المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ المسألة الأولى* معنى القاعدة - القواعد في توحيد العبادة - جـ ٢

[محمد بن عبد الله باجسير]

فهرس الكتاب

- ‌الفصل الخامسالقواعد المتعلقة بتحقيق توحيد العبادة وأدلته

- ‌المبحث الأولقاعدة تحقيق التوحيد يتضمن تحقيق أصله وكماله الواجب وكماله المستحب وبحسبها يتفاضل المؤمنون

- ‌ المسألة الأولى * معاني مفردات القاعدة

- ‌معنى التحقيق:

- ‌ المسألة الثانية * معنى القاعدة

- ‌ المسألة الثالثة * أدلة القاعدة

- ‌ المسألة الرابعة * أقوال أهل العلم في تقرير معنى القاعدة

- ‌ المسألة الخامسة * فوائد القاعدة وتطبيقاتها

- ‌المبحث الثانيقاعدة توحيد الربوبية هو أصل توحيد الإلهية ودليله الأكبر

- ‌ المسألة الأولى * شرح معاني مفردات القاعدة

- ‌ المسألة الثانية * بيان معنى القاعدة

- ‌ المسألة الثالثة * أدلة القاعدة

- ‌ المسألة الرابعة * أقوال أهل العلم في تقرير معنى القاعدة

- ‌ المسألة الخامسة * فوائد القاعدة وتطبيقاتها

- ‌الفصل السادسالقواعد المتعلقة برد البدع

- ‌المبحث الأولقاعدة العبادات توقيفية

- ‌ المسألة الأولى * شرح ألفاظ القاعدة

- ‌ المسألة الثانية * معنى القاعدة

- ‌ المسألة الثالثة * أدلة القاعدة

- ‌ المسألة الرابعة* أقوال أهل العلم في تقرير معنى القاعدة

- ‌ المسألة الخامسة* فوائد القاعدة وتطبيقاتها

- ‌المبحث الثانيقاعدة اعتبار ما صدر عن النبي صلى الله عليه وسلم عبادة موقوف على قصده التعبد

- ‌ المسألة الأولى* معنى القاعدة

- ‌ المسألة الثانية* أدلة القاعدة

- ‌ المسألة الثالثة * أقوال أهل العلم في تقرير معنى القاعدة

- ‌ المسألة الرابعة * فوائد القاعدة وتطبيقاتها

- ‌المبحث الثالثقاعدة الوسائل لها أحكام المقاصد

- ‌‌‌ المسألة الأولى * شرح ألفاظ القاعدة

- ‌ المسألة الأولى * شرح ألفاظ القاعدة

- ‌معنى الوسائل والمقاصد اصطلاحًا:

- ‌ المسألة الثانية * معنى القاعدة

- ‌ المسألة الثالثة * أدلة القاعدة

- ‌ المسألة الرابعة * أقوال أهل العلم في اعتماد معنى القاعدة

- ‌ المسألة الخامسة * فوائد القاعدة وتطبيقاتها

- ‌الباب الثانيالقواعد المتعلقة بما يضاد توحيد العبادة

- ‌الفصل الأولالقواعد المتعلقة بتعريف الشرك وحقيقته

- ‌المبحث الأولقاعدة التشبيه هو أصل عبادة الأوثان عند أكثر المشركين

- ‌ المسألة الأولى * شرح ألفاظ القاعدة

- ‌معنى التشبيه لغة واصطلاحًا:

- ‌ المسألة الثانية * معنى القاعدة

- ‌ المسألة الثالثة * أدلة القاعدة

- ‌ المسألة الرابعة * أقوال أهل العلم في تقرير معنى القاعدة

- ‌ المسألة الخامسة * فوائد القاعدة وتطبيقاتها

- ‌المبحث الثانيقاعدة الشرك هو التسوية بين الله وغيره في شيء من خصائصه وحقه

- ‌ المسألة الأولى * شرح ألفاظ القاعدة

- ‌أولًا: معنى الشرك لغة:

- ‌ثانيًا: معنى التسوية:

- ‌ المسألة الثانية * معنى القاعدة

- ‌ المسألة الثالثة * أدلة القاعدة

- ‌ المسألة الرابعة * أقوال أهل العلم في تقرير معنى القاعدة

- ‌ المسألة الخامسة * فوائد القاعدة وتطبيقاتها

- ‌المبحث الثالثقاعدة الخوف الشركي أن يخاف العبد من غير الله أن يصيبه مكروه بمشيئته وقدرته وإن لم يباشره

- ‌ المسألة الأولى * شرح ألفاظ القاعدة

- ‌معنى الخوف وأنواعه:

- ‌ المسألة الثانية * معنى القاعدة

- ‌ المسألة الثالثة * أدلة القاعدة

- ‌ المسألة الرابعة * أقوال أهل العلم في تقرير معنى القاعدة

- ‌ المسألة الخامسة * فوائد القاعدة وتطبيقاتها

- ‌المبحث الرابعقاعدة السؤال والطلب من غير الله فيما لا يقدر عليه إلا الله شرك

- ‌ المسألة الأولى * شرح ألفاظ القاعدة

- ‌بيان معنى السؤال والطلب:

- ‌ المسألة الثانية * معنى القاعدة

- ‌ المسألة الثالثة * أدلة القاعدة

- ‌ المسألة الرابعة * أقوال أهل العلم في تقرير معنى القاعدة

- ‌ المسألة الخامسة * فوائد القاعدة وتطبيقاتها

- ‌المبحث الخامسقاعدة الاعتقاد في الأسباب بذاتها شرك في الربوبية والألوهية

- ‌ المسألة الأولى * شرح ألفاظ القاعدة

- ‌معنى الأسباب:

- ‌ المسألة الثانية * معنى القاعدة

- ‌ المسألة الثالثة * أدلة القاعدة

- ‌ المسألة الرابعة * أقوال أهل العلم في تقرير معنى القاعدة

- ‌ المسألة الخامسة * فوائد القاعدة وتطبيقاتها

- ‌المبحث السادسقاعدة الشفاعة ملك لله تعالى وطلبها ورجاؤها من غير الله أو بغير إذن شرك

- ‌ المسألة الأولى * معنى الشفاعة لغة وشرعًا

- ‌ المسألة الثانية * بيان معنى القاعدة

- ‌ المسألة الثالثة * أدلة القاعدة

- ‌ المسألة الرابعة * أقوال أهل العلم في تقرير معنى القاعدة

- ‌ المسألة الخامسة * فوائد القاعدة وتطبيقاتها

- ‌المبحث السابعقاعدة كل ما ورد في القرآن من الأمر بالدعاء والنهي عن دعاء غير الله يتناول دعاء المسألة ودعاء العبادة

- ‌ المسألة الأولى* شرح ألفاظ القاعدة

- ‌بيان معنى الدعاء وأقسامه:

- ‌ المسألة الثانية * معنى القاعدة

- ‌ المسألة الثالثة * أدلة القاعدة

- ‌ المسألة الرابعة * أقوال أهل العلم في تقرير معنى القاعدة

- ‌ المسألة الخامسة * فوائد القاعدة وتطبيقاتها

- ‌الفصل الثانيالقواعد المتعلقة بقبح الشرك وأنواعه

- ‌المبحث الاولقاعدة الشرك هضم لعظمة الربوبية وتنقص لحق الإلهية وسوء ظن برب العالمين

- ‌ المسألة الأولى * شرح بعض ألفاظ القاعدة

- ‌معنى الهضم والتنقص:

- ‌معنى سوء الظن:

- ‌ المسألة الثانية * معنى القاعدة

- ‌ المسألة الثالثة * أدلة القاعدة

- ‌ المسألة الرابعة * أقوال أهل العلم في تقرير معنى القاعدة

- ‌ المسألة الخامسة * فوائد القاعدة وتطبيقاتها

- ‌المبحث الثانيقاعدة قبح الشرك مستقر في العقول والفطر والسمع نبه العقول وأرشدها إلى معرفة ما أودع فيها من قبح ذلك

- ‌ المسألة الأولى * معنى القاعدة

- ‌ المسألة الثانية * أدلة القاعدة

- ‌ المسألة الثالثة * أقوال أهل العلم في تقرير معنى القاعدة

- ‌ المسألة الرابعة * فوائد القاعدة وتطبيقاتها

- ‌المبحث الثالثقاعدة الشرك الأصغر كل وسيلة وذريعة يتطرق منها إلى الشرك الأكبر من الإرادات والأقوال والأفعال التي لم تبلغ رتبة العبادة

- ‌ المسألة الأولى * معنى القاعدة

- ‌ المسألة الثانية* أدلة القاعدة

- ‌ المسألة الثالثة* أقوال أهل العلم في تقرير معنى القاعدة

- ‌ المسألة الرابعة* فوائد القاعدة وتطبيقاتها

- ‌الفصل الثالثالقواعد المتعلقة بوسائل الشرك وأسبابه

- ‌المبحث الأولقاعدة سد الذرائع المفضية إلى الشرك من المقاصد الشرعية

- ‌ المسألة الأولى* شرح مفردات القاعدة

- ‌معنى سد الذرائع:

- ‌ المسألة الثانية * معنى القاعدة

- ‌ المسألة الثالثة* أدلة القاعدة

- ‌ المسألة الرابعة* أقوال أهل العلم في تقرير معنى القاعدة

- ‌ المسألة الخامسة* فوائد القاعدة وتطبيقاتها

- ‌المبحث الثانيقاعدة الحقائق لا تتغير بتغير المسميات

- ‌ المسألة الأولى* شرح ألفاظ القاعدة

- ‌ المسألة الثانية * معنى القاعدة

- ‌ المسألة الثالثة * أدلة القاعدة

- ‌ المسألة الرابعة * أقوال أهل العلم في تقرير معنى القاعدة

- ‌ المسألة الخامسة * فوائد القاعدة وتطبيقاتها

- ‌المبحث الثالثقاعدة تعظيم شعائر الله هو تعظيم لله وعبادة له، فهو تابع لتعظيم الله وإجلاله

- ‌ المسألة الأولى * شرح مفردات القاعدة

- ‌أولًا: معنى التعظيم:

- ‌ثانيًا: معنى شعائر الله:

- ‌ المسألة الثانية * بيان معنى القاعدة

- ‌ المسألة الثالثة * أدلة القاعدة

- ‌ المسألة الرابعة * أقوال أهل العلم في تقرير معنى القاعدة

- ‌ المسألة الخامسة * فوائد القاعدة وتطبيقاتها

- ‌الفصل الرابعالقواعد المتعلقة بإبطال الشرك وحقيقة المشركين

- ‌المبحث الأولقاعدة المشركون ما قصدوا من معبوداتهم إلا القربة والشفاعة ويقولون نريد من الله عز وجل لا منهم لكن بشفاعتهم والتقرب إلى الله بهم

- ‌ المسألة الأولى * بيان معنى القاعدة

- ‌ المسألة الثانية * أدلة القاعدة

- ‌ المسألة الثالثة * أقوال أهل العلم في تقرير معنى القاعدة

- ‌ المسألة الرابعة * فوائد القاعدة وتطبيقاتها

- ‌المبحث الثانيقاعدة الأصنام الجمادية لم تعبد لذاتها وإنما وضعت في الأصل لما كان غائبًا من معبودات المشركين

- ‌ المسألة الأولى* بيان معنى القاعدة

- ‌ المسألة الثانية* أدلة القاعدة

- ‌ المسألة الثالثة * أقوال أهل العلم في تقرير معنى القاعدة

- ‌ المسألة الرابعة* فوائد القاعدة وتطبيقاتها

- ‌المبحث الثالثقاعدة المشركون الأولون يشركون في الرخاء ويخلصون في الشدة ومشركو زماننا شركهم دائم في الشدة والرخاء

- ‌ المسألة الأولى * بيان معنى القاعدة

- ‌ المسألة الثانية * أدلة القاعدة

- ‌ المسألة الثالثة* أقوال أهل العلم في اعتماد معنى القاعدة

- ‌ المسألة الرابعة * فوائد القاعدة وتطبيقاتها

- ‌المبحث الرابعقاعدة دين الحنفاء ليس فيه واسطة بين الله وخلقه في الربوبية والألوهية، والرسل وسائط في التبليغ والدلالة

- ‌ المسألة الأولى* بيان معاني مفردات القاعدة

- ‌معنى الواسطة لغة واصطلاحًا:

- ‌ المسألة الثانية* معنى القاعدة

- ‌ المسألة الثالثة * أدلة القاعدة

- ‌الأول: الأدلة الدالة على الواسطة المثبتة الشرعية الإيمانية:

- ‌القسم الثاني: الأدلة الدالة على الواسطة المنفية غير الشرعية:

- ‌ المسألة الرابعة * أقوال العلماء في اعتماد القاعدة

- ‌ المسألة الخامسة* فوائد القاعدة وتطبيقاتها

- ‌الخاتمة

- ‌فهرس المصادر والمراجع

الفصل: ‌ المسألة الأولى* معنى القاعدة

‌المبحث الثاني

قاعدة اعتبار ما صدر عن النبي صلى الله عليه وسلم عبادة موقوف على قصده التعبد

وفيه مسائل:

*‌

‌ المسألة الأولى* معنى القاعدة

من المعلوم المستقر في العقول، ولا ينكره إلا من جهل أحوال النفوس البشرية، وما فطرت عليه من الطبائع الجبلية أن التأسي بافعال العظماء واتباعهم عليها من الأسرار العميقة المبثوثة في طباع البشر، لا يقدرون على الانفكاك عنه بوجه ولا بحال، لا سيما عند الاعتياد والتكرار، وخاصة إذا صادف محبة وميلًا إلى المتأسي به، ومتى وَجَدْتَ التأسي بمن هذا شأنه مفقودًا في بعض الناس فاعلم أنه إنما تُرِكَ لتأسٍ آخر أعظم في النفس من الأول

(1)

.

ومن أعظم هؤلاء العظماء المتبوعين الذين حظيت بهم البشرية عبر تأريخها الطويل هو رسول الإسلام محمد بن عبد الله بن عبد المطلب الهاشمي القرشي، الذي عظم الله قدره، وأعلى شأنه، وأوجب على

(1)

انظر: الموافقات للشاطبي (4/ 248 - 249).

ص: 704

الأمة اتباعه، وجعله خير أسوة، وأعظم قدوة، وأحسن مثال، وخير متبوع، بل جعل اتباعه والسير على منهاجه من أعظم الطاعات، وأفضل القرب، وأرجى الأعمال عند الملك الديَّان يوم يبعث الأبدان.

ولذا كان من أعظم خصائصه صلى الله عليه وسلم أن الله تعالى فرض طاعته واتباعه على العالم فرضًا مطلقًا، وأوجب على الناس كافة التأسي به قولًا واعتقادًا، وفعلًا وتركًا، بلا قيد فيه، ولا شرط، ولا استثناء، كما قال سبحانه:{وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [الحشر: 7]، وقوله تعالى:{قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} [آل عمران: 31]، وقوله سبحانه:{لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ} [الأحزاب: 21]، وقوله:{فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (158)} [الأعراف: 158]

(1)

.

ومع كل هذا الثناء والتمجيد، والتعظيم والإعزاز لم يخرج النبي صلى الله عليه وسلم عن حد الطبيعة البشرية، ولا عن حيز الجبلة الإنسانية التي فطره الله عليها، فهو كسائر البشر فيما يتعلق بهذه الأمور إلا ما ثبت بالنص اختصاصه بأشياء لا يشركه فيه غيره.

فهو عليه السلام كغيره في الخصائص البشرية؛ لكونه يأكل ويشرب، ويجوع ويعطش، وينام ويتعب، ويمشي ويسافر، ويركب الدابة، ويتزوج النساء، ويمرض ويموت، وغير ذلك مما هو من خصائص البشر التي لا ينفكون عنها بحال، ولا يستغنون منها.

وهنا يأتي التساؤل الهام على ضوء ما سبق من وجوب الاقتداء والتأسي بالنبي صلى الله عليه وسلم مطلقًا، وهل يشرع لنا التعبد بجميع أفعاله الصادرة

(1)

انظر: فيض القدير (1/ 548)، والخصائص الكبرى، للسيوطي (2/ 342)، نقلًا عن أبي نعيم.

ص: 705

منه؛ سواء كانت تعبدية أم جبلية وعادية، والتي فعلها صلى الله عليه وسلم بحكم الاتفاق بدون تقصد لقربة أو نية لتعبد؟.

وبمعنى آخر: متى يكون فعله صلى الله عليه وسلم عبادة شرعية، وتكون أمته من بعده متعبَّدة لله تعالى باتباعه والتأسي به فيها، ويترتب على ذلك الثواب والعقاب.

ولقد بذل العلماء -لا سيما علماء الأصول- جهدًا كبيرًا في بحث هذه المسألة واستقصاء أحوالها الشائكة مع كثرتها وتشابهها ضمن كلامهم على أفعال النبي صلى الله عليه وسلم عمومًا، فتكلموا على أنواعها، وأحوالها، وتقاسيمها، ولأجل توضيح المسألة أذكر لمحة سريعة مختصرة فيما يتعلق بأفعاله صلى الله عليه وسلم

(1)

، مع العلم أن بعضها ليس موضع اتفاق بين أهل العلم، بل وقع فيها الخلاف بينهم.

يقول الدكتور الأشقر ملخصًا أحوال أفعال النبي صلى الله عليه وسلم: "فعل

النبي صلى الله عليه وسلم: إما متعلق بغيره وهو الفعل المتعديّ، أو قاصر عليه. وفعله

القاصر عليه إما أن يصدر عنه لداعي الجبلة، أو اتباعًا للعادة، أو لتقديره فيه منفعة أو دفع مضرة، أو هو تابع للشرع. وفعله التابع للشرع إما معجز أو غير معجز. وفعله غير المعجز إما أن يفعله لأنه مطلوب منه خاصة وهي الخصائص النبوية، أو هو مشترك بيننا وبينه. والمشترك إما أن يعلم أنه متعلق بوحي معين، يفعله بغرض تبيين مجمل في ذلك الوحي أو مشكل وارد فيه، أو لمجرد امتثال الأمر الإلهي في ذلك الوحي، وإما أنه لا يعلم تعلقه بوحي معين، والذي لا يعلم تعلقه به إما أن يفعله مؤقتًا لانتظار الوحي، وإما أن يفعله على غير ذلك الوجه، وهو

(1)

لقد بحث علماء الأصول في كتبهم أفعاله صلى الله عليه وسلم وما يتعلق بها من المتابعة والتأسي والموافقة والمخالفة، وما يترتب عليها من أحكام من الوجوب والندب والإباحة؛ وذلك لكوننا متعبدين باتباعه صلى الله عليه وسلم والتأسي به في أفعاله.

ص: 706

الفعل المبتدأ المجرد"

(1)

.

وقال بعد ذلك في معنى هذه الأقسام: "إن الفعل الجبلي والعادي والدنيوي لا قدوة فيها، ولا تدل على أكثر من الإباحة، والفعل المعجز والخاص كذلك لا قدوة فيهما، لما فيهما من معنى الاختصاص به صلى الله عليه وسلم، والفعل البياني والامتثالي يقتدى بهما، والمؤقت لانتظار الوحي لا قدوة فيه إذا جاء الوحي بخلافه، والمجرد فيه تفصيل، يعلم في موضعه"

(2)

.

والقاعدة نصت على أن المرجع في اعتبار كون الفعل الصادر من النبي صلى الله عليه وسلم عبادة هو تضمنه لقصد التعبد، فما فعله النبي صلى الله عليه وسلم على وجه العبادة والتقرب إلى الله تعالى كان في حق الأمة كذلك، وما فعله بحكم الجبلة والعادة الدنيوية ولم يقصد به تعبدًا ولا تشريعًا للأمة فلا يدخل في حكم العبادة.

ويدخل في ذلك النية والقصد في صفة العبادة كذلك؛ فما فعله بقصد الوجوب كان فعله في حق أمته على أنه واجب، وما فعله بقصد الندب كان فعله على جهة الندب، وما تركه تعبدًا كان تركه في حق الأمة عبادة، وما تركه لحرمته تعين على الأمة تركه على اعتبار حرمته، وهكذا ما تركه كراهة وتنزهًا. وأما ما تركه جبلة وطبعًا فليس داخلًا في باب التأسي والمتابعة كما سبق بيانه.

والحاصل أن التعبد لله تعالى بمتابعة النبي صلى الله عليه وسلم والتأسي به في فعله وتركه موقوف على نيته وقصده عليه السلام من الفعل.

(1)

أفعال الرسول صلى الله عليه وسلم ودلالتها على الأحكام الشرعية، لمحمد سليمان الأشقر (1/ 216).

(2)

المرجع نفسه (1/ 216).

ص: 707