المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ المسألة الثالثة * أدلة القاعدة - القواعد في توحيد العبادة - جـ ٢

[محمد بن عبد الله باجسير]

فهرس الكتاب

- ‌الفصل الخامسالقواعد المتعلقة بتحقيق توحيد العبادة وأدلته

- ‌المبحث الأولقاعدة تحقيق التوحيد يتضمن تحقيق أصله وكماله الواجب وكماله المستحب وبحسبها يتفاضل المؤمنون

- ‌ المسألة الأولى * معاني مفردات القاعدة

- ‌معنى التحقيق:

- ‌ المسألة الثانية * معنى القاعدة

- ‌ المسألة الثالثة * أدلة القاعدة

- ‌ المسألة الرابعة * أقوال أهل العلم في تقرير معنى القاعدة

- ‌ المسألة الخامسة * فوائد القاعدة وتطبيقاتها

- ‌المبحث الثانيقاعدة توحيد الربوبية هو أصل توحيد الإلهية ودليله الأكبر

- ‌ المسألة الأولى * شرح معاني مفردات القاعدة

- ‌ المسألة الثانية * بيان معنى القاعدة

- ‌ المسألة الثالثة * أدلة القاعدة

- ‌ المسألة الرابعة * أقوال أهل العلم في تقرير معنى القاعدة

- ‌ المسألة الخامسة * فوائد القاعدة وتطبيقاتها

- ‌الفصل السادسالقواعد المتعلقة برد البدع

- ‌المبحث الأولقاعدة العبادات توقيفية

- ‌ المسألة الأولى * شرح ألفاظ القاعدة

- ‌ المسألة الثانية * معنى القاعدة

- ‌ المسألة الثالثة * أدلة القاعدة

- ‌ المسألة الرابعة* أقوال أهل العلم في تقرير معنى القاعدة

- ‌ المسألة الخامسة* فوائد القاعدة وتطبيقاتها

- ‌المبحث الثانيقاعدة اعتبار ما صدر عن النبي صلى الله عليه وسلم عبادة موقوف على قصده التعبد

- ‌ المسألة الأولى* معنى القاعدة

- ‌ المسألة الثانية* أدلة القاعدة

- ‌ المسألة الثالثة * أقوال أهل العلم في تقرير معنى القاعدة

- ‌ المسألة الرابعة * فوائد القاعدة وتطبيقاتها

- ‌المبحث الثالثقاعدة الوسائل لها أحكام المقاصد

- ‌‌‌ المسألة الأولى * شرح ألفاظ القاعدة

- ‌ المسألة الأولى * شرح ألفاظ القاعدة

- ‌معنى الوسائل والمقاصد اصطلاحًا:

- ‌ المسألة الثانية * معنى القاعدة

- ‌ المسألة الثالثة * أدلة القاعدة

- ‌ المسألة الرابعة * أقوال أهل العلم في اعتماد معنى القاعدة

- ‌ المسألة الخامسة * فوائد القاعدة وتطبيقاتها

- ‌الباب الثانيالقواعد المتعلقة بما يضاد توحيد العبادة

- ‌الفصل الأولالقواعد المتعلقة بتعريف الشرك وحقيقته

- ‌المبحث الأولقاعدة التشبيه هو أصل عبادة الأوثان عند أكثر المشركين

- ‌ المسألة الأولى * شرح ألفاظ القاعدة

- ‌معنى التشبيه لغة واصطلاحًا:

- ‌ المسألة الثانية * معنى القاعدة

- ‌ المسألة الثالثة * أدلة القاعدة

- ‌ المسألة الرابعة * أقوال أهل العلم في تقرير معنى القاعدة

- ‌ المسألة الخامسة * فوائد القاعدة وتطبيقاتها

- ‌المبحث الثانيقاعدة الشرك هو التسوية بين الله وغيره في شيء من خصائصه وحقه

- ‌ المسألة الأولى * شرح ألفاظ القاعدة

- ‌أولًا: معنى الشرك لغة:

- ‌ثانيًا: معنى التسوية:

- ‌ المسألة الثانية * معنى القاعدة

- ‌ المسألة الثالثة * أدلة القاعدة

- ‌ المسألة الرابعة * أقوال أهل العلم في تقرير معنى القاعدة

- ‌ المسألة الخامسة * فوائد القاعدة وتطبيقاتها

- ‌المبحث الثالثقاعدة الخوف الشركي أن يخاف العبد من غير الله أن يصيبه مكروه بمشيئته وقدرته وإن لم يباشره

- ‌ المسألة الأولى * شرح ألفاظ القاعدة

- ‌معنى الخوف وأنواعه:

- ‌ المسألة الثانية * معنى القاعدة

- ‌ المسألة الثالثة * أدلة القاعدة

- ‌ المسألة الرابعة * أقوال أهل العلم في تقرير معنى القاعدة

- ‌ المسألة الخامسة * فوائد القاعدة وتطبيقاتها

- ‌المبحث الرابعقاعدة السؤال والطلب من غير الله فيما لا يقدر عليه إلا الله شرك

- ‌ المسألة الأولى * شرح ألفاظ القاعدة

- ‌بيان معنى السؤال والطلب:

- ‌ المسألة الثانية * معنى القاعدة

- ‌ المسألة الثالثة * أدلة القاعدة

- ‌ المسألة الرابعة * أقوال أهل العلم في تقرير معنى القاعدة

- ‌ المسألة الخامسة * فوائد القاعدة وتطبيقاتها

- ‌المبحث الخامسقاعدة الاعتقاد في الأسباب بذاتها شرك في الربوبية والألوهية

- ‌ المسألة الأولى * شرح ألفاظ القاعدة

- ‌معنى الأسباب:

- ‌ المسألة الثانية * معنى القاعدة

- ‌ المسألة الثالثة * أدلة القاعدة

- ‌ المسألة الرابعة * أقوال أهل العلم في تقرير معنى القاعدة

- ‌ المسألة الخامسة * فوائد القاعدة وتطبيقاتها

- ‌المبحث السادسقاعدة الشفاعة ملك لله تعالى وطلبها ورجاؤها من غير الله أو بغير إذن شرك

- ‌ المسألة الأولى * معنى الشفاعة لغة وشرعًا

- ‌ المسألة الثانية * بيان معنى القاعدة

- ‌ المسألة الثالثة * أدلة القاعدة

- ‌ المسألة الرابعة * أقوال أهل العلم في تقرير معنى القاعدة

- ‌ المسألة الخامسة * فوائد القاعدة وتطبيقاتها

- ‌المبحث السابعقاعدة كل ما ورد في القرآن من الأمر بالدعاء والنهي عن دعاء غير الله يتناول دعاء المسألة ودعاء العبادة

- ‌ المسألة الأولى* شرح ألفاظ القاعدة

- ‌بيان معنى الدعاء وأقسامه:

- ‌ المسألة الثانية * معنى القاعدة

- ‌ المسألة الثالثة * أدلة القاعدة

- ‌ المسألة الرابعة * أقوال أهل العلم في تقرير معنى القاعدة

- ‌ المسألة الخامسة * فوائد القاعدة وتطبيقاتها

- ‌الفصل الثانيالقواعد المتعلقة بقبح الشرك وأنواعه

- ‌المبحث الاولقاعدة الشرك هضم لعظمة الربوبية وتنقص لحق الإلهية وسوء ظن برب العالمين

- ‌ المسألة الأولى * شرح بعض ألفاظ القاعدة

- ‌معنى الهضم والتنقص:

- ‌معنى سوء الظن:

- ‌ المسألة الثانية * معنى القاعدة

- ‌ المسألة الثالثة * أدلة القاعدة

- ‌ المسألة الرابعة * أقوال أهل العلم في تقرير معنى القاعدة

- ‌ المسألة الخامسة * فوائد القاعدة وتطبيقاتها

- ‌المبحث الثانيقاعدة قبح الشرك مستقر في العقول والفطر والسمع نبه العقول وأرشدها إلى معرفة ما أودع فيها من قبح ذلك

- ‌ المسألة الأولى * معنى القاعدة

- ‌ المسألة الثانية * أدلة القاعدة

- ‌ المسألة الثالثة * أقوال أهل العلم في تقرير معنى القاعدة

- ‌ المسألة الرابعة * فوائد القاعدة وتطبيقاتها

- ‌المبحث الثالثقاعدة الشرك الأصغر كل وسيلة وذريعة يتطرق منها إلى الشرك الأكبر من الإرادات والأقوال والأفعال التي لم تبلغ رتبة العبادة

- ‌ المسألة الأولى * معنى القاعدة

- ‌ المسألة الثانية* أدلة القاعدة

- ‌ المسألة الثالثة* أقوال أهل العلم في تقرير معنى القاعدة

- ‌ المسألة الرابعة* فوائد القاعدة وتطبيقاتها

- ‌الفصل الثالثالقواعد المتعلقة بوسائل الشرك وأسبابه

- ‌المبحث الأولقاعدة سد الذرائع المفضية إلى الشرك من المقاصد الشرعية

- ‌ المسألة الأولى* شرح مفردات القاعدة

- ‌معنى سد الذرائع:

- ‌ المسألة الثانية * معنى القاعدة

- ‌ المسألة الثالثة* أدلة القاعدة

- ‌ المسألة الرابعة* أقوال أهل العلم في تقرير معنى القاعدة

- ‌ المسألة الخامسة* فوائد القاعدة وتطبيقاتها

- ‌المبحث الثانيقاعدة الحقائق لا تتغير بتغير المسميات

- ‌ المسألة الأولى* شرح ألفاظ القاعدة

- ‌ المسألة الثانية * معنى القاعدة

- ‌ المسألة الثالثة * أدلة القاعدة

- ‌ المسألة الرابعة * أقوال أهل العلم في تقرير معنى القاعدة

- ‌ المسألة الخامسة * فوائد القاعدة وتطبيقاتها

- ‌المبحث الثالثقاعدة تعظيم شعائر الله هو تعظيم لله وعبادة له، فهو تابع لتعظيم الله وإجلاله

- ‌ المسألة الأولى * شرح مفردات القاعدة

- ‌أولًا: معنى التعظيم:

- ‌ثانيًا: معنى شعائر الله:

- ‌ المسألة الثانية * بيان معنى القاعدة

- ‌ المسألة الثالثة * أدلة القاعدة

- ‌ المسألة الرابعة * أقوال أهل العلم في تقرير معنى القاعدة

- ‌ المسألة الخامسة * فوائد القاعدة وتطبيقاتها

- ‌الفصل الرابعالقواعد المتعلقة بإبطال الشرك وحقيقة المشركين

- ‌المبحث الأولقاعدة المشركون ما قصدوا من معبوداتهم إلا القربة والشفاعة ويقولون نريد من الله عز وجل لا منهم لكن بشفاعتهم والتقرب إلى الله بهم

- ‌ المسألة الأولى * بيان معنى القاعدة

- ‌ المسألة الثانية * أدلة القاعدة

- ‌ المسألة الثالثة * أقوال أهل العلم في تقرير معنى القاعدة

- ‌ المسألة الرابعة * فوائد القاعدة وتطبيقاتها

- ‌المبحث الثانيقاعدة الأصنام الجمادية لم تعبد لذاتها وإنما وضعت في الأصل لما كان غائبًا من معبودات المشركين

- ‌ المسألة الأولى* بيان معنى القاعدة

- ‌ المسألة الثانية* أدلة القاعدة

- ‌ المسألة الثالثة * أقوال أهل العلم في تقرير معنى القاعدة

- ‌ المسألة الرابعة* فوائد القاعدة وتطبيقاتها

- ‌المبحث الثالثقاعدة المشركون الأولون يشركون في الرخاء ويخلصون في الشدة ومشركو زماننا شركهم دائم في الشدة والرخاء

- ‌ المسألة الأولى * بيان معنى القاعدة

- ‌ المسألة الثانية * أدلة القاعدة

- ‌ المسألة الثالثة* أقوال أهل العلم في اعتماد معنى القاعدة

- ‌ المسألة الرابعة * فوائد القاعدة وتطبيقاتها

- ‌المبحث الرابعقاعدة دين الحنفاء ليس فيه واسطة بين الله وخلقه في الربوبية والألوهية، والرسل وسائط في التبليغ والدلالة

- ‌ المسألة الأولى* بيان معاني مفردات القاعدة

- ‌معنى الواسطة لغة واصطلاحًا:

- ‌ المسألة الثانية* معنى القاعدة

- ‌ المسألة الثالثة * أدلة القاعدة

- ‌الأول: الأدلة الدالة على الواسطة المثبتة الشرعية الإيمانية:

- ‌القسم الثاني: الأدلة الدالة على الواسطة المنفية غير الشرعية:

- ‌ المسألة الرابعة * أقوال العلماء في اعتماد القاعدة

- ‌ المسألة الخامسة* فوائد القاعدة وتطبيقاتها

- ‌الخاتمة

- ‌فهرس المصادر والمراجع

الفصل: ‌ المسألة الثالثة * أدلة القاعدة

أوجب الله من الأقوال والأعمال المعلومة من الدين بالضرورة والإجماع؛ كوجوب الصلوات الخمس، والزكاة، وصوم رمضان، وبر الوالدين، والنطق بالشهادتين، ونحو ذلك.

أما الأقوال والأعمال والاعتقادات التي تضعف التوحيد والإيمان، تنافي كماله الواجب فهي كثيرة ومنها: الشرك الأصغر؛ كالرياء، والحلف بغير الله، وقول ما شاء الله وشاء فلان أو هذا من الله ومن فلان ونحو ذلك، وهكذا جميع المعاصي كلها تضعف التوحيد والإيمان، وتنافي كماله الواجب، فالواجب الحذر من جميع ما ينافي التوحيد والإيمان، أو ينقص ثوابه، والإيمان عند أهل السُّنَّة والجماعة قول وعمل يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية"

(1)

.

*‌

‌ المسألة الثالثة * أدلة القاعدة

دلت على صحة القاعدة أدلة عديدة، أفادت تفاضل المؤمنين في إيمانهم وتوحيدهم، بحسب ما يقوم بهم من أقوال وأعمال، ظاهرة وباطنة؛ من اعتقادات القلوب وأعمالها، وكذا أعمال الجوارح، ومنها ما يلي:

1 -

قوله تعالى: {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ (32)} [فاطر: 32].

فالله عز وجل قسم المؤمنين في هذه الآية إلى ثلاثة أقسام ووعدهم جميعًا بالجنة، وذلك بحسب تحقيقهم للتوحيد والإيمان؛ فأولهم الظالم لنفسه بالمعاصي والإصرار عليها، والثاني القائم بالواجبات والمنتهي عن

(1)

مجموع فتاوى ومقالات متنوعة (7/ 58 - 59).

ص: 645

المحرمات، والثالث الحريص على الخيرات والطاعات، التارك ما لا بأس به حذرًا مما به بأس.

يقول ابن الأثير في أقسام المذكورين في الآية: "وهذه قسمة صحيحة؛ فإنه لا يخلو أقسام العباد من هذه الثلاثة؛ فإما عاص ظالم لنفسه، وإما مطيع مبادر إلى الخيرات، وإما مقتصد بينهما"

(1)

.

ويقول الإمام ابن تيمية: "فالقول الجامع أن الظالم لنفسه: هو المفرط بترك مأمور أو فعل محظور، والمقتصد: القائم بأداء الواجبات وترك المحرمات، والسابق بالخيرات: بمنزلة المقرب الذي يتقرب إلى الله بالنوافل بعد الفرائض حتى يحبه الحق"

(2)

.

وقال رحمه الله أيضًا: "وهذا التقسيم لأمة محمد فالظالم لنفسه: أصحاب الذنوب المصرون عليها، ومن تاب من ذنبه؛ أي: ذنب كان توبة صحيحة لم يخرج بذلك عن السابقين، والمقتصد: المؤدي للفرائض المجتنب للمحارم، والسابق للخيرات: هو المؤدي للفرائض والنوافل كما في تلك الآيات، ومن تاب من ذنب؛ أي ذنب كان توبة صحيحة لم يخرج بذلك عن السابقين والمقتصدين"

(3)

.

وقال الحافظ ابن كثير مبينًا تفاوت الناس في تحقيق التوحيد: "ثم قسمهم إلى ثلاثة أنواع فقال تعالى: {فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ}: وهو المفرط في فعل بعض الواجبات المرتكب لبعض المحرمات، {وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ}: وهو المؤدي للواجبات التارك للمحرمات، وقد يترك بعض المستحبات ويفعل بعض المكروهات، {وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ}: وهو الفاعل للواجبات والمستحبات، التارك للمحرمات والمكروهات، وبعض المباحات"

(4)

.

(1)

المثل السائر لابن الأثير (2/ 287).

(2)

مجموع الفتاوى (5/ 161).

(3)

مجموع الفتاوى (11/ 183).

(4)

تفسير ابن كثير (3/ 555 - 556).

ص: 646

ويقول الشيخ السعدي: "وهم هذه الأمة؛ فمنهم ظالم لنفسه بالمعاصي التي هي دون الكفر، ومنهم مقصد مقتصر على ما يجب عليه تارك للمحرم، ومنهم سابق بالخيرات؛ أي: سارع فيها واجتهد فسبق غيره، وهو المؤدي للفرائض المكثر من النوافل التارك للمحرم والمكروه، فكلهم اصطفاه الله تعالى لوراثة هذا الكتاب وإن تفاوتت مراتبهم، وتميزت أحوالهم، فلكل منهم قسط من وراثته حتى الظالم لنفسه فإنه ما معه من أصل الإيمان وعلوم الإيمان وأعمال الإيمان من وراثة الكتاب؛ لأن المراد بوراثة الكتاب وراثة علمه، وعمله، ودراسة ألفاظه، واستخراج معانيه"

(1)

.

ويقول الشيخ محمد الأمين الشنقيطي: "وأظهر الأقوال في المقتصد والسابق والظالم، أن المقتصد: هو من امتثل الأمر واجتنب النهي ولم يزد على ذلك، وأن السابق بالخيرات: هو من فعل ذلك وزاد بالتقرب إلى الله بالنوافل، والتورع عن بعض الجائزات خوفًا من أن يكون سببًا لغيره، وأن الظالم هو المذكور في قوله: {وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ} [التوبة: 102] والعلم عند الله تعالى"

(2)

.

وقال الشيخ حافظ الحكمي: "فقسم تعالى الناجين منهم إلى مقتصدين: وهم الأبرار أصحاب اليمين الذين اقتصروا على التزام الواجبات واجتناب المحرمات، فلم يزيدوا على ذلك ولم ينقصوا منه، وإلى سابق بالخيرات: وهم المقربون الذين تقربوا إليه بالنوافل بعد الفرائض، وتركوا ما لا بأس به خوفًا مما به بأس، وما زالوا يتقربون إلى الله تعالى بذلك حتى كان سمعهم الذي يسمعون به وبصرهم الذي يبصرون به إلى آخر معنى الحديث السابق، فبه يسمعون، وبه يبصرون،

(1)

تفسير السعدي (ص 689).

(2)

أضواء البيان (1/ 417)، (5/ 490).

ص: 647

وبه يبطشون، وبه يمشون، وبه ينطقون، وبه يعقلون يسبحون الليل والنهار لا يفترون وأما الظالم لنفسه ففي المراد به عن السلف الصالح قولان: أحدهما أن المراد به الكافر

والقول الثاني أن المراد به عصاة الموحدين؛ فإنهم ظالمون لأنفسهم ولكن ظلم دون ظلم لا يخرج من الدين، ولا يخلد في النار

فإذا كان هذا التفاوت بين أتباع الرسل فكيف تفاوت ما بينهم وبين رسلهم"

(1)

.

والصحيح من القولين هو أن الظالم لنفسه من المؤمنين، لكنه مستحق للوعيد ومتوعد بالعذاب، ولا يعني هذا خروجه عن الإيمان أو نقضه للتوحيد، فإن المعاصي تعارض كمال التوحيد وتمامه الواجب، وهذا ما رجحه جمع من المحققين.

يقول الإمام ابن تيمية: "وقد تقدم أن ظلم الإنسان لنفسه يدخل فيه كل ذنب كبير أو صغير مع الإطلاق، وقال تعالى: {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ} [فاطر: 32] فهذا ظلم لنفسه مقرون بغيره فلا يدخل فيه الشرك الأكبر"

(2)

.

ويقول الحافظ ابن كثير: "والصحيح أن الأقسام الثلاثة من هذه الأمة كلهم يدخلون الجنة"

(3)

.

وهذا ما رجحه الإمام الطبري حيث يقول: "فبين أن المصطفين من عباده هم مؤمنو أمته، وأما الظالم لنفسه فإنه لأن يكون من أهل الذنوب والمعاصي التي هي دون النفاق والشرك عندي أشبه بمعنى الآية من أن يكون المنافق أو الكافر، وذلك أن الله تعالى ذكره أتبع هذه الآية قوله جنات عدن يدخلونها، فعم بدخول الجنة جميع الأصناف الثلاثة.

(1)

معارج القبول، للشيخ حافظ بن أحمد الحكمي (3/ 1008 - 1009).

(2)

مجموع الفتاوى (77/ 79).

(3)

تفسير ابن كثير (2/ 77).

ص: 648

فإن قال قائل: فإن قوله يدخلونها إنما عنى به المقتصد والسابق، قيل له وما برهانك على أن ذلك كذلك من خبر أو عقل، فإن قال: قيام الحجة أن الظالم من هذه الأمة سيدخل النار ولو لم يدخل النار من هذه الأصناف الثلاثة أحد وجب أن لا يكون لأهل الإيمان وعيد. قيل: إنه ليس في الآية خبر أنهم لا يدخلون النار، وإنما فيها إخبار من الله تعالى ذكره أنهم يدخلون جنات عدن، وجائز أن يدخلها الظالم لنفسه بعد عقوبة الله إياه على ذنوبه التي أصابها في الدنيا، وظلمه نفسه فيها بالنار، أو بما شاء من عقابه ثم يدخله الجنة، فيكون ممن عمه خبر الله جل ثناؤه بقوله:{جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا} [فاطر: 33] "

(1)

.

2 -

ومما يدل على تفاوت الناس وتفاضلهم بحسب تحقيقهم للتوحيد والإيمان، وبحسب ما يقوم بقلوبهم من العلم واليقين: ما رواه البخاري عن سهل قال: (مرَّ رجل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ما تقولون في هذا، قالوا: حري إن خطب أن ينكح، وإن شفع أن يشفع، وإن قال أن يستمع، قال ثم سكت فمرَّ رجل من فقراء المسلمين فقال: ما تقولون في هذا، قالوا: حري إن خطب أن لا ينكح، وإن شفع أن لا يشفع، وإن قال أن لا يستمع، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هذا خير من ملء الأرض مثل هذا)

(2)

.

يقول الإمام ابن تيمية: "فإن ألوهية الله متفاوتة في قلوبهم على درجات عظيمة، تزيد وتنقص، ويتفاوتون فيها تفاوتًا لا ينضبط طرفاه، حتى قدثبت في "الصحيح" عن النبي صلى الله عليه وسلم في حق شخصين: (هذا خير من ملء الأرض من مثل هذا)، فصار واحد من الآدميين خيرًا من ملء

(1)

تفسير الطبري (22/ 136 - 137).

(2)

أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب النكاح، باب: الأكفاء في الدين (5/ 1958)، رقم (4803).

ص: 649