المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ المسألة الثانية * أدلة القاعدة - القواعد في توحيد العبادة - جـ ٢

[محمد بن عبد الله باجسير]

فهرس الكتاب

- ‌الفصل الخامسالقواعد المتعلقة بتحقيق توحيد العبادة وأدلته

- ‌المبحث الأولقاعدة تحقيق التوحيد يتضمن تحقيق أصله وكماله الواجب وكماله المستحب وبحسبها يتفاضل المؤمنون

- ‌ المسألة الأولى * معاني مفردات القاعدة

- ‌معنى التحقيق:

- ‌ المسألة الثانية * معنى القاعدة

- ‌ المسألة الثالثة * أدلة القاعدة

- ‌ المسألة الرابعة * أقوال أهل العلم في تقرير معنى القاعدة

- ‌ المسألة الخامسة * فوائد القاعدة وتطبيقاتها

- ‌المبحث الثانيقاعدة توحيد الربوبية هو أصل توحيد الإلهية ودليله الأكبر

- ‌ المسألة الأولى * شرح معاني مفردات القاعدة

- ‌ المسألة الثانية * بيان معنى القاعدة

- ‌ المسألة الثالثة * أدلة القاعدة

- ‌ المسألة الرابعة * أقوال أهل العلم في تقرير معنى القاعدة

- ‌ المسألة الخامسة * فوائد القاعدة وتطبيقاتها

- ‌الفصل السادسالقواعد المتعلقة برد البدع

- ‌المبحث الأولقاعدة العبادات توقيفية

- ‌ المسألة الأولى * شرح ألفاظ القاعدة

- ‌ المسألة الثانية * معنى القاعدة

- ‌ المسألة الثالثة * أدلة القاعدة

- ‌ المسألة الرابعة* أقوال أهل العلم في تقرير معنى القاعدة

- ‌ المسألة الخامسة* فوائد القاعدة وتطبيقاتها

- ‌المبحث الثانيقاعدة اعتبار ما صدر عن النبي صلى الله عليه وسلم عبادة موقوف على قصده التعبد

- ‌ المسألة الأولى* معنى القاعدة

- ‌ المسألة الثانية* أدلة القاعدة

- ‌ المسألة الثالثة * أقوال أهل العلم في تقرير معنى القاعدة

- ‌ المسألة الرابعة * فوائد القاعدة وتطبيقاتها

- ‌المبحث الثالثقاعدة الوسائل لها أحكام المقاصد

- ‌‌‌ المسألة الأولى * شرح ألفاظ القاعدة

- ‌ المسألة الأولى * شرح ألفاظ القاعدة

- ‌معنى الوسائل والمقاصد اصطلاحًا:

- ‌ المسألة الثانية * معنى القاعدة

- ‌ المسألة الثالثة * أدلة القاعدة

- ‌ المسألة الرابعة * أقوال أهل العلم في اعتماد معنى القاعدة

- ‌ المسألة الخامسة * فوائد القاعدة وتطبيقاتها

- ‌الباب الثانيالقواعد المتعلقة بما يضاد توحيد العبادة

- ‌الفصل الأولالقواعد المتعلقة بتعريف الشرك وحقيقته

- ‌المبحث الأولقاعدة التشبيه هو أصل عبادة الأوثان عند أكثر المشركين

- ‌ المسألة الأولى * شرح ألفاظ القاعدة

- ‌معنى التشبيه لغة واصطلاحًا:

- ‌ المسألة الثانية * معنى القاعدة

- ‌ المسألة الثالثة * أدلة القاعدة

- ‌ المسألة الرابعة * أقوال أهل العلم في تقرير معنى القاعدة

- ‌ المسألة الخامسة * فوائد القاعدة وتطبيقاتها

- ‌المبحث الثانيقاعدة الشرك هو التسوية بين الله وغيره في شيء من خصائصه وحقه

- ‌ المسألة الأولى * شرح ألفاظ القاعدة

- ‌أولًا: معنى الشرك لغة:

- ‌ثانيًا: معنى التسوية:

- ‌ المسألة الثانية * معنى القاعدة

- ‌ المسألة الثالثة * أدلة القاعدة

- ‌ المسألة الرابعة * أقوال أهل العلم في تقرير معنى القاعدة

- ‌ المسألة الخامسة * فوائد القاعدة وتطبيقاتها

- ‌المبحث الثالثقاعدة الخوف الشركي أن يخاف العبد من غير الله أن يصيبه مكروه بمشيئته وقدرته وإن لم يباشره

- ‌ المسألة الأولى * شرح ألفاظ القاعدة

- ‌معنى الخوف وأنواعه:

- ‌ المسألة الثانية * معنى القاعدة

- ‌ المسألة الثالثة * أدلة القاعدة

- ‌ المسألة الرابعة * أقوال أهل العلم في تقرير معنى القاعدة

- ‌ المسألة الخامسة * فوائد القاعدة وتطبيقاتها

- ‌المبحث الرابعقاعدة السؤال والطلب من غير الله فيما لا يقدر عليه إلا الله شرك

- ‌ المسألة الأولى * شرح ألفاظ القاعدة

- ‌بيان معنى السؤال والطلب:

- ‌ المسألة الثانية * معنى القاعدة

- ‌ المسألة الثالثة * أدلة القاعدة

- ‌ المسألة الرابعة * أقوال أهل العلم في تقرير معنى القاعدة

- ‌ المسألة الخامسة * فوائد القاعدة وتطبيقاتها

- ‌المبحث الخامسقاعدة الاعتقاد في الأسباب بذاتها شرك في الربوبية والألوهية

- ‌ المسألة الأولى * شرح ألفاظ القاعدة

- ‌معنى الأسباب:

- ‌ المسألة الثانية * معنى القاعدة

- ‌ المسألة الثالثة * أدلة القاعدة

- ‌ المسألة الرابعة * أقوال أهل العلم في تقرير معنى القاعدة

- ‌ المسألة الخامسة * فوائد القاعدة وتطبيقاتها

- ‌المبحث السادسقاعدة الشفاعة ملك لله تعالى وطلبها ورجاؤها من غير الله أو بغير إذن شرك

- ‌ المسألة الأولى * معنى الشفاعة لغة وشرعًا

- ‌ المسألة الثانية * بيان معنى القاعدة

- ‌ المسألة الثالثة * أدلة القاعدة

- ‌ المسألة الرابعة * أقوال أهل العلم في تقرير معنى القاعدة

- ‌ المسألة الخامسة * فوائد القاعدة وتطبيقاتها

- ‌المبحث السابعقاعدة كل ما ورد في القرآن من الأمر بالدعاء والنهي عن دعاء غير الله يتناول دعاء المسألة ودعاء العبادة

- ‌ المسألة الأولى* شرح ألفاظ القاعدة

- ‌بيان معنى الدعاء وأقسامه:

- ‌ المسألة الثانية * معنى القاعدة

- ‌ المسألة الثالثة * أدلة القاعدة

- ‌ المسألة الرابعة * أقوال أهل العلم في تقرير معنى القاعدة

- ‌ المسألة الخامسة * فوائد القاعدة وتطبيقاتها

- ‌الفصل الثانيالقواعد المتعلقة بقبح الشرك وأنواعه

- ‌المبحث الاولقاعدة الشرك هضم لعظمة الربوبية وتنقص لحق الإلهية وسوء ظن برب العالمين

- ‌ المسألة الأولى * شرح بعض ألفاظ القاعدة

- ‌معنى الهضم والتنقص:

- ‌معنى سوء الظن:

- ‌ المسألة الثانية * معنى القاعدة

- ‌ المسألة الثالثة * أدلة القاعدة

- ‌ المسألة الرابعة * أقوال أهل العلم في تقرير معنى القاعدة

- ‌ المسألة الخامسة * فوائد القاعدة وتطبيقاتها

- ‌المبحث الثانيقاعدة قبح الشرك مستقر في العقول والفطر والسمع نبه العقول وأرشدها إلى معرفة ما أودع فيها من قبح ذلك

- ‌ المسألة الأولى * معنى القاعدة

- ‌ المسألة الثانية * أدلة القاعدة

- ‌ المسألة الثالثة * أقوال أهل العلم في تقرير معنى القاعدة

- ‌ المسألة الرابعة * فوائد القاعدة وتطبيقاتها

- ‌المبحث الثالثقاعدة الشرك الأصغر كل وسيلة وذريعة يتطرق منها إلى الشرك الأكبر من الإرادات والأقوال والأفعال التي لم تبلغ رتبة العبادة

- ‌ المسألة الأولى * معنى القاعدة

- ‌ المسألة الثانية* أدلة القاعدة

- ‌ المسألة الثالثة* أقوال أهل العلم في تقرير معنى القاعدة

- ‌ المسألة الرابعة* فوائد القاعدة وتطبيقاتها

- ‌الفصل الثالثالقواعد المتعلقة بوسائل الشرك وأسبابه

- ‌المبحث الأولقاعدة سد الذرائع المفضية إلى الشرك من المقاصد الشرعية

- ‌ المسألة الأولى* شرح مفردات القاعدة

- ‌معنى سد الذرائع:

- ‌ المسألة الثانية * معنى القاعدة

- ‌ المسألة الثالثة* أدلة القاعدة

- ‌ المسألة الرابعة* أقوال أهل العلم في تقرير معنى القاعدة

- ‌ المسألة الخامسة* فوائد القاعدة وتطبيقاتها

- ‌المبحث الثانيقاعدة الحقائق لا تتغير بتغير المسميات

- ‌ المسألة الأولى* شرح ألفاظ القاعدة

- ‌ المسألة الثانية * معنى القاعدة

- ‌ المسألة الثالثة * أدلة القاعدة

- ‌ المسألة الرابعة * أقوال أهل العلم في تقرير معنى القاعدة

- ‌ المسألة الخامسة * فوائد القاعدة وتطبيقاتها

- ‌المبحث الثالثقاعدة تعظيم شعائر الله هو تعظيم لله وعبادة له، فهو تابع لتعظيم الله وإجلاله

- ‌ المسألة الأولى * شرح مفردات القاعدة

- ‌أولًا: معنى التعظيم:

- ‌ثانيًا: معنى شعائر الله:

- ‌ المسألة الثانية * بيان معنى القاعدة

- ‌ المسألة الثالثة * أدلة القاعدة

- ‌ المسألة الرابعة * أقوال أهل العلم في تقرير معنى القاعدة

- ‌ المسألة الخامسة * فوائد القاعدة وتطبيقاتها

- ‌الفصل الرابعالقواعد المتعلقة بإبطال الشرك وحقيقة المشركين

- ‌المبحث الأولقاعدة المشركون ما قصدوا من معبوداتهم إلا القربة والشفاعة ويقولون نريد من الله عز وجل لا منهم لكن بشفاعتهم والتقرب إلى الله بهم

- ‌ المسألة الأولى * بيان معنى القاعدة

- ‌ المسألة الثانية * أدلة القاعدة

- ‌ المسألة الثالثة * أقوال أهل العلم في تقرير معنى القاعدة

- ‌ المسألة الرابعة * فوائد القاعدة وتطبيقاتها

- ‌المبحث الثانيقاعدة الأصنام الجمادية لم تعبد لذاتها وإنما وضعت في الأصل لما كان غائبًا من معبودات المشركين

- ‌ المسألة الأولى* بيان معنى القاعدة

- ‌ المسألة الثانية* أدلة القاعدة

- ‌ المسألة الثالثة * أقوال أهل العلم في تقرير معنى القاعدة

- ‌ المسألة الرابعة* فوائد القاعدة وتطبيقاتها

- ‌المبحث الثالثقاعدة المشركون الأولون يشركون في الرخاء ويخلصون في الشدة ومشركو زماننا شركهم دائم في الشدة والرخاء

- ‌ المسألة الأولى * بيان معنى القاعدة

- ‌ المسألة الثانية * أدلة القاعدة

- ‌ المسألة الثالثة* أقوال أهل العلم في اعتماد معنى القاعدة

- ‌ المسألة الرابعة * فوائد القاعدة وتطبيقاتها

- ‌المبحث الرابعقاعدة دين الحنفاء ليس فيه واسطة بين الله وخلقه في الربوبية والألوهية، والرسل وسائط في التبليغ والدلالة

- ‌ المسألة الأولى* بيان معاني مفردات القاعدة

- ‌معنى الواسطة لغة واصطلاحًا:

- ‌ المسألة الثانية* معنى القاعدة

- ‌ المسألة الثالثة * أدلة القاعدة

- ‌الأول: الأدلة الدالة على الواسطة المثبتة الشرعية الإيمانية:

- ‌القسم الثاني: الأدلة الدالة على الواسطة المنفية غير الشرعية:

- ‌ المسألة الرابعة * أقوال العلماء في اعتماد القاعدة

- ‌ المسألة الخامسة* فوائد القاعدة وتطبيقاتها

- ‌الخاتمة

- ‌فهرس المصادر والمراجع

الفصل: ‌ المسألة الثانية * أدلة القاعدة

وحسنه، وتعينه طريقًا للنجاة، وقبح الشرك، وبطلانه، وكونه هو الطريق للهلاك ما يجعل ذلك للبصيرة كالشمس في نحر الظهيرة"

(1)

.

ويقول ابن الوزير اليماني: "لأنه لا يخفى على عاقل أن أقبح الشرك أن يجعل العبد المخلوق شريكًا لربه الخالق له، وذلك الشريك مخلوق لربه بإقرار العبد، ولا سيما وذلك الشريك المخلوق جماد مسخر للعبد، مصنوع له، ينحته، ويكسره، ويشكله، ويطمسه، ويضعه، ويرفعه، ويدنيه، ويقصيه، ويتصرف أنواع التصرف فيه"

(2)

.

*‌

‌ المسألة الثانية * أدلة القاعدة

من الأدلة الدالة على صحة القاعدة ما يلي:

أولًا: النصوص التي فيها إبطال شرك المشركين، وإلزامهم بعبادة معبودهم الحق سبحانه وتعالى، المتفرد بالربوبية، المختص بالإلهية، مع بيان عدم استحقاق تلك الآلهة المعبودة مع الله للعبادة؛ لضعفها ونقصها وفقرها وعجزها عن نصرة نفسها فضلًا عن غيرها من العابدين لها، فترك عبادة من تفرد بالربوبية والإنعام والإيجاد، وإشراك من سبق وصفه بالمهانة والحقارة معه في العبادة مستقبح في العقول الصحيحة، مستهجن في الفطر السليمة، ومن تلك النصوص ما يلي:

1 -

ما ذكره سبحانه وتعالى عن خليله إبراهيم عليه السلام في محاجته لقومه، وبيانه لضعف آلهتهم وكونها مخلوقة معمولة كما قال تعالى: {إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَاذَا تَعْبُدُونَ (85) أَئِفْكًا آلِهَةً دُونَ اللَّهِ تُرِيدُونَ (86) فَمَا ظَنُّكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ (87) فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ (88) فَقَالَ إِنِّي سَقِيمٌ (89) فَتَوَلَّوْا عَنْهُ مُدْبِرِينَ (90) فَرَاغَ إِلَى

(1)

تفسير السعدي (ص 38).

(2)

إيثار الحق على الخلق في رد الخلافات (ص 321).

ص: 927

آلِهَتِهِمْ فَقَالَ أَلَا تَأْكُلُونَ (91) مَا لَكُمْ لَا تَنْطِقُونَ (92) فَرَاغَ عَلَيْهِمْ ضَرْبًا بِالْيَمِينِ (93) فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ يَزِفُّونَ (94) قَالَ أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ (95) وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ (96)} [الصافات: 91 - 96].

قال ابن عطية: " {أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ (95)}؛ أي: تجعلون إلهًا معظمًا شيئًا صنعتموه من عود أو حجر، وعملتموه بأيديكم، أخبرهم بخبر لا يمكنهم إنكاره"

(1)

.

فهذا إلزام لهم من الناحية العقلية، إذ من المستبعد أن يتوجه القلب والعقل لعبادة معبود صنعه عابده بيده، وكونه وشكله ببنانه.

يقول الإمام ابن تيمية في معنى الآيات: "فهذا كله يبين قبح ما كانوا عليه قبل النهي، وقبل إنكاره عليهم؛ ولهذا استفهم استفهام منكر فقال:{قَالَ أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ (95) وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ (96)} ؛ أي: وخلق ما تنحتون، فكيف يجوز أن تعبدوا ما تصنعونه بأيديكم وتدعون رب العالمين.

فلولا أن حسن التوحيد وعبادة الله تعالى وحده لا شريك له، وقبح الشرك ثابت في نفس الأمر، معلوم بالعقل لم يخاطبهم بهذا؛ إذ كانوا لم يفعلوا شيئًا يذمون عليه، بل كان فعلهم كأكلهم وشربهم، وإنما كان قبيحًا بالنهي، ومعنى قبحه كونه منهيًا عنه لا لمعنى فيه كما تقوله المجبرة"

(2)

.

وبين رحمه الله أيضًا وجهة الآية في بطلان الشرك وفساده عقلًا بقوله: "ثم نَبَّه عُبَّاد الأصنام بتعريفه لهم على فساد ما صاروا إلى عبادتها مع نحتها بقوله تعالى: {قَالَ أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ (95)} ثم قال تعالى: {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ (96)} : فبين لهم فساد عبادتها، ووجوب عبادته دونها؛

(1)

المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز (4/ 479).

(2)

مجموع الفتاوى (11/ 681 - 682).

ص: 928

بأنها إذا كانت لا تصير أصنامًا إلا بنحتكم لها فأنتم أيضًا لن تكونوا على ما أنتم عليه من الصور والهيئات إلا بفعلي، وإني مع خلقي لكم وما تنحتونه خالق لنحتكم، إذ كنت أنا المُقْدِرُ لكم عليه، والمُمَكِّنُ لكم منه"

(1)

.

وفي علة كونه سبحانه جمع في الآية بين خلقه لآلهتهم وخلقه للعابدين وما يعملون يقول الإمام ابن القيم: "قيل في ذكر خلقه سبحانه لآلهتهم ولعابديها من بيان تقبيح حالهم، وفساد رأيهم وعقولهم في عبادتها دونه تعالى ما ليس في الاقتصار على ذكر خلق الآلهة فقط؛ فإنه إذا كان الله تعالى هو الذي خلقكم، وخلق معبوديكم فهي مخلوقة أمثالكم، فكيف يعبد العاقل من هو مثله، ويتألهه، ويفرده بغاية التعظيم والإجلال والمحبة، وهل هذا إلا أقبح الظلم في حق أنفسكم، وفي حق ربكم.

وقد أشار تعالى إلى هذا المعنى بقوله: {إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ} [الأعراف: 194]، ومن حق المعبود أن لا يكون مثل العابد؛ فإنه إذا كان مثله كان عبدًا مخلوقًا، والمعبود ينبغي أن يكون ربًّا خالقًا، فهذا من أحسن الاحتجاج وأبينه"

(2)

.

ويزيد الإمام ابن كثير الأمر بيانًا بقوله في معنى الآيات: "أي: كيف تعبدون أصنامًا أنتم تنحتونها من الخشب والحجارة، وتصورونها وتشكلونها كما تريدون،

فمقتضى الكلام أنكم مخلوقون، وهذه الأصنام مخلوقة، فكيف يعبد مخلوق لمخلوق مثله، فإنه ليس عبادتكم لها بأولى من عبادتها لكم، وهذا باطل، فالآخر باطل للتحكم؛ إذ ليست العبادة تصلح ولا تجب إلا للخالق وحده لا شريك له"

(3)

.

(1)

درء تعارض العقل والنقل (7/ 197 - 198).

(2)

بدائع الفوائد، لابن القيم (1/ 158 - 159).

(3)

البداية والنهاية، لابن كثير (1/ 145).

ص: 929

2 -

قوله تعالى: {أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمَنُ بِضُرٍّ لَا تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا وَلَا يُنْقِذُونِ (23)} [يس: 23].

يقول الإمام ابن القيم: "ثم احتج عليهم بما تقر به عقولهم وفطرهم من قبح عبادة غيره، وأنها أقبح شيء في العقل وأنكره، فقال: {أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمَنُ بِضُرٍّ لَا تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا وَلَا يُنْقِذُونِ (23) إِنِّي إِذًا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (24)} [يس: 23، 24]، أفلا تراه كيف لم يحتج عليهم بمجرد الأمر، بل احتج عليهم بالعقل الصحيح ومقتضى الفطرة"

(1)

.

وهذا يدل على أن قبحه وشناعته مستقرة في العقول والفطر وإلا لم يحسن الاستدلال ولا الإلزام.

ثانيًا: النصوص التي ضرب الله فيها الأمثال المبطلة للشرك، والدالة على التوحيد وحسنه، وقد خاطب الرب تعالى بها عقول الخلق، مبينًا لهم حسن التوحيد، وتقبُّل العقول له، وموضحًا لهم قبح الشرك وشناعته، وهذا يدل على أن هذا القبح مستقر في عقولهم وأصل فطرتهم التي فطروا عليها، ومن تلك النصوص ما يلي:

1 -

قوله تعالى: {ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلًا مِنْ أَنْفُسِكُمْ هَلْ لَكُمْ مِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ شُرَكَاءَ فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ فَأَنْتُمْ فِيهِ سَوَاءٌ تَخَافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (28)} [الروم: 28].

يقول الإمام ابن تيمية في معنى المثل: "يخاف أحدكم مملوكه كما يخاف بعضكم بعضًا، فإذا كان أحدكم لا يرضى أن يكون مملوكه شريكه فكيف ترضونه لله"

(2)

.

ويقول ابن القيم: "وهذا دليل قياس احتج الله سبحانه به على المشركين، حيث جعلوا له من عبيده وملكه شركاء، فأقام عليهم حجة

(1)

مفتاح دار السعادة (2/ 8).

(2)

مجموع الفتاوى (1/ 156).

ص: 930

يعرفون صحتها من نفوسهم لا يحتاجون فيها إلى غيرهم، ومن أبلغ الحجاج أن يأخذ الإنسان من نفسه، ويحتج عليه بما هو في نفسه مقرر عندها، معلوم لها: فقال: هل لكم مما ملكت أيمانكم من عبيدكم، وإمائكم شركاء في المال والأهل؛ أي: هل يشارككم عبيدكم في أموالكم وأهليكم فأنتم وهم في ذلك سواء، تخافون أن يقاسموكم أموالكم، ويشاطروكم إياها، ويستأثرون ببعضها عليكم، كما يخاف الشريك شريكه،

فإذا لم ترضوا ذلك لأنفسكم فلم عدلتم بي من خلقي من هو مملوك لي، فإن كان هذا الحكم باطلًا في فطركم وعقولكم مع أنه جائز عليكم، ممكن في حقكم؛ إذ ليس عبيدكم ملكًا لكم حقيقة، وإنما هم إخوانكم جعلهم الله تحت أيديكم، وأنتم وهم عبيد لي، فكيف تستجيزون مثل هذا الحكم في حقي، مع أن من جعلتموهم لي شركاء عبيدي وملكي وخلقي"

(1)

.

2 -

وقوله سبحانه: {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلًا فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلًا سَلَمًا لِرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (29)} [الزمر: 29].

يقول الإمام ابن القيم: "ضرب الله الأمثال في القرآن، وذَكَّرَ العقول، ونَبَّهَهَا وأرشدها إلى ذلك؛ كقوله: {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلًا فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلًا سَلَمًا لِرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا}: فهذا مثل ضربه يتضمن قياس الأولى؛ يعني: إذا كان المملوك فيكم له مُلاك مشتركون فيه، وهم متنازعون، ومملوك آخر له مالك واحد، فهل يكون هذا وهذا سواء، فإذا كان هذا ليس عندكم كمن له رب واحد، ومالك واحد، فكيف ترضون أن تجعلوا لأنفسكم آلهة متعددة تجعلونها شركاء لله، تحبونها كما يحبونه، وتخافونها كما يخافونه، وترجونها كما يرجونه"

(2)

.

(1)

إعلام الموقعين (1/ 159 - 160).

(2)

مفتاح دار السعادة، لابن اليم (2/ 76).

ص: 931

3 -

قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ (73)} [الحج: 73].

هذه الآية من البراهين العقلية التي أرشد إليها القرآن، ونبه عليها، وقد تضمنت الدلالة على حسن التوحيد وقبح الشرك، وأن ذلك مستقر في العقول والفطر، وجاء بعد ذلك الوحي مؤيدًا لما قررته العقول، وتقبلته الفطر.

يقول الإمام ابن القيم في معنى المثل: "فضرب لهم سبحانه مثلًا من عقولهم يدلهم على قبح عبادتهم لغيره، وإن هذا أمر مستقر قبحه وهجنته في كل عقل، وإن لم يرد به الشرع، وهل في العقل أنكر وأقبح من عبادة من لو اجتمعوا كلهم لم يخلقوا ذبابًا واحدًا، وإن يسلبهم الذباب شيئًا لم يقدروا على الانتصار منه، واستنقاذ ما سلبهم إياه، وترك عبادة الخلاق العليم القادر على كل شيء، الذي ليس كمثله شيء، أفلا تراه كيف احتج عليهم بما ركبه في العقول من حسن عبادته وحده، وقبح عبادة غيره"

(1)

.

ويزيد رحمه الله المثل إيضاحًا وبيانًا فيقول: "حقيق على كل عبد أن يستمع قلبه لهذا المثل، ويتدبره حق تدبره، فإنه يقطع مواد الشرك من قلبه؛ وذلك أن المعبود أقل درجاته أن يقدر على إيجاد ما ينفع عابده، وإعدام ما يضره، والآلهة التي يعبدها المشركون من دون الله لن تقدر على خلق الذباب ولو اجتمعوا كلهم لخلقه، فكيف ما هو أكبر منه، ولا يقدرون على الانتصار من الذباب إذا سلبهم شيئًا مما عليهم من طيب ونحوه، فسيتنقذوه منه، فلا هم قادرون على خلق الذباب الذي هو من أضعف الحيوانات، ولا على الانتصار منه، واسترجاع ما سلبهم إياه،

(1)

مفتاح دار السعادة (2/ 8 - 9).

ص: 932

فلا أعجز من هذه الآلهة، ولا أضعف منها، فكيف يستحسن عاقل عبادتها من دون الله، وهذا المثل من أبلغ ما أنزله الله سبحانه في بطلان الشرك، وتجهيل أهله، وتقبيح عقولهم، والشهادة على أن الشيطان قد تلاعب بهم أعظم من تلاعب الصبيان بالكرة، حيث أعطوا الإلهية التي من بعض لوازمها القدرة على جميع المقدورات، والإحاطة بجميع المعلومات، والغنى عن جميع المخلوقات، وأن يصمد إلى الرب في جميع الحاجات، وتفريج الكربات، وإغاثة اللهفات، وإجابة الدعوات، فأعطوها صورًا وتماثيل يمتنع عليها القدرة على أقل مخلوقات الآلهة الحق، وأذلها، وأصغرها، وأحقرها، ولو اجتمعوا لذلك وتعاونوا عليه"

(1)

.

ويقول ابن كثير في الآية: "أخبر تعالى أن آلهتهم لو اجتمعوا كلهم ما استطاعوا خلق ذبابة، بل لو سلبتهم الذبابة شيئًا من حقير المطاعم وطارت لما استطاعوا إنقاذه منها، فمن هذه صفته وحاله كيف يعبد ليرزق ويستنصر"

(2)

.

ولذا يقول الإمام الطبري رحمه الله بعد أن ساق تفسير الآية: "وإنما أخبر جل ثناؤه عن الآلهة بما أخبر به عنها في هذه الآية من ضعفها ومهانتها تقريعًا منه بذلك عبدتها من مشركي قريش، يقول تعالى ذكره: كيف يجعل مثل في العبادة، ويشرك فيها معي ما لا قدرة له على خلق ذباب، وإن أخذ له الذباب فسلبه شيئًا عليه لم يقدر أن يمتنع منه، ولا ينتصر، وأنا الخالق ما في السماوات والأرض، ومالك جميع ذلك، والمحيي من أردت، والمميت ما أردت، ومن أردت"

(3)

.

(1)

إعلام الموقعين، لابن القيم (1/ 181).

(2)

تفسير ابن كثير (2/ 277)، وانظر:(3/ 236).

(3)

تفسير الطبري (17/ 203).

ص: 933