الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يقول الإمام السمعاني: "واعلم أن الظن المنهي عنه هو ظن السوء بأهل الخير، فأما بأهل الشر فجائز"
(1)
.
وأما إساءة الظن بالأنبياء والمرسلين فقد صرح بعض أهل العلم بأنه كفر، ونقل إجماع أهل العلم على ذلك.
يقول الإمام النووي رحمه الله: "فإن ظن السوء بالأنبياء كفر بالإجماع"
(2)
.
ثم إن سوء الظن بالمسلمين بدون مسوغ شرعي، أو قرينة ظاهرة هو إثم في نفسه، وإذا استمر في قلب العبد أنتج آثامًا عظيمة، وأورث أقوالًا وفعالًا محرمة، فهو لا خير فيه أبدًا لا في الدنيا ولا في الآخرة.
يقول الشيخ السعدي رحمه الله: "نهى الله عز وجل عن كثير من الظن السيء بالمؤمنين، حيث قال: {إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ} [الحجرات: 12]، وذلك كالظن الخالي من الحقيقة والقرينة، وكظن السوء الذي يقترن به كثير من الأقوال والأفعال المحرمة؛ فإن بقاء ظن السوء بالقلب لا يقتصر صاحبه على مجرد ذلك، بل لا يزال به حتى يقول ما لا ينبغي ويفعل ما لا ينبغي، وفي ذلك أيضًا إساءة الظن بالمسلم، وبغضه، وعداوته المأمور بخلافها منه"
(3)
.
*
المسألة الثانية * معنى القاعدة
أشارت القاعدة إلى بعض صفات الشرك الشنيعة، وسماته القبيحة التي اشتمل عليها، ولا يخلو منها شرك ألبتة، بل جميع أهل الإشراك في
(1)
تفسير السمعاني (5/ 225).
(2)
شرح النووي على صحيح مسلم (14/ 156).
(3)
تفسير السعدي (ص 801).
الأرض لا تكاد قلوبهم تخلوا من هذه الصفات القبيحة، التي حقيقتها أشنع الظلم، وأعظم الإجحاف، ومنتهى الإجرام، وعظيم التجني، وغاية الاعتداء على حق الملك الديان، مالك الملك، وخالق الكون، وموجد البرية من العدم، فأشرك مع الرب غيره في العبادة، وأدخل الوسائط بينه وبين معبوده الحق، فصار يدعوهم ويتوجه إليهم بأخص خصائص الإلهية، ومعاني الربوبية فخضع قلبه، وتعلق فؤاده، خوفًا ورجاء ومحبة وخضوعًا، وذلًا وإخباتًا في السراء والضراء، وفي الشدة والرخاء.
يقول الإمام ابن تيمية رحمه الله: "وقوله تعالى: {أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ شُفَعَاءَ قُلْ أَوَلَوْ كَانُوا لَا يَمْلِكُونَ شَيْئًا وَلَا يَعْقِلُونَ (43) قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا} [الزمر: 43، 44]، إلى أمثال ذلك مما في كتاب الله من الآيات التي فيها تجريد التوحيد وتحقيقه، وقطع ملاحظة الأغيار في العبادة، والاستغاثة، والدعاء، والمسألة، والتوكل، والرجاء، والخشية، والتقوى، والإنابة، ونحو ذلك مما هو من خصائص حق الربوبية التي لا تصلح لملك مقرب ولا نبي مرسل"
(1)
.
وقد يدعي بلسان حاله وربما مقاله عدم أهليته للطلب من الله مباشرة، وأن الله لا يقبل دعاءه إلا بوساطة هؤلاء الأولياء وشفاعتهم فيه، أو أن الله لا يفعل حتى يجعل الولي يفعل، ولا يرحم حتى تجعله الوسائط يرحم، وربما اعتقد بعضهم أن الأولياء يشاركون الله تعالى تدبير الكون، ورعاية أحوال الخلق فيخبرونه جل في علاه بأهل الحاجات، وما أصاب بعضهم من المحن والبلايا فيجيب الله دعاءهم بسبب دعائهم لهذه الوسائط، ولا شك أن هذا من أعظم الهضم والتنقيص لعظمة الإلهية وقهر الربوبية مع ما تضمنه من إساءة الظن البالغة بمن اجتمع فيه غاية الكمال، ومنتهى الجلال، وعظيم الإحسان.
(1)
الاستقامة، لابن تيمية (2/ 25).
يبين الإمام ابن القيم رحمه الله وجه دلالة القاعدة في كون الشرك سوء ظن بالله جل جلاله فيقول: "فإن المشرك إما أن يظن أن الله سبحانه يحتاج إلى من يدبر أمر العالم من وزير أو ظهير أو عون، وهذا أعظم التنقيص لمن هو غني عن كل ما سواه بذاته، وكل ما سواه فقير إليه بذاته، وإما أن يظن أن الله سبحانه إنما تتم قدرته بقدرة الشريك، وإما أن يظن بأنه لا يعلم حتى يعلمه الواسطة، أو لا يرحم حتى يجعله الواسطة يرحم، أو لا يكفي عبده وحده، أو لا يفعل ما يريد العبد حتى يشفع عنده الواسطة، كما يشفع المخلوق عند المخلوق فيحتاج أن يقبل شفاعته لحاجته إلى الشافع، وانتفاعه به، وتكثره به من القلة، وتعززه به من الذلة، أو لا يجيب دعاء عباده حتى يسألوا الواسطة أن ترفع تلك الحاجات إليه، كما هو حال ملوك الدنيا، وهذا أصل شرك الخلق.
أو يظن أنه لا يسمع دعاءهم لبعده عنهم حتى يرفع الوسائط ذلك، أو يظن أن للمخلوق عليه حقًّا فهو يقسم عليه بحق ذلك المخلوق عليه، ويتوسل إليه بذلك المخلوق كما يتوسل الناس إلى الأكابر والملوك بمن يعز عليهم ولا يمكنهم مخالفته، وكل هذا تنقص للربوبية، وهضم لحقها، ولو لم يكن فيه إلا نقص محبة الله تعالى، وخوفه، ورجائه، والتوكل عليه، والإنابة إليه من قلب المشرك بسبب قسمته ذلك بينه سبحانه وبين من أشرك به، فينقص ويضعف أو يضمحل ذلك التعظيم والمحبة والخوف والرجاء بسبب صرف أكثره أو بعضه إلى من عبده من دونه
…
فالشرك ملزوم لتنقص الرب سبحانه، والتنقص لازم له ضرورة شاء المشرك أم أبى"
(1)
.
ونقل كلامه مقررًا له الشيخ سليمان آل الشيخ فقال: بقوله: "وإنما كان ذلك هضمًا لحق الربوبية، وتنقصًا لعظمة الإلهية، وسوء ظن برب
(1)
إغاثة اللهفان عن مصائد الشيطان، لابن القيم (1/ 62).