المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ المسألة الخامسة* فوائد القاعدة وتطبيقاتها - القواعد في توحيد العبادة - جـ ٢

[محمد بن عبد الله باجسير]

فهرس الكتاب

- ‌الفصل الخامسالقواعد المتعلقة بتحقيق توحيد العبادة وأدلته

- ‌المبحث الأولقاعدة تحقيق التوحيد يتضمن تحقيق أصله وكماله الواجب وكماله المستحب وبحسبها يتفاضل المؤمنون

- ‌ المسألة الأولى * معاني مفردات القاعدة

- ‌معنى التحقيق:

- ‌ المسألة الثانية * معنى القاعدة

- ‌ المسألة الثالثة * أدلة القاعدة

- ‌ المسألة الرابعة * أقوال أهل العلم في تقرير معنى القاعدة

- ‌ المسألة الخامسة * فوائد القاعدة وتطبيقاتها

- ‌المبحث الثانيقاعدة توحيد الربوبية هو أصل توحيد الإلهية ودليله الأكبر

- ‌ المسألة الأولى * شرح معاني مفردات القاعدة

- ‌ المسألة الثانية * بيان معنى القاعدة

- ‌ المسألة الثالثة * أدلة القاعدة

- ‌ المسألة الرابعة * أقوال أهل العلم في تقرير معنى القاعدة

- ‌ المسألة الخامسة * فوائد القاعدة وتطبيقاتها

- ‌الفصل السادسالقواعد المتعلقة برد البدع

- ‌المبحث الأولقاعدة العبادات توقيفية

- ‌ المسألة الأولى * شرح ألفاظ القاعدة

- ‌ المسألة الثانية * معنى القاعدة

- ‌ المسألة الثالثة * أدلة القاعدة

- ‌ المسألة الرابعة* أقوال أهل العلم في تقرير معنى القاعدة

- ‌ المسألة الخامسة* فوائد القاعدة وتطبيقاتها

- ‌المبحث الثانيقاعدة اعتبار ما صدر عن النبي صلى الله عليه وسلم عبادة موقوف على قصده التعبد

- ‌ المسألة الأولى* معنى القاعدة

- ‌ المسألة الثانية* أدلة القاعدة

- ‌ المسألة الثالثة * أقوال أهل العلم في تقرير معنى القاعدة

- ‌ المسألة الرابعة * فوائد القاعدة وتطبيقاتها

- ‌المبحث الثالثقاعدة الوسائل لها أحكام المقاصد

- ‌‌‌ المسألة الأولى * شرح ألفاظ القاعدة

- ‌ المسألة الأولى * شرح ألفاظ القاعدة

- ‌معنى الوسائل والمقاصد اصطلاحًا:

- ‌ المسألة الثانية * معنى القاعدة

- ‌ المسألة الثالثة * أدلة القاعدة

- ‌ المسألة الرابعة * أقوال أهل العلم في اعتماد معنى القاعدة

- ‌ المسألة الخامسة * فوائد القاعدة وتطبيقاتها

- ‌الباب الثانيالقواعد المتعلقة بما يضاد توحيد العبادة

- ‌الفصل الأولالقواعد المتعلقة بتعريف الشرك وحقيقته

- ‌المبحث الأولقاعدة التشبيه هو أصل عبادة الأوثان عند أكثر المشركين

- ‌ المسألة الأولى * شرح ألفاظ القاعدة

- ‌معنى التشبيه لغة واصطلاحًا:

- ‌ المسألة الثانية * معنى القاعدة

- ‌ المسألة الثالثة * أدلة القاعدة

- ‌ المسألة الرابعة * أقوال أهل العلم في تقرير معنى القاعدة

- ‌ المسألة الخامسة * فوائد القاعدة وتطبيقاتها

- ‌المبحث الثانيقاعدة الشرك هو التسوية بين الله وغيره في شيء من خصائصه وحقه

- ‌ المسألة الأولى * شرح ألفاظ القاعدة

- ‌أولًا: معنى الشرك لغة:

- ‌ثانيًا: معنى التسوية:

- ‌ المسألة الثانية * معنى القاعدة

- ‌ المسألة الثالثة * أدلة القاعدة

- ‌ المسألة الرابعة * أقوال أهل العلم في تقرير معنى القاعدة

- ‌ المسألة الخامسة * فوائد القاعدة وتطبيقاتها

- ‌المبحث الثالثقاعدة الخوف الشركي أن يخاف العبد من غير الله أن يصيبه مكروه بمشيئته وقدرته وإن لم يباشره

- ‌ المسألة الأولى * شرح ألفاظ القاعدة

- ‌معنى الخوف وأنواعه:

- ‌ المسألة الثانية * معنى القاعدة

- ‌ المسألة الثالثة * أدلة القاعدة

- ‌ المسألة الرابعة * أقوال أهل العلم في تقرير معنى القاعدة

- ‌ المسألة الخامسة * فوائد القاعدة وتطبيقاتها

- ‌المبحث الرابعقاعدة السؤال والطلب من غير الله فيما لا يقدر عليه إلا الله شرك

- ‌ المسألة الأولى * شرح ألفاظ القاعدة

- ‌بيان معنى السؤال والطلب:

- ‌ المسألة الثانية * معنى القاعدة

- ‌ المسألة الثالثة * أدلة القاعدة

- ‌ المسألة الرابعة * أقوال أهل العلم في تقرير معنى القاعدة

- ‌ المسألة الخامسة * فوائد القاعدة وتطبيقاتها

- ‌المبحث الخامسقاعدة الاعتقاد في الأسباب بذاتها شرك في الربوبية والألوهية

- ‌ المسألة الأولى * شرح ألفاظ القاعدة

- ‌معنى الأسباب:

- ‌ المسألة الثانية * معنى القاعدة

- ‌ المسألة الثالثة * أدلة القاعدة

- ‌ المسألة الرابعة * أقوال أهل العلم في تقرير معنى القاعدة

- ‌ المسألة الخامسة * فوائد القاعدة وتطبيقاتها

- ‌المبحث السادسقاعدة الشفاعة ملك لله تعالى وطلبها ورجاؤها من غير الله أو بغير إذن شرك

- ‌ المسألة الأولى * معنى الشفاعة لغة وشرعًا

- ‌ المسألة الثانية * بيان معنى القاعدة

- ‌ المسألة الثالثة * أدلة القاعدة

- ‌ المسألة الرابعة * أقوال أهل العلم في تقرير معنى القاعدة

- ‌ المسألة الخامسة * فوائد القاعدة وتطبيقاتها

- ‌المبحث السابعقاعدة كل ما ورد في القرآن من الأمر بالدعاء والنهي عن دعاء غير الله يتناول دعاء المسألة ودعاء العبادة

- ‌ المسألة الأولى* شرح ألفاظ القاعدة

- ‌بيان معنى الدعاء وأقسامه:

- ‌ المسألة الثانية * معنى القاعدة

- ‌ المسألة الثالثة * أدلة القاعدة

- ‌ المسألة الرابعة * أقوال أهل العلم في تقرير معنى القاعدة

- ‌ المسألة الخامسة * فوائد القاعدة وتطبيقاتها

- ‌الفصل الثانيالقواعد المتعلقة بقبح الشرك وأنواعه

- ‌المبحث الاولقاعدة الشرك هضم لعظمة الربوبية وتنقص لحق الإلهية وسوء ظن برب العالمين

- ‌ المسألة الأولى * شرح بعض ألفاظ القاعدة

- ‌معنى الهضم والتنقص:

- ‌معنى سوء الظن:

- ‌ المسألة الثانية * معنى القاعدة

- ‌ المسألة الثالثة * أدلة القاعدة

- ‌ المسألة الرابعة * أقوال أهل العلم في تقرير معنى القاعدة

- ‌ المسألة الخامسة * فوائد القاعدة وتطبيقاتها

- ‌المبحث الثانيقاعدة قبح الشرك مستقر في العقول والفطر والسمع نبه العقول وأرشدها إلى معرفة ما أودع فيها من قبح ذلك

- ‌ المسألة الأولى * معنى القاعدة

- ‌ المسألة الثانية * أدلة القاعدة

- ‌ المسألة الثالثة * أقوال أهل العلم في تقرير معنى القاعدة

- ‌ المسألة الرابعة * فوائد القاعدة وتطبيقاتها

- ‌المبحث الثالثقاعدة الشرك الأصغر كل وسيلة وذريعة يتطرق منها إلى الشرك الأكبر من الإرادات والأقوال والأفعال التي لم تبلغ رتبة العبادة

- ‌ المسألة الأولى * معنى القاعدة

- ‌ المسألة الثانية* أدلة القاعدة

- ‌ المسألة الثالثة* أقوال أهل العلم في تقرير معنى القاعدة

- ‌ المسألة الرابعة* فوائد القاعدة وتطبيقاتها

- ‌الفصل الثالثالقواعد المتعلقة بوسائل الشرك وأسبابه

- ‌المبحث الأولقاعدة سد الذرائع المفضية إلى الشرك من المقاصد الشرعية

- ‌ المسألة الأولى* شرح مفردات القاعدة

- ‌معنى سد الذرائع:

- ‌ المسألة الثانية * معنى القاعدة

- ‌ المسألة الثالثة* أدلة القاعدة

- ‌ المسألة الرابعة* أقوال أهل العلم في تقرير معنى القاعدة

- ‌ المسألة الخامسة* فوائد القاعدة وتطبيقاتها

- ‌المبحث الثانيقاعدة الحقائق لا تتغير بتغير المسميات

- ‌ المسألة الأولى* شرح ألفاظ القاعدة

- ‌ المسألة الثانية * معنى القاعدة

- ‌ المسألة الثالثة * أدلة القاعدة

- ‌ المسألة الرابعة * أقوال أهل العلم في تقرير معنى القاعدة

- ‌ المسألة الخامسة * فوائد القاعدة وتطبيقاتها

- ‌المبحث الثالثقاعدة تعظيم شعائر الله هو تعظيم لله وعبادة له، فهو تابع لتعظيم الله وإجلاله

- ‌ المسألة الأولى * شرح مفردات القاعدة

- ‌أولًا: معنى التعظيم:

- ‌ثانيًا: معنى شعائر الله:

- ‌ المسألة الثانية * بيان معنى القاعدة

- ‌ المسألة الثالثة * أدلة القاعدة

- ‌ المسألة الرابعة * أقوال أهل العلم في تقرير معنى القاعدة

- ‌ المسألة الخامسة * فوائد القاعدة وتطبيقاتها

- ‌الفصل الرابعالقواعد المتعلقة بإبطال الشرك وحقيقة المشركين

- ‌المبحث الأولقاعدة المشركون ما قصدوا من معبوداتهم إلا القربة والشفاعة ويقولون نريد من الله عز وجل لا منهم لكن بشفاعتهم والتقرب إلى الله بهم

- ‌ المسألة الأولى * بيان معنى القاعدة

- ‌ المسألة الثانية * أدلة القاعدة

- ‌ المسألة الثالثة * أقوال أهل العلم في تقرير معنى القاعدة

- ‌ المسألة الرابعة * فوائد القاعدة وتطبيقاتها

- ‌المبحث الثانيقاعدة الأصنام الجمادية لم تعبد لذاتها وإنما وضعت في الأصل لما كان غائبًا من معبودات المشركين

- ‌ المسألة الأولى* بيان معنى القاعدة

- ‌ المسألة الثانية* أدلة القاعدة

- ‌ المسألة الثالثة * أقوال أهل العلم في تقرير معنى القاعدة

- ‌ المسألة الرابعة* فوائد القاعدة وتطبيقاتها

- ‌المبحث الثالثقاعدة المشركون الأولون يشركون في الرخاء ويخلصون في الشدة ومشركو زماننا شركهم دائم في الشدة والرخاء

- ‌ المسألة الأولى * بيان معنى القاعدة

- ‌ المسألة الثانية * أدلة القاعدة

- ‌ المسألة الثالثة* أقوال أهل العلم في اعتماد معنى القاعدة

- ‌ المسألة الرابعة * فوائد القاعدة وتطبيقاتها

- ‌المبحث الرابعقاعدة دين الحنفاء ليس فيه واسطة بين الله وخلقه في الربوبية والألوهية، والرسل وسائط في التبليغ والدلالة

- ‌ المسألة الأولى* بيان معاني مفردات القاعدة

- ‌معنى الواسطة لغة واصطلاحًا:

- ‌ المسألة الثانية* معنى القاعدة

- ‌ المسألة الثالثة * أدلة القاعدة

- ‌الأول: الأدلة الدالة على الواسطة المثبتة الشرعية الإيمانية:

- ‌القسم الثاني: الأدلة الدالة على الواسطة المنفية غير الشرعية:

- ‌ المسألة الرابعة * أقوال العلماء في اعتماد القاعدة

- ‌ المسألة الخامسة* فوائد القاعدة وتطبيقاتها

- ‌الخاتمة

- ‌فهرس المصادر والمراجع

الفصل: ‌ المسألة الخامسة* فوائد القاعدة وتطبيقاتها

يثبت فيه أمر الشارع، فهو بدعة، فمن تعبد بعبادة طولب بالدليل؛ لأن الأصل في العبادات الحظر والمنع، إلا إذا قام الدليل على مشروعيتها"

(1)

.

وقال الشيخ صالح بن فوزان الفوزان في معنى قوله تعالى: {وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ} [الأنعام: 163]: "أمرني ربي سبحانه وتعالى، فدلّ على أن العبادات توقيفيّة، لا يصلح منها شيء إلَّا بأمر الله سبحانه وتعالى"

(2)

.

وجاء في فتاوى لجنة الإفتاء: "والعبادات مبناها على الأمر والنهي والاتباع"

(3)

.

*‌

‌ المسألة الخامسة* فوائد القاعدة وتطبيقاتها

لقد فرَّعَ أهل العلم بعض الفروع والجزئيات والمسائل على هذه القاعدة، واستفادوا منها في إبطال كثير من البدع والضلالات، وفيما يأتي أتناول بعض ما ذكره أهل العلم من فروع ومسائل متعلقة بالقاعدة، أو ظهر لي من خلال كلامهم:

أولًا: أن شرط التوقيف الوارد في القاعدة يتضمن عدة أمور زائدة على أصل العبادة، وهذه لا بد من مراعاتها حتى تكون العبادة صحيحة ومقبولة عند الله تبارك وتعالى، فما من عبادة إلا وهي مفتقرة إلى إذن شرعي في عدة أمور لكي تصبح عبادة شرعية يتقرب بها العبد إلى الرب تعالى وتقدس، ومن تلك الأمور ما يلي:

الأول: السبب: فإذا تعبد لله تعالى بعبادة مقرونة بسبب غير شرعي

(1)

انظر: القول المفيد على كتاب التوحيد (1/ 211 - 212).

(2)

إعانة المستفيد بشرح كتاب التوحيد (1/ 166).

(3)

فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (3/ 64).

ص: 692

فهي بدعة مردودة على صاحبها، مثل إحياء ليلة السابع والعشرين من رجب بالتهجد، بحجة أنها ليلة الإسراء والمعراج، فالتهجد عبادة، لكن لما قرن بهذا السبب كان بدعة لكونه بني على سبب لم يثبت شرعًا.

الثاني: الجنس: فلا بد أن تكون العبادة موافقة للشرع في جنسها؛ فلو تعبد إنسان لله بعبادة لم يشرع جنسها فهي غير مقبولة؛ كمن يضحي بفرس فلا يصح؛ لأنَّه خالف الشريعة في الجنس، فالأضاحي لا تكون إلا من بهيمة الأنعام على الراجح من أقوال أهل العلم.

الثالث: القَدْر: فلو زاد صلاة سادسة على أنها فريضة فهذه بدعة غير مقبولة؛ لأنَّها مخالفة للشرع في القدر، ومن باب أولى لو صلى الظهر خمسًا فصلاته باطلة.

الرابع: الكيفية: فلو توضأ فبدأ بغسل رجليه، ثم مسح رأسه، ثم غسل يديه، ثم وجهه فنقول: وضوؤه باطل؛ لأنَّه مخالف للشرع في الكيفية، وذلك على الراجح خلافًا لبعض الفقهاء ممن يصحح عدم الترتيب.

الخامس: الزمان فلو ضحى في أول أيام ذي الحجة فلا تقبل الأضحية لمخالفة الشرع في الزمان.

السادس: المكان: فلو اعتكف في غير مسجد فإن اعتكافه لا يصح، وذلك لأن الاعتكاف لا يكون إلا في المساجد

(1)

.

ثانيًا: دلت القاعدة على أن العبادة موقوفة على الإذن الشرعي بها من صاحب الشريعة، ولا يكفي دخول العبادة تحت دليل ونص عام، بل لا بد من الدليل الخاص بهذه العبادة.

يقول الإمام ابن دقيق العيد

(2)

رحمه الله في كلامه على حرمة إحداث

(1)

انظر: الإبداع في بيان كمال الشرع وخطر الابتداع لابن عثيمين (ص 21، 22).

(2)

هو: محمد بن علي بن وهب بن مطيع بن أبي الطاعة القشيري، أبو الفتح تقي الدين، =

ص: 693

الأعياد: "قد منعنا إحداث ما هو شعار في الدين، ومثاله ما أحدثته الروافض من عيد ثالث سموه عيد الغدير، وكذلك الاجتماع وإقامة شعاره في وقت مخصوص، على شيء مخصوص لم يثبت شرعًا، وقريب من ذلك أن تكون العبادة من جهة الشرع مرتبة على وجه مخصوص، فيريد بعض الناس أن يحدث فيها أمرًا آخر لم يرد به الشرع زاعمًا أن يدرجه تحت عموم، فهذا لا يستقيم؛ لأن الغالب على العبادات التعبد، ومأخذها التوقيف.

وهذه الصورة حيث لا يدل دليل على كراهة ذلك المحدث أو منعه؛ فأما إذا دل فهو أقوى في المنع وأظهر من الأول، ولعل مثال ذلك: ما ورد في رفع اليدين في القنوت، فإنه قد صح رفع اليد في الدعاء مطلقًا، فقال بعض الفقهاء: يرفع اليد في القنوت؛ لأنه دعاء، فيندرج تحت الدليل المقتضي لاستحباب رفع اليد في الدعاء مطلقًا، وقال غيره: يكره؛ لأن الغالب على هيئة العبادة التعبد والتوقيف، والصلاة تصان عن زيادة عمل غير مشروع فيها، فإذا لم يثبت الحديث في رفع اليد في القنوت كان الدليل الدال على صيانة الصلاة عن عمل لم يشرع أخص من الدليل الدال على رفع اليد في الدعاء"

(1)

.

فالواجب عدم الاكتفاء بالدليل العام على جواز التعبد بأمور محدثة، بل لا بد من طلب الدليل الخاص على كل عبادة بذاتها، وهذا هو المنهج الذي سار عليه سلف هذه الأمة كما هو ظاهر للمتأمل

(2)

.

= الفقيه، الأصولي، المحدث. له مصنفات نافعة منها: الإلمام في الحديث، والإمام شرح الإلمام، وشرح العمدة "عمدة الأحكام" للمقدسي، توفي سنة 702 هـ. [ترجمته في: طبقات الشافعية الكبرى (6/ 2)، وطبقات الشافعية لابن قاضي شهبة (2/ 229)].

(1)

إحكام الأحكام لابن دقيق العيد (1/ 172).

(2)

انظر: المرجع نفسه (1/ 173).

ص: 694

ويقول رحمه الله في ترجيح المطالبة بالدليل الخاص في كل عبادة: "ويحتمل أن يقال: إن هذه الخصوصيات بالوقت أو بالحال والهيئة والفعل المخصوص يحتاج إلى دليل خاص يقتضي استحبابه بخصوصه، وهذا أقرب والله أعلم"

(1)

.

ولا يلزم أن ما كان قربة في عبادة من العبادات من الصفات والهيئات يكون قربة بدون اقترانه بتلك العبادة، أو مع اقترانه بعبادة أخرى غير التي جاء النص بها.

وقد بيَّن الإمام ابن رجب هذه المسألة بتوسع فقال: "فأما العبادات؛ فما كان منها خارجًا عن حكم الله ورسوله بالكلية فهو مردود على عامله، وعامله يدخل تحت قوله تعالى:{أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ} [الشورى: 21]، فمن تقرب إلى الله بعمل لم يجعله الله ورسوله قربة إلى الله فعمله باطل مردود عليه، وهو شبيه بحال الذين كانت صلاتهم عند البيت مكاء وتصدية، وهذا كمن تقرب إلى الله تعالى بسماع الملاهي، أو بالرقص، أو بكشف الرأس في غير الإحرام، وما أشبه ذلك من المحدثات التي لم يشرع الله ورسوله التقرب بها بالكلية، وليس ما كان قربة في عبادة يكون قربة في غيرها مطلقًا، فقد (رأى النبي صلى الله عليه وسلم رجلًا قائمًا في الشمس فسأل عنه فقيل: إنه نذر أن يقوم ولا يقعد ولا يستظل وأن يصوم فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يقعد ويستظل وأن يتم صومه)

(2)

، فلم يجعل قيامه وبروزه في الشمس قربة يوفي بنذرهما،

مع أن القيام عبادة في مواضع أخر؛ كالصلاة، والأذان، والدعاء بعرفة، والبروز للشمس قربة للمحرم، فدل على أنه ليس كل ما كان قربة في موطن يكون قربة

(1)

إحكام الأحكام لابن دقيق العيد (1/ 171).

(2)

أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الأيمان والنذور، باب: النذر فيما لا يملك وفي معصية (6/ 2465)، برقم (6326)، من طريق ابن عباس رضي الله عنهما.

ص: 695

في كل المواطن، وإنما يتبع في ذلك كله ما وردت به الشريعة في مواضعها. وكذلك من تقرب بعبادة نهي عنها بخصوصها؛ كمن صام يوم العيد، أو صلى وقت النهي، وأما من عمل عملًا أصله مشروع وقربة ثم أدخل فيه ما ليس بمشروع، أو أخل فيه بمشروع فهذا أيضًا مخالف للشريعة بقدر إخلاله بما أخل به، أو إدخال ما أدخل فيه

، وإن كان قد زاد في العمل المشروع ما ليس بمشروع فزيادته مردودة عليه؛ بمعنى أنها لا تكون قربة ولا يثاب عليها"

(1)

.

ثالثًا: تضمنت القاعدة أن الأذكار الشرعية، والأوراد والأدعية مبنية على التوقيف، فلا يجوز أن يزاد عليها، ولا أن ينقص منها شيئًا، بل الواجب المحافظة عليها كما علمها النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه من بعده.

يقول الإمام النووي رحمه الله: "فإن ألفاظ الأذكار يحافظ فيها على الثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم"

(2)

.

ويقول الإمام ابن تيمية رحمه الله: "لا ريب أن الأذكار والدعوات من أفضل العبادات، والعبادات مبناها على التوقيف والاتباع، لا على الهوى والابتداع، فالأدعية والأذكار النبوية هي أقل ما يتحراه المتحري من الذكر والدعاء، وسالكها على سبيل أمان وسلامة، والفوائد والنتائج التي تحصل لا يعبر عنه لسان، ولا يحيط به إنسان"

(3)

.

ومن أصرح الأدلة الدالة على المنع من تغيير ألفاظ الأذكار النبوية ما جاء عن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا أتيت مضجعك فتوضأ وضوءك للصلاة ثم اضطجع على شقك الأيمن ثم قل اللَّهُمَّ أسلمت وجهي إليك، وفوضت أمري إليك، وألجأت ظهري إليك،

(1)

جامع العلوم والحكم (ص 60).

(2)

المجموع للنووي (3/ 459).

(3)

مجموع الفتاوى (22/ 510 - 511).

ص: 696

رغبة ورهبة إليك، لا ملجأ ولا منجى منك إلا إليك، اللَّهُمَّ آمنت بكتابك الذي أنزلت، وبنبيك الذي أرسلت، فإن مت من ليلتك فأنت على الفطرة، واجعلهن آخر ما تتكلم به، قال فرددتها على النبي صلى الله عليه وسلم فلما بلغت: اللَّهُمَّ آمنت بكتابك الذي أنزلت قلت: ورسولك، قال: لا؛ ونبيك الذي أرسلت"

(1)

.

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله فى معنى حديث البراء: "وأولى ما قيل في الحكمة في رده صلى الله عليه وسلم على من قال الرسول بدل النبي: إن ألفاظ الأذكار توقيفية، ولها خصائص وأسرار لا يدخلها القياس، فتجب المحافظة على اللفظ الذي وردت به، وهذا اختيار المازري، قال: فيقتصر فيه على اللفظ الوارد بحروفه، وقد يتعلق الجزاء بتلك الحروف، ولعله أوحي إليه بهذه الكلمات فيتعين أداؤها بحروفها"

(2)

.

وهكذا نجد أهل العلم يقررودن أن ألفاظ الأذكار توقيفية، ويعلل بعضهم ذلك باحتمال وجود معنى خاص وسر معين في صيغة الألفاظ النبوية

(3)

.

يقول الحافظ السخاوي

(4)

: "بل الاستدلال به لمجرد المنع ممنوع؛

(1)

أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الوضوء، فضل من بات على الوضوء (1/ 97)، برقم (244).

(2)

فتح الباري لابن حجر (11/ 112).

(3)

انظر: تدريب الراوي للسيوطي (2/ 122).

(4)

هو: محمد بن عبد الرحمن بن محمد، شمس الدين السخاوي: مؤرخ حجة، عالم بالحديث والتفسير والأدب، أصله من سخا من قرى مصر، ومولده في القاهرة في عام 831 هـ، ساح في البلدان سياحة طويلة، وصنف زهاء مئتي كتاب أشهرها:"الضوء اللامع في أعيان القرن التاسع"، ترجم لنفسه فيه، وله:"شرح ألفية العراقي"، و"المقاصد الحسنة"، و"القول البديع في أحكام الصلاة على الحبيب الشفيع"، و"الإعلان بالتوبيخ لمن ذم التأريخ"، وغيرها، توفي سنة 902 هـ، ووفاته بالمدينة. [ترجمته في: الضوء اللامع (8/ 2 - 32)، والأعلام للزركلي (6/ 194)].

ص: 697

بأن ألفاظ الأذكار توقيفية، فلا يدخلها القياس، بل يجب المحافظة على اللفظ الذي جاءت به الرواية؛ إذ ربما كان فيه خاصية وسر لا يحصل بغيره"

(1)

.

ويقول المناوي في معنى حديث البراء: "لأن ألفاظ الأذكار توقيفية في نفس اللفظ وتقدير الثواب، فربما كان في اللفظ سر ليس في الآخر ولو كان مرادفه في الظاهر، أو لعله أوحي إليه بهذا اللفظ فرأى أن يقف عنده"

(2)

.

وأما ما كان من الأذكار التي لم ترد بها السُّنَّة، ولا فعلها الصحابة رضي الله عنهم فهذه يحرم فعلها والتزامها، وهي من المحدثات والبدع التي لا خير فيها بلا شك.

يقول الإمام ابن تيمية: "وما سواها من الأذكار، قد يكون محرَّمًا، وقد يكون مكروهًا، وقد يكون فيه شرك ما لا يهتدي إليه أكثر الناس، وهي جملة يطول تفصيلها.

وليس لأحد أن يسن للناس نوعًا من الأذكار والأدعية غير المسنون، ويجعلها عبادة راتبة يواظب الناس عليها كما يواظبون على الصلوات الخمس، بل هذا ابتداع دين لم يأذن الله به، بخلاف ما يدعو به المرء أحيانًا من غير أن يجعله للناس سنة، فهذا إذا لم يعلم أنه يتضمن معنى محرمًا لم يجز الجزم بتحريمه، لكن قد يكون فيه ذلك والإنسان لا يشعر به، وهذا كما أن الإنسان عند الضرورة يدعو بأدعية تفتح عليه ذلك الوقت، فهذا وأمثاله قريب.

وأما اتخاذ ورد غير شرعي، واستنان ذكر غير شرعي فهذا مما ينهى عنه، ومع هذا ففي الأدعية الشرعية، والأذكار الشرعية غاية المطالب الصحيحة، ونهاية المقاصد العلية، ولا يعدل عنها إلى غيرها

(1)

فتح المغيث (2/ 300).

(2)

فيض القدير (2/ 122).

ص: 698

من الأذكار المحدثة المبتدعة إلا جاهل أو مفرط أو متعد"

(1)

.

فالجاهل يجب عليه أن يتعلم هدي النبي صلى الله عليه وسلم، والمفرط عاقبته الحسرة والندامة بما فرط في جنب الله، أما المتعدي فتتلى عليه نصوص الوعيد والزجر فيمن تعدى حرمات الله وانتهكها، فإن نفع ذلك وإلا كان حقه العقاب الشديد، والتأديب البليغ.

فالحاصل أن جميع العبادات؛ كالذكر وغيرها كلها توقيفية، فلا مجال فيها للاجتهاد، واختراع العقول، بل لا بد من لزوم سنة صاحب الشريعة؛ لأنه لا ينطق عن الهوى، والتقرب إلى الله بتشريع شيء لم يشرعه الله تعالى من أعظم الاعتداء على حق الله تعالى في التشريع، ومنازعته لله تعالى في حكمه.

يقول الشيخ السعدي في تفسير قوله تعالى: {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ} [الشورى: 21] فقال: "من الشرك، والبدع، وتحريم ما أحل الله، وتحليل ما حرم الله، ونحو ذلك، مما اقتضته أهواؤهم، مع أن الدين لا يكون إلا ما شرعه الله تعالى، ليدين به العباد، ويتقربوا به إليه، فالأصل الحجر على كل أحد أن يشرع شيئًا ما جاء عن الله ولا عن رسوله"

(2)

.

رابعًا: ومما يستفاد من القاعدة عدم اتخاذ شيء من الأعمال الدينية العبادية، وجعلها أسبابًا لأمور وأغراض دنيوية إلا أن يكون مأذونًا بها من صاحب الشريعة، فإذا لم يأت الإذن من الشارع كانت أسبابًا باطلة، وكان صاحبها مستحقًا للعقوبة حسب إحداثه في الدين ما لم يأذن به الله.

يقول الإمام ابن تيمية: "الأعمال الدينية لا يجوز أن يتخذ شيء منها سببًا للدنيا، إلا أن تكون مشروعة، فإن العبادة مبناها على الإذن من

(1)

مجموع الفتاوى (22/ 511).

(2)

تفسير السعدي (ص 757).

ص: 699

الشارع، فلا يجوز أن يشرك بالله فيدعو غيره وإن ظن أن ذلك سبب في حصول بعض أغراضه، وكذلك لا يعبد الله بالبدع وإن ظن في ذلك ثوابًا؛ فإن الشيطان قد يعين الإنسان على بعض مقاصده إذا أشرك، وقد يحصل له بالكفر والفسق والعصيان بعض أغراضه فلا يجوز له ذلك"

(1)

.

ويقول الشيخ سليمان آل الشيخ: "فإن العبادات مبناها التوقيف، ولا سيما إذا نسب أمر إلى هديه وشرعه وسنته، والعقل لا مدخل لاستحسانه واستقباحه في الدين، وليس كل من قضيت حاجته بسبب يقتضي أن يكون السبب مشروعًا مأمورًا به، فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُسأل في حياته المسألة فيعطيها لا يرد سائلًا، وتكون المسألة محرمة في حق السائل، حتى قال صلى الله عليه وسلم: "إني لأعطي أحدهم العطية فيخرج بها يتأبطها نارًا، قالوا: يا رسول الله فلم تعطهم قال: يأبون إلا أن يسألوا ويأبى الله لي البخل"

(2)

"

(3)

.

ويقول الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن آل الشيخ: "وليس في إنزال المطر إذا كشفت أجساد الأنبياء أو قبورهم ما يستدل به على جواز التوسل الشركي بهم، فإن الأمر الشرعي والعبادات الدينية توقيفية، لا يجوز إحداثها نظرًا إلى الأسباب القدرية الكونية؛ فإن أسباب الكائنات لا يحصيها إلا الله أعيانًا وأنواعًا، وليس كل سبب منها دينيًا، شرعيًا، محمديًا عليه رسم المدينة"

(4)

.

(1)

مختصر الفتاوى المصرية (ص 269)، وانظر: مجموع الفتاوى (1/ 137).

(2)

أخرجه بنحوه الإمام أحمد في المسند (3/ 4)، برقم (11017)، والمنذري في الترغيب والترهيب (1/ 330)، برقم (1212)، وقال:"رواه أحمد وأبو يعلى ورجال أحمد رجال الصحيح"، وصححه الألباني في: غاية المرام (ص 226)، برقم (463).

(3)

التوضيح عن توحيد الخلاق (ص 244).

(4)

مصباح الظلام في الرد على من طعن في الشيخ الإمام (ص 294).

ص: 700

خامسًا: نصت القاعدة على الفارق الرئيس بين العبادات والعادات؛ من بيع وشراء وعقود ومعاملات، فالعبادات مبناها على التوقيف والأمر من الله تعالى، فالأصل في العبادة الحرمة التي قد تصل بالعبادة إلى حد الفساد والبطلان والرد حتى يأتي الدليل القاطع بها، بخلاف العادات فالأصل فيها الجواز والصحة حتى يقوم المانع الشرعي المبطل لها.

يقول الإمام ابن تيمية: "تصرفات العباد من الأقوال والأفعال نوعان: عبادات يصلح بها دينهم، وعادات يحتاجون إليها في دنياهم، فباستقراء أصول الشيعة نعلم أن العبادات التي أوجبها الله، أو أحبها لا يثبت الأمر بها إلا بالشرع، وأما العادات فهي ما اعتاده الناس في دنياهم مما يحتاجون إليه، والأصل فيه عدم الحظر، فلا يحظر منه إلا ما حظره الله سبحانه وتعالى؛ وذلك لأن الأمر والنهي هما شرع الله، والعبادة لا بد أن تكون مأمورًا بها، فما لم يثبت أنه مأمور به كيف يحكم عليه بأنه عبادة، وما لم يثبت من العبادات أنه منهي عنه كيف يحكم على أنه محظور، ولهذا كان أحمد وغيره من فقهاء أهل الحديث يقولون: إن الأصل في العبادات التوقيف، فلا يشرع منها إلا شرعه الله تعالى وإلا دخلنا في معنى قوله:{أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ} [الشورى: 21].

والعادات الأصل فيها العفو فلا يحظر منها إلا ما حرمه وإلا دخلنا في معنى قوله: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَامًا وَحَلَالًا} [يونس: 59]، ولهذا ذم الله المشركين الذين شرعوا من الدين ما لم يأذن به الله، وحرموا ما لم يحرمه"

(1)

.

ويقول الإمام ابن القيم: "فالأصل في العبادات البطلان حتى يقوم دليل على الأمر، والأصل في العقود والمعاملات الصحة حتى يقوم دليل على البطلان والتحريم، والفرق بينهما: أن الله سبحانه لا يعبد إلا بما

(1)

مجموع الفتاوى (16/ 29 - 17)، وانظر:(4/ 196).

ص: 701

شرعه على ألسنة رسله، فإن العبادة حقه على عباده، وحقه الذي أحقه هو، ورضي به، وشرعه.

وأما العقود والشروط والمعاملات فهي عفو حتى يحرمها، ولهذا نعى الله سبحانه على المشركين مخالفة هذين الأصلين، وهو تحريم ما لم يحرمه، والتقرب إليه بما لم يشرعه، وهو سبحانه لو سكت عن إباحة ذلك وتحريمه لكان ذلك عفوًا، لا يجوز الحكم بتحريمه وإبطاله؛ فإن الحلال ما أحله الله، والحرام ما حرمه، وما سكت عنه فهو عفو، فكل شرط وعقد ومعاملة سكت عنها فإنه لا يجوز القول بتحريمها؛ فإنه سكت عنها رحمة منه من غير نسيان وإهمال، فكيف وقد صرحت النصوص بأنها على الإباحة فيما عدا ما حرمه"

(1)

.

ويقول ابن الحاج: "فليست العبادة بالعادة، ولا بالاستحسان، ولا بالاختيار، وإنما هي راجعة إلى امتثال أمر المولى سبحانه وتعالى، مع بيان رسوله المعصوم في الحركات والسكنات -صلوات الله عليه وسلامه-، فحيث مشى مشينا، وحيث وقف وقفنا، وكذلك يتعين الرجوع إلى ما استنبطه العلماء، وأفادوه من كتاب الله عز وجل وحديث رسوله صلى الله عليه وسلم مما للقياس فيه مدخل"

(2)

.

سادسًا: ومما يستفاد من القاعدة أنه لا يجوز التعبد لله تعالى إلا بما هو عبادة مشروعة من الله تعالى أو رسوله صلى الله عليه وسلم، وعليه فلا يجوز التعبد بما هو مباح أو جائز فيجعل عبادة يتقرب بها إلى الله تعالى، فإن هذا من أعظم التلبيس والافتراء على الله تعالى وعلى رسوله صلى الله عليه وسلم، وهو داخل في وعيد قوله تعالى:{أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ} [الشورى: 21].

(1)

إعلام الموقعين (1/ 344 - 345).

(2)

المدخل لابن الحاج (4/ 263 - 264).

ص: 702

يقول الإمام ابن تيمية: "وهذا أصل عظيم من أصول الديانات" وهو التفريق بين المباح الذي يُفعل لأنه مباح، وبين ما يتخذ دينًا وعبادة وطاعة وقربة واعتقادًا ورغبة وعملًا؛ فمن جعل ما ليس مشروعًا، ولا هو دينًا، ولا طاعة، ولا قربة، جعله دينًا، وطاعة، وقربة، كان حرامًا باتفاق المسلمين"

(1)

.

(1)

مجموع الفتاوى (31/ 38).

ص: 703