الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
القلوب إلى الفطرة، وزال ما ينازعها فالتجأت إليه، وأنابت إليه وحده لا شريك له، وهذا بخلاف من لجأ إلى غير الله، وعلَّق قلبه بغير مولاه في حالتي الشدة والرخاء، والنعمة والعذاب، فما أضله وأظلمه وأجهله حيث فاق شركه شرك الأوائل
(1)
.
فالمشركون الأوائل كانت لهم عبادات يتعبدون بها الله تبارك وتعالى في حال الرخاء والسعة وعند حصول النعم، ويشركون في ذلك أصنامهم، فإذا جاءت الضراء والكروب والضيق أخلصوا العبادة للّه تعالى.
*
المسألة الثانية * أدلة القاعدة
دلَّت القاعدة على أمرين:
الأول: أن مشركي العرب كانت لهم عبادات يتعبدون بها الرب سبحانه وتعالى.
الثاني: أنهم يخلصون حال الشدة والضيق ويشركون في حال الرخاء والسعة.
أما الأول فدليله ما يأتي:
أولًا: عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (كان المشركون يقولون: (لبيك لا شريك لك) قال: فيقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ويلكم قدٍ قدٍ"، فيقولون:(إلا شريكًا هو لك تملكه وما ملك)، يقولون هذا وهم يطوفون بالبيت)
(2)
.
ثانيًا: وجاء عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا
(1)
تيسير العزيز الحميد (ص 192).
(2)
أخرجه مسلم، كتاب الحج، باب: التلبية وصفتها ووقتها (2/ 843)، برقم (1185).
لَا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ وَلَا الشَّهْرَ الْحَرَامَ} [المائدة: 2]: (كان المشركون يحجون البيت الحرام، ويهدون الهدايا، ويعظمون حرمة المشاعر، ويتجرون في حجهم، فأراد المسلمون أن يغيروا عليهم، فقال الله عز وجل:{لَا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ}
(1)
.
يقول الشهرستاني في بيان حال الجاهلية: "وكانوا يحجون البيت، ويعتمرون، ويحرمون، ويطوفون بالبيت سبعًا، ويمسحون بالحجر، ويسعون بين الصفا والمروة، وكانوا يلبون إلا أن بعضهم كان يشرك في تلبيته في قوله: إلا شريك هو لك تملكه وما ملك، ويقفون المواقف كلها"
(2)
.
ويقول الإمام ابن تيمية: "كانت العرب تحج إلى اللات، والعزى، ومناة الثالثة الأخرى، وهم مع ذلك يحجون إلى البيت، ويطوفون به، ويقفون بعرفات، ولهذا كانوا تارة يعبدون الله، وتارة يعبدون غيره، وكانوا يقولون في تلبيتهم: (لبيك لا شريك لك إلا شريكًا هو لك تملكه وما ملك) "
(3)
.
وأما الأمر الثاني فالدليل عليه ما يأتي:
أولًا: قوله تعالى: {فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ (65)} [العنكبوت: 65].
(1)
تفسير الطبري (6/ 54).
(2)
انظر: الملل والنحل للشهرستاني (2/ 247)، وقال ياقوت الحموي:"ولقد بلغ من تعظيم العرب لمكة أنهم كانوا يحجون البيت، ويعتمرون، ويطوفون، فإذا أرادوا الانصراف أخذ الرجل منهم حجرًا من حجارة الحرم فنحته على صورة أصنام البيت، فيحفى به في طريقه، ويجعله قبلة، ويطوفون حوله، ويتمسحون به، ويصلون له تشبيهًا له بأصنام البيت، وأفضى بهم الأمر بعد طول المدة أنهم كانوا يأخذون الحجر من الحرم فيعبدونه، فذلك كان أصل عبادة العرب للحجارة في منازلهم؛ شغفًا منهم بأصنام الحرم". [معجم البلدان (5/ 185)، وانظر: البداية والنهاية (2/ 188)، وتاريخ اليعقوبي (1/ 254)].
(3)
مجموع الفتاوى (27/ 354).
بيَّن سبحانه في هذه الآية حال المشركين في ركوب البحر؛ لأنَّهم يخلصون لله الدعاء، ويفردونه بالعبادة؛ لأنَّهم يعلمون أنهم في شدة وكرب لا يقدر على كشف ذلك إلا فاطر السموات والأرضين، فخصوه بالعبادة والدعاء، وتركوا جميع الالهة من الأصنام والأنداد فلم يلتفتوا إليها، وكأنها لم تكن.
يقول الإمام الطبري: "فإذا ركب هؤلاء المشركون السفينة في البحر فخافوا الغرو، والهلاك فيه دعوا الله مخلصين له الدين، يقول: أخلصوا لله عند الشدة التي نزلت بهم التوحيد، وأفردوا له الطاعة، وأذعنوا له بالعبودة، ولم يستغيثوا بآلهتهم وأندادهم، ولكن بالله الذي خلقهم، فلما نجاهم إلى البرِّ، يقول: فلما خلصهم مما كانوا فيه، وسلمهم فصاروا إلى البر إذا هم يجعلون مع الله شريكًا في عبادتهم، ويدعون الالهة والأوثان معه أربابًا"
(1)
.
ويقول الإمام البغوي: "هذا إخبار عن عنادهم وأنهم عند الشدائد يقرون أن القادر على كشفها هو الله عز وجل وحده فإذا زالت عادوا إلى كفرهم. قال عكرمة: كان أهل الجاهلية إذا ركبوا البحر حملوا معهم الأصنام، فإذا اشتدت بهم الريح ألقوها في البحر، وقالوا: يا رب يا رب"
(2)
.
ويؤيده قول قتادة في الآية: "إن الكافر يعرض عن معبوده في وقت البلاء، ويقبل على الله تعالى كما أخبر الله عز وجل عنهم فقال: {فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ}، والمؤمن لا يعرض عن الله في السراء والضراء والشدة والرخاء"
(3)
.
(1)
تفسير الطبري (21/ 13).
(2)
تفسير البغوي (3/ 474)، وانظر: تفسير السمعاني (4/ 193).
(3)
تفسير الطبري (1/ 136).
ويقول الإمام القرطبي: "قوله تعالى: {فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ}؛ يعني: السفن وخافوا الغرق {دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ}، أي: صادقين في نياتهم، وتركوا عبادة الأصنام ودعاءها، {فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ (65)}، أي: يدعون معه غيره وما لم ينزل به سلطانًا"
(1)
.
وقال العلامة الشوكاني: " {فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} أي: انقطع رجاؤهم من الحياة وخافوا الغرق رجعوا إلى الفطرة، فدعوا الله وحده كائنين على صورة المخلصين له الدين؛ بصدق نياتهم وتركهم عند ذلك لدعاء الأصنام، لعلمهم أنه لا يكشف هذه الشدة العظيمة النازلة بهم غير الله سبحانه، فلما نجاهم إلى البر إذا هم يشركون"
(2)
.
يقول أبو عبد الله القرطبي: {دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} ؛ أي: دعوه وحده وتركوا ما كانوا يعبدون، وفي هذا دليل على أن الخلق جبلوا على الرجوع إلى الله في الشدائد، وأن المضطر يجاب دعاؤه وإن كان كافرًا، لانقطاع الأسباب، ورجوعه إلى الواحد رب الأرباب"
(3)
.
(1)
تفسير القرطبي (13/ 363).
(2)
تفسير الشوكاني (4/ 211)، وانظر: تفسير البيضاوي (4/ 323).
(3)
تفسير الطبري (8/ 325)، وقال أيضًا:"وقوله: (فلما نجاهم إلى البر إذا هم يشركون) فأجابهم عند ضرورتهم ووقوع إخلاصهم مع علمه أنهم يعودون إلى شركهم وكفرهم، وقال تعالى: {فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} فيجيب المضطر لموضع اضطراره وإخلاصه". [المراجع نفسه (13/ 223)، وانظر: فتح القدير للشوكاني (4/ 147)].
ويقول الحافظ ابن كثير: " {دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ}؛ أي: لا يدعون معه صنمًا ولا وثنًا، بل يفردونه بالدعاء والابتهال، وقال ها هنا: {دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هَذِهِ}؛ أي: هذه الحال {لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (22)}؛ أي: لا نشرك بك أحدًا، ولنفردنك بالعبادة هناك كما أفردناك بالدعاء ها هنا"
(1)
.
ويقول الشيخ الشنقيطي: "واعلم أن الكفار في زمن النبي صلى الله عليه وسلم كانوا يعلمون علمًا يقينًا أن ما ذكر من إجابة المضطر، وكشف السوء عن المكروب: من خصائص الربوبية، وكانوا إذا دهمتهم الكروب؛ كإحاطة الأمواج بهم في البحر في وقت العواصف يخلصون الدعاء لله وحده؛ لعلمهم أن كشف ذلك من خصائصه، فإذا أنجاهم من الكرب رجعوا إلى الإشراك "
(2)
.
ثالثًا: قوله تعالى: {قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ أَغَيْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (40) بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَاءَ وَتَنْسَوْنَ مَا تُشْرِكُونَ (41)} [الأنعام: 45، 41].
يقول الإمام الطبري في معنى قوله تعالى: {بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ} : "يقول تعالى ذكره مكذبًا لهؤلاء العادلين به الأوثان: ما أنتم أيها المشركون بالله الآلهة والأنداد، {إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ} بمستجيرين بشيء غير الله في حال شدة الهوة النازل بكم؛ من آلهة، ووثن، وصنم، بل تدعون هناك ربكم الذي خلقكم، وبه تستغيثون، وإليه تفزعون دون كل شيء غيره، {فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ} ، يقول: فيفرج عنكم عند استغاثتكم به، وتضرعكم إليه عظيم البلاء النازل بكم إن شاء أن يفرج ذلك عنكم؛ لأنَّه القادر على كل شيء، ومالك كل شيء دون ما تدعونه إلهًا من الأوثان، والأصنام، {وَتَنْسَوْنَ مَا تُشْرِكُونَ (41)} يقول
(1)
تفسير ابن كثير (2/ 413 - 414).
(2)
أضواء البيان (7/ 407).
وتنسون حين يأتيكم عذاب الله أو تأتيكم الساعة بأهوالها ما تشركونه مع الله في عبادتكم إياه فتجعلون له ندًّا من وثن وصنم وغير ذلك مما تعبدونه من دونه وتدعونه إلهًا"
(1)
.
ويقول الرازي في معنى الآية: "قل يا محمد لهؤلاء الكفار: إن أتاكم عذاب الله في الدنيا، وأتاكم العذاب عند قيام الساعة، أترجعون إلى غير الله في دفع ذلك البلاء والضر، أو ترجعون فيه إلى الله تعالى، ولما كان من المعلوم بالضرورة أنهم إنما يرجعون إلى الله تعالى في دفع البلاء والمحنة، لا إلى الأصنام والأوثان، لا جرم قال: {
…
تَدْعُونَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (40) بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ}، يعني: أنكم لا ترجعون في طلب دفع البلية والمحنة إلا إلى الله تعالى"
(2)
.
وقال الشيخ السعدي في تفسير الآية: "فإذا كانت هذه حالكم مع أندادكم عند الشدائد: تنسونهم، لعلمكم أنهم لا يملكون لكم ضرًّا ولا نفعًا، ولا موتًا ولا حياة ولا نشورًا، وتخلصون لله الدعاء؛ لعلمكم أنه هو الضار النافع، المجيب لدعوة المضطر، فما بالكم في الرخاء تشركون به، وتجعلون له شركاء، هل دلكم على ذلك عقل، أو نقل، أم عندكم من سلطان بهذا، أم تفترون على الله الكذب"
(3)
.
وقال أبو حيان: "وظاهر قوله: {وَتَنْسَوْنَ مَا تُشْرِكُونَ (41)} النسيان حقيقة والذهول والغفلة عن الأصنام، لأن الشخص إذا دهمه ما لا طاقة له بدفعه تجرد خاطره من كل شيء إلا من الله الكاشف لذاك الداهم، فيكاد يصير الملجأ إلى التعلق بالله والذهول عن من سواه، فلا يذكر غير الله القادر على كشف ما دهم"
(4)
.
(1)
تفسير الطبري (7/ 192)، وانظر: تفسير القرطبي (6/ 423).
(2)
التفسير الكبير (12/ 184).
(3)
تفسير السعدي (ص 256).
(4)
تفسير البحر المحيط (4/ 133)، وانظر: تفسير الثعلبي (4/ 147).
رابعًا: قوله تعالى: {وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيبًا إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِنْهُ نَسِيَ مَا كَانَ يَدْعُو إِلَيْهِ مِنْ قَبْلُ وَجَعَلَ لِلَّهِ أَنْدَادًا لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلًا إِنَّكَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ (8)} [الزمر: 8]، وقوله سبحانه:{وَإِذَا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ دَعَوْا رَبَّهُمْ مُنِيبِينَ إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا أَذَاقَهُمْ مِنْهُ رَحْمَةً إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ (33)} [الروم: 33]، وقال عز وجل:{وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكَانَ الْإِنْسَانُ كَفُورًا (67)} [الإسراء: 67]، وغير ذلك من الآيات التي تقرر حال الإنسان عمومًا عند السراء والرخاء والنعمة وحال مشركي العرب خاصة.
يقول الإمام الطبري في تأويل الآية: "يقول تعالى ذكره وإذا مس هؤلاء المشركين الذين يجعلون مع الله إلهًا آخر ضرٌ فأصابتهم شدة، وجدوب، وقحوط دعوا ربهم، يقول: أخلصوا لربهم التوحيد، وأفردوه بالدعاء والتضرع إليه، واستغاثوا به منيبين إليه، تائبين إليه من شركهم وكفرهم، ثم إذا أذاقهم منه رحمة، يقول: ثم إذا كشف ربهم تعالى ذكره عنهم ذلك الضر وفرَّجه عنهم، وأصابهم برخاء، وخصب وسعة، إذا فريق منهم يقول: إذا جماعة منهم بربهم يشركون يقول: يعبدون معه الآلهة والأوثان"
(1)
.
وقال الإمام السمعاني: "وقوله: {دَعَوْا رَبَّهُمْ مُنِيبِينَ إِلَيْهِ}؛ أي: منقلبين إليه بالدعاء؛ ومعناه: أنهم إذا وقعوا في الشدة تركوا دعاء الأصنام ودعوا الله وحده"
(2)
.
ويقول الشيخ السعدي: {وَإِذَا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ} : مرض أو خوف من هلاك ونحوه {دَعَوْا رَبَّهُمْ مُنِيبِينَ إِلَيْهِ} ، ونسوا ما كانوا به يشركون في تلك الحال؛ لعلمهم أنه لا يكشف الضر إلا الله {ثُمَّ إِذَا أَذَاقَهُمْ مِنْهُ
(1)
تفسير الطبري (21/ 43)، وانظر: تفسير القرطبي (14/ 33).
(2)
تفسير السمعاني (4/ 214).
رَحْمَةً} فشفاهم من مرضهم، وآمنهم من خوفهم {إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ} ينقضون تلك الإنابة التي صدرت منهم، ويشركون به
…
وكل هذا كفر بما آتاهم الله وَمَنَّ به عليهم، حيث أنجاهم، وأنقذهم من الشدة، وأزال عنهم المشقة، فهلا قابلوا هذه النعمة الجليلة بالشكر، والدوام على الإخلاص له في جميع الأحوال"
(1)
.
ويقول الشيخ محمد الأمين الشنقيطي في قوله تعالى: {وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكَانَ الْإِنْسَانُ كَفُورًا (67) أَفَأَمِنْتُمْ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمْ جَانِبَ الْبَرِّ أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا ثُمَّ لَا تَجِدُوا لَكُمْ وَكِيلًا (68) أَمْ أَمِنْتُمْ أَنْ يُعِيدَكُمْ فِيهِ تَارَةً أُخْرَى فَيُرْسِلَ عَلَيْكُمْ قَاصِفًا مِنَ الرِّيحِ فَيُغْرِقَكُمْ بِمَا كَفَرْتُمْ ثُمَّ لَا تَجِدُوا لَكُمْ عَلَيْنَا بِهِ تَبِيعًا (69)} [الإسراء: 67 - 69]: "بَيَّنَ جل وعلا في هذه الآيات الكريمة أن الكفار إذا مسهم الضُّرُّ في البحر؛ أي: اشتدت عليهم الريح فغشيتهم أمواج البحر كأنَّها الجبال، وظنوا أنهم لا خلاص لهم من ذلك، ضل عنهم، أي: غاب عن أذهانهم وخواطرهم في ذلك الوقت كل ما كانوا يعبدون من دون الله جل وعلا، فلا يدعون في ذلك الوقت إلا الله جل وعلا وحده؛ لعلمهم أنه لا ينقذ من ذلك الكرب وغيره من الكروب إلا هو وحده جل وعلا، فأخلصوا العبادة والدعاء له وحده في ذلك الحين الذي أحاط بهم فيه هول البحر، فإذا نجَّاهم الله وفرَّج عنهم ووصلوا البر رجعوا إلى ما كانوا عليه من الكفر"
(2)
.
خامسًا: ومما يدل على أن المشركين يخلصون الدعاء وقت الشدة ما رواه سعد بن أبي وقاص في قصة إسلام عكرمة، وفيه: (وأما عكرمة فركب البحر، فأصابتهم عاصف، فقال أصحاب السفينة: أخلصوا فإن آلهتكم لا تغني عنكم شيئًا ها هنا، فقال عكرمة: والله لئن لم ينجني من
(1)
تفسير السعدي (ص 641 - 642)، وانظر:(ص 720).
(2)
أضواء البيان (3/ 171 - 172).