الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وتعالى للمشفوع له لينال الخير والأجر والنعيم، ويوقى الشر والعذاب، ولكنها أخص من الدعاء من حيث إن الدعاء يتصور أن يصدر من شخص واحد يطلب أمرًا له أو لغيره من غير طلب المدعو له لهذا الأمر، بل قد لا يعلم به أصلًا ولا يتصوره في نفسه، وهذا بخلاف الشفاعة إذ لا تكون إلا إذا كان هناك شخصان يطلبان أمرًا، فيشفع أحدهما الآخر بخلاف الطالب الواحد الذي لم يشفع غيره
(1)
.
*
المسألة الثانية * بيان معنى القاعدة
دلت القاعدة في الجملة على أمرين عظيمين:
الأول: أن مالك الشفاعة هو الله تعالى، فلا يملكها مخلوق على الإطلاق لا مَلَكٌ مقرب، ولا نبي مرسل، ولا ولي ولا صالح ولا جن ولا إنس، بل هي حق الله الخالص الذي لا يشركه فيه مخلوق بحال.
الثاني: أن الأصل في الاستشفاع وهو طلب الشفاعة أن يكون من مالكها وهو الرب تعالى، أو ممن أذن الله تعالى أن يستشفع به فمن طلبها من غير الله أو من غير من أذن له وقع في الشرك الأكبر.
فالقاعدة قررت ملك الله تعالى الكامل للشفاعة واستقلاله بها، فالمخلوقات دونه سبحانه لا تملك شيئًا من هذه الشفاعة على الإطلاق، وعليه فلا تطلب إلا من مالكها أو ممن أذن له سبحانه أن يشفع.
= على مهمات التعاريف (ص 432)، فتح الباري لابن حجر (11/ 441)، الكليات لأبي البقاء (ص 536)، لوامع الأنوار للسفاريني (2/ 204)، روح المعاني (5/ 97)، والتحرير والتنوير لابن عاشور (1/ 486)، القول المفيد على كتاب التوحيد لابن عثيمين (1/ 331).
(1)
انظر: مجموع الفتاوى (1/ 242)، والتوسل أنواعه وأحكامه للشيخ الألباني (ص 73).
يقول الإمام ابن تيمية: "إذ المخلوق لا يملك شيئًا يشارك فيه الخالق، كما قد ذكرناه في قوله: {وَلَا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الشَّفَاعَةَ} [الزخرف: 86]: أن هذا عام مطلق؛ فإن أحدًا ممن يدعى من دونه لا يملك الشفاعة بحال، ولكن الله إذا أذن لهم شفعوا من غير أن يكون ذلك مملوك لهم"
(1)
.
ولزيادة التوضيح والبيان لمعنى القاعدة فإن الاستشفاع وهو طلب الشفاعة يكون على ثلاث أحوال:
الحالة الأولى: طلب الشفاعة في الدنيا ممن هو حي حاضر وقادر على أداء الشفاعة، وتكون الشفاعة فيما أباحه الله ورضيه لا فيما حرمه ومنعه، والشافع سائلٍ وداعٍ قد تقبل شفاعته بما له عند المُشَفِّع من المكانة والمنزلة والجاه وقد ترد، وهذه الشفاعة شاملة لأمور الدنيا والآخرة، وقد يكون المشفوع إليه هو الله تعالى وقد يكون غيره، فهذا مما أمر الله به أو أباحه
(2)
.
الحالة الثانية: طلب الشفاعة في الدنيا من الميت، أو من الحي الغائب، سواء كان موضوع الشفاعة يتعلق بأمر دنيوي، أو بأمر أخروي: فهذه هي الشفاعة الشركية، وهي شفاعة المشركين وقد أبطلها القرآن ونفاها في غير ما موضع، ولذا لم يثبت عن أحد من الصحابة رضي الله عنهم ولا
(1)
مجموع الفتاوى (14/ 397).
(2)
يقول العز بن عبد السلام فيما يتعلق بمصالح الشفاعات الدنيوية ومقاصدها: "وأما الشفاعات، فمصالحها للشافعين أخروية إذا قصدوا بذلك وجه الله عز وجل، وأما المشفوع لهم فإن كانت الشفاعة في أمر دنيوي فهي دنيوية وسيلتها خير منها، وإن كانت أخروية كمن يشفع [في] تعليم علم، أو إعانة على عبادة من العبادات؛ كالجهاد والحج فهي للمشفوع له أخروية، وأجر المشفوع إليه أفضل من أجر الشافع؛ لأن الشافع مسبب، والمشفوع إليه مباشر، والمقاصد أفضل من الوسائل". [الفوائد في اختصار المقاصد للعز بن عبد السلام وهو المسمى بالقواعد الصغرى (ص 60)، وما بين المعقوفتين لعله سقط وهي زيادة يقتضيها السياق].
عن تابعيهم، ولا عن أحد من سلف الأمة أنه دعا ميتًا أو غائبًا أو طلب منه الشفاعة.
ومن المعلوم بداهة أن طلب الشفاعة من أحد يلزم منه علم الشافع بهذه الشفاعة، ثم أداؤها، والميت أو الغائب إذا اسْتُشْفِعَ به فإنه لا يعلم بهذه الشفاعة، ولا يستطيع أداءها بحكم موته أو غيبته، وعليه فإن الشفاعة باطلة من أساسها
(1)
.
الحالة الثالثة: طلب الشفاعة يوم القيامة، وهذه على ضربين:
أحدهما: شفاعة مثبتة وهي شفاعة الأنبياء والملائكة والصالحين والشهداء وهي جائزة ونافعة إذا تحققت فيها شروط قبول الشفاعة وهي: إذنه سبحانه للشافع أن يشفع وللمشفوع له أن يشفع فيه
(2)
، ثم رضاه عز وجل عن الشافع والمشفوع له
(3)
.
(1)
والذي يطلب الشفاعة من الميت فإنه يعتقد علم الميت بحاله وسماعه لكلامه، وقدرته على أداء الشفاعة وتحقيق ما طلبه منه، ولا شك أن الميت ليس بوسعه فعل كل ذلك، ولذا بيَّن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث أبي هريرة رضي الله عنه انقطاع الأعمال عن الميت إلا ما استثناه صلى الله عليه وسلم فقال:"إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله إلا من ثلاثة إلا من صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له". [أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الوصية، باب: ما يلحق الإنسان من الثواب بعد وفاته، (3/ 1255)، رقم (1631)].
يقول الشيخ عبد الله أبا بطين في حديث انقطاع عمل الميت: "فدل على أن هذه الأشياء التي يطلبها المشركون من الأموات من قضاء حوائجهم أو الدعاء لهم ونحو ذلك التي هي أعمال صالحة من الحي قد استحال وجودها من الميت، فطلبها منه طلبٌ مستحيل لعجزه حسًّا، فلا يملك لنفسه ولا لغيره نفعًا ولا ضرًا، ولا موتًا ولا حياة ولا نشورًا". [تأسيس التقديس في كشف تلبيس داود بن جرجيس (ص 89)، وانظر: البراهين الإسامية (ص 66)].
(2)
يقول الإمام ابن كثير: "وهذا من عظمته وجلاله وكبريائه عز وجل أنه لا يتجاسر أحد على أن يشفع لأحد عنده إلا بإذنه له في الشفاعة". [تفسير ابن كثير (1/ 310)].
(3)
هذا هو الذي حققه شيخ الإسلام ابن تيمية في أن الإذن والرضا كلاهما يتعلق بالشافع والمشفوع له، خلافًا لمن قصر الإذن على الشافع، والرضا عن المشفوع له. =
الثاني: الشفاعة المنفية وهي التي يتخلف عنها أحد شرطي الشفاعة المثبتة، هذا النوع من الشفاعة غير واقع أصلًا، وإنما شيء تخيله المشركون في أذهانهم المنكوسة، وإلا فمن الذي يتجرأ في ذلك اليوم العصيب أن يتقدم ويتكلم ويخاطب رب العزة بدون إذنه سبحانه، بل قال سبحانه في شأن الملائكة:{يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَائِكَةُ صَفًّا لَا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَقَالَ صَوَابًا (38)} [النبأ: 38].
وجملة القول أن الشفاعة إما أن تكون دنيوية يطلبها المستشفع في الدنيا، وإما أن تكون أخروية تطلب في الآخرة، والقاعدة دلت على أن الشفاعة ملك لله تعالى مطلقًا في الدنيا والآخرة، وأما كون طلبها ورجائها من غير الله أو من غير من أذن له شرك فهذا خاص بالحالة الثانية وهي طلب الشفاعة من الميت، أو من الحي الغائمب، الذي ليس
= يقول الإمام ابن تيمية: "وذلك أنه سبحانه قال: {يَوْمَئِذٍ لَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلًا (109)} [طه: 109] والشفاعة: مصدر شفع شفاعة، والمصدر يضاف إلى (الفاعل) تارة، وإلى (محل الفعل) تارة، ويماثله الذي يسمى لفظه (المفعول به) تارة، كما يقال: أعجبني دق الثوب، ودق القصار، وذلك مثل لفظ العلم، يضاف تارة إلى العلم، وتارة إلى المعلوم، فالأول كقوله: {وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ} [البقرة: 255]، ونحو ذلك. والثاني: كقوله: {إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ} [لقمان: 34]، فالساعة هنا معلومة لا عالمة، وقوله حين قال فرعون: {قَالَ فَمَا بَالُ الْقُرُونِ الْأُولَى (51)} [طه: 51] قال موسى: {قَالَ عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لَا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنْسَى (52)} [طه: 52]، ومثل هذا كثير. فالشفاعة مصدر لا بد لها من شافع ومشفوع له، والشفاعة تعم شفاعة كل شافع وكل شفاعة لمشفوع له، فإذا قال: {يَوْمَئِذٍ لَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ} [طه: 109]: نفى النوعين شفاعة الشفعاء والشفاعة للمذنبين فقوله: {إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ}: يتناول النوعين؛ من أذن له الرحمن ورضي له قولًا من الشفعاء، ومن أذن له الرحمن ورضي له قولًا من المشفوع له، وهي تنفع المشفوع له فتخلصه من العذاب، وتنفع الشافع فتقبل منه، ويكرم بقبولها، ويثاب عليه، والشفاعة يومئذٍ لا تنفع لا شافعًا ولا مشفوعًا له {إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَقَالَ صَوَابًا (38)} [النبأ: 38]، فهذا الصنف: المأذون لهم، المرضي قولهم، هم الذين يحصل لهم نفع الشفاعة وهذا موافق لسائر الآيات". [مجموع الفتاوى (14/ 391 - 392)].
في مقدوره أداء الشفاعة، والله تعالى لم يأذن لنا في دعاء الأموات ولا غيرهم إلا هو سبحانه، فقال عز وجل:{وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا (18)} [الجن: 18]، ومن المعلوم أن طلب الشفاعة من الله تعالى دعاء وهو عبادة فلا يجوز صرفها لغيره سبحانه وتعالى.
ولذلك قسَّم -الإمام المجدد- الشيخ محمد بن عبد الوهاب الشفاعة إلى قسمين، فقال رحمه الله: "والشفاعة شفاعتان؛ شفاعة منفية؛ وشفاعة مثبتة: فالشفاعة المنفية، هي التي تطلب من غير الله فيما لا يقدر عليه إلا الله
(1)
؛ والدليل قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خُلَّةٌ وَلَا شَفَاعَةٌ وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ (254)} [البقرة: 254]، والمثبتة: هي التي تطلب من الله فيما لا يقدر عليه إلا الله؛ والشافع: مكرم بالشفاعة؛ والمشفوع له: من رضي الله قوله وعمله، بعد الإذن"
(2)
.
وأما طلبها في الآخرة ممن أذن له، أو في الدنيا من الأنبياء والصالحين حال حياتهم وحضورهم فهذا جائز لا منع فيه.
(1)
يقول الإمام ابن تيمية: "وتفصيل القول أن مطلوب العبد إن كان من الأمور التي لا يقدر عليها إلا الله تعالى؛ مثل أن يطلب شفاء مريضه من الآدميين والبهائم، أو وفاء دينه من غير جهة معينة، أو عافية أهله وما به من بلاء الدنيا والآخرة، وانتصاره على عدوه، وهداية قلبه، ويحسن خلقه، ويزكى نفسه، وأمثال ذلك، فهذه الأمور كلها لا يجوز أن تطلب إلا من الله تعالى، ولا يجوز أن يقول لملك ولا نبي ولا شيخ، سواء كان حيًا أو ميتًا: اغفر ذنبي، ولا انصرني على عدوي، ولا اشف مريضي، ولا عافني أو عاف أهلي أو دابتي، وما أشبه ذلك، ومن سأل ذلك مخلوقًا كائنًا من كان فهو مشرك بربه من جنس المشركين الذين يعبدون الملائكة والأنبياء والتماثيل التي يصورونها على صورهم، ومن جنس دعاء النصارى للمسيح وأمه
…
وأما ما يقدر عليه العبد: فيجوز أن يطلب منه في بعض الأحوال دون بعض؛ فإن مسألة المخلوق قد تكون جائزة وقد تكون منهيًا عنها". [مجموع الفتاوى (27/ 67 - 68)].
(2)
الدرر السنية في الأجوبة النجدية (2/ 24)، [وانظر: القواعد الأربع ضمن مجموع مؤلفات الشيخ محمد بن عبد الوهاب (6/ 145)].
يقول الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن آل الشيخ: "فإن الخصومة والنزاع في طلب الشفاعة، أو غيرها من الشفعاء في حال مماتهم، وقصدهم لذلك، ونحوه من المطالب المهمة، وأما حصول الشفاعة بسؤاله صلى الله عليه وسلم إياها يوم القيامة، فهذا لا ينكر، وهو من جنس ما كان يطلب منه في حياته صلى الله عليه وسلم، وأما بعد موته فلم يعرف عن أحد من أصحابه ولا عن أحد من أئمة الإسلام بعدهم أنه دعاه وطلب منه شفاعته أو غيرها، وإنما فعله بعض الخلوف الذين لا يرجع إليهم في مسائل الأحكام"
(1)
.
ويقول الشيخ محمد بشير السهسواني: "وجملة القول أن طلب الشفاعة منه صلى الله عليه وسلم في حياته ثابتة بلا شك، وكذلك طلب الشفاعة منه صلى الله عليه وسلم يوم القيامة، وهذا لا ينكره أحد"
(2)
.
ويقول الشيخ حسين بن غنام
(3)
في بيان أن طلب الشفاعة من الميت كفر مخرج عن الدين: "وأما كون الطلب لها والسؤال كفرًا مبيحًا للدم والمال، فهذا كلام فيه غاية الإجمال، بل هو من المغالطة في
(1)
منهاج التأسيس والتقديس في كشف شبهات داود بن جرجيس، للشيخ عبد اللطيف آل الشيخ (213).
(2)
صيانة الإنسان عن وسوسة الشيخ دخلان (ص 363)، وقال أيضًا:"ثبوت الشفاعة وحصول الإذن يوم القيامة مسلّم لا ينكره أحد من أهل السُّنَّة والجماعة، وأما حصول الإذن الآن بالشفاعة التي تكون يوم القيامة فثبوته غير مسلم". [المصدر السابق (ص 372)].
(3)
هو: الشيخ حسين بن أبي بكر ابن غنام الإحسائي، المالكي مذهبًا، التميمي نسبًا، ولد ببلدة المبرز بالإحساء، ونشأ بها، ثم نزح من الإحساء إلى مدينة الدرعية ونزل على الإمام عبد العزيز بن محمد بن سعود، والشيخ محمد بن عبد الوهاب، فأكرماه وأنزلاه المنزلة الرفيعة، فاستقر في الدرعية وجلس فيها لطلبة العلم، وقد ألف مؤلفين هما: العقد الثمين في أصول الدين، وتاريخه المشهور بتاريخ ابن غنام وقد سماه: روضة الأفكار والأفهام لمرتاد حال الإمام وتعداد غزوات ذوي الإسلام. توفي سنة 1225 هـ في الدرعية. [ترجمته في: مشاهير علماء نجد وغيرهم (ص 147)، ومعجم المؤلفين (1/ 605) برقم (4557)].
المناظرة والجدال، والذي نجزم به وندين هو ما أفصح به النور المبين، وذلك أن الحكم مختلف باختلاف الحال، في صدور السؤال والمقال:
فما كان في حياته عليه الصلاة والسلام فليس إلى منعه من سبيل، لورود النص فيه والدليل، ولا يلزم على ذلك وقوع المحذور، وحاشا أن يُقِرَّ أحدًا على محظور، فقد سأله الشفاعة من أصحابه جماعة
(1)
، ولو كان سؤالها في حياته شركًا لسدَّ بابه، بل لم تسأل ذلك الصحابة، فلا ريب في جواز ذلك ولا إشكال، وليس للمقال فيه مجال.
وأما بعد موته صلى الله عليه وسلم فهو مما لا سبيل إليه، والطرق دونه مسدودة، وما يتشبث به المخالف للصواب من موضوعات الأدلة وضعافها مردودة، لا تقاوم قواطع النصوص، ولا تعارض براهين المنع المنصوص على استواء العموم في ذلك والخصوص.
وحاصل التحقيق في إيضاح هذه الطريق أن نقول:
اعلم أن الشفاعة كالاستغاثة محض حق لله تعالى، لا خلاف فيه بين أهل الحق في ذلك، ولا نزاع، ولا عبرة بخلاف أهل الزيغ والابتداع،
(1)
سؤال الصحابة للنبي صلى الله عليه وسلم الشفاعة والدعاء في حال حياته وحضوره لا يكاد يحصر أو يحصى، ومن ذلك: قول عكاشة بن محصن رضي الله عنه في السبعين ألفًا الذين يدخلون الجنة بلا حساب ولا عذاب: (ادع الله لي يا رسول الله أن يجعلني منهم فقال: اللَّهُمَّ اجعله منهم) صحيح البخاري (5/ 2189)، برقم (5474)، وصحيح مسلم (1/ 198)، برقم (218)، وكقول أم سليم:(يا رسول الله خادمك أنس ادع الله له قال اللَّهُمَّ أكثر ماله وولده وبارك له فيما أعطيته) صحيح البخاري (5/ 2336)، برقم (5984)، وصحيح مسلم (1/ 457)، برقم (660)، وقول والد عبد الله بن بسر رضي الله عنه:(ادع الله لنا، فقال: "اللَّهُمَّ بارك لهم في ما رزقتهم واغفر لهم وارحمهم") صحيح مسلم (3/ 1615)، برقم (2042)، وقول المرأة التي كانت تصرع وتتكشف:(فادع الله لي قال: "إن شئت صبرت ولك الجنة وإن شئت دعوت الله أن يعافيك" فقالت: أصبر فقالت: إني أتكشف فادع الله أن لا أتكشف فدعا لها) صحيح البخاري (5/ 2140)، برقم (5328)، وكقول أبي هريرة رضي الله عنه في قصة إسلام أمه صحيح مسلم (4/ 1938)، برقم (2491)، وغير ذلك كثير.