الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
*
المسألة الخامسة * فوائد القاعدة وتطبيقاتها
يؤخذ من القاعدة ويستفاد منها بعض الفوائد منها ما يلي:
أولًا: دلت القاعدة على أهمية توحيد الربوبية، ومكانته العظيمة؛ وذلك لكونه أصلًا وأساسًا لتوحيد العبادة، ولا تخفى مكانة توحيد العبادة في دين الإسلام فكيف بأصله وأساسه الذي يقوم عليه ولا يصح بدونه، بل لا يكمل توحيد الألوهية ويحصل تحقيقه في القلب بدون تحقيق توحيد الربوبية.
يقول أبو حيان: "لأن التوحيد هو الأصل والعبادة فرعه"
(1)
.
ثانيًا: قرَّر أهل العلم رحمهم الله قاعدة قرآنية بنوها على استقراء القرآن وما ثبت من إقرار المشركين بتوحيد الربوبية وعدم إنكارهم له، وأنه لم ينكره أحد من البشرية إلا على جهة العناد والاستكبار، وهذه القاعدة هي أن الاستفهامات الواردة في القرآن الكريم والمتعلقة بالربوبية هي استفهامات تقرير وليست استفهامات إنكار.
يقول الإمام ابن أبي العز: {أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ (60)} [النمل: 60]؛ أي: أإله مع الله فعل هذا، وهذا استفهام إنكار يتضمن نفي ذلك، وهم كانوا مقرين بأنه لم يفعل ذلك غير الله، فاحتج عليهم بذلك، وليس المعنى أنه استفهام: هل مع الله إله؟ كما ظنه بعضهم؛ لأن هذا المعنى لا يناسب سياق الكلام، والقوم كانوا يجعلون مع الله آلهة أخرى"
(2)
.
ويقول الشيخ محمد الأمين الشنقيطي: "ولأجل ذلك ذكرنا في غير هذا الموضع أن كل الأسئلة المتعلِّقة بتوحيد الربوبية استفهامات تقرير،
(1)
تفسير البحر المحيط (1/ 143).
(2)
شرح العقيدة الطحاوية (ص 84).
يراد منها أنهم إذا أقروا رتب لهم التوبيخ، والإنكار على ذلك الإقرار؛ لأن المقر بالربوبية يلزمه الإقرار بالألوهية ضرورة نحو قوله تعالى:{أَفِي اللَّهِ شَكٌّ} [إبراهيم: 10]، وقوله:{قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبًّا} [الأنعام: 164]، وإن زعم بعض العلماء أن هذا استفهام إنكار؛ لأن استقراء القرآن دلَّ على أن الاستفهام المتعلِّق بالربوبية استفهام تقرير، وليس استفهام إنكار؛ لأنهم لا ينكرون الربوبية كما رأيت كثرة الآيات الدالة عليه"
(1)
.
يقول الإمام ابن تيمية: "ولما كان علم النفوس بحاجتهم وفقرهم إلى الرب قبل علمهم بحاجتهم وفقرهم إلى الإله المعبود، وقصدهم لدفع حاجاتهم العاجلة قبل الآجلة، كان إقرارهم بالله من جهة ربوبيته أسبق من إقرارهم به من جهة ألوهيته، وكان الدعاء له، والاستعانة به، والتوكل عليه فيهم أكثر من العبادة له، والإنابة إليه.
ولهذا إنما بعث الرسل يدعونهم إلى عبادة الله وحده لا شريك له، الذي هو المقصود المستلزم للإقرار بالربوبية، وقد أخبر عنهم أنهم لئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله وأنهم إذا مسهم الضر ضل من يدعون إلا إياه وقال وإذا غشيهم موج كالظلل دعوا الله مخلصين له الدين فأخبر أنهم مقرُّون بربوبيته وأنهم مخلصون له الدين إذا مسهم.
الضر في دعائهم واستعانتهم ثم يعرضون عن عبادته في حال حصول أغراضهم وكثير من المتكلمين إنما يقرون الوحدانية من جهة الربوبية وأما الرسل فهم دعوا إليها من جهة الألوهية وكذلك كثير من المتصوفة المتعبدة وأرباب الأحوال إنما توجههم إلى الله من جهة ربوبيته لما يمدهم به في الباطن من الأحوال التي بها يتصرفون وهؤلاء من جنس الملوك وقد ذم الله عز وجل في القرآن هذا الصنف كثيرًا فتدبر هذا فإنه تنكشف به أحوال قوم يتكلمون في الحقائق ويعملون عليها وهم لعمري
(1)
أضواء البيان (3/ 21).
في نوع من الحقائق الكونية القدرية الربوبية لا في الحقائق الدينية الشرعية الإلهية وقد تكلمت على هذا المعنى في مواضع متعددة وهو أصل عظيم يجب الاعتناء به والله سبحانه أعلم"
(1)
.
(1)
مجموع الفتاوى (14/ 14 - 15).