المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ المسألة الثالثة * أدلة القاعدة - القواعد في توحيد العبادة - جـ ٢

[محمد بن عبد الله باجسير]

فهرس الكتاب

- ‌الفصل الخامسالقواعد المتعلقة بتحقيق توحيد العبادة وأدلته

- ‌المبحث الأولقاعدة تحقيق التوحيد يتضمن تحقيق أصله وكماله الواجب وكماله المستحب وبحسبها يتفاضل المؤمنون

- ‌ المسألة الأولى * معاني مفردات القاعدة

- ‌معنى التحقيق:

- ‌ المسألة الثانية * معنى القاعدة

- ‌ المسألة الثالثة * أدلة القاعدة

- ‌ المسألة الرابعة * أقوال أهل العلم في تقرير معنى القاعدة

- ‌ المسألة الخامسة * فوائد القاعدة وتطبيقاتها

- ‌المبحث الثانيقاعدة توحيد الربوبية هو أصل توحيد الإلهية ودليله الأكبر

- ‌ المسألة الأولى * شرح معاني مفردات القاعدة

- ‌ المسألة الثانية * بيان معنى القاعدة

- ‌ المسألة الثالثة * أدلة القاعدة

- ‌ المسألة الرابعة * أقوال أهل العلم في تقرير معنى القاعدة

- ‌ المسألة الخامسة * فوائد القاعدة وتطبيقاتها

- ‌الفصل السادسالقواعد المتعلقة برد البدع

- ‌المبحث الأولقاعدة العبادات توقيفية

- ‌ المسألة الأولى * شرح ألفاظ القاعدة

- ‌ المسألة الثانية * معنى القاعدة

- ‌ المسألة الثالثة * أدلة القاعدة

- ‌ المسألة الرابعة* أقوال أهل العلم في تقرير معنى القاعدة

- ‌ المسألة الخامسة* فوائد القاعدة وتطبيقاتها

- ‌المبحث الثانيقاعدة اعتبار ما صدر عن النبي صلى الله عليه وسلم عبادة موقوف على قصده التعبد

- ‌ المسألة الأولى* معنى القاعدة

- ‌ المسألة الثانية* أدلة القاعدة

- ‌ المسألة الثالثة * أقوال أهل العلم في تقرير معنى القاعدة

- ‌ المسألة الرابعة * فوائد القاعدة وتطبيقاتها

- ‌المبحث الثالثقاعدة الوسائل لها أحكام المقاصد

- ‌‌‌ المسألة الأولى * شرح ألفاظ القاعدة

- ‌ المسألة الأولى * شرح ألفاظ القاعدة

- ‌معنى الوسائل والمقاصد اصطلاحًا:

- ‌ المسألة الثانية * معنى القاعدة

- ‌ المسألة الثالثة * أدلة القاعدة

- ‌ المسألة الرابعة * أقوال أهل العلم في اعتماد معنى القاعدة

- ‌ المسألة الخامسة * فوائد القاعدة وتطبيقاتها

- ‌الباب الثانيالقواعد المتعلقة بما يضاد توحيد العبادة

- ‌الفصل الأولالقواعد المتعلقة بتعريف الشرك وحقيقته

- ‌المبحث الأولقاعدة التشبيه هو أصل عبادة الأوثان عند أكثر المشركين

- ‌ المسألة الأولى * شرح ألفاظ القاعدة

- ‌معنى التشبيه لغة واصطلاحًا:

- ‌ المسألة الثانية * معنى القاعدة

- ‌ المسألة الثالثة * أدلة القاعدة

- ‌ المسألة الرابعة * أقوال أهل العلم في تقرير معنى القاعدة

- ‌ المسألة الخامسة * فوائد القاعدة وتطبيقاتها

- ‌المبحث الثانيقاعدة الشرك هو التسوية بين الله وغيره في شيء من خصائصه وحقه

- ‌ المسألة الأولى * شرح ألفاظ القاعدة

- ‌أولًا: معنى الشرك لغة:

- ‌ثانيًا: معنى التسوية:

- ‌ المسألة الثانية * معنى القاعدة

- ‌ المسألة الثالثة * أدلة القاعدة

- ‌ المسألة الرابعة * أقوال أهل العلم في تقرير معنى القاعدة

- ‌ المسألة الخامسة * فوائد القاعدة وتطبيقاتها

- ‌المبحث الثالثقاعدة الخوف الشركي أن يخاف العبد من غير الله أن يصيبه مكروه بمشيئته وقدرته وإن لم يباشره

- ‌ المسألة الأولى * شرح ألفاظ القاعدة

- ‌معنى الخوف وأنواعه:

- ‌ المسألة الثانية * معنى القاعدة

- ‌ المسألة الثالثة * أدلة القاعدة

- ‌ المسألة الرابعة * أقوال أهل العلم في تقرير معنى القاعدة

- ‌ المسألة الخامسة * فوائد القاعدة وتطبيقاتها

- ‌المبحث الرابعقاعدة السؤال والطلب من غير الله فيما لا يقدر عليه إلا الله شرك

- ‌ المسألة الأولى * شرح ألفاظ القاعدة

- ‌بيان معنى السؤال والطلب:

- ‌ المسألة الثانية * معنى القاعدة

- ‌ المسألة الثالثة * أدلة القاعدة

- ‌ المسألة الرابعة * أقوال أهل العلم في تقرير معنى القاعدة

- ‌ المسألة الخامسة * فوائد القاعدة وتطبيقاتها

- ‌المبحث الخامسقاعدة الاعتقاد في الأسباب بذاتها شرك في الربوبية والألوهية

- ‌ المسألة الأولى * شرح ألفاظ القاعدة

- ‌معنى الأسباب:

- ‌ المسألة الثانية * معنى القاعدة

- ‌ المسألة الثالثة * أدلة القاعدة

- ‌ المسألة الرابعة * أقوال أهل العلم في تقرير معنى القاعدة

- ‌ المسألة الخامسة * فوائد القاعدة وتطبيقاتها

- ‌المبحث السادسقاعدة الشفاعة ملك لله تعالى وطلبها ورجاؤها من غير الله أو بغير إذن شرك

- ‌ المسألة الأولى * معنى الشفاعة لغة وشرعًا

- ‌ المسألة الثانية * بيان معنى القاعدة

- ‌ المسألة الثالثة * أدلة القاعدة

- ‌ المسألة الرابعة * أقوال أهل العلم في تقرير معنى القاعدة

- ‌ المسألة الخامسة * فوائد القاعدة وتطبيقاتها

- ‌المبحث السابعقاعدة كل ما ورد في القرآن من الأمر بالدعاء والنهي عن دعاء غير الله يتناول دعاء المسألة ودعاء العبادة

- ‌ المسألة الأولى* شرح ألفاظ القاعدة

- ‌بيان معنى الدعاء وأقسامه:

- ‌ المسألة الثانية * معنى القاعدة

- ‌ المسألة الثالثة * أدلة القاعدة

- ‌ المسألة الرابعة * أقوال أهل العلم في تقرير معنى القاعدة

- ‌ المسألة الخامسة * فوائد القاعدة وتطبيقاتها

- ‌الفصل الثانيالقواعد المتعلقة بقبح الشرك وأنواعه

- ‌المبحث الاولقاعدة الشرك هضم لعظمة الربوبية وتنقص لحق الإلهية وسوء ظن برب العالمين

- ‌ المسألة الأولى * شرح بعض ألفاظ القاعدة

- ‌معنى الهضم والتنقص:

- ‌معنى سوء الظن:

- ‌ المسألة الثانية * معنى القاعدة

- ‌ المسألة الثالثة * أدلة القاعدة

- ‌ المسألة الرابعة * أقوال أهل العلم في تقرير معنى القاعدة

- ‌ المسألة الخامسة * فوائد القاعدة وتطبيقاتها

- ‌المبحث الثانيقاعدة قبح الشرك مستقر في العقول والفطر والسمع نبه العقول وأرشدها إلى معرفة ما أودع فيها من قبح ذلك

- ‌ المسألة الأولى * معنى القاعدة

- ‌ المسألة الثانية * أدلة القاعدة

- ‌ المسألة الثالثة * أقوال أهل العلم في تقرير معنى القاعدة

- ‌ المسألة الرابعة * فوائد القاعدة وتطبيقاتها

- ‌المبحث الثالثقاعدة الشرك الأصغر كل وسيلة وذريعة يتطرق منها إلى الشرك الأكبر من الإرادات والأقوال والأفعال التي لم تبلغ رتبة العبادة

- ‌ المسألة الأولى * معنى القاعدة

- ‌ المسألة الثانية* أدلة القاعدة

- ‌ المسألة الثالثة* أقوال أهل العلم في تقرير معنى القاعدة

- ‌ المسألة الرابعة* فوائد القاعدة وتطبيقاتها

- ‌الفصل الثالثالقواعد المتعلقة بوسائل الشرك وأسبابه

- ‌المبحث الأولقاعدة سد الذرائع المفضية إلى الشرك من المقاصد الشرعية

- ‌ المسألة الأولى* شرح مفردات القاعدة

- ‌معنى سد الذرائع:

- ‌ المسألة الثانية * معنى القاعدة

- ‌ المسألة الثالثة* أدلة القاعدة

- ‌ المسألة الرابعة* أقوال أهل العلم في تقرير معنى القاعدة

- ‌ المسألة الخامسة* فوائد القاعدة وتطبيقاتها

- ‌المبحث الثانيقاعدة الحقائق لا تتغير بتغير المسميات

- ‌ المسألة الأولى* شرح ألفاظ القاعدة

- ‌ المسألة الثانية * معنى القاعدة

- ‌ المسألة الثالثة * أدلة القاعدة

- ‌ المسألة الرابعة * أقوال أهل العلم في تقرير معنى القاعدة

- ‌ المسألة الخامسة * فوائد القاعدة وتطبيقاتها

- ‌المبحث الثالثقاعدة تعظيم شعائر الله هو تعظيم لله وعبادة له، فهو تابع لتعظيم الله وإجلاله

- ‌ المسألة الأولى * شرح مفردات القاعدة

- ‌أولًا: معنى التعظيم:

- ‌ثانيًا: معنى شعائر الله:

- ‌ المسألة الثانية * بيان معنى القاعدة

- ‌ المسألة الثالثة * أدلة القاعدة

- ‌ المسألة الرابعة * أقوال أهل العلم في تقرير معنى القاعدة

- ‌ المسألة الخامسة * فوائد القاعدة وتطبيقاتها

- ‌الفصل الرابعالقواعد المتعلقة بإبطال الشرك وحقيقة المشركين

- ‌المبحث الأولقاعدة المشركون ما قصدوا من معبوداتهم إلا القربة والشفاعة ويقولون نريد من الله عز وجل لا منهم لكن بشفاعتهم والتقرب إلى الله بهم

- ‌ المسألة الأولى * بيان معنى القاعدة

- ‌ المسألة الثانية * أدلة القاعدة

- ‌ المسألة الثالثة * أقوال أهل العلم في تقرير معنى القاعدة

- ‌ المسألة الرابعة * فوائد القاعدة وتطبيقاتها

- ‌المبحث الثانيقاعدة الأصنام الجمادية لم تعبد لذاتها وإنما وضعت في الأصل لما كان غائبًا من معبودات المشركين

- ‌ المسألة الأولى* بيان معنى القاعدة

- ‌ المسألة الثانية* أدلة القاعدة

- ‌ المسألة الثالثة * أقوال أهل العلم في تقرير معنى القاعدة

- ‌ المسألة الرابعة* فوائد القاعدة وتطبيقاتها

- ‌المبحث الثالثقاعدة المشركون الأولون يشركون في الرخاء ويخلصون في الشدة ومشركو زماننا شركهم دائم في الشدة والرخاء

- ‌ المسألة الأولى * بيان معنى القاعدة

- ‌ المسألة الثانية * أدلة القاعدة

- ‌ المسألة الثالثة* أقوال أهل العلم في اعتماد معنى القاعدة

- ‌ المسألة الرابعة * فوائد القاعدة وتطبيقاتها

- ‌المبحث الرابعقاعدة دين الحنفاء ليس فيه واسطة بين الله وخلقه في الربوبية والألوهية، والرسل وسائط في التبليغ والدلالة

- ‌ المسألة الأولى* بيان معاني مفردات القاعدة

- ‌معنى الواسطة لغة واصطلاحًا:

- ‌ المسألة الثانية* معنى القاعدة

- ‌ المسألة الثالثة * أدلة القاعدة

- ‌الأول: الأدلة الدالة على الواسطة المثبتة الشرعية الإيمانية:

- ‌القسم الثاني: الأدلة الدالة على الواسطة المنفية غير الشرعية:

- ‌ المسألة الرابعة * أقوال العلماء في اعتماد القاعدة

- ‌ المسألة الخامسة* فوائد القاعدة وتطبيقاتها

- ‌الخاتمة

- ‌فهرس المصادر والمراجع

الفصل: ‌ المسألة الثالثة * أدلة القاعدة

الثاني: أن تدعو مخلوقًا مطلقًا، سواء كان حيًّا أو ميتًا فيما لا يقدر عليه إلَّا الله، فهذا شرك أكبر لأنك جعلته ندًّا لله فيما لا يقدر عليه إلا الله، مثل: يا فلان! اجعل ما في بطن امرأتي ذكرًا.

الثالث: أن تدعو مخلوقًا ميتًا لا يجيب بالوسائل الحسية المعلومة، فهذا شرك أكبر أيضًا لأنه لا يدعو من كان هذه حاله حتى يعتقد أن له تصرفًا خفيًا في الكون

(1)

.

*‌

‌ المسألة الثالثة * أدلة القاعدة

بعض ما ظهر لي من أدلة مؤيدة لمعنى القاعدة:

أولًا: أن التوجه بالطلب والسؤال لغير الله فيما لا يقدر عليه إلا هو سبحانه فيه صرف لبعض صفات الربوبية لمن توجه إليه بالسؤال والطلب؛ من العلم المطلق، والبصر المطلق، والسمع المطلق، والقدرة المطلقة المساوية لقدرة الله تعالى، ولا شك أن هذا الاعتقاد من أعظم الشرك، وأقبح الكفر بالله العظيم.

يقول الرازي في "تفسيره" لقوله تعالى: {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لَا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ (5)} [الأحقاف: 5]، والآيات التي بعدها: "اعلم أنه تعالى بيّن فيما سبق أن القول بعبادة الأصنام قول باطل من حيث إنها لا قدرة لها ألبتة على الخلق، والفعل، والإيجاد، والإعدام، والنفع، والضر، فأردفه بدليل آخر يدل على بطلان ذلك المذهب، وهي أنها جمادات فلا تسمع دعاء الداعين، ولا تعلم حاجات المحتاجين، وبالجملة فالدليل الأول كان إشارة إلى نفي العلم من كل الوجوه، وإذا انتفى العلم والقدرة من كل

(1)

القول المفيد على كتاب التوحيد (1/ 159 - 160).

ص: 814

الوجوه لم تبق عبادة معلومة ببديهة العقل"

(1)

.

ويقول الألوسي: "إن الناس قد أكثروا من دعاء غير الله تعالى من الأولياء الأحياء منهم والأموات وغيرهم، مثل يا سيدي فلان أغثني، وليس ذلك من التوسل المباح في شيء، واللائق بحال المؤمن عدم التفوه بذلك وأن لا يحوم حول حماه، وقد عده أناس من العلماء شركًا، وإن لا يكنه فهو قريب منه، ولا أرى أحدًا ممن يقول ذلك إلا وهو يعتقد أن المدعو الحي الغائب أو الميت المغيب يعلم الغيب أو يسمع النداء، ويقدر بالذات أو بالغير على جلب الخير ودفع الأذى وإلا لما دعاه ولا فتح فاه وفي ذلكم بلاء من ربكم عظيم"

(2)

.

والمراد من الدعاء كما قال غير واحد السؤال والطلب، وهو مخ العبادة؛ لأن الداعي لا يقدم على الدعاء إلا إذا عرف من نفسه الحاجة إلى ذلك المطلوب، وأنه عاجز عن تحصيله، وعرف أن ربه تبارك وتعالى يسمع الدعاء، ويعلم الحاجة، وهو قادر على إيصالها إليه، ولا شك أن معرفة العبد نفسه بالعجز والنقص، ومعرفته ربه بالقدرة والكمال من أعظم العبادات"

(3)

.

ويقول الشيخ سليمان آل الشيخ: "جعله الدعاء والهتف ليسا نتيجة الاعتقاد، بل يصدران ممن اعتقاده منحصر في الله، وهو يدعو غيره، ويلتجئ إليه فيما لا يقدر عليه إلا الله وحده، ويهتف بذكره عند الشدائد وغيرها ليجلب له، أو يدفع عنه، وهو لا يعتقد فيه القدرة على شيء مما طلبه منه، هذا محال أن يطلب أحد غيره شيئًا، أو يدعوه منه، وهو يعلم ويعتقد أنه لا يقدر عليه، ولا يوصل مطلوبه ومقصوده إليه"

(4)

.

(1)

التفسير الكبير للرازي (28/ 6).

(2)

روح المعاني للألوسي (6/ 128).

(3)

روح المعاني (8/ 139).

(4)

التوضيح عن توحيد الخلاق، للشيخ سليمان (ص 177 - 178).

ص: 815

ويقول الشيخ ابن عثيمين: "فمن دعا غير الله عز وجل بشيء لا يقدر عليه إلا الله فهو مشرك كافر سواء كان المدعو حيًّا أو ميتًا، ومن دعا حيًا بما يقدر عليه مثل أن يقول: يا فلان أطعمني، يا فلان أسقني فلا شيء فيه، ومن دعا ميتًا أو غائبًا بمثل هذا فإنه مشرك؛ لأن الميت أو الغائب لا يمكن أن يقوم بمثل هذا فدعاؤه إياه يدل على أنه يعتقد أن له تصرفًا في الكون فيكون بذلك مشركًا"

(1)

.

ثانيًا: أن السؤال والطلب في الأمور التي لا يقدر عليها إلا الله عبادة عظيمة، يحبها سبحانه وتعالى، ولذا أمر بها عباده، بل هي من خصائص ألوهيته سبحانه، ولا شك أن صرف هذا الحق، وتلك العبادة لغيره سبحانه لون من ألوان الإشراك بالله العظيم.

"يدل على ذلك ما جاء في حديث النعمان بن بشير رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الدعاء هو العبادة" وقال ربكم ادعوني أستجب لكم

"

(2)

.

" وكما سبق تقريره فإن أحد نوعي الدعاء هو السؤال والطلب، فثبت بذلك أن السؤال والطلب عبادة لله تعالى؛ وإنما كان عبادة لما فيه من إظهار الافتقار والخضوع والضراعة إلى الله تعالى

(3)

.

يقول الإمام ابن رجب: "فإن السؤال هو دعاؤه والرغبة إليه، والدعاء هو العبادة"

(4)

.

(1)

مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين (6/ 51 - 52).

(2)

أخرجه أحمد في مسنده (4/ 267)، برقم (18378)، وأبو داود في سننه، باب: الدعاء (2/ 76)، برقم (1479)، والترمذي في سننه (5/ 211)، برقم (2969)، وقال عقبه:"قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح". وانظر أيضًا: (5/ 374)، و (5/ 456)، وقال الحافظ ابن حجر:"أخرجه أصحاب السُّنن بسند جيد". [فتح الباري (1/ 49)].

(3)

انظر: التسهيل لعلوم التنزيل للكلبي (4/ 8).

(4)

جامع العلوم والحكم (ص 191)، وانظر: روح المعاني (8/ 139).

ص: 816

ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم في حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من لا يسأل الله يغضب عليه"

(1)

.

وهذا الحديث يدل على محبة الله تعالى لسؤال عبده له ورضاه عن ذلك؛ إذ معنى الحديث أن من يسأل الله تعالى ويدعوه يرضى عنه ولا يغضب عليه.

يقول الإمام ابن تيمية: "وهو سبحانه لا يشغله سمع عن سمع، ولا تغلطه المسائل، ولا يتبرم بإلحاح الملحين، بل يحب من يدعوه ويتضرع إليه، ويبغض من لا يدعوه"

(2)

.

ولذا قال الناظم:

الله يغضب إن تركت سؤاله

وبني آدم حين يسأل يغضب

ويقول الشيخ عبد اللطيف آل الشيخ مبينًا معنى الحديث: "مفهومه أن من سأله رضي عليه، وهل هذا الرضا وهذا الغضب إلَّا لحصول عبادة يحبها ويرضاها، أو لفقدها الموجب لغضبه وسخطه، فإذا صرف ذلك لغير الله في الأمور العامة الكلية التي مصدرها عن قدرة كاملة ليست في قوى البشر، وليست من جنس الأسباب العادية، فهذا عين الشرك"

(3)

.

(1)

أخرجه أبو يعلى في مسنده (12/ 10)، برقم (6655)، وأخرجه الترمذي (5/ 456)، (3373)، وابن ماجة (2/ 1258)، رقم (3827)، وأحمد (2/ 442، 443)، والبخاري في الأدب المفرد (658)، والطبراني في الدعاء (2/ 796)، رقم (23)، وفي الأوسط (3/ 216)، رقم (2452)، كلهم من طريق أبي المليح صبيح عن أبي صالح الخوزي عن أبي هريرة به، وبعضهم ذكر لفظ الحديث:"من لم يدع الله يغضب عليه"، والحديث مختلف في تصحيحه وتضعيفه. قال الحافظ في الفتح:(11/ 95): "وهذا الخوزي مختلف فيه ضعفه ابن معين وقواه أبو زرعة"، وقال ابن كثير عقب ذكره لرواية الإمام أحمد:(4/ 86): "وهذا إسناد لا بأس به". وقد حسن الحديث الألباني. [انظر: صحيح الأدب المفرد (ص 246)، برقم: (252/ 512/ 675)، وسلسلة الأحاديث الصحيحة (6/ 323)، برقم (2654)].

(2)

مجموع الفتاوى (35/ 370).

(3)

مصباح الظلام، للشيخ عبد اللطيف (ص 313).

ص: 817

وقال أيضًا: "وسيأتيك أن الدعاء والنداء بما لا يقدر عليه إلا الله داخل في مسمى العبادة فتنبه"

(1)

.

ولذا جاء الأمر الشرعي بسؤال الله ودعائه وحده دون ما سواه، فقال سبحانه:{وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ} [النساء: 32].

وقال صلى الله عليه وسلم لابن عباس: (إذا سألت فاسأل الله)

(2)

.

يقول الصنعاني: "وقوله: (فاسأل الله) أمر بإفراد الله عز وجل بالسؤال، وإنزال الحاجات به وحده،

وإفراد الله بطلب الحاجات دون خلقه يدل له العقل والسمع؛ فإن السؤال بذل لماء الوجه، وذل لا يصلح إلا لله تعالى؛ لأنه القادر على كل شيء، الغني مطلقًا، والعباد بخلاف هذا"

(3)

.

ويقول الشيخ عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ بعد أن ذكر جملة من الأدلة على أن السؤال والطلب عبادة لله تعالى -فقال-: "وأمثال هذا في الكتاب والسُّنَّة أكثر من أن يحصر في الدعاء الذي هو السؤال والطلب، فمن جحد كون السؤال والطلب عبادة فقد صادم النصوص، وخالف اللغة واستعمال الأمة سلفًا وخلفًا"

(4)

.

ووجه كون السؤال والطلب فيما لا يقدر عليه إلا الله عبادة هو أن السائل اعتقد في المسؤول التأثير بقوة غيبية، حيث طلب منه ما هو فوق طاقة البشر؛ ولأجل هذا طلب منه جلب نفع أو دفع ضر، فاعتقد فيه خاصية من خصائص الربوبية من التأثير الغيبي، والقدرة المطلقة، والسمع في حال القرب والبعد

(5)

.

(1)

تحفة الطالب والجليس في كشف شبه داود بن جرجيس (ص 75).

(2)

تقدم تخريجه في أول القاعدة.

(3)

سبل السلام (4/ 176).

(4)

فتح المجيد شرح كتاب التوحيد (ص 136).

(5)

انظر: الدعاء ومنزلته من العقيدة الإسلامية (2/ 494).

ص: 818

ثالثًا: أن السؤال والطلب من غير الله فيما لا يقدر عليه إلا الله يستلزم الوقوع في أنواع أخرى من الذل، والخضوع، والافتقار إلى غيره سبحانه، إضافة إلى الرجاء والرغبة الملازمة لمثل هذه الأحوال، وخوفه من عدم الاستجابة له، ولا شك أن صرف مثل هذه الأمور لغير الله هو من أعظم الشرك وأشنع الكفر؛ لأنها من أعظم العبادات القلبية.

يقول الشيخ سليمان آل الشيخ في شأن السؤال من غير الله فيما لا يقدر عليه إلا الله: "ولأن من خصائص الإلهية إفراد الله بسؤال ذلك، إذ معنى الإله هو الذي يعبد لأجل هذه الأمور، ولأن الداعي إنما يدعو إلهه عند انقطاع أمله مما سواه، وذلك هو خلاصة التوحيد، وهو انقطاع الأمل مما سوى الله، فمن صرف شيئًا من ذلك لغير الله فقد ساوى بينه وبين الله، وذلك هو الشرك، ولهذا يقول المشركون لآلهتهم وهم في الجحيم: {تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (97) إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ (98)} [الشعراء: 97، 98] "

(1)

.

ويقول الشيخ عبد اللطيف آل الشيخ: "يوضح هذا: أن ما لا يقدر عليه إلا الله من الأمور العامة الكلية لهداية القلوب، ومغفرة الذنوب، والنصر على الأعداء، وطلب الرزق من غير جهة معينة، والفوز بالجنة، والإنقاذ من النار، ونحو ذلك غاية في القصد والإرادة، فسؤاله وطلبه غاية في السؤال والطلب، وفي ذلك من الذل، وإظهار الفاقة، والعبودية ما لا ينبغي أن يكون لمخلوق، أو يقصد به غير الله، وهذا أحد الوجوه في الفرق بين دعاء المخلوق فيما يقدر عليه من الأسباب العادية الجزئية، وبين ما تقدم، مع أن سؤال المخلوق قد يحرم مطلقًا"

(2)

.

(1)

تيسير العزيز الحميد (ص 193).

(2)

تحفة الطالب والجليس في كشف شبه داود بن جرجيس (ص 116).

ص: 819