الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ويقول الإمام القرطبي رحمه الله: "فإذا كان هذا الذي هو أضعف الحيوان وأحقره لا يقدر من عبدوه من دون الله عز وجل على خلق مثله ودفع أذيته فكيف يجوز أن يكونوا آلهة معبودين وأربابًا مطاعين وهذا من أقوى حجة وأوضح برهان"
(1)
.
*
المسألة الثالثة * أقوال أهل العلم في تقرير معنى القاعدة
لقد اهتم أهل العلم بتقرير معنى القاعدة في ثنايا كلامهم على الأدلة القرآنية العقلية الدالة على حسن التوحيد وقبح الشرك، وبيان منتهى شناعته، وعظيم جرمه، وفيما يلي بعض أقوالهم المؤيدة لمعنى القاعدة:
يقول الإمام ابن القيم: "والحق أن وجوبه -يعني حسن التوحيد وقبح الشرك- ثابت بالعقل، والسمع، والقرآن على هذا يدل؛ فإنه يذكر الأدلة والبراهين العقلية على التوحيد، ويبين حسنه، وقبح الشرك عقلًا وفطرة، ويأمر بالتوحيد، وينهى عن الشرك؛ ولهذا ضرب الله سبحانه الأمثال؛ وهي الأدلة العقلية، وخاطب العباد بذلك خطاب من استقر في عقولهم وفطرهم حسن التوحيد ووجوبه، وقبح الشرك وذمه"
(2)
.
ويقول أيضًا -بعد أن ذكر عدة أمثال قرآنية مضروبة لبيان قبح الشرك-: "وهذا يبين أن قبح عبادة غير الله تعالى مستقر في العقول والفطر، والسمع نبَّه العقول وأرشدها إلى معرفة ما أودع فيها من قبح ذلك"
(3)
.
ويقول رحمه الله: "واعلم أنه إن لم يكن حسن التوحيد وقبح الشرك
(1)
تفسير القرطبي (12/ 97).
(2)
مدارج السالكين، لابن القيم (3/ 488).
(3)
المصدر نفسه (1/ 240).
معلومًا بالعقل، مستقرًا في الفطرة فلا وثوق بشيء من قضايا العقل؛ فإن هذه القضية من أجل القضايا البديهيات، وأوضح ما ركب الله في العقول والفطر، ولهذا يقول سبحانه عقيب تقرير ذلك:{أَفَلَا تَعْقِلُونَ} {أَفَلَا تَذَكَّرُونَ} ، وينفي العقل عن أهل الشرك، ويخبر عنهم بأنهم يعترفون في النار أنهم لم يكونوا يسمعون، ولا يعقلون، وأنهم خرجوا عن موجب السمع والعقل، وأخبر عنهم أنهم صم بكم عمي فهم لا يعقلون، وأخبر عنهم إن سمعهم وأبصارهم وأفئدتهم لم تغن عنهم شيئًا، وهذا إنما يكون في حق من خرج عن موجب العقل الصريح، والفطرة الصحيحة، ولو لم يكن في صريح العقل ما يدل على ذلك لم يكن في قوله تعالى:{انْظُرُوا} {سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا} فائدة؛ فإنهم يقولون: عقولنا لا تدل على ذلك، وإنما هو مجرد إخبارك، فما هذا النظر والتفكر والاعتبار والسير في الأرض، وما هذه الأمثال المضروبة، والأقيسة العقلية، والشواهد العيانية، أفليس في ذلك أظهر دليل على حسن التوحيد والشكر. وقبح الشرك والكفر مستقر في العقول والفطر، معلوم لمن كان له قلب حي، وعقل سليم، وفطرة صحيحة"
(1)
.
ويقول المقريزي: "ومن خصائص الإلهيّة العبوديّة التي لا تقوم إلّا على ساق الحب والذّل، فمن أعطاهما لغيره فقد شبّهه بالله سبحانه وتعالى في خالص حقه، وقُبح هذا مستقر في العقول والفطر، لكن لما غيّرت الشياطين فطر أكثر الخلق، واجتالتهم عن دينهم، وأمرتهم أن يشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانًا، كما روى عن الله أعرف الخلق به وبخلقه، عموا عن قبح الشرك حتى ظنّوه حسنًا"
(2)
.
ويقول -الإمام المجدد- الشيخ محمد بن عبد الوهاب في ذكر ما
(1)
مدارج السالكين، لابن القيم (3/ 491).
(2)
تجريد التوحيد المفيد (ص 26).