المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ المسألة الرابعة * فوائد القاعدة وتطبيقاتها - القواعد في توحيد العبادة - جـ ٢

[محمد بن عبد الله باجسير]

فهرس الكتاب

- ‌الفصل الخامسالقواعد المتعلقة بتحقيق توحيد العبادة وأدلته

- ‌المبحث الأولقاعدة تحقيق التوحيد يتضمن تحقيق أصله وكماله الواجب وكماله المستحب وبحسبها يتفاضل المؤمنون

- ‌ المسألة الأولى * معاني مفردات القاعدة

- ‌معنى التحقيق:

- ‌ المسألة الثانية * معنى القاعدة

- ‌ المسألة الثالثة * أدلة القاعدة

- ‌ المسألة الرابعة * أقوال أهل العلم في تقرير معنى القاعدة

- ‌ المسألة الخامسة * فوائد القاعدة وتطبيقاتها

- ‌المبحث الثانيقاعدة توحيد الربوبية هو أصل توحيد الإلهية ودليله الأكبر

- ‌ المسألة الأولى * شرح معاني مفردات القاعدة

- ‌ المسألة الثانية * بيان معنى القاعدة

- ‌ المسألة الثالثة * أدلة القاعدة

- ‌ المسألة الرابعة * أقوال أهل العلم في تقرير معنى القاعدة

- ‌ المسألة الخامسة * فوائد القاعدة وتطبيقاتها

- ‌الفصل السادسالقواعد المتعلقة برد البدع

- ‌المبحث الأولقاعدة العبادات توقيفية

- ‌ المسألة الأولى * شرح ألفاظ القاعدة

- ‌ المسألة الثانية * معنى القاعدة

- ‌ المسألة الثالثة * أدلة القاعدة

- ‌ المسألة الرابعة* أقوال أهل العلم في تقرير معنى القاعدة

- ‌ المسألة الخامسة* فوائد القاعدة وتطبيقاتها

- ‌المبحث الثانيقاعدة اعتبار ما صدر عن النبي صلى الله عليه وسلم عبادة موقوف على قصده التعبد

- ‌ المسألة الأولى* معنى القاعدة

- ‌ المسألة الثانية* أدلة القاعدة

- ‌ المسألة الثالثة * أقوال أهل العلم في تقرير معنى القاعدة

- ‌ المسألة الرابعة * فوائد القاعدة وتطبيقاتها

- ‌المبحث الثالثقاعدة الوسائل لها أحكام المقاصد

- ‌‌‌ المسألة الأولى * شرح ألفاظ القاعدة

- ‌ المسألة الأولى * شرح ألفاظ القاعدة

- ‌معنى الوسائل والمقاصد اصطلاحًا:

- ‌ المسألة الثانية * معنى القاعدة

- ‌ المسألة الثالثة * أدلة القاعدة

- ‌ المسألة الرابعة * أقوال أهل العلم في اعتماد معنى القاعدة

- ‌ المسألة الخامسة * فوائد القاعدة وتطبيقاتها

- ‌الباب الثانيالقواعد المتعلقة بما يضاد توحيد العبادة

- ‌الفصل الأولالقواعد المتعلقة بتعريف الشرك وحقيقته

- ‌المبحث الأولقاعدة التشبيه هو أصل عبادة الأوثان عند أكثر المشركين

- ‌ المسألة الأولى * شرح ألفاظ القاعدة

- ‌معنى التشبيه لغة واصطلاحًا:

- ‌ المسألة الثانية * معنى القاعدة

- ‌ المسألة الثالثة * أدلة القاعدة

- ‌ المسألة الرابعة * أقوال أهل العلم في تقرير معنى القاعدة

- ‌ المسألة الخامسة * فوائد القاعدة وتطبيقاتها

- ‌المبحث الثانيقاعدة الشرك هو التسوية بين الله وغيره في شيء من خصائصه وحقه

- ‌ المسألة الأولى * شرح ألفاظ القاعدة

- ‌أولًا: معنى الشرك لغة:

- ‌ثانيًا: معنى التسوية:

- ‌ المسألة الثانية * معنى القاعدة

- ‌ المسألة الثالثة * أدلة القاعدة

- ‌ المسألة الرابعة * أقوال أهل العلم في تقرير معنى القاعدة

- ‌ المسألة الخامسة * فوائد القاعدة وتطبيقاتها

- ‌المبحث الثالثقاعدة الخوف الشركي أن يخاف العبد من غير الله أن يصيبه مكروه بمشيئته وقدرته وإن لم يباشره

- ‌ المسألة الأولى * شرح ألفاظ القاعدة

- ‌معنى الخوف وأنواعه:

- ‌ المسألة الثانية * معنى القاعدة

- ‌ المسألة الثالثة * أدلة القاعدة

- ‌ المسألة الرابعة * أقوال أهل العلم في تقرير معنى القاعدة

- ‌ المسألة الخامسة * فوائد القاعدة وتطبيقاتها

- ‌المبحث الرابعقاعدة السؤال والطلب من غير الله فيما لا يقدر عليه إلا الله شرك

- ‌ المسألة الأولى * شرح ألفاظ القاعدة

- ‌بيان معنى السؤال والطلب:

- ‌ المسألة الثانية * معنى القاعدة

- ‌ المسألة الثالثة * أدلة القاعدة

- ‌ المسألة الرابعة * أقوال أهل العلم في تقرير معنى القاعدة

- ‌ المسألة الخامسة * فوائد القاعدة وتطبيقاتها

- ‌المبحث الخامسقاعدة الاعتقاد في الأسباب بذاتها شرك في الربوبية والألوهية

- ‌ المسألة الأولى * شرح ألفاظ القاعدة

- ‌معنى الأسباب:

- ‌ المسألة الثانية * معنى القاعدة

- ‌ المسألة الثالثة * أدلة القاعدة

- ‌ المسألة الرابعة * أقوال أهل العلم في تقرير معنى القاعدة

- ‌ المسألة الخامسة * فوائد القاعدة وتطبيقاتها

- ‌المبحث السادسقاعدة الشفاعة ملك لله تعالى وطلبها ورجاؤها من غير الله أو بغير إذن شرك

- ‌ المسألة الأولى * معنى الشفاعة لغة وشرعًا

- ‌ المسألة الثانية * بيان معنى القاعدة

- ‌ المسألة الثالثة * أدلة القاعدة

- ‌ المسألة الرابعة * أقوال أهل العلم في تقرير معنى القاعدة

- ‌ المسألة الخامسة * فوائد القاعدة وتطبيقاتها

- ‌المبحث السابعقاعدة كل ما ورد في القرآن من الأمر بالدعاء والنهي عن دعاء غير الله يتناول دعاء المسألة ودعاء العبادة

- ‌ المسألة الأولى* شرح ألفاظ القاعدة

- ‌بيان معنى الدعاء وأقسامه:

- ‌ المسألة الثانية * معنى القاعدة

- ‌ المسألة الثالثة * أدلة القاعدة

- ‌ المسألة الرابعة * أقوال أهل العلم في تقرير معنى القاعدة

- ‌ المسألة الخامسة * فوائد القاعدة وتطبيقاتها

- ‌الفصل الثانيالقواعد المتعلقة بقبح الشرك وأنواعه

- ‌المبحث الاولقاعدة الشرك هضم لعظمة الربوبية وتنقص لحق الإلهية وسوء ظن برب العالمين

- ‌ المسألة الأولى * شرح بعض ألفاظ القاعدة

- ‌معنى الهضم والتنقص:

- ‌معنى سوء الظن:

- ‌ المسألة الثانية * معنى القاعدة

- ‌ المسألة الثالثة * أدلة القاعدة

- ‌ المسألة الرابعة * أقوال أهل العلم في تقرير معنى القاعدة

- ‌ المسألة الخامسة * فوائد القاعدة وتطبيقاتها

- ‌المبحث الثانيقاعدة قبح الشرك مستقر في العقول والفطر والسمع نبه العقول وأرشدها إلى معرفة ما أودع فيها من قبح ذلك

- ‌ المسألة الأولى * معنى القاعدة

- ‌ المسألة الثانية * أدلة القاعدة

- ‌ المسألة الثالثة * أقوال أهل العلم في تقرير معنى القاعدة

- ‌ المسألة الرابعة * فوائد القاعدة وتطبيقاتها

- ‌المبحث الثالثقاعدة الشرك الأصغر كل وسيلة وذريعة يتطرق منها إلى الشرك الأكبر من الإرادات والأقوال والأفعال التي لم تبلغ رتبة العبادة

- ‌ المسألة الأولى * معنى القاعدة

- ‌ المسألة الثانية* أدلة القاعدة

- ‌ المسألة الثالثة* أقوال أهل العلم في تقرير معنى القاعدة

- ‌ المسألة الرابعة* فوائد القاعدة وتطبيقاتها

- ‌الفصل الثالثالقواعد المتعلقة بوسائل الشرك وأسبابه

- ‌المبحث الأولقاعدة سد الذرائع المفضية إلى الشرك من المقاصد الشرعية

- ‌ المسألة الأولى* شرح مفردات القاعدة

- ‌معنى سد الذرائع:

- ‌ المسألة الثانية * معنى القاعدة

- ‌ المسألة الثالثة* أدلة القاعدة

- ‌ المسألة الرابعة* أقوال أهل العلم في تقرير معنى القاعدة

- ‌ المسألة الخامسة* فوائد القاعدة وتطبيقاتها

- ‌المبحث الثانيقاعدة الحقائق لا تتغير بتغير المسميات

- ‌ المسألة الأولى* شرح ألفاظ القاعدة

- ‌ المسألة الثانية * معنى القاعدة

- ‌ المسألة الثالثة * أدلة القاعدة

- ‌ المسألة الرابعة * أقوال أهل العلم في تقرير معنى القاعدة

- ‌ المسألة الخامسة * فوائد القاعدة وتطبيقاتها

- ‌المبحث الثالثقاعدة تعظيم شعائر الله هو تعظيم لله وعبادة له، فهو تابع لتعظيم الله وإجلاله

- ‌ المسألة الأولى * شرح مفردات القاعدة

- ‌أولًا: معنى التعظيم:

- ‌ثانيًا: معنى شعائر الله:

- ‌ المسألة الثانية * بيان معنى القاعدة

- ‌ المسألة الثالثة * أدلة القاعدة

- ‌ المسألة الرابعة * أقوال أهل العلم في تقرير معنى القاعدة

- ‌ المسألة الخامسة * فوائد القاعدة وتطبيقاتها

- ‌الفصل الرابعالقواعد المتعلقة بإبطال الشرك وحقيقة المشركين

- ‌المبحث الأولقاعدة المشركون ما قصدوا من معبوداتهم إلا القربة والشفاعة ويقولون نريد من الله عز وجل لا منهم لكن بشفاعتهم والتقرب إلى الله بهم

- ‌ المسألة الأولى * بيان معنى القاعدة

- ‌ المسألة الثانية * أدلة القاعدة

- ‌ المسألة الثالثة * أقوال أهل العلم في تقرير معنى القاعدة

- ‌ المسألة الرابعة * فوائد القاعدة وتطبيقاتها

- ‌المبحث الثانيقاعدة الأصنام الجمادية لم تعبد لذاتها وإنما وضعت في الأصل لما كان غائبًا من معبودات المشركين

- ‌ المسألة الأولى* بيان معنى القاعدة

- ‌ المسألة الثانية* أدلة القاعدة

- ‌ المسألة الثالثة * أقوال أهل العلم في تقرير معنى القاعدة

- ‌ المسألة الرابعة* فوائد القاعدة وتطبيقاتها

- ‌المبحث الثالثقاعدة المشركون الأولون يشركون في الرخاء ويخلصون في الشدة ومشركو زماننا شركهم دائم في الشدة والرخاء

- ‌ المسألة الأولى * بيان معنى القاعدة

- ‌ المسألة الثانية * أدلة القاعدة

- ‌ المسألة الثالثة* أقوال أهل العلم في اعتماد معنى القاعدة

- ‌ المسألة الرابعة * فوائد القاعدة وتطبيقاتها

- ‌المبحث الرابعقاعدة دين الحنفاء ليس فيه واسطة بين الله وخلقه في الربوبية والألوهية، والرسل وسائط في التبليغ والدلالة

- ‌ المسألة الأولى* بيان معاني مفردات القاعدة

- ‌معنى الواسطة لغة واصطلاحًا:

- ‌ المسألة الثانية* معنى القاعدة

- ‌ المسألة الثالثة * أدلة القاعدة

- ‌الأول: الأدلة الدالة على الواسطة المثبتة الشرعية الإيمانية:

- ‌القسم الثاني: الأدلة الدالة على الواسطة المنفية غير الشرعية:

- ‌ المسألة الرابعة * أقوال العلماء في اعتماد القاعدة

- ‌ المسألة الخامسة* فوائد القاعدة وتطبيقاتها

- ‌الخاتمة

- ‌فهرس المصادر والمراجع

الفصل: ‌ المسألة الرابعة * فوائد القاعدة وتطبيقاتها

التسبب، والتوسل، والتشفع، ليس إلا، ولم يدَّعوا الاستقلال والتصرف لأحد من دون الله، ولا قال به أحد منهم سوى فرعون، والذي حاج إبراهيم في ربِّه"

(1)

.

ويقول الشيخ الأمين الشنقيطي: "ولكن الكفار غالطوا أنفسهم لشدة تعصبهم لأوثانهم، فزعموا أنها تقربهم إلى الله زلفى، وأنها شفعاؤهم عند الله مع أن العقل يقطع بنفي ذلك"

(2)

.

*‌

‌ المسألة الرابعة * فوائد القاعدة وتطبيقاتها

دلت القاعدة على فوائد عديدة فمن ذلك:

أولًا: أفادت القاعدة أن عبادة المشركين لمعبوداتهم كانت محصورة في طلب الشفاعة، وابتغاء القربة من الله تعالى، ولم يدعوا الاستقلال والتصرف والتأثير لهذه المعبودات، بل كانوا يقرُّون بأنها مخلوقة مصنوعة، وأنها لا تملك نفعًا ولا ضرًّا.

يقول الإمام ابن تيمية: "والذين كانوا يدعون مع الله آلهة أخرى، مثل الشمس، والقمر، والكواكب، والعزير، والمسيح، والملائكة، واللات، والعزى، ومناة الثالثة الأخرى، ويغوث، ويعوق، ونسر، أو غير ذلك لم يكونوا يعتقدون أنها تخلق الخلائق، أو أنها تنزل المطر، أو أنها تنبت النبات، وإنما كانوا يعبدون الأنبياء، والملائكة، والكواكب، والجن، والتماثيل المصورة لهؤلاء، أو يعبدون قبورهم، ويقولون إنما نعبدهم ليقربونا إلى الله زلفى، ويقولون هم شفعاؤنا عند الله"

(3)

.

(1)

تحفة الطالب والجليس في كشف شبه داود بن جرجيس (ص 42 - 43).

(2)

أضواء البيان (3/ 69).

(3)

مجموع الفتاوى (3/ 396)، وانظر: منهاج السُّنَّة (3/ 330)، وتيسير العزيز الحميد (ص 183).

ص: 1036

فالخلق والإيجاد والاستقلال بالتأثير والتصرف ملك الله تعالى لا يشركه فيه مخلوق، مهما كانت مكانته، أو علت منزلته، فلا يطلب من مخلوق شيء على جهة أنه مستقل بالقدرة والتأثير؛ فإن الاستقلال من خصائص الرب سبحانه وتعالى

(1)

.

بل إن الاستقلال والانفراد، وعدم الشركة هو من أخص خصائص الإلهية الحقة، لا انفكاك لها عنه، بل هو لازمها ومقتضاها الدائم الذي إن زال فسدت السموات والأرض ومن فيهن.

يقول الإمام ابن تيمية: "قول القائل عن مخلوق؛ إنه لا يضر ولا ينفع؛ تارة مريد به نفي الاستقلال بذلك على سبيل توحيد الربوبية، بمعنى أن ما يجري على يديه من الضر والنفع فالله هو خالقه، وهو الذي يجعله فاعلًا بمشيئته، أو يريد أنه لا ينفع ولا يضر إلا بمشيئة الله تعالى وقدرته، أو إرادته، كما قال تعالى: {وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ} [البقرة: 102]، فهذا صحيح، فليس في المخلوقات بهذا الاعتبار شيء ينفع ويضر؛ إذ ليس في المخلوقات شيء ما يستقل بإحداث ضرر غيره ونفعه، ولا يفعل شيء إلا بإذن الله، كما ليس فيها من يعطي ويمنع بهذا الاعتبار، ولا ينبغي بهذا الاعتبار، كما من أسمائه تعالى: المعطي، المانع، الضار، النافع"

(2)

(3)

.

ويقول رحمه الله: "فإن الاستقلال ينافي الاشتراك، إذ المستقل لا شريك له، فالمجتمعان على أمر واحد لا يكون أحدهما مستقلًا به، وأن

(1)

انظر: تلخيص كتاب الاستغاثة (1/ 389)، وانظر: مجموع الفتاوى (2/ 34).

(2)

هذه الأسماء الثلاثة الأخيرة: المانع والنافع والضار الصحيح أنها ليست من أسماء أللّه تعالى المطلقة لعدم ثبوتها مطلقة في الكتاب والسنة.

(3)

تلخيص كتاب الاستغاثة (2/ 638)، ويقول ابن رجب:"وأما الاستعانة بالله عز وجل دون غيره من الخلق فلأن العبد عاجز عن الاستقلال بجلب مصالحه ودفع مضاره، ولا معين له على مصالح دينه ودنياه إلا الله عز وجل، فمن أعانه الله فهو المعان، ومن خذله فهو المخذول، وهذا تحقيق معنى قول لا حول ولا قوة إلا بالله". [جامع العلوم والحكم (192)].

ص: 1037

الحكم الثابت بعلتين، سواء قيل هو أحكام، أو حكم واحد مؤكد لا تستقل به إحداهما، بل كل منهما جزء من علته لا علة له"

(1)

.

والمشركون كما نصت القاعدة لم يدعوا هذا في معبوداتهم، وإنما كانوا يقولون عنها:{هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ} [يونس: 18].

يقول الإمام ابن أبي العز الحنفي: "وهم لم يقولوا: إن العالم له صانعان، بل جعلوا معه آلهة اتخذوهم شفعاء، وقالوا: ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى"

(2)

.

ويقول الصنعاني: "قلت: ولذا قالوا في الأصنام: {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} [الزمر: 3]، فلم يكونوا نافين له، بل أثبتوا معه غيره، فخوطبوا بكلمة التوحيد، والقصد نفي الألوهية عن غيره تعالى"

(3)

.

(1)

مجموع الفتاوى (20/ 174)، وانظر: شرح العقيدة الطحاوية (ص 461)، ويقول الإمام ابن تيمية:"وهذا كله مما يبين عجز كل مخلوق عن الاستقلال بمفعول ما، فلا يكون شيء من المخلوقات ربًا لشيء من المخلوقات ربوبية مطلقة أصلًا؛ إذ رب الشيء من يربه مطلقًا من جميع جهاته، وليس هذا إلا لله رب العالمين، ولهذا منع في شريعتنا من إضافة الرب إلى المكلفين كما قال صلى الله عليه وسلم: "لا يقل أحدكم: اسق ربك، أطعم ربك"، بخلاف إضافته إلى غير المكلفين، كقول النبي صلى الله عليه وسلم لمالك بن عوف الجشمي: (أرب إبل أنت، أم رب شاء)، وقولهم: رب الثوب والدار؛ فإنه ليس في هذه الإضافة ما يقتضي عبادة هذه الأمور لغير الله، فإن هذا لا يمكن فيها؛ فإن الله فطرها على أمر لا يتغير، بخلاف المكلفين فإنهم يمكن أن يعبدوا غير الله كما عبد المشركون به من الجن والإنس غيره، فمنع من الإضافة في حقهم تحقيقًا للتوحيد الذي بعث الله به رسله، وأنزل به كتبه، ولهذا لم يكن شيء يستلزم وجود المفعولات إلا مشيئة الله وحده، فما شاء الله كان وإن لم يشأ ذلك غيره، وما لم يشأ لا يكون ولو شاءه جميع الخلق، وإذا عرف أنه ليس في المخلوقات، ما هو مستقل بمفعول ولا معلول، فليس في المخلوقات ما هو رب لغيره أصلًا، بل فعل كل مخلوق له فيه شريك، وقد يكون له مانع، وهذا مما يدل على إثبات الصانع تعالى ووحدانيته". [درء التعارض (9/ 341 - 342)].

(2)

شرح العقيدة الطحاوية (ص 87).

(3)

إجابة السائل شرح بغية الآمل للصنعاني (ص 258).

ص: 1038

ويقول الشيخ حافظ الحكمي: "وأشركوهم في عبادة الله، ولم يفردوا الله بالعبادة دون من سواه، مع أنهم لم يعبدوهم استقلالًا، بل زعموهم شفعاء لهم عند الله ليقربوهم إلى الله زلفى، ولكن اعتقدوا تلك الشفاعة والتقريب ملكًا للمخلوق، ويطلبونه منه، وأن له أن يشفع بدون إذن الله"

(1)

.

ثانيًا: الذي أوقع المشركين في هذا الاعتقاد أنهم رأوا القصور في أنفسهم وأنهم ليسوا أهلًا لعبادة الله تعالى مباشرة بدون واسطة، وأنهم لا يستطيعون الوصول إليه سبحانه إلا عن طريق هذه المعبودات؛ لأنَّها قريبة من الله تعالى، ونفوسها طاهرة زكية، فهم يتقربون إليها وهي تقربهم إلى الله تعالى.

يقول الإمام ابن القيم في شأن مشركي الفلاسفة الذين عبدوا الكواكب: "ثم قال المشركون منهم: لا سبيل لنا إلى الوصول إلى جلاله إلا بالوسائط، فالواجب علينا أن نتقرب إليه بتوسطات الروحانيات القريبة منه، وهم الروحانيون المقربون المقدسون عن المواد الجسمانية، وعن القوى الجسدانية، بل قد جبلوا على الطهارة، فنحن نتقرَّب إليهم ونتقرب بهم إليه، فهم أربابنا، وآلهتنا، وشفعاؤنا عند رب الأرباب، وإله الآلهة، فما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى، فالواجب علينا أن نطهر نفوسنا عن الشهوات الطبيعية، ونهذب أخلاقنا من علائق القوى الغضبية، حتى تحصل المناسبة بيننا وبين الروحانيات، وتتصل أرواحنا بهم، فحينئذٍ نسأل حاجتنا منهم، ونعرض أحوالنا عليهم، ونصبو في جميع أمورنا إليهم، فيشفعون لنا إلى إلهنا

"

(2)

.

ثالثًا: دلت القاعدة على أن شرك المشركين الأوائل كان بقصد القربة والشفاعة والتوصل بمعبوداتهم إلى الله تعالى، وذلك بخلاف

(1)

معارج القبول (2/ 483).

(2)

إغاثة اللهفان (2/ 252).

ص: 1039

الشرك في هذه الأزمان الصادر ممن غلا في الأولياء والصالحين وفي وقبورهم، فصاروا يعتقدون فيهم النفع والضر والاستقلال بالفعل من دون الله تبارك وتعالى.

يقول الإمام الشوكاني: "فيا عجبًا لقوم يعكفون على قبور الأموات الذين قد صاروا تحت أطباق الثرى، ويطلبون منهم من الحوائج ما لا يقدر عليه إلا الله عز وجل كيف لا يتيقظون لما وقعوا فيه من الشرك، ولا يتنبهون لما حل بهم من المخالفة لمعنى لا إله إلا الله، ومدلول {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1)} [الإخلاص: 1]، وأعجب من هذا اطلاع أهل العلم على ما يقع من هؤلاء، ولا ينكرون عليهم، ولا يحولون بينهم وبين الرجوع إلى الجاهلية الأولى، بل إلى ما هو أشد منها، فإن أولئك يعترفون بأن الله سبحانه هو الخالق، الرازق، المحيي، المميت، الضار، النافع، وإنما يجعلون أصنامهم شفعاء لهم عند الله، ومقربين لهم إليه، وهؤلاء يجعلون لهم قدرة على الضر، والنفع، وينادونهم تارة على الاستقلال، وتارة مع ذي الجلال، وكفاك من شر سماعه، والله ناصر دينه، ومطهر شريعته من أوضار الشرك، وأدناس الكفر، ولقد توسل الشيطان أخزاه الله بهذه الذريعة إلى ما تقرُّ به عينه، وينثلج به صدره من كفر كثير من هذه الأمة المباركة"

(1)

.

(1)

فتح القدير (2/ 450).

ص: 1040