الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
*
المسألة الرابعة * أقوال أهل العلم في تقرير معنى القاعدة
لقد أوضح أهل العلم معنى القاعدة، وبينوا أنواع السؤال، كما سبق بيانه، وفيما يأتي أذكر بعض أقوالهم في تقرير معنى القاعدة:
يقول الإمام ابن تيمية: "وتفصيل القول أن مطلوب العبد إن كان من الأمور التي لا يقدر عليها إلا الله تعالى مثل أن يطلب شفاء مريضه من الآدميين والبهائم، أو وفاء دينه من غير جهة معينة، أو عافية أهله، وما به من بلاء الدنيا والآخرة، وانتصاره على عدوه، وهداية قلبه، وغفران ذنبه، أو دخوله الجنة، أو نجاته من النار، أو أن يتعلم العلم والقرآن، أو أن يصلح قلبه، ويحسن خلقه، ويزكي نفسه، وأمثال ذلك، فهذه الأمور كلها لا يجوز أن تطلب إلا من الله تعالى، ولا يجوز أن يقول لملك، ولا نبي، ولا شيخ، سواء كان حيًّا أو ميتًا: اغفر ذنبي، ولا انصرني على عدوي، ولا اشف مريضي، ولا عافني، أو عاف أهلي، أو دابتي، وما أشبه ذلك، ومن سأل ذلك مخلوقًا كائنًا من كان فهو مشرك بربه، من جنس المشركين الذين يعبدون الملائكة والأنبياء والتماثيل التي يصورونها على صورهم، ومن جنس دعاء النصارى للمسيح وأمه"
(1)
.
ويقول رحمه الله أيضًا في تقسيمه لحالات السؤال والطلب من أهل القبور: "وأما من يأتي إلى قبر نبي، أو صالح، أو من يعتقد فيه أنه قبر نبي، أو رجل صالح وليس كذلك، ويسأله، ويستنجده، فهذا على ثلاث درجات:
إحداها: أن يسأله حاجته؛ مثل أن يسأله أن يزيل مرضه، أو مرض
(1)
مجموع الفتاوى (27/ 67 - 68).
دوابه، أو يقضي دينه، أو ينتقم له من عدوه، أو يعافي نفسه وأهله ودوابه، ونحو ذلك مما لا يقدر عليه إلا الله عز وجل، فهذا شرك صريح يجب أن يستتاب صاحبه فإن تاب وإلا قتل"
(1)
.
ويقول الإمام محمد بن عبد الوهاب: "فمن دعا غير الله طالبًا منه ما لا يقدر عليه إلا الله من جلب نفع، أو دفع ضر فقد أشرك في عبادة الله"
(2)
.
ويذكر الشيخ سليمان آل الشيخ جملة من الأمور الشركية، ومن ضمنها دعاء غيره سبحانه فيقول:"ومنها الدعاء فيما لا يقدر عليه إلا الله؛ سواء كان طلبًا للشفاعة، أو غيرها من المطالب، قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ (13) إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ (14)} [فاطر: 13، 14] "
(3)
.
ويقول أيضًا مقررًا لحكم القاعدة: "أن دعاء الميت، والغائب، والحاضر فيما لا يقدر عليه إلا الله، والاستغاثة بغير الله في كشف الضر أو تحويله هو الشرك الأكبر، بل هو أكبر أنواع الشرك؛ لأن الدعاء مخ العبادة"
(4)
.
ويقول الشيخ عبد اللطيف آل الشيخ: "وسؤال العباد والاستعانة بهم فيما لا يقدر عليه إلا الله شرك جلي، ولو قال: يا ولي الله اشفع لي فإن نفس السؤال محرم، وطلب الشفاعة منهم يشبه قول النصارى: يا والدة الله اشفعي لنا إلى الابن والإله"
(5)
.
(1)
المصدر نفسه (27/ 72).
(2)
درر السنية في الأجوبة النجدية (2/ 19).
(3)
تيسير العزيز الحميد (ص 32).
(4)
المصدر نفسه (ص 193)، وانظر:(ص 171)، و (ص 195).
(5)
البراهين الإسلامية في رد الشبهة الفارسية، للشيخ عبد اللطيف آل الشيخ (ص 116).
ويقول أيضًا: "ويقال: كتاب الله، وسُنّة رسوله، وأقوال أهل العلم صريحة متوافرة متظاهرة على تكفير من دعا غير الله، وناداه بما لا يقدر عليه إلا الله"
(1)
.
وجاء فيما أفتى به علماء مكة ونجد فيما اتفقوا عليه من مسائل التوحيد: "وأنَّ أعتقادَ أنَّ لشيءٍ من الأشياءِ سُلطانًا على ما خرجَ من قدرةِ المخلوقينَ شركٌ أكبر. وأنَّ من عظَمَ غيرَ اللهِ مستعينًا به فيما لا يقدرُ عليه إلَّا الله، كالاستنصارِ في الحربِ بغير قوَّة الجيوشِ، والاستشفاءِ من الأمراضِ بغير الأدويةِ التي هَدانا اللهُ لها، والاستغاثةِ على السَّعادةِ الأُخروِيَّةِ أو الدُّنْيَويّةِ بغير الطُّرقِ والسُّنَنِ التي شَرَعَها اللهُ لَنا يُكونُ شِركًا أكبر"
(2)
.
ويقول الشيخ السهسواني: "أقول: إنما نكفر بالنداء الحقيقي الذي يطلب فيه من الأموات والجمادات ما لا يقدر عليه إلا الله"
(3)
.
ويقول رحمه الله أيضًا: "مراد المانعين للنداء ليس مطلق النداء، بل النداء الحقيقي الذي يقصد به من المنادَى ما لا يقدر عليه إلا الله من جلب النفع وكشف الضر، ولا مرية في أنه عبادة، وكونه عبادة وممنوعًا
(1)
تحفة الطالب والجليس في كشف شبه داود بن جرجيس (ص 39).
(2)
انظر: البيان بعنوان: (نداء عام من علماء بلد الله الحرام)، وقد نشر هذا الخطاب في جريدة (أم القرى) العدد الثامن والثلاثين عام (1344 هـ)، ثم أصدرته الجريدة في كتاب بعنوان:(البيان فيما اتفق عليه علماء مكة ونجد من عقائد التوحيد) في 4/ 3 / 1344 هـ، وقد ضُمَّ إلى النداء خطاب رئيس القضاء الشيخ ابن بُلَيْهِد، ثم نشرته رئاسة إدارة البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد عام (1398 هـ) وضمَّت إليه بيانًا من علماء مكة في ذكر بعض المسائل العقدية المتفق عليها بينهم، ثم نشره محققًا له: محمد بن عبد العزيز الأحمد، عام (1410 هـ)، نشرته دار الوطن بالرياض، [وانظر: مشاهير علماء نجد وغيرهم، للشيخ عبد الرحمن بن عبد اللطيف آل الشيخ (ص 36)، والدرر السنية في الأجوبة النجدية (1/ 224)].
(3)
صيانة الإنسان عن وسوسة الشيخ دحلان (ص 399).
لا يقتضي كون كل نداء ممنوعًا، حتى يلزم منه عدم جواز نداء الأحياء فيما يقدرون عليه"
(1)
.
ويقول الشيخ حافظ الحكمي مقررًا لمعنى القاعدة: "وسؤاله إياه
(2)
تلك الحاجة؛ من جلب خير، أو دفع ضر، أو رد غائب، أو شفاء مريض، أو نحو ذلك مما لا يقدر عليه إلا الله، معتقدًا أنه قادر على ذلك، هذا شرك في الربوبية؛ حيث اعتقد أنه متصرف مع الله تعالى في ملكوته"
(3)
.
ويقول الشيخ السعدي: "فالاستغاثة بغير الله فيما لا يقدر عليه إلا الله شرك"
(4)
.
ويربط الإمام ابن باز بين السؤال من غير الله ما لا يقدر عليه إلا هو، وبين اعتقاد علم الغيب وغيره من صفات الربوبية فيقول:"أما أن تطلب من الميت، أو الغائب، أو الجماد كالأصنام شفاء مريض، أو النصر على الأعداء، أو نحو ذلك، فهذا من الشرك الأكبر، وهكذا طلبك من الحي الحاضر ما لا يقدر عليه إلا الله سبحانه وتعالى يعتبر شركًا به سبحانه وتعالى؛ لأن دعاء الغائب بدون الآلات الحسية معناه اعتقاد أنه يعلم الغيب، أو أنه يسمع دعاءك وإن بعد، وهذا اعتقاد باطل يوجب كفر من اعتقده، يقول الله جل وعلا: {قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ} [النمل: 65]، أو تعتقد أن له سرًا يتصرف به في الكون، فيعطي من يشاء، ويمنع من يشاء، كما يعتقده بعض الجهلة في بعض من يسمونهم بالأولياء، وهذا شرك في الربوبية أعظم من شرك عباد الأوثان"
(5)
.
(1)
صيانة الإنسان عن وسوسة الشيخ دحلان (ص 367).
(2)
المقصود سؤال غير الله فيما لا يقدر عليه إلا هو سبحانه.
(3)
معارج القبول للشيخ حافظ الحكمي (2/ 475)، وانظر:(2/ 523).
(4)
القول السديد في مقاصد التوحيد (ص 47)، وانظر: القواعد الحسان في تفسير القرآن، قاعدة رقم (51).
(5)
مجموع فتاوى ومقالات متنوعة (13/ 330)، وانظر:(5/ 332).