المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ المسألة الرابعة * أقوال أهل العلم في تقرير معنى القاعدة - القواعد في توحيد العبادة - جـ ٢

[محمد بن عبد الله باجسير]

فهرس الكتاب

- ‌الفصل الخامسالقواعد المتعلقة بتحقيق توحيد العبادة وأدلته

- ‌المبحث الأولقاعدة تحقيق التوحيد يتضمن تحقيق أصله وكماله الواجب وكماله المستحب وبحسبها يتفاضل المؤمنون

- ‌ المسألة الأولى * معاني مفردات القاعدة

- ‌معنى التحقيق:

- ‌ المسألة الثانية * معنى القاعدة

- ‌ المسألة الثالثة * أدلة القاعدة

- ‌ المسألة الرابعة * أقوال أهل العلم في تقرير معنى القاعدة

- ‌ المسألة الخامسة * فوائد القاعدة وتطبيقاتها

- ‌المبحث الثانيقاعدة توحيد الربوبية هو أصل توحيد الإلهية ودليله الأكبر

- ‌ المسألة الأولى * شرح معاني مفردات القاعدة

- ‌ المسألة الثانية * بيان معنى القاعدة

- ‌ المسألة الثالثة * أدلة القاعدة

- ‌ المسألة الرابعة * أقوال أهل العلم في تقرير معنى القاعدة

- ‌ المسألة الخامسة * فوائد القاعدة وتطبيقاتها

- ‌الفصل السادسالقواعد المتعلقة برد البدع

- ‌المبحث الأولقاعدة العبادات توقيفية

- ‌ المسألة الأولى * شرح ألفاظ القاعدة

- ‌ المسألة الثانية * معنى القاعدة

- ‌ المسألة الثالثة * أدلة القاعدة

- ‌ المسألة الرابعة* أقوال أهل العلم في تقرير معنى القاعدة

- ‌ المسألة الخامسة* فوائد القاعدة وتطبيقاتها

- ‌المبحث الثانيقاعدة اعتبار ما صدر عن النبي صلى الله عليه وسلم عبادة موقوف على قصده التعبد

- ‌ المسألة الأولى* معنى القاعدة

- ‌ المسألة الثانية* أدلة القاعدة

- ‌ المسألة الثالثة * أقوال أهل العلم في تقرير معنى القاعدة

- ‌ المسألة الرابعة * فوائد القاعدة وتطبيقاتها

- ‌المبحث الثالثقاعدة الوسائل لها أحكام المقاصد

- ‌‌‌ المسألة الأولى * شرح ألفاظ القاعدة

- ‌ المسألة الأولى * شرح ألفاظ القاعدة

- ‌معنى الوسائل والمقاصد اصطلاحًا:

- ‌ المسألة الثانية * معنى القاعدة

- ‌ المسألة الثالثة * أدلة القاعدة

- ‌ المسألة الرابعة * أقوال أهل العلم في اعتماد معنى القاعدة

- ‌ المسألة الخامسة * فوائد القاعدة وتطبيقاتها

- ‌الباب الثانيالقواعد المتعلقة بما يضاد توحيد العبادة

- ‌الفصل الأولالقواعد المتعلقة بتعريف الشرك وحقيقته

- ‌المبحث الأولقاعدة التشبيه هو أصل عبادة الأوثان عند أكثر المشركين

- ‌ المسألة الأولى * شرح ألفاظ القاعدة

- ‌معنى التشبيه لغة واصطلاحًا:

- ‌ المسألة الثانية * معنى القاعدة

- ‌ المسألة الثالثة * أدلة القاعدة

- ‌ المسألة الرابعة * أقوال أهل العلم في تقرير معنى القاعدة

- ‌ المسألة الخامسة * فوائد القاعدة وتطبيقاتها

- ‌المبحث الثانيقاعدة الشرك هو التسوية بين الله وغيره في شيء من خصائصه وحقه

- ‌ المسألة الأولى * شرح ألفاظ القاعدة

- ‌أولًا: معنى الشرك لغة:

- ‌ثانيًا: معنى التسوية:

- ‌ المسألة الثانية * معنى القاعدة

- ‌ المسألة الثالثة * أدلة القاعدة

- ‌ المسألة الرابعة * أقوال أهل العلم في تقرير معنى القاعدة

- ‌ المسألة الخامسة * فوائد القاعدة وتطبيقاتها

- ‌المبحث الثالثقاعدة الخوف الشركي أن يخاف العبد من غير الله أن يصيبه مكروه بمشيئته وقدرته وإن لم يباشره

- ‌ المسألة الأولى * شرح ألفاظ القاعدة

- ‌معنى الخوف وأنواعه:

- ‌ المسألة الثانية * معنى القاعدة

- ‌ المسألة الثالثة * أدلة القاعدة

- ‌ المسألة الرابعة * أقوال أهل العلم في تقرير معنى القاعدة

- ‌ المسألة الخامسة * فوائد القاعدة وتطبيقاتها

- ‌المبحث الرابعقاعدة السؤال والطلب من غير الله فيما لا يقدر عليه إلا الله شرك

- ‌ المسألة الأولى * شرح ألفاظ القاعدة

- ‌بيان معنى السؤال والطلب:

- ‌ المسألة الثانية * معنى القاعدة

- ‌ المسألة الثالثة * أدلة القاعدة

- ‌ المسألة الرابعة * أقوال أهل العلم في تقرير معنى القاعدة

- ‌ المسألة الخامسة * فوائد القاعدة وتطبيقاتها

- ‌المبحث الخامسقاعدة الاعتقاد في الأسباب بذاتها شرك في الربوبية والألوهية

- ‌ المسألة الأولى * شرح ألفاظ القاعدة

- ‌معنى الأسباب:

- ‌ المسألة الثانية * معنى القاعدة

- ‌ المسألة الثالثة * أدلة القاعدة

- ‌ المسألة الرابعة * أقوال أهل العلم في تقرير معنى القاعدة

- ‌ المسألة الخامسة * فوائد القاعدة وتطبيقاتها

- ‌المبحث السادسقاعدة الشفاعة ملك لله تعالى وطلبها ورجاؤها من غير الله أو بغير إذن شرك

- ‌ المسألة الأولى * معنى الشفاعة لغة وشرعًا

- ‌ المسألة الثانية * بيان معنى القاعدة

- ‌ المسألة الثالثة * أدلة القاعدة

- ‌ المسألة الرابعة * أقوال أهل العلم في تقرير معنى القاعدة

- ‌ المسألة الخامسة * فوائد القاعدة وتطبيقاتها

- ‌المبحث السابعقاعدة كل ما ورد في القرآن من الأمر بالدعاء والنهي عن دعاء غير الله يتناول دعاء المسألة ودعاء العبادة

- ‌ المسألة الأولى* شرح ألفاظ القاعدة

- ‌بيان معنى الدعاء وأقسامه:

- ‌ المسألة الثانية * معنى القاعدة

- ‌ المسألة الثالثة * أدلة القاعدة

- ‌ المسألة الرابعة * أقوال أهل العلم في تقرير معنى القاعدة

- ‌ المسألة الخامسة * فوائد القاعدة وتطبيقاتها

- ‌الفصل الثانيالقواعد المتعلقة بقبح الشرك وأنواعه

- ‌المبحث الاولقاعدة الشرك هضم لعظمة الربوبية وتنقص لحق الإلهية وسوء ظن برب العالمين

- ‌ المسألة الأولى * شرح بعض ألفاظ القاعدة

- ‌معنى الهضم والتنقص:

- ‌معنى سوء الظن:

- ‌ المسألة الثانية * معنى القاعدة

- ‌ المسألة الثالثة * أدلة القاعدة

- ‌ المسألة الرابعة * أقوال أهل العلم في تقرير معنى القاعدة

- ‌ المسألة الخامسة * فوائد القاعدة وتطبيقاتها

- ‌المبحث الثانيقاعدة قبح الشرك مستقر في العقول والفطر والسمع نبه العقول وأرشدها إلى معرفة ما أودع فيها من قبح ذلك

- ‌ المسألة الأولى * معنى القاعدة

- ‌ المسألة الثانية * أدلة القاعدة

- ‌ المسألة الثالثة * أقوال أهل العلم في تقرير معنى القاعدة

- ‌ المسألة الرابعة * فوائد القاعدة وتطبيقاتها

- ‌المبحث الثالثقاعدة الشرك الأصغر كل وسيلة وذريعة يتطرق منها إلى الشرك الأكبر من الإرادات والأقوال والأفعال التي لم تبلغ رتبة العبادة

- ‌ المسألة الأولى * معنى القاعدة

- ‌ المسألة الثانية* أدلة القاعدة

- ‌ المسألة الثالثة* أقوال أهل العلم في تقرير معنى القاعدة

- ‌ المسألة الرابعة* فوائد القاعدة وتطبيقاتها

- ‌الفصل الثالثالقواعد المتعلقة بوسائل الشرك وأسبابه

- ‌المبحث الأولقاعدة سد الذرائع المفضية إلى الشرك من المقاصد الشرعية

- ‌ المسألة الأولى* شرح مفردات القاعدة

- ‌معنى سد الذرائع:

- ‌ المسألة الثانية * معنى القاعدة

- ‌ المسألة الثالثة* أدلة القاعدة

- ‌ المسألة الرابعة* أقوال أهل العلم في تقرير معنى القاعدة

- ‌ المسألة الخامسة* فوائد القاعدة وتطبيقاتها

- ‌المبحث الثانيقاعدة الحقائق لا تتغير بتغير المسميات

- ‌ المسألة الأولى* شرح ألفاظ القاعدة

- ‌ المسألة الثانية * معنى القاعدة

- ‌ المسألة الثالثة * أدلة القاعدة

- ‌ المسألة الرابعة * أقوال أهل العلم في تقرير معنى القاعدة

- ‌ المسألة الخامسة * فوائد القاعدة وتطبيقاتها

- ‌المبحث الثالثقاعدة تعظيم شعائر الله هو تعظيم لله وعبادة له، فهو تابع لتعظيم الله وإجلاله

- ‌ المسألة الأولى * شرح مفردات القاعدة

- ‌أولًا: معنى التعظيم:

- ‌ثانيًا: معنى شعائر الله:

- ‌ المسألة الثانية * بيان معنى القاعدة

- ‌ المسألة الثالثة * أدلة القاعدة

- ‌ المسألة الرابعة * أقوال أهل العلم في تقرير معنى القاعدة

- ‌ المسألة الخامسة * فوائد القاعدة وتطبيقاتها

- ‌الفصل الرابعالقواعد المتعلقة بإبطال الشرك وحقيقة المشركين

- ‌المبحث الأولقاعدة المشركون ما قصدوا من معبوداتهم إلا القربة والشفاعة ويقولون نريد من الله عز وجل لا منهم لكن بشفاعتهم والتقرب إلى الله بهم

- ‌ المسألة الأولى * بيان معنى القاعدة

- ‌ المسألة الثانية * أدلة القاعدة

- ‌ المسألة الثالثة * أقوال أهل العلم في تقرير معنى القاعدة

- ‌ المسألة الرابعة * فوائد القاعدة وتطبيقاتها

- ‌المبحث الثانيقاعدة الأصنام الجمادية لم تعبد لذاتها وإنما وضعت في الأصل لما كان غائبًا من معبودات المشركين

- ‌ المسألة الأولى* بيان معنى القاعدة

- ‌ المسألة الثانية* أدلة القاعدة

- ‌ المسألة الثالثة * أقوال أهل العلم في تقرير معنى القاعدة

- ‌ المسألة الرابعة* فوائد القاعدة وتطبيقاتها

- ‌المبحث الثالثقاعدة المشركون الأولون يشركون في الرخاء ويخلصون في الشدة ومشركو زماننا شركهم دائم في الشدة والرخاء

- ‌ المسألة الأولى * بيان معنى القاعدة

- ‌ المسألة الثانية * أدلة القاعدة

- ‌ المسألة الثالثة* أقوال أهل العلم في اعتماد معنى القاعدة

- ‌ المسألة الرابعة * فوائد القاعدة وتطبيقاتها

- ‌المبحث الرابعقاعدة دين الحنفاء ليس فيه واسطة بين الله وخلقه في الربوبية والألوهية، والرسل وسائط في التبليغ والدلالة

- ‌ المسألة الأولى* بيان معاني مفردات القاعدة

- ‌معنى الواسطة لغة واصطلاحًا:

- ‌ المسألة الثانية* معنى القاعدة

- ‌ المسألة الثالثة * أدلة القاعدة

- ‌الأول: الأدلة الدالة على الواسطة المثبتة الشرعية الإيمانية:

- ‌القسم الثاني: الأدلة الدالة على الواسطة المنفية غير الشرعية:

- ‌ المسألة الرابعة * أقوال العلماء في اعتماد القاعدة

- ‌ المسألة الخامسة* فوائد القاعدة وتطبيقاتها

- ‌الخاتمة

- ‌فهرس المصادر والمراجع

الفصل: ‌ المسألة الرابعة * أقوال أهل العلم في تقرير معنى القاعدة

يوضحه: أن العباد مفطورون على العلم بربوبية الله تعالى قبل علمهم بألوهيته سبحانه وتعالى؛ لأن فقرهم وحاجتهم إلى الربوبية سابق لفقرهم واحتياجهم إليه تعالى في ألوهيته.

يقول الإمام ابن تيمية: "ولما كان علم النفوس بحاجتهم وفقرهم إلى الرب قبل علمهم بحاجتهم وفقرهم إلى الإله المعبود، وقصدهم لدفع حاجاتهم العاجلة قبل الآجلة، كان إقرارهم بالله من جهة ربوبيته أسبق من إقرارهم به من جهة ألوهيته، وكان الدعاء له، والاستعانة به، والتوكل عليه فيهم أكثر من العبادة له، والإنابة إليه"

(1)

.

*‌

‌ المسألة الرابعة * أقوال أهل العلم في تقرير معنى القاعدة

تضافرت أقوال أهل العلم في تقرير ما دلت عليه القاعدة من كون توحيد الربوبية هو الأصل والمقدمة والواسطة والأساس الذي يأتي بعده توحيد العبادة، وكون الأول هو الدليل الأكبر الباهر الذي يدل ويقود الخلق إلى إفراد الله تبارك وتعالى بخالص العبادة، والخضوع، والذل، والمحبة، وفيما يأتي أسوق ما وقفت عليه من تلكم الأقوال التي تؤيد هذا المعنى:

ومما قرره أهل العلم: أن عبادة الله النافعة مشروطة بتحصيل معرفة الله تعالى قبل العبادة؛ لأن من لا يعرف معبوده لا ينتفع بعبادته، فكان الأمر بعبادة الله أمرًا بتحصيل المعرفة أولًا، ونظيره قوله تعالى في أول سورة البقرة:{يَاأَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ} [البقرة: 21]، ثم أتبعه بالدلائل الدالة على وجود الصانع وهو قوله:{الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ} إنما حسن ذلك لأن الأمر بالعبادة يتضمن الأمر بتحصيل المعرفة

(1)

مجموع الفتاوى (14/ 14 - 15).

ص: 674

فلا جرم ذكر ما يدل على تحصيل المعرفة

(1)

.

يقول -الإمام المجدد- الشيخ محمد بن عبد الوهاب في معرض جوابه عن سؤال تضمن بيان سبب قلة تعريج الشيخ على موضوع الربوبية؛ مع أن موجب الإلهية هو الربوبية، كما تضمن طلب بيان حال من لا يرى أهمية الربوبية، ولا يعتبرها، ويتهاون بها فأجاب بقوله: "سرَّني ما ذكرت من الإشكال، وانصرافك إلى الفكرة في توحيد الربوبية، ولا يخفاك أن التفصيل يحتاج إلى أطول، ولكن ما لا يدرك كله، لا يترك كله، فأما توحيد الربوبية، فهو الأصل ولا يغلط في الإلهية إلا من لم يعطه حقه، كما قال تعالى، فيمن أقر بمسألة منه:{وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ (87)} [الزخرف: 87].

ومما يوضح لك الأمر: أن التوكل من نتائجه، والتوكل من أعلى مقامات الدين، ودرجات المؤمنين؛ وقد تصدر الإنابة والتوكل من عابد الوثن بسبب معرفته بالربوبية، كما قال تعالى:{وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيبًا إِلَيْهِ} [الزمر: 8]، وأما عبادته سبحانه بالإخلاص دائمًا، في الشدة والرخاء، فلا يعرفونها وهي نتيجة الإلهية، وكذلك الإيمان بالله واليوم الآخر، والإيمان بالكتب، والرسل وغير ذلك؛ وأما الصبر والرضا، والتسليم والتوكيل، والإنابة، والتفويض، والمحبة، والخوف، والرجاء، فمن نتائج توحيد الربوبية، وكذلك توحيد الالهية، هو: أشهر نتائج توحيد الربوبية"

(2)

.

فبيّن رحمه الله أن توحيد الربوبية هو الأصل، وأن الخلل الحاصل في توحيد العبادة، وصرف العبادة والتأله لغير الله عز وجل إنما هو بسبب خلل حاصل في توحيد الربوبية، وإلا فإذا سلم توحيد الربوبية من الخلل

(1)

انظر: التفسير الكبير للرازي (17/ 145).

(2)

الدرر السنية (2/ 63 - 65).

ص: 675

والضعف فإن توحيد الإلهية يكون من أعظم ثمراته، وأشهر نتائجه التي تحصل بسببه حتمًا ولا بد.

ويقول الألوسي في تفسيره لقوله تعالى: {وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَ مِنْ دُونِهِ إِلَهًا لَقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا (14)} [الكهف: 14]: "وابتدأوا بما يشير إلى توحيد الربوبية لأنه أول مراتب التوحيد والتوحيد الذي أقرت به الأرواح في عالم الذرويون

(1)

، قال لها سبحانه:(أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ)، وفي ذكر ذلك أولًا وذكر الآخر بعده تدرج في المخالفة؛ فإن توحيد الربوبية يشير إلى توحيد الألوهية بناء على أن اختصاص الربوبية به عز وجل علة لاختصاص الألوهية واستحقاق المعبودية به سبحانه وتعالى، وقد ألزم جل وعلا الوثنية القائلين باختصاص الربوبية بذلك في غير موضع، ولكون الجملة الأولى مشيرة إلى توحيد الألوهية قيل: إن في الجملة الثانية تأكيدًا لها، فتأمل ولا تعجل بالاعتراض"

(2)

.

ويعتبر الإمام ابن القيم دلالة توحيد الربوبية على توحيد العبادة من أعظم الأدلة وأصحها وأظهرها، لما فيها من موافقة العقول وتقبل الفطر، وكونه لم ينكره أحد من البشر إلا عنادًا واستكبارًا، فيقول:"فتوحيد الربوبية أعظم دليل على توحيد الالهية؛ ولذلك وقع الاحتجاج به في القرآن أكثر مما وقع بغيره؛ لصحة دلالته، وظهورها، وقبول العقول والفطر لها، ولاعتراف أهل الأرض بتوحيد الربوبية، وكذلك كان عباد الأصنام يقرون به وينكرون توحيد الإلهية"

(3)

.

(1)

قصده: وهم في عالم الذر، وهي الهيئة التي أخرج الله بها ذرية آدم حينما مسح ظهره، وقد جاء في الأثر عن ابن عباس، وابن مسعود: أن الله تعالى لما أخرج آدم من الجنة قبل أن يهبطه من السماء مسح صفحة ظهره اليمنى، فأخرج منها ذرية بيضاء مثل اللؤلؤ كهيئة الذر. [انظر: التمهيد لابن عبد البر (18/ 86)].

(2)

روح المعني (15/ 219).

(3)

طريق الهجرتين (80).

ص: 676

بل إن توحيد العبادة هو ثمرة ونتيجة لتوحيد الربوبية كما صرح بذلك الشيخ سليمان بن عبد الله آل الشيخ رحمه الله حيث يقول: "لأن فيها التبرؤ من الحول والقوة والمشيئة بدون حول الله وقوته ومشئته، والإقرار بقدرته على كل شيء، وبعجز العبد عن كل شيء إلا ما أقدره عليه ربه، وهذا نهاية توحيد الربوبية الذي يثمر التوكل وتوحيد العبادة"

(1)

.

ويقول الشيخ عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ مبينًا كون توحيد الربوبية هو الدليل على توحيد العبادة: "ففيه التبري من الحول والقوة والمشيئة بدون حول الله وقوته ومشيئته، وهذا هو التوحيد في الربوبية، وهو الدليل على توحيد الإلهية الذي هو إفراد، الله تعالى بجميع أنواع العبادة، وهو توحيد القصد والإرادة"

(2)

.

ويقول الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ في معرض جوابه عن سؤال في شرك الربوبية والألوهية: "ولهذا توحيد الربوبية هو الدليل على توحيد الألوهية، ولا يمكن أَحدًا أَن يقر بتوحيد الإلهية ويجحد توحيد الربوبية أَبدًا، وقد ذكر الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله في بعض مؤلفاته كلامًا معناه: أَما توحيد الربوبية فهو الأصل الأَصيل"

(3)

.

ويصف الشيخ السعدي الإقرار بتوحيد الربوبية بأنه من أعظم الأدلة العقلية على توحيد الباري جل في علاه فيقول: {وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (22)} : أن الله ليس له شريك، ولا نظير، لا في الخلق والرزق والتدبير، ولا في العبادة، فكيف تعبدون معه آلهة أخرى مع علمكم بذلك، هذا من أعجب العجب، وأسفه السفه، وهذه الآية جمعت بين الأمر بعبادة الله وحده والنهي عن عبادة ما سواه، وبيان الدليل الباهر على وجوب عبادته

(1)

تيسير العزيز الحميد (364).

(2)

فتح المجيد (251).

(3)

فتاوى الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ (1/ 27). تحت عنوان: الشرك في الربوبية أَعظم، برقم (4).

ص: 677

وبطلان عبادة من سواه، وهو ذكر توحيد الربوبية المتضمن لانفراده بالخلق والرزق والتدبير، فإذا كان كل أحد مقرًا بأنه ليس له شريك في ذلك، فكذلك فليكن الإقرار بأن الله ليس له شريك في العبادة وهذا أوضح دليل عقلي على وحدانية الباري وبطلان الشرك"

(1)

.

ويقول رحمه الله: {فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ (61)} ؛ أي: فكيف يصرفون عن عبادة الله، والإخلاص له وحده، فإقرارهم بتوحيد الربوبية يلزمهم به الإقرار بتوحيد الألوهية، وهو من أكبر الأدلة على بطلان الشرك"

(2)

.

وإذا بطل الشرك في الألوهية ثبت التوحيد في العبادة.

ويصرح الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله في بعض فتاواه بما تضمنه لفظ القاعدة، مؤكدًا أهمية توحيد الربوبية، ومكانته من الدين فيقول:"والله سبحانه أنزل الكتب وأرسل الرسل ليعبد وحده لا شريك له، وليبين حقه لعباده، ويذكر للعباد ما هو موصوف به سبحانه من أسمائه الحسنى وصفاته العلى، ليعرفوه جل وعلا بأسمائه وصفاته وعظيم إحسانه، وكمال قدرته، وإحاطة علمه جل وعلا، وما ذاك إلا لأن توحيد الربوبية هو الأساس والأصل لتوحيد الالهية والعبادة، فلهذا بعثت الرسل -عليهم الصلاة والسلام- وأنزلت الكتب السماوية من الله عز وجل لبيان صفاته وأسمائه وعظيم إحسانه، وبيان استحاقه أن يعظم ويدعى ويسأل جل وعلا، حتى تخضع الأمم لعبادته وطاعته، وحتى تنيب إليه، وحتى لعبده دون كل ما سواه جل وعلا، وهذا موجود كثيرًا في كتاب الله عز وجل، وقد ذكر الله سبحانه وتعالى ذلك عن كثير من رسله - عليهم الصلاة والسلام - "

(3)

.

(1)

تفسير الشيخ السعدي (ص 45)، وانظر كذلك:(ص 493).

(2)

المصدر نفسه (ص 771).

(3)

مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ عبد العزيز بن باز (2/ 46 - 47).

ص: 678