الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الأول
قاعدة تحقيق التوحيد يتضمن تحقيق أصله وكماله الواجب وكماله المستحب وبحسبها يتفاضل المؤمنون
وفيه مسائل:
*
المسألة الأولى * معاني مفردات القاعدة
معنى التحقيق:
كلمة (التَحْقِيق) على وزن تفعيل، وهي مصدر للفعل الثلاثي (حَقّقَ) وأصله من المضاعف (حَقَّ)
(1)
، وترجع معاني هذا الأصل اللغوي إلى الإحكام والثبات والصحة واليقين. يقول ابن فارس:"الحاء والقاف أصل واحد، وهو يدل على إحكام الشيء وصحته"
(2)
.
وما ذكره أهل اللغة من معاني لهذه اللفظة فإنها ترجع إلى تلك المعاني.
وجاء في "تاج العروس": "والحَق اليقين بعد الشّكِّ، وحَقَه حَقًا أحقهُ: صَيَّرهُ حَقًا لا شك فيهِ، وحَقه حَقًا: صَدقَه، وأحْققتَ الأمرَ
(1)
انظر: معجم تصريف الأفعال العربية (ص 485).
(2)
معجم مقاييس اللغة (2/ 15).
إحقاقًا: أحكَمته وصَححته"
(1)
.
وحَقَقْتُ الأمْرَ: إِذا تَحَققْته وتَيَقنته؛ أي: وصرتَ منه عَلَى يَقِين
(2)
.
وقال ابن فارس: "ويقال: حَقَقْتُ الأمر وأحقَقْتُه؛ أي: كنت على يقين منه"
(3)
.
وجاء في "المصباح المنير": "وحَقَقْتُ الأمر أَحُقُه: إذا تيقنته، أو جعلته ثابتًا لازمًا"
(4)
.
فهذه هي معاني لفظة (التحقيق) وجميعها يرجع إلى معنى الإحكام، وهو إتقان الشيء ومنعه من الفساد، أو إلى تثبيته وتصحيحه ولزومه وتيقنه.
وبهذه المعاني استعمل العلماء لفظ (التحقيق).
يقول أبو البقاء الكفوي: "التحقيق تفعيل من حق بمعنى ثبت، وقال بعضهم التحقيق لغة: رجع الشيء إلى حقيقته بحيث لا يشوبه شبهة، وهو المبالغة في إثبات حقيقة الشيء بالوقوف عليه"
(5)
.
والمبالغة المقصود منها الاجتهاد في إتقان الشيء وتكميله.
ويقول المناوي: "التحقيق: إثبات المسألة بدليلها"
(6)
.
فالمقصود من تحقيق المسألة: تصحيحها وتثبيتها وإتقانها، بحيث يكون المحقق لها على يقين من حكمها.
ويقول الإمام ابن القيم: "لفظ التحقيق وهو تفعيل من حقق الشيء تحقيقًا فهو مصدر فعله حقق الشيء؛ أي: أثبته وخلصه من غيره"
(7)
.
(1)
تاج العروس (25/ 181)، وانظر: القاموس المحيط (ص 1130).
(2)
انظر: تاج العروس (25/ 169).
(3)
معجم مقاييس اللغة (2/ 19).
(4)
المصباح المنير (ص 144)، وانظر: أساس البلاغة (ص 135).
(5)
الكليات لأبي البقاء (ص 296).
(6)
التوقيف على مهمات التعاريف (ص 164).
(7)
مدارج السالكين (3/ 388).
وجاء في "شرح مختصر خليل": "والتحقيق: مصدر حقق الشيء إذا تيقنه وعرفه حق معرفته فصار محققًا له، فيكون فَعَّل للاتصاف بمعناه نحو عدلته؛ أي: صيرته عدلًا"
(1)
.
وجميع هذه المعاني يتناولها لفظ التحقيق، إذ لا بد فيه من تثبيت الأصل والفرع، وحصول التمام والكمال، ولا يتم ذلك إلا بالعلم والمعرفة الحقة، واليقين، والإحكام، والمبالغة في الإتقان، وتخليصه من جميع الشوائب والمنقصات التي تعارض أصله، أو تنقص تمامه أو كماله، إذ لا يحصل الكمال في الشيء إلا بعد تثبيت أصله وتتميم أساسه.
يقول الرازي: "أن الكمال في كل شيء إنما يحصل إذا حصل الأصل والفرع معًا، فقوم أطنبوا في الأعمال من غير إحكام الأصول"
(2)
.
فتحقيق التوحيد يتناول تثبيت الأصل، وتتميم الناقص من الأصل، وتكميل التام، إذ لا تتميم بدون أصل، ولا تكميل بدون تتميم، فلا بد للتتميم من أصل يقوم عليه، ولا بد للتكميل من تتميم ينبني عليه.
يقول تقي الدين الحموي: "والفرق بين التكميل والتتميم أن التتميم يرد على الناقص فيتمه، والتكميل يرد على المعنى التام فيكمله إذ الكمال أمر زائد على التتميم"
(3)
.
وقال أبو البقاء: "والتكميل يرد على المعنى التام فيكمله، إذ الكمال أمر زائد على التمام، والتمام يقابل نقصان الأصل، والكمال يطابق نقصان الوصف بعد تمام الأصل، ولهذا كان قوله تعالى:{تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ} [البقرة: 196] أحسن من تامة؛ لأن التمام من العدد قد علم
(1)
شرح مختصر خليل للخرشي (1/ 33).
(2)
تفسير الرازي (32/ 45).
(3)
خزانة الأدب وغاية الأرب (1/ 273 - 375).