحيد العبادة - جـ ٢

[محمد بن عبد الله باجسير]

فهرس الكتاب

- ‌الفصل الخامسالقواعد المتعلقة بتحقيق توحيد العبادة وأدلته

- ‌المبحث الأولقاعدة تحقيق التوحيد يتضمن تحقيق أصله وكماله الواجب وكماله المستحب وبحسبها يتفاضل المؤمنون

- ‌ المسألة الأولى * معاني مفردات القاعدة

- ‌معنى التحقيق:

- ‌ المسألة الثانية * معنى القاعدة

- ‌ المسألة الثالثة * أدلة القاعدة

- ‌ المسألة الرابعة * أقوال أهل العلم في تقرير معنى القاعدة

- ‌ المسألة الخامسة * فوائد القاعدة وتطبيقاتها

- ‌المبحث الثانيقاعدة توحيد الربوبية هو أصل توحيد الإلهية ودليله الأكبر

- ‌ المسألة الأولى * شرح معاني مفردات القاعدة

- ‌ المسألة الثانية * بيان معنى القاعدة

- ‌ المسألة الثالثة * أدلة القاعدة

- ‌ المسألة الرابعة * أقوال أهل العلم في تقرير معنى القاعدة

- ‌ المسألة الخامسة * فوائد القاعدة وتطبيقاتها

- ‌الفصل السادسالقواعد المتعلقة برد البدع

- ‌المبحث الأولقاعدة العبادات توقيفية

- ‌ المسألة الأولى * شرح ألفاظ القاعدة

- ‌ المسألة الثانية * معنى القاعدة

- ‌ المسألة الثالثة * أدلة القاعدة

- ‌ المسألة الرابعة* أقوال أهل العلم في تقرير معنى القاعدة

- ‌ المسألة الخامسة* فوائد القاعدة وتطبيقاتها

- ‌المبحث الثانيقاعدة اعتبار ما صدر عن النبي صلى الله عليه وسلم عبادة موقوف على قصده التعبد

- ‌ المسألة الأولى* معنى القاعدة

- ‌ المسألة الثانية* أدلة القاعدة

- ‌ المسألة الثالثة * أقوال أهل العلم في تقرير معنى القاعدة

- ‌ المسألة الرابعة * فوائد القاعدة وتطبيقاتها

- ‌المبحث الثالثقاعدة الوسائل لها أحكام المقاصد

- ‌‌‌ المسألة الأولى * شرح ألفاظ القاعدة

- ‌ المسألة الأولى * شرح ألفاظ القاعدة

- ‌معنى الوسائل والمقاصد اصطلاحًا:

- ‌ المسألة الثانية * معنى القاعدة

- ‌ المسألة الثالثة * أدلة القاعدة

- ‌ المسألة الرابعة * أقوال أهل العلم في اعتماد معنى القاعدة

- ‌ المسألة الخامسة * فوائد القاعدة وتطبيقاتها

- ‌الباب الثانيالقواعد المتعلقة بما يضاد توحيد العبادة

- ‌الفصل الأولالقواعد المتعلقة بتعريف الشرك وحقيقته

- ‌المبحث الأولقاعدة التشبيه هو أصل عبادة الأوثان عند أكثر المشركين

- ‌ المسألة الأولى * شرح ألفاظ القاعدة

- ‌معنى التشبيه لغة واصطلاحًا:

- ‌ المسألة الثانية * معنى القاعدة

- ‌ المسألة الثالثة * أدلة القاعدة

- ‌ المسألة الرابعة * أقوال أهل العلم في تقرير معنى القاعدة

- ‌ المسألة الخامسة * فوائد القاعدة وتطبيقاتها

- ‌المبحث الثانيقاعدة الشرك هو التسوية بين الله وغيره في شيء من خصائصه وحقه

- ‌ المسألة الأولى * شرح ألفاظ القاعدة

- ‌أولًا: معنى الشرك لغة:

- ‌ثانيًا: معنى التسوية:

- ‌ المسألة الثانية * معنى القاعدة

- ‌ المسألة الثالثة * أدلة القاعدة

- ‌ المسألة الرابعة * أقوال أهل العلم في تقرير معنى القاعدة

- ‌ المسألة الخامسة * فوائد القاعدة وتطبيقاتها

- ‌المبحث الثالثقاعدة الخوف الشركي أن يخاف العبد من غير الله أن يصيبه مكروه بمشيئته وقدرته وإن لم يباشره

- ‌ المسألة الأولى * شرح ألفاظ القاعدة

- ‌معنى الخوف وأنواعه:

- ‌ المسألة الثانية * معنى القاعدة

- ‌ المسألة الثالثة * أدلة القاعدة

- ‌ المسألة الرابعة * أقوال أهل العلم في تقرير معنى القاعدة

- ‌ المسألة الخامسة * فوائد القاعدة وتطبيقاتها

- ‌المبحث الرابعقاعدة السؤال والطلب من غير الله فيما لا يقدر عليه إلا الله شرك

- ‌ المسألة الأولى * شرح ألفاظ القاعدة

- ‌بيان معنى السؤال والطلب:

- ‌ المسألة الثانية * معنى القاعدة

- ‌ المسألة الثالثة * أدلة القاعدة

- ‌ المسألة الرابعة * أقوال أهل العلم في تقرير معنى القاعدة

- ‌ المسألة الخامسة * فوائد القاعدة وتطبيقاتها

- ‌المبحث الخامسقاعدة الاعتقاد في الأسباب بذاتها شرك في الربوبية والألوهية

- ‌ المسألة الأولى * شرح ألفاظ القاعدة

- ‌معنى الأسباب:

- ‌ المسألة الثانية * معنى القاعدة

- ‌ المسألة الثالثة * أدلة القاعدة

- ‌ المسألة الرابعة * أقوال أهل العلم في تقرير معنى القاعدة

- ‌ المسألة الخامسة * فوائد القاعدة وتطبيقاتها

- ‌المبحث السادسقاعدة الشفاعة ملك لله تعالى وطلبها ورجاؤها من غير الله أو بغير إذن شرك

- ‌ المسألة الأولى * معنى الشفاعة لغة وشرعًا

- ‌ المسألة الثانية * بيان معنى القاعدة

- ‌ المسألة الثالثة * أدلة القاعدة

- ‌ المسألة الرابعة * أقوال أهل العلم في تقرير معنى القاعدة

- ‌ المسألة الخامسة * فوائد القاعدة وتطبيقاتها

- ‌المبحث السابعقاعدة كل ما ورد في القرآن من الأمر بالدعاء والنهي عن دعاء غير الله يتناول دعاء المسألة ودعاء العبادة

- ‌ المسألة الأولى* شرح ألفاظ القاعدة

- ‌بيان معنى الدعاء وأقسامه:

- ‌ المسألة الثانية * معنى القاعدة

- ‌ المسألة الثالثة * أدلة القاعدة

- ‌ المسألة الرابعة * أقوال أهل العلم في تقرير معنى القاعدة

- ‌ المسألة الخامسة * فوائد القاعدة وتطبيقاتها

- ‌الفصل الثانيالقواعد المتعلقة بقبح الشرك وأنواعه

- ‌المبحث الاولقاعدة الشرك هضم لعظمة الربوبية وتنقص لحق الإلهية وسوء ظن برب العالمين

- ‌ المسألة الأولى * شرح بعض ألفاظ القاعدة

- ‌معنى الهضم والتنقص:

- ‌معنى سوء الظن:

- ‌ المسألة الثانية * معنى القاعدة

- ‌ المسألة الثالثة * أدلة القاعدة

- ‌ المسألة الرابعة * أقوال أهل العلم في تقرير معنى القاعدة

- ‌ المسألة الخامسة * فوائد القاعدة وتطبيقاتها

- ‌المبحث الثانيقاعدة قبح الشرك مستقر في العقول والفطر والسمع نبه العقول وأرشدها إلى معرفة ما أودع فيها من قبح ذلك

- ‌ المسألة الأولى * معنى القاعدة

- ‌ المسألة الثانية * أدلة القاعدة

- ‌ المسألة الثالثة * أقوال أهل العلم في تقرير معنى القاعدة

- ‌ المسألة الرابعة * فوائد القاعدة وتطبيقاتها

- ‌المبحث الثالثقاعدة الشرك الأصغر كل وسيلة وذريعة يتطرق منها إلى الشرك الأكبر من الإرادات والأقوال والأفعال التي لم تبلغ رتبة العبادة

- ‌ المسألة الأولى * معنى القاعدة

- ‌ المسألة الثانية* أدلة القاعدة

- ‌ المسألة الثالثة* أقوال أهل العلم في تقرير معنى القاعدة

- ‌ المسألة الرابعة* فوائد القاعدة وتطبيقاتها

- ‌الفصل الثالثالقواعد المتعلقة بوسائل الشرك وأسبابه

- ‌المبحث الأولقاعدة سد الذرائع المفضية إلى الشرك من المقاصد الشرعية

- ‌ المسألة الأولى* شرح مفردات القاعدة

- ‌معنى سد الذرائع:

- ‌ المسألة الثانية * معنى القاعدة

- ‌ المسألة الثالثة* أدلة القاعدة

- ‌ المسألة الرابعة* أقوال أهل العلم في تقرير معنى القاعدة

- ‌ المسألة الخامسة* فوائد القاعدة وتطبيقاتها

- ‌المبحث الثانيقاعدة الحقائق لا تتغير بتغير المسميات

- ‌ المسألة الأولى* شرح ألفاظ القاعدة

- ‌ المسألة الثانية * معنى القاعدة

- ‌ المسألة الثالثة * أدلة القاعدة

- ‌ المسألة الرابعة * أقوال أهل العلم في تقرير معنى القاعدة

- ‌ المسألة الخامسة * فوائد القاعدة وتطبيقاتها

- ‌المبحث الثالثقاعدة تعظيم شعائر الله هو تعظيم لله وعبادة له، فهو تابع لتعظيم الله وإجلاله

- ‌ المسألة الأولى * شرح مفردات القاعدة

- ‌أولًا: معنى التعظيم:

- ‌ثانيًا: معنى شعائر الله:

- ‌ المسألة الثانية * بيان معنى القاعدة

- ‌ المسألة الثالثة * أدلة القاعدة

- ‌ المسألة الرابعة * أقوال أهل العلم في تقرير معنى القاعدة

- ‌ المسألة الخامسة * فوائد القاعدة وتطبيقاتها

- ‌الفصل الرابعالقواعد المتعلقة بإبطال الشرك وحقيقة المشركين

- ‌المبحث الأولقاعدة المشركون ما قصدوا من معبوداتهم إلا القربة والشفاعة ويقولون نريد من الله عز وجل لا منهم لكن بشفاعتهم والتقرب إلى الله بهم

- ‌ المسألة الأولى * بيان معنى القاعدة

- ‌ المسألة الثانية * أدلة القاعدة

- ‌ المسألة الثالثة * أقوال أهل العلم في تقرير معنى القاعدة

- ‌ المسألة الرابعة * فوائد القاعدة وتطبيقاتها

- ‌المبحث الثانيقاعدة الأصنام الجمادية لم تعبد لذاتها وإنما وضعت في الأصل لما كان غائبًا من معبودات المشركين

- ‌ المسألة الأولى* بيان معنى القاعدة

- ‌ المسألة الثانية* أدلة القاعدة

- ‌ المسألة الثالثة * أقوال أهل العلم في تقرير معنى القاعدة

- ‌ المسألة الرابعة* فوائد القاعدة وتطبيقاتها

- ‌المبحث الثالثقاعدة المشركون الأولون يشركون في الرخاء ويخلصون في الشدة ومشركو زماننا شركهم دائم في الشدة والرخاء

- ‌ المسألة الأولى * بيان معنى القاعدة

- ‌ المسألة الثانية * أدلة القاعدة

- ‌ المسألة الثالثة* أقوال أهل العلم في اعتماد معنى القاعدة

- ‌ المسألة الرابعة * فوائد القاعدة وتطبيقاتها

- ‌المبحث الرابعقاعدة دين الحنفاء ليس فيه واسطة بين الله وخلقه في الربوبية والألوهية، والرسل وسائط في التبليغ والدلالة

- ‌ المسألة الأولى* بيان معاني مفردات القاعدة

- ‌معنى الواسطة لغة واصطلاحًا:

- ‌ المسألة الثانية* معنى القاعدة

- ‌ المسألة الثالثة * أدلة القاعدة

- ‌الأول: الأدلة الدالة على الواسطة المثبتة الشرعية الإيمانية:

- ‌القسم الثاني: الأدلة الدالة على الواسطة المنفية غير الشرعية:

- ‌ المسألة الرابعة * أقوال العلماء في اعتماد القاعدة

- ‌ المسألة الخامسة* فوائد القاعدة وتطبيقاتها

- ‌الخاتمة

- ‌فهرس المصادر والمراجع

الفصل: ‌ المسألة الثالثة * أدلة القاعدة

ويدخل في ذلك الخوف من الأصنام، والأوثان، والجن، والشياطين، والسحرة، والمشعوذين، والكهنة، والعرافين، والمنجمين، والاعتقاد بقدرتهم ومشيئتهم في جلب المصالح ودفع المضار.

ثم يلزم من هذا الاعتقاد أن تقترن بالخائف أمور هي من أعظم أحوال العبادات القلبية؛ من الرجاء، والمحبة، والتعظيم، والمهابة، والخضوع، والذل، والرغبة، والرهبة، وغير ذلك. وبهذه الأحوال القلبية من الخائف يكون قد جمع بين شرك الربوبية وشرك الإلهية؛ فإن مما لا يخفى أن الشرك في الإلهية هو نتاج وثمرة الإشراك أو التقصير في حق الربوبية، وإلا فإن من وحَّد الله في الربوبية التوحيد الكامل لا يتصور، بل ولا يقع منه الإشراك في الإلهية

(1)

.

*‌

‌ المسألة الثالثة * أدلة القاعدة

لقد اعتمد أهل العلم في تقرير معنى هذه القاعدة على أدلة عديدة، أذكر فيما يأتي بعضًا منها، فمن ذلك:

أولًا: ما تواترت به النصوص الشرعية مما حكاه الرب تبارك وتعالى من تخويف المشركين لأنبيائه ورسله وأتباعهم بمعبوداتهم من الأصنام والأوثان، وهذا يدل على أن هذا الخوف الشركي كان مستقرًا في نفوسهم، وقد أشربته قلوبهم، وهو إيصال هذه الأصنام للأذى بتمام قدرتها على ذلك، واستقلال مشيئتها، ومن أجل هذا الخوف كفرهم الله تعالى، ومن تلك النصوص ما يلي:

1 -

قوله سبحانه: {أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ

(1)

انظر: قاعدة: أنواع التوحيد وأضدادها متلازمة (ص 417) لا ينفك أحدها عن الآخر (ص 382).

ص: 795

دُونِهِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ (36)} [الزمر: 36].

فقد ذكر سبحانه في هذه الآية الكريمة أن الكفار عبدة الأوثان يخوفون النبي صلى الله عليه وسلم، ويتوعدونه بأصنامهم وآلهتهم التي يدعونها من دون الله جهلاً منهم وضلالًا، ويقولون له: إنها ستضره وتخبله، وهذه عادة عبدة الأوثان يخوفون الرسل بالأوثان

(1)

، ويزعمون أنها ستضرهم، وتصل إليهم بالسوء، ومعلوم أن الأنبياء عليهم السلام لا يخافون غير الله، ولا سيما الأوثان التي لا تسمع ولا تبصر ولا تضر ولا تنفع

(2)

.

يقول الشيخ الشنقيطي: "وهذه عادة عبدة الأوثان لعنهم الله يخوفون الرسل بالأوثان، ويزعمون أنها ستضرهم وتصل إليهم بالسوء، ومعلوم أن أنبياء الله -عليهم صلوات الله وسلامه- لا يخافون غير الله، ولا سيما الأوثان التي لا تسمع ولا تبصر ولا تضر ولا تنفع"

(3)

.

2 -

وقال تعالى عن نبيه إبراهيم عليه السلام لما خوَّفوه بها: {وَحَاجَّهُ قَوْمُهُ قَالَ أَتُحَاجُّونِّي فِي اللَّهِ وَقَدْ هَدَانِ وَلَا أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبِّي شَيْئًا وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ (80) وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلَا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (81)} [الأنعام: 80، 81].

والمعنى؛ أي: لا يقع بي مخوف من جهة آلهتكم أبدًا إلا أن يشاء ربي شيئًا، فينفذ ما شاءه، وما شاءه هو منه سبحانه وليس من معبوداتكم الباطلة التي لا تملك شيئًا

(4)

.

فبين لهم عليه السلام أن ما يصيبه من المكروه والأذى فليس ذلك من قبل

(1)

انظر: صحيح البخاري (4/ 1810).

(2)

انظر: تفسير ابن كثير (4/ 55)، وأضواء البيان (6/ 364).

(3)

أضواء البيان (6/ 364).

(4)

انظر: إعلام الموقعين (4/ 77)، وإغاثة اللهفان (2/ 254).

ص: 796

هذه الأصنام التي يعبدونها من دون الله، وهي أقل شأنًا وأحقر منزلة من ذلك؛ فإنها ليست مما يرجى ويخاف، بل يكون ذلك الذي أصابني من قبل الحي الفعال الذي يفعل ما يشاء، الذي بيده الضر والنفع، يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد

(1)

.

يقول الإمام الشوكاني في قول إبراهيم عليه السلام لقومه: {وَلَا أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ} : "قال هذا لما خوفوه من آلهتهم بأنها ستغضب عليه، وتصيبه بمكروه؛ أي: إني لا أخاف ما هو مخلوق من مخلوقات الله لا يضر ولا ينفع، {إِلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبِّي شَيْئًا}؛ أي: إلا وقت مشيئة ربي بأن يلحقني شيئًا من الضرر بذنب عملته، فالأمر إليه، وذلك منه لا من معبوداتكم الباطلة التي لا تضر ولا تنفع، ثم قال لهم مكملًا للحجة عليهيم، دافعًا لما خوفوه به: {وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلَا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا}؛ أي: كيف أخاف ما لا يضر، ولا ينفع، ولا يخلق، ولا يرزق، والحال أنكم لا تخافون ما صدر منكم من الشرك بالله، وهو الضار النافع، الخالق الرازق"

(2)

.

وذلك لأن الخوف إنما يحصل ممن يقدر على النفع والضر، والعطاء والمنع، بقدرته ومشيئته، وهذا هو الخوف الذي وقع فيه أهل الشرك مع معبوداتهم

(3)

.

3 -

وقوله تعالى عن نبيه هود وما ذكره له قومه من ذلك: {إِنْ نَقُولُ إِلَّا اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوءٍ قَالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ (54)} [هود: 54].

يقول الإمام ابن تيمية: "وهؤلاء الذين يعتقدون أن القبور تنفعهم

(1)

انظر: الصواعق المرسلة (2/ 487)، والبداية والنهاية (1/ 143)، وإيثار الحق على الخلق، لابن الوزير (ص 62 - 63).

(2)

انظر: فتح القدير (2/ 134).

(3)

انظر: التفسير الكبير (13/ 48).

ص: 797

وتدفع البلاء عنهم قد اتخذوها أوثانًا من دون الله، وصاروا يظنون فيها ما يظنه أهل الأوثان في أوثانهم، فإنهم كانوا يرجونها، ويخافونها، ويظنون أنها تنفع وتضر؛ ولهذا قالوا لهود عليه السلام:{إِنْ نَقُولُ إِلَّا اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوءٍ} فقال هود: {إِنْ نَقُولُ إِلَّا اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوءٍ قَالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ (54) مِنْ دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعًا} إلى قوله: {إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (56)} [هود: 54 - 56] "

(1)

.

فظهر مما سبق من أدلة: حقيقة الخوف الذي أشرك به المشركون، وخوفوا به أنبياء الله ورسله، وهو الخوف الغيبي من الأصنام والأوثان التي كانوا يعبدونها ويعتقدون فيها القدرة التامة، والمشيئة النافذة.

يقول الشيخ محمد الأمين الشنقيطي: "ومعلوم أن الخوف من تلك الأصنام من أشنع أنواع الكفر والإشراك بالله"

(2)

.

ثانيًا: النصوص الدالة على أن الخوف عبادة خاصة بالله تعالى، ولا يجوز صرفه لغيره سبحانه وتعالى، وأنه من لوازم الإيمان، فعلى قدر إيمان العبد الذي في قلبه يكون خوفه من ربه تبارك وتعالى، وإذا انعدم الخوف بالكلية من القلب، تبعه الإيمان فلا يكون في القلب إيمان، فهما متلازمان، ومن تلك النصوص ما يلي:

1 -

قوله تعالى: {إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (175)} [آل عمران: 175].

نهى الله تعالى في هذه الآية عن خوف غيره، وأمر بالخوف منه وحده، وهذا الأمر بالخوف منه وحده يدل على أن الخوف عبادة لله تعالى، ويجب أن لا يصرف إلا إليه سبحانه، بل جعله سبحانه من لوازم الإيمان ومقتضياته، وأما الخوف المحرم الممنوع فهو كما سبق على ضربين؛ أقله ما صرفك عن الطاعة وحملك على المعصية، وأكبره

(1)

الرد على الأخنائي (ص 56).

(2)

أضواء البيان (6/ 364).

ص: 798

وأعظمه يخرج من الدين بالكلية، ولا يبقى معه إيمان في القلب، وهو الذي يتضمن اعتقاد الخائف في المخوف بأن له القدرة التامة، والمشيئة النافذة؛ سواء عن طريق الاستقلال، أو عن طريق الكرامة لهم من الله لمكانتهم وقربهم منه سبحانه، والآية الكريمة نصت على أن هذا الخوف من لوازم الإيمان ومقتضياته.

قال البيضاوي: "فإن الإيمان يقتضي إيثار خوف الله تعالى على خوف الناس"

(1)

.

ويقول الإمام ابن القيم: "وقد أمر سبحانه بالخوف منه في قوله: {فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (175)} ، فجعل الخوف منه شرطًا في تحقيق الإيمان، وإن كان الشرط داخلًا في الصيغة على الإيمان فهو المشروط في المعنى، والخوف شرط في حصوله وتحققه؛ وذلك لأن الإيمان سبب الخوف الحاصل عليه، وحصول المُسَبَّب شرط في تحقيق السبب، كما أن حصول السبب مُوْجِب لحصول مُسَبَّبِهِ، فانتفاء الإيمان عند انتفاء الخوف انتفاء للمَشْرُوط عند انتفاء شرطه، وانتفاء الخوف عن انتفاء الإيمان انتفاء للمعلول عند انتفاء عِلَّتِهِ فتدبره، والمعنى إن كنتم مؤمنين فخافوني

فأداة الشرط قد دخلت على السبب المقتضي للخوف وهو الإيمان، وكل منهما مستلزم للآخر، لكن الاستلزام مختلف، وكل منهم منتف عند انتفاء الآخر، لكن جهة الانتفاء مختلفة كما تقدم، والمقصود أن الخوف من لوازم الإيمان وموجباته فلا يختلف عنه"

(2)

.

وقال أيضًا: "فكلما قوي إيمان العبد زال من قلبه خوف أولياء الشيطان، وكلما ضعف إيمانه قوي خوفه منهم"

(3)

.

(1)

تفسير البيضاوي (2/ 118).

(2)

طريق الهجرتين (ص 422 - 423).

(3)

إغاثة اللهفان (1/ 110).

ص: 799