المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ المسألة الخامسة * فوائد القاعدة وتطبيقاتها - القواعد في توحيد العبادة - جـ ٢

[محمد بن عبد الله باجسير]

فهرس الكتاب

- ‌الفصل الخامسالقواعد المتعلقة بتحقيق توحيد العبادة وأدلته

- ‌المبحث الأولقاعدة تحقيق التوحيد يتضمن تحقيق أصله وكماله الواجب وكماله المستحب وبحسبها يتفاضل المؤمنون

- ‌ المسألة الأولى * معاني مفردات القاعدة

- ‌معنى التحقيق:

- ‌ المسألة الثانية * معنى القاعدة

- ‌ المسألة الثالثة * أدلة القاعدة

- ‌ المسألة الرابعة * أقوال أهل العلم في تقرير معنى القاعدة

- ‌ المسألة الخامسة * فوائد القاعدة وتطبيقاتها

- ‌المبحث الثانيقاعدة توحيد الربوبية هو أصل توحيد الإلهية ودليله الأكبر

- ‌ المسألة الأولى * شرح معاني مفردات القاعدة

- ‌ المسألة الثانية * بيان معنى القاعدة

- ‌ المسألة الثالثة * أدلة القاعدة

- ‌ المسألة الرابعة * أقوال أهل العلم في تقرير معنى القاعدة

- ‌ المسألة الخامسة * فوائد القاعدة وتطبيقاتها

- ‌الفصل السادسالقواعد المتعلقة برد البدع

- ‌المبحث الأولقاعدة العبادات توقيفية

- ‌ المسألة الأولى * شرح ألفاظ القاعدة

- ‌ المسألة الثانية * معنى القاعدة

- ‌ المسألة الثالثة * أدلة القاعدة

- ‌ المسألة الرابعة* أقوال أهل العلم في تقرير معنى القاعدة

- ‌ المسألة الخامسة* فوائد القاعدة وتطبيقاتها

- ‌المبحث الثانيقاعدة اعتبار ما صدر عن النبي صلى الله عليه وسلم عبادة موقوف على قصده التعبد

- ‌ المسألة الأولى* معنى القاعدة

- ‌ المسألة الثانية* أدلة القاعدة

- ‌ المسألة الثالثة * أقوال أهل العلم في تقرير معنى القاعدة

- ‌ المسألة الرابعة * فوائد القاعدة وتطبيقاتها

- ‌المبحث الثالثقاعدة الوسائل لها أحكام المقاصد

- ‌‌‌ المسألة الأولى * شرح ألفاظ القاعدة

- ‌ المسألة الأولى * شرح ألفاظ القاعدة

- ‌معنى الوسائل والمقاصد اصطلاحًا:

- ‌ المسألة الثانية * معنى القاعدة

- ‌ المسألة الثالثة * أدلة القاعدة

- ‌ المسألة الرابعة * أقوال أهل العلم في اعتماد معنى القاعدة

- ‌ المسألة الخامسة * فوائد القاعدة وتطبيقاتها

- ‌الباب الثانيالقواعد المتعلقة بما يضاد توحيد العبادة

- ‌الفصل الأولالقواعد المتعلقة بتعريف الشرك وحقيقته

- ‌المبحث الأولقاعدة التشبيه هو أصل عبادة الأوثان عند أكثر المشركين

- ‌ المسألة الأولى * شرح ألفاظ القاعدة

- ‌معنى التشبيه لغة واصطلاحًا:

- ‌ المسألة الثانية * معنى القاعدة

- ‌ المسألة الثالثة * أدلة القاعدة

- ‌ المسألة الرابعة * أقوال أهل العلم في تقرير معنى القاعدة

- ‌ المسألة الخامسة * فوائد القاعدة وتطبيقاتها

- ‌المبحث الثانيقاعدة الشرك هو التسوية بين الله وغيره في شيء من خصائصه وحقه

- ‌ المسألة الأولى * شرح ألفاظ القاعدة

- ‌أولًا: معنى الشرك لغة:

- ‌ثانيًا: معنى التسوية:

- ‌ المسألة الثانية * معنى القاعدة

- ‌ المسألة الثالثة * أدلة القاعدة

- ‌ المسألة الرابعة * أقوال أهل العلم في تقرير معنى القاعدة

- ‌ المسألة الخامسة * فوائد القاعدة وتطبيقاتها

- ‌المبحث الثالثقاعدة الخوف الشركي أن يخاف العبد من غير الله أن يصيبه مكروه بمشيئته وقدرته وإن لم يباشره

- ‌ المسألة الأولى * شرح ألفاظ القاعدة

- ‌معنى الخوف وأنواعه:

- ‌ المسألة الثانية * معنى القاعدة

- ‌ المسألة الثالثة * أدلة القاعدة

- ‌ المسألة الرابعة * أقوال أهل العلم في تقرير معنى القاعدة

- ‌ المسألة الخامسة * فوائد القاعدة وتطبيقاتها

- ‌المبحث الرابعقاعدة السؤال والطلب من غير الله فيما لا يقدر عليه إلا الله شرك

- ‌ المسألة الأولى * شرح ألفاظ القاعدة

- ‌بيان معنى السؤال والطلب:

- ‌ المسألة الثانية * معنى القاعدة

- ‌ المسألة الثالثة * أدلة القاعدة

- ‌ المسألة الرابعة * أقوال أهل العلم في تقرير معنى القاعدة

- ‌ المسألة الخامسة * فوائد القاعدة وتطبيقاتها

- ‌المبحث الخامسقاعدة الاعتقاد في الأسباب بذاتها شرك في الربوبية والألوهية

- ‌ المسألة الأولى * شرح ألفاظ القاعدة

- ‌معنى الأسباب:

- ‌ المسألة الثانية * معنى القاعدة

- ‌ المسألة الثالثة * أدلة القاعدة

- ‌ المسألة الرابعة * أقوال أهل العلم في تقرير معنى القاعدة

- ‌ المسألة الخامسة * فوائد القاعدة وتطبيقاتها

- ‌المبحث السادسقاعدة الشفاعة ملك لله تعالى وطلبها ورجاؤها من غير الله أو بغير إذن شرك

- ‌ المسألة الأولى * معنى الشفاعة لغة وشرعًا

- ‌ المسألة الثانية * بيان معنى القاعدة

- ‌ المسألة الثالثة * أدلة القاعدة

- ‌ المسألة الرابعة * أقوال أهل العلم في تقرير معنى القاعدة

- ‌ المسألة الخامسة * فوائد القاعدة وتطبيقاتها

- ‌المبحث السابعقاعدة كل ما ورد في القرآن من الأمر بالدعاء والنهي عن دعاء غير الله يتناول دعاء المسألة ودعاء العبادة

- ‌ المسألة الأولى* شرح ألفاظ القاعدة

- ‌بيان معنى الدعاء وأقسامه:

- ‌ المسألة الثانية * معنى القاعدة

- ‌ المسألة الثالثة * أدلة القاعدة

- ‌ المسألة الرابعة * أقوال أهل العلم في تقرير معنى القاعدة

- ‌ المسألة الخامسة * فوائد القاعدة وتطبيقاتها

- ‌الفصل الثانيالقواعد المتعلقة بقبح الشرك وأنواعه

- ‌المبحث الاولقاعدة الشرك هضم لعظمة الربوبية وتنقص لحق الإلهية وسوء ظن برب العالمين

- ‌ المسألة الأولى * شرح بعض ألفاظ القاعدة

- ‌معنى الهضم والتنقص:

- ‌معنى سوء الظن:

- ‌ المسألة الثانية * معنى القاعدة

- ‌ المسألة الثالثة * أدلة القاعدة

- ‌ المسألة الرابعة * أقوال أهل العلم في تقرير معنى القاعدة

- ‌ المسألة الخامسة * فوائد القاعدة وتطبيقاتها

- ‌المبحث الثانيقاعدة قبح الشرك مستقر في العقول والفطر والسمع نبه العقول وأرشدها إلى معرفة ما أودع فيها من قبح ذلك

- ‌ المسألة الأولى * معنى القاعدة

- ‌ المسألة الثانية * أدلة القاعدة

- ‌ المسألة الثالثة * أقوال أهل العلم في تقرير معنى القاعدة

- ‌ المسألة الرابعة * فوائد القاعدة وتطبيقاتها

- ‌المبحث الثالثقاعدة الشرك الأصغر كل وسيلة وذريعة يتطرق منها إلى الشرك الأكبر من الإرادات والأقوال والأفعال التي لم تبلغ رتبة العبادة

- ‌ المسألة الأولى * معنى القاعدة

- ‌ المسألة الثانية* أدلة القاعدة

- ‌ المسألة الثالثة* أقوال أهل العلم في تقرير معنى القاعدة

- ‌ المسألة الرابعة* فوائد القاعدة وتطبيقاتها

- ‌الفصل الثالثالقواعد المتعلقة بوسائل الشرك وأسبابه

- ‌المبحث الأولقاعدة سد الذرائع المفضية إلى الشرك من المقاصد الشرعية

- ‌ المسألة الأولى* شرح مفردات القاعدة

- ‌معنى سد الذرائع:

- ‌ المسألة الثانية * معنى القاعدة

- ‌ المسألة الثالثة* أدلة القاعدة

- ‌ المسألة الرابعة* أقوال أهل العلم في تقرير معنى القاعدة

- ‌ المسألة الخامسة* فوائد القاعدة وتطبيقاتها

- ‌المبحث الثانيقاعدة الحقائق لا تتغير بتغير المسميات

- ‌ المسألة الأولى* شرح ألفاظ القاعدة

- ‌ المسألة الثانية * معنى القاعدة

- ‌ المسألة الثالثة * أدلة القاعدة

- ‌ المسألة الرابعة * أقوال أهل العلم في تقرير معنى القاعدة

- ‌ المسألة الخامسة * فوائد القاعدة وتطبيقاتها

- ‌المبحث الثالثقاعدة تعظيم شعائر الله هو تعظيم لله وعبادة له، فهو تابع لتعظيم الله وإجلاله

- ‌ المسألة الأولى * شرح مفردات القاعدة

- ‌أولًا: معنى التعظيم:

- ‌ثانيًا: معنى شعائر الله:

- ‌ المسألة الثانية * بيان معنى القاعدة

- ‌ المسألة الثالثة * أدلة القاعدة

- ‌ المسألة الرابعة * أقوال أهل العلم في تقرير معنى القاعدة

- ‌ المسألة الخامسة * فوائد القاعدة وتطبيقاتها

- ‌الفصل الرابعالقواعد المتعلقة بإبطال الشرك وحقيقة المشركين

- ‌المبحث الأولقاعدة المشركون ما قصدوا من معبوداتهم إلا القربة والشفاعة ويقولون نريد من الله عز وجل لا منهم لكن بشفاعتهم والتقرب إلى الله بهم

- ‌ المسألة الأولى * بيان معنى القاعدة

- ‌ المسألة الثانية * أدلة القاعدة

- ‌ المسألة الثالثة * أقوال أهل العلم في تقرير معنى القاعدة

- ‌ المسألة الرابعة * فوائد القاعدة وتطبيقاتها

- ‌المبحث الثانيقاعدة الأصنام الجمادية لم تعبد لذاتها وإنما وضعت في الأصل لما كان غائبًا من معبودات المشركين

- ‌ المسألة الأولى* بيان معنى القاعدة

- ‌ المسألة الثانية* أدلة القاعدة

- ‌ المسألة الثالثة * أقوال أهل العلم في تقرير معنى القاعدة

- ‌ المسألة الرابعة* فوائد القاعدة وتطبيقاتها

- ‌المبحث الثالثقاعدة المشركون الأولون يشركون في الرخاء ويخلصون في الشدة ومشركو زماننا شركهم دائم في الشدة والرخاء

- ‌ المسألة الأولى * بيان معنى القاعدة

- ‌ المسألة الثانية * أدلة القاعدة

- ‌ المسألة الثالثة* أقوال أهل العلم في اعتماد معنى القاعدة

- ‌ المسألة الرابعة * فوائد القاعدة وتطبيقاتها

- ‌المبحث الرابعقاعدة دين الحنفاء ليس فيه واسطة بين الله وخلقه في الربوبية والألوهية، والرسل وسائط في التبليغ والدلالة

- ‌ المسألة الأولى* بيان معاني مفردات القاعدة

- ‌معنى الواسطة لغة واصطلاحًا:

- ‌ المسألة الثانية* معنى القاعدة

- ‌ المسألة الثالثة * أدلة القاعدة

- ‌الأول: الأدلة الدالة على الواسطة المثبتة الشرعية الإيمانية:

- ‌القسم الثاني: الأدلة الدالة على الواسطة المنفية غير الشرعية:

- ‌ المسألة الرابعة * أقوال العلماء في اعتماد القاعدة

- ‌ المسألة الخامسة* فوائد القاعدة وتطبيقاتها

- ‌الخاتمة

- ‌فهرس المصادر والمراجع

الفصل: ‌ المسألة الخامسة * فوائد القاعدة وتطبيقاتها

ويقول الإمام الصنعاني في كلامه على فعل المشركين: "وإنما الجاهلية سموه صنمًا ووثنًا، وهؤلاء القبوريون يسمونه وليًّا وقبرًا ومشهدًا، والأسماء لا أثر لها ولا تغير المعاني، ضرورة لغوية وعقلية وشرعية؛ فإن من شرب الخمر وسماها ماء، ما شرب إلا خمرًا، وعقابه عقاب شارب الخمر، ولعله يزيد عقابه للتدليس والكذب في التسمية"

(1)

.

ويقول العلامة السهسواني الهندي في معرض كلامه على التوسل بالأعمال الصالحة: " وهذا التوسل هو عين دين الإسلام، لا يجحده أحد من المسلمين، لكن هذا التوسل في الحقيقة هو التوسل بالأعمال الصالحة، وإن سماه أحد توسلًا بالأنبياء والصالحين، فلا يتغير حكمه بهذه التسمية، فإن العبرة للمُسَمَّى والمُعَنْوَن لا للاسم والعنوان"

(2)

.

ويقول الشيخ السعدي: " ولا فرق في هذا بين أن يسمي تلك العبادة التي صرفها لغير الله عبادة، أو يسميها توسلًا، أو يسميها بغير ذلك من الأسماء، فكل ذلك شرك أكبر؛ لأن العبرة بحقائق الأشياء ومعانيها دون ألفاظها وعباراتها"

(3)

.

ويقول الشيخ محمد الأمين الشنقيطي: "لأن الحقائق لا تتغير بإطلاق الألفاظ عليها كما هو معلوم"

(4)

.

*‌

‌ المسألة الخامسة * فوائد القاعدة وتطبيقاتها

لقد فرَّعَ أهل العلم بعض الفروع والجزئيات والمسائل على هذه القاعدة، واستفادوا منها في إبطال كثير من البدع والضلالات، وفيما

(1)

تطهير الاعتقاد عن أدران الألحاد (ص 107).

(2)

صيانة الإنسان عن وسوسة الشيخ دحلان (ص 199).

(3)

القول السديد في مقاصد التوحيد (ص 31).

(4)

أضواء البيان للشنقيطي (1/ 307).

ص: 997

يأتي أتناول بعض ما ذكره أهل العلم من فروع ومسائل متعلقة بالقاعدة، أو ظهر لي من خلال كلامهم:

أولًا: دلت القاعدة على ثبات الحقائق والمعاني للألفاظ والأسماء، إذ إن جميع الأحكام الشرعية إنما بنيت على الحقائق والمعاني، وهي بلا شك مرتبطة بأسمائها الشرعية التي جاءت بها النصوص الشرعية في القرآن والسُّنَّة، فالعبرة والمعول على الحقائق والمعاني، فهي التي عليها مدار الأحكام، وبها يكون الحكم والقضاء، ولا ينكر أهمية المحافظة على الألفاظ والأسماء الشرعية، وأن تغييرها مع اعتبار الحقيقة الأولى يعد من التحريف والكذب على الله تعالى.

ويستخلص من ذلك: أن حكم الشيء تابع لحقيقته ومعناه، لا لاسمه ولفظه ولا لاعتقاد فاعله: يوضح ذلك: أن من أطاع مخلوقًا في تحليل ما حرم الله، أو تحريم ما أحل الله فقد اتخذه ربًّا وإلهًا ومعبودًا من دون الله، كما قال تعالى في شأن اليهود والنصارى:{اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (31)} [التوبة: 31]، وقد قال عديّ بن حاتم لما قدم على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقرأ هذه الآية فقال للنبي صلى الله عليه وسلم: إنهم لم يعبدوهم فقال صلى الله عليه وسلم: "أما إنهم لم يكونوا يعبدونهم ولكنهم كانوا إذا أحلُّوا لهم شيئًا استحلوه، وإذا حرَّموا عليهم شيئًا حرموه"

(1)

.

فهؤلاء الذين أخبر الله عنهم في هذه الآية لم يسمّوا أحبارهم

(1)

أخرجه الترمذي في جامعه، كتاب: تفسير القرآن (5/ 278)، برقم (3095)، والبيهقي في السُّنن الكبرى (10/ 116)، برقم (20137)، وصحح الشيخ الألباني بعض طرقه في السلسلة الصحيحة (7/ 861)، رقم (3293)، وحسن بعضها في غاية المرام حديث رقم (6).

ص: 998

ورهبانهم أربابًا ولا آلهة، ولا معبودين، ولا كانوا يعتقدون أو يظنون أن فعلهم هذا معهم عبادة لهم، ولهذا استعظم عدي هذا وقال: إنهم لم يعبدوهم، ومع ذلك سمَّاهم الله أربابًا وبيَّن النبي صلى الله عليه وسلم أن فعلهم هذا عبادة وتأليه لهم، ولم يكن عدم ظنهم هذا عذرًا لهم، ولا مزيلًا لاسم فعلهم ولا رافعًا لحقيقته وحكمه.

وفي هذا دلالة على أن حكم الشيء تابع لحقيقته وما هو عليه، لا لاسمه، ولا لاعتقاد فاعله.

ثانيًا: فيها الرد على من أجاز الشرك الواضح الذي لا شك فيه بحجة أنه توسل إلى الله تعالى بأهل الخير والصلاح، وأنه من محبة الأولياء ومن حقهم علينا، والقاعدة تبطل هذا المفهوم الشركي، بل هذا هو عين الإشراك بالله تبارك وتعالى.

يقول الإمام ابن القيم في كلامه على حكم الساحر: "والساحر وإن لم يسم هذا عبادة للشيطان فهو عبادة له، وإن سماه بما سماه به" فإن الشرك والكفر هو شرك وكفر لحقيقته ومعناه، لا لاسمه ولفظه، فمن سجد لمخلوق، وقال ليس هذا بسجود له، وهذا خضوع وتقبيل الأرض بالجبهة كما أقبلها بالنعم، أو هذا إكرام لم يخرج بهذه الألفاظ عن كونه سجودًا لغير الله فليسمه بما شاء"

(1)

.

ويقول الإمام الشوكاني: "إذ ليس الشرك هو مجرد إطلاق بعض الأسماء على بعض المسميات، بل الشرك هو أن يفعل لغير الله شيئًا يختص به سبحانه؛ سواء أطلق على ذلك الغير ما كان تطلقه عليه الجاهلية، أو أطلق عليه اسمًا آخر، فلا اعتبار بالاسم قط، ومن لم يعرف هذا فهو جاهل لا يستحق أن يخاطب بما يخاطب به أهل العلم"

(2)

.

(1)

بدائع الفوائد (2/ 461).

(2)

رسالة الدر النضيد في إخلاص كلمة التوحيد (ص 18)، ضمن مجموع (الرسائل =

ص: 999

ويقول الشيخ سليمان بن سحمان: "هذه العبادة التي صرفها المشركون الأولون لآلهتهم هي ما يفعله المشركون من عباد القبور في هذه الأزمان سواء بسواء، وإن زعموا أن هذا توسل، فالعبرة بالحقائق لا بالأسماء"

(1)

.

كما أبطل الشيخ عبد اللطيف آل الشيخ رحمه الله مقالة من قال: إن دعاء الصالحين والاستغاثة بهم فيما لا يقدر عليه إلا الله يسمى توسلًا عنده وتشفعًا. فقال: "وهذا فرار منه أن يسميه شركًا وكفرًا، وهذا من جنس جهله بالأسماء والمسميات

، وأن التوسل صار مشتركًا في عرف كثيرين، وأن العبرة بالحقائق لا بالأسماء، وأن الله سمى هذا شركًا وعبادة لغيره في مواضع من كتابه

، فإياك أن تغتر بالإلحاد وتغيير الأسماء؛ فقف مع الحدود الشرعية، واعتبر بالحقائق تعرف أن هؤلاء مشركون وثنيون، عبَّاد قبور، لا يستريب في ذلك إلّا جاهل بأصل الإسلام لم يدر ما جاءت به الرسل الكرام"

(2)

.

ولقد دخل كثير من هذه الأمة في الشرك بالله، والتعلق على من سواه، ويسمون ذلك توسلًا، وتشفعًا، وتغيير الأسماء، لا اعتبار به، ولا تزول حقيقة الشيء، ولا حكمه بزوال اسمه، وانتقاله في عرف الناس، واستبداله باسم آخر، ولما علم الشيطان أن النفوس تنفر من تسمية ما يفعله المشركون تألهًا، أخرجه في قالب آخر، تقبله النفوس، فتغيير الأسماء، لا يزيل الحقائق، فمن ارتكب شيئًا من الأمور الشركية، فهو مشرك، وإن سمى ذلك توسلًا، وتشفعًا

(3)

.

= السلفية في إحياء سنة خير البرية)، للإمام الشوكاني.

(1)

الضياء الشارق في رد شبهات الماذق المارق (ص 406).

(2)

منهاج التأسيس والتقديس في كشف شبهات داود بن جرجيس (ص 17).

(3)

انظر: الدرر السنية في الأجوبة النجدية (1/ 567 - 568).

ص: 1000

وذكر العلامة محمود شكري الألوسي حقيقة واقع أهل القبور، وما وقعوا فيه من التلبيس والتدليس بتغييرهم للأسماء، وبين رحمه الله أن هذا التغيير لا يغير من الحقيقة شيئًا، وأن العبرة بحقائق أفعالهم وأعمالهم؛ فقال ما ملخصه: "ونذكر لك طرفًا من معتقد هؤلاء وحقيقة ما هم عليه من الدين؛ ليعلم الواقف عليه أي الفريقين أحق بالأمن؛ إن كان الواقف ممن اختصه الله بالفضل والمن، ولئلا يلتبس الأمر بتسميتهم لكفرهم ومحالهم تشفعًا وتوسلًا واستظهارًا، مع ما في التسمية من الهلاك المتناهي عند من عقل الحقائق.

من ذلك محبتهم مع الله محبة تأله وخضوع ورجاء، ودعاؤهم مع الله في المهمات، والعكوف حول أجداثهم، وتقبيل أعتابهم، والتمسح بآثارهم، طلبًا للغوث واستجابة الدعوات، وإظهار الفاقة وإبداء الفقر والضراعة واستنزال الغيوث والأمطار، وطلب السلامة من شدائد البراري والبحار، وسؤالهم تزويجهم الأرامل والأيامى، واللطف بالضعفاء واليتامى، والاعتماد عليهم في المطالب العالية، وتأهيلهم لمغفرة الذنوب والنجاة من الهاوية، وإعطاء تلك المراتب السامية وجماهيرهم -لما ألفت ذلك طباعهم، وفسدت به فطرهم، وعز عنه امتناعهم - لا يكاد يخطر ببال آحاد المسلمين من قصد الله تعالى، والإنابة إليه، بل ليس ذلك عندهم إلا الولي الفلاني، ومشهد الشيخ فلان، حتى جعلوا الذهاب إلى المشاهد عوضًا عن الخروج للاستسقاء، والإنابة إلى الله تعالى في كشف الشدائد والبلوى، وكل هذا رأيناه وسمعناه عنهم، فهل سمعت عن جاهلية العرب، مثل هذه الغرائب التي ينتهي عندها العجب.

والكلام مع ذكي القلب، يقظ الذهن، قوي الهمة، العارف بالحقائق، ومن لا ترضى نفسه بحقيقة التقليد في أصول الديانات والتوحيد، وأما ميت القلب، بليد الذهن، وضيع النفس، جامد القريحة،

ص: 1001

ومن لا تفارق همته التشبث بأذيال التقليد والتعلق بما يحكى عن فلان وفلان في معتقد أهل المقابر والتنديد؛ فذاك فاسد الفطرة، معتل المزاج، وخطابه محض عناء ولجاج.

إلى أن قال رحمه الله:

وباب تصرف المشايخ والأولياء قد اتسع حتى سلكه جمهور من يدعي الإسلام حتى سلكه جمهور من يدعي الإسلام من أهل البسيطة وخرقه قد هلك في بحاره أكثر من سكن الغبراء، وأظلته المحيطة، حتى نسي القصد الأول من التشفع والوساطة، فلا يعرج عليه عندهم إلا من نسي عهود الحمى فعاد الأمر إلى الشرع في توحيد الربوبية والتدبير والتأثير، ولم يبلغ شرك الجاهلية الأولى إلى هذه الغاية، بل ذكر الله عز وجل أنهم يعترفون به، ولذلك احتج عليهم في غير موضع من كتابه بما أقروا به من الربوبية، والتدبير على ما أنكروه من الإلهية.

ولا يمانع هذا إلا مكابر في الحسيات وإن فقد بعض أنواع في بعض البلاد فكم له من نظائر،

ومن شاهد ما يقع منهم عند مشهد علي والحسين وموسى الكاظم، ومحمد الجواد رضي الله عنهم عند رافضتهم، والشيخ عبد القادر والحسن البصري والزبير وأمثالهم رضي الله عنهم عند سنتهم: من العبادات وطلب العطايا والمواهب والتصرفات، وأنواع الموبقات علم أنهم من أجهل الخلق وأضلهم وأنهم في غاية من الكفر والشرك ما وصل إليها من قبلهم ممن ينتسب إلى الإسلام، والله المسؤول أن ينصر دينه، ويعلي كلمته بمحو هذه الضلالات حتى يعبد وحده، فتسلم الوجوه له، وتعود البيضاء كما كانت ليلها كنهارها"

(1)

.

ويبين الشيخ عبد العزيز بن باز استشكال من يقول: إن المتأخرين لم يدعوا عبادة الأولياء أو الصالحين، وإنما هم يتبركون بهم، فقال:

(1)

انظر: تاريخ نجد، للعلامة: محمود شكري الألوسي (ص 75 - 79).

ص: 1002

"الاعتبار بالحقائق والمعنى لا باختلاف الألفاظ، فإذا قالوا: ما نعبدهم وإنما نتبرك بهم، لم ينفعهم ذلك، ما داموا فعلوا فعل المشركين من قبلهم، وإن لم يسموا ذلك عبادة، بل سموه توسلًا أو تبركًا، فالتعلق بغير الله، ودعاء الأموات، والأنبياء، والصالحين، والذبح لهم، أو السجود لهم، أو الاستغاثة بهم، كل ذلك عبادة ولو سموها خدمة، أو سموها غير ذلك؛ لأن العبرة بالحقائق لا بالأسماء كما تقدم"

(1)

.

ويقول الشيخ صالح الفوزان -حفظه الله-: "والآن عَبَدَة القبور يقولون: هذا ليس بشرك، هذا توسُّل، وهذا محبة للأولياء والصالحين. إن أولياء الله الصالحين لا يرضون بهذا العمل، ولا يرضون أن تُجعل قبورهم أوثانًا تُعبد من دون الله، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: "اللَّهُمَّ لا تجعل قبري وثنًا يُعبد، اشتد غضب الله على قوم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد"

(2)

، فدلّ على أن تعظيم القبور والتبرك بها يجعلها أوثانًا تُعبد من دون الله.

فالحاصل؛ أن هذا فيه دليل على أن العبرة في المعاني لا في الألفاظ، فاختلاف الألفاظ لا يؤثر، وإن سموه توسّلًا، أو سموه إظهارًا لشرف الصالحين، أو وفاءً بحقهم علينا -كما يقولون-، هذا هو الشرك، سواء بسواء، فالذي يتبرّك بالحجر أو بالشجر أو بالقبر قد اتخذه إلهًا، وإن كان يزعم أنه ليس بإله، فالأسماء لا تغير الحقائق، إذا سمّيت الشرك، توسلًا، أو محبة للصالحين، أو وفاءً بحقهم، نقول: الأسماء لا

(1)

مجموع فتاوى ومقالات متنوعة (3/ 139).

(2)

أخرجه الإمام مالك في الموطأ (1/ 172)، برقم (414)، مرسلًا عن عطاء بن يسار، وابن أبي شيبة في المصنف (2/ 150)، برقم (7544)، عن زيد بن أسلم عن النبى صلى الله عليه وسلم، وللحديث طريق آخر عند أحمد بلفظ:"اللَّهُمَّ لا تجعل قبري وثنًا لعن الله قومًا اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد" من طريق سهيل بن أبي صالح عن أبيه، عن أبي هريرة رضي الله عنه. قال الشيخ الألباني:"وهذا سند صحيح رجاله كلهم ثقات رجال مسلم غير حمزة بن المغيرة وهو المخزومي وهو ثقة بلا خلاف". [انظر: الثمر المستطاب في فقه السُّنَّة والكتاب (1/ 361)].

ص: 1003

تغير الحقائق"

(1)

.

ثالثًا: هذه القاعدة بمثابة السد المنيع، والباب المغلق أمام جميع أهل الباطل من أصحاب الديانات المحرفة، أو من أهل الأهواء المضلة والبدع المغوية والمبعدة عن هدي القرآن والسُّنَّة، ولو فتح هذا الباب لتبدلت الشرائع، وفسدت الأحكام، ولم يوثق بعدها بنص أو تنزيل.

يقول الإمام ابن القيم: "ولو أوجب تبديلُ الأسماء والصور تبدلَ الأحكام والحقائق لفسدت الديانات، وبدلت الشرائع، واضمحل الإسلام، وأي شيء نفع المشركين تسميتهم أصنامهم آلهة، وليس فيها شيء من صفات الإلهية وحقيقتها، وأي شيء نفعهم تسمية الإشراك بالله تقربًا إلى الله، وأي شيء نفع المعطلين لحقائق أسماء الله وصفاته تسمية ذلك تنزيهًا، وأي شيء نفع الغلاة من البشر واتخاذهم طواغيت يعبدونها من دون الله تسمية ذلك تعظيمًا واحترامًا، وأي شيء نفع نفاة القدر المخرجين لأشرف ما في مملكة الرب تعالى من طاعات أنبيائه، ورسله، وملائكته، وعباده عن قدرته تسمية ذلك عدلًا، وأي شيء نفعهم نفيهم لصفات كماله تسمية ذلك توحيدًا، وأي شيء نفع أعداء الرسل من الفلاسفة القائلين بأن الله. لم يخلق السماوات والأرض في ستة أيام، ولا يحيي الموتى، ولا يبعث من في القبور، ولا يعلم شيئًا من الموجودات، ولا أرسل إلى الناس رسلًا يأمرونهم بطاعته تسمية ذلك حكمة، وأي شيء نفع أهل النفاق تسمية نفاقهم عقلًا معيشيًا، وقدحهم في عقل من لم ينافق نفاقهم، ويداهن في دين الله، وأي شيء نفع المكسة تسمية ما يأخذونه ظلمًا وعدوانًا حقوقًا سلطانية، وتسمية أوضاعهم الجائرة الظالمة المناقضة لشرع الله ودينه شرعَ الديوان.

وأي شيء نفع أهل البدع والضلال تسمية شبهم الداحضة عند

(1)

إعانة المستفيد بشرح كتاب التوحيد (1/ 162).

ص: 1004

ربهم، وعند أهل العلم والدين والإيمان عقليات، وبراهين، وتسمية كثير من المتصوفة الخيالات الفاسدة، والشطحات حقائق، فهؤلاء كلهم حقيق أن يتلى عليهم:{إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ} [النجم: 23].

وكما يسمي بعضهم المغني بالحادي، والمطرب، والقوال، وكما يسمي الديوث بالمصلح، والموفق، والمحسن، ورأيت من يسجد لغير الله من الأحياء والأموات، ويسمى ذلك وضع الرأس للشيخ، قال: ولا أقول هذا سجود، وهكذا الحيل سواء، فإن أصحابها يعمدون إلى الأحكام فيعلقونها بمجرد اللفظ، ويزعمون أن الذي يستحلونه ليس بداخل في لفظ الشيء المحرم، مع القطع بأن معناه معنى الشيء المحرم"

(1)

.

ويقول الإمام ابن أبي العز الحنفي في رده على من سمى إثبات صفات الله تركيبًا: "هم سموه تركيبًا لينفوا به صفات الرب تعالى، وهذا اصطلاح منهم لا يعرف في اللغة، ولا في استعمال الشارع، فلسنا نوافقهم على هذه التسمية ولا كرامة، ولئن سموا إثبات الصفات تركيبًا فنقول لهم: العبرة للمعاني لا للألفاظ، سموه ما شئتم، ولا يترتب على التسمية بدون المعنى حكم، فلو اصطلح على تسمية اللبن خمرًا لم يحرم بهذه التسمية"

(2)

.

رابعًا: ومما يعد من دلالات أو فروع القاعدة: أن الحقائق لا تتغير بتغير الشعارات والعناوين والألقاب والانتسابات، فليس كل من انتسب إلى السُّنَّة، أو رفع شعارها صحت نسبته، وبورك شعاره، وإن كان مخالفًا للسُّنَّة، متنكرًا لها، معاديًا لأهلها أين ما كانوا، ومبغضًا لحملتها أين ما حلوا، فتسميته وانتسابه لا يغير في حقيقة أمره شيئًا.

(1)

إعلام الموقعين (3/ 117 - 118).

(2)

شرح العقيدة الطحاوية (ص 226).

ص: 1005

ولذا يقول أبو البقاء الكفوي: "العبرة للمعاني دون الصور والمباني"

(1)

.

خامسًا: ومما يستفاد من القاعدة: استعمالها في وزن أقوال الناس وآرائهم ونتائج عقولهم، بحيث لا يغتر بالأقوال والعبارات والألفاظ، إلا بعد تفحصها، ومعرفة حقيقتها، والوصول إلى مضمونها، وملاحظة ما تؤول إليه، وبعد ذلك تعرض على ميزان الكتاب والسُّنَّة، فما وافقهما منها قُبِلَ وإن كانت عبارته ركيكة، وألفاظه منفرة، وما خالفهما من تلك الأقوال رُدَّ وأُبعد وإن كانت ألفاظها منمقة، وأسلوبها مبهرجًا.

يقول الشيخ السعدي: "وأما أهل الإيمان بالآخرة، وأولو العقول الوافية، والألباب الرزينة، فإنهم لا يغترون بتلك العبارات، ولا تخلبهم تلك التمويهات، بل همتهم مصروفة إلى معرفة الحقائق، فينظرون إلى المعاني التي يدعو إليها الدعاة؛ فإن كانت حقًا قبلوها وانقادوا لها، ولو كسيت عبارات رديئة، وألفاظًا غير وافية، وإن كانت باطلًا ردوها على من قالها، كائنًا من كان، ولو أُلْبِسَت من العبارات المستحسنة ما هو أرق من الحرير"

(2)

.

ويقول أيضًا في معنى قوله تعالى: {يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا} [الأنعام: 112]: "أي: يزين بعضهم لبعض الأمر الذي يدعون إليه من الباطل، ويزخرفون له العبارات حتى يجعلوه فى أحسن صورة ليغتر به السفهاء، وينقاد له الأغبياء الذين لا يفهمون الحقائق، ولا يفقهون المعاني، بل تعجبهم الألفاظ المزخرفة، والعبارات المموهة، فيعتقدون الحق باطلًا والباطل حقًا"

(3)

.

(1)

كتاب الكليات (ص 1067).

(2)

تفسير السعدي (ص 270).

(3)

تفسير السعدي (ص 269 - 270).

ص: 1006