الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الأول
قاعدة التشبيه هو أصل عبادة الأوثان عند أكثر المشركين
وفيه مسائل:
*
المسألة الأولى * شرح ألفاظ القاعدة
معنى التشبيه لغة واصطلاحًا:
التشبيه مشتق من الأصل الثلاثي اللغوي (شبه)، فالشين والباء والهاء أصل واحد يدل على تشابه الشيء وتشاكله؛ لونًا ووصفًا، من المشابهة، وجمعه القياسي أشباه، ومَشَابِه على غير قياس، كما قالوا مَحَاسِن ومَذَاكِر، ويقال: شِبْهٌ وَشَبَهٌ وَشَبَيهٌ، ونظيره لفظًا ومعنى: المَثَل والمِثْل بفتح الميم والثاء، وكسر الميم وتسكين الثاء، وأشبه الشيء بالشيء: ماثله، وفي فلان شبَه من فلان، وهو شِبْهُهُ وشَبَههُ؛ أي: شبيهه.
وشَبَّهْتُ الشيء بالشيء: أقمته مقامه لصفة جامعة بينهما، وتكون الصفة ذاتية ومعنوية؛ فالذاتية: نحو هذا الدرهم كهذا الدرهم، وهذا السواد كهذا السواد، والمعنوية: نحو زيد كالأسد أو كالحمار؛ أي: في شدته وبلادته، وزيد كعمرو؛ أي: في قوته وكرمه وشبهه، وأشبه الولد
أباه وشابهه: إذا شاركه في صفة من صفاته، واشتبهت الأمور وتشابهت: التبست فلم تتميز ولم تظهر، وتشابهت الآيات: تساوت أيضًا، فالمشابهة هي المشاركة في معنى من المعاني، والتشبيه: إثبات المثل للشيء مساويًا له من بعض الوجوه
(1)
.
وأما معناه عند أهل البلاغة فعرَّفه ابن الأثير بقوله: "حد التشبيه: هو أن يثبت للمشبه حكم من أحكام المشبه به، فإذا لم يكن بهذه الصفة، أو كان بين المشبه والمشبه به بعد فذلك الذي يطرح ولا يستعمل"
(2)
.
وقال تقي الدين الحموي: "وأصحاب المعاني والبيان أطلقوا أعنة الكلام في ميادين حدود التشبيه وتقاريرها، وهو عندهم: الدلالة على مشاركة أمر لأمر في معنى".
ثم ذكر أقوالًا عن أهل الأدب والبيان في معنى التشبيه، ومن ذلك:
أن التشبيه: هو العقد على أن أحد الشيئين يسد مسد الآخر في حال.
ومنهم من قال: التشبيه: هو الدلالة على اشتراك شيئين في وصف هو من أوصاف الشيء الواحد.
وقيل: التشبيه: صفة الشيء بما قاربه وشاكله من جهة واحدة؛ لأنَّه لو ناسبه مناسبة كلية كان إياه.
وقيل: التشبيه إلحاق أدنى الشيئين بأعلاهما في صفة اشتركا في أصلها، واختلفا في كيفيتها قوةً وضعفًا.
(1)
مقاييس اللغة (3/ 242)، والعين للخليل (3/ 404)، والمحكم والمحيط الأعظم لابن سيده (4/ 193)، وتحرير ألفاظ التنبيه للنووي (273)، والمصباح المنير (1/ 303 - 304)، وطلبة الطلبة لنجم الدين النسفي (328).
(2)
المثل السائر (1/ 399)، وانظر:(2/ 181).
قلت -القائل الحموي-: وهذا حدّ مفيد.
وأورد البعض حدًّا زاد في حسنه على الحد، وهو أن التشبيه تشبيهان:
الأول منهما: تشبيه شيئين متفقين بأنفسهما كتشبيه الجوهر بالجوهر، مثل قولك: ماء النيل كماء الفرات، وتشبيه العرض بالعرض كقولك: حمرة الخد كحمرة الورد، وتشبيه الجسم بالجسم كقولك: الزبرجد مثل الزمرد.
والثاني: تشبيه شيئين مختلفين بالذات لجمعهما معنى واحدًا مشتركًا، كقولك: حاتم كالغمام، وعنترة كالضرغام
(1)
.
وهذا التشبيه عند أهل الأدب والبيان له أغراض؛ فقد يقصد به المدح، أو الذم، وقد يقصد به الإيضاح والإبانة، وإزالة الغموض، وتجلية الأمور
(2)
.
ويظهر مما سبق أن التَّشْبِيه لَا يَسْتَلْزِمُ الْمُشَارَكَةَ بَيْن الْمُشَبَّهِ وَالْمُشَبَّهِ بِهِ فِي جَمِيعِ الْأَوْصَافِ بَلْ يَكْفِي حُصولُهُ فِي بَعْضِها دُونَ بَعْضٍ
(3)
.
والتشبيه في اصطلاح أهل السُّنَّة والجماعة هو تشبيه الخالق بالمخلوق، أو العكس لصفة جامعة بينهما؛ إما فى الذات، أو الصفات، أو الأفعال، أو الحقوق.
يقول الإمام ابن تيمية: "فإن التشبيه الذي يجب نفيه عن الرب تعالى: اتصافه بشيء من خصائص المخلوقين، كما أن المخلوق لا يتصف بشيء من خصائص الخالق، وإن يثبت للعبد شيء يماثل فيه الرب"
(4)
.
(1)
خزانة الأدب وغاية الأرب للحموي (1/ 384).
(2)
انظر: المثل السائر لابن الأثير (1/ 380).
(3)
انظر: فتح الباري (11/ 373).
(4)
بيان تلبيس الجهمية (1/ 588).
وقيل: التشبيه هو تصور الآلهة في ذاتها وصفاتها على غرار الإنسان
(1)
.
وهو على نوعين
(2)
:
أحدهما: تشبيه الخالق بالمخلوق بحيث يجعل المخلوق أصلًا ثم يقاس به الخالق.
الثاني: تشبيه المخلوق بالخالق بحيث يجعل الخالق هو الأصل، ويقاس عليه المخلوق.
وكلاهما مذموم، بل هو خروج عن الدين، وإشراك برب العالمين.
يقول الإمام ابن أبي العز الحنفي: "وَهَذَا أصل نَوْعَيِ التَّشْبِيهِ، فَإِنَّ التَّشْبِيهَ نَوْعَانِ: تَشْبِيهُ الْخَالِقِ بِالْمَخْلُوق، وَهَذَا الَّذِي يَتْعَبُ أَهْلُ الْكَلَامِ فِي رَدِّهِ وَإِبْطَالِهِ، وَأَهْلُهُ فِي النَّاسِ أَقَلُّ مِنَ النَّوْعِ الثَّانِي، الَّذِينَ هُمْ أَهْلُ تَشْبِيهِ المْخَلُوقِ بِالْخَالِقِ، كَعُبَّادِ الْمَشَايخ، وَعُزَيْرٍ، وَالشَّمْسِ وَالْقَمَرِ، وَالْأَصْنَامِ، وَالْمَلَائِكَةِ، وَالنَّارِ، وَالْمَاءِ، وَالْعِجْلِ، وَالْقُبُورِ، وَالْجِنِّ، وَغيْرِ ذَلِكَ. وَهَؤُلَاءِ هُمُ الَّذِينَ أُرْسِلَتْ لَهُمُ الرُّسُلُ يَدْعُونَهُمْ إِلَى عِبَادَةِ اللهِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ"
(3)
.
ويقول الشيخ محمد بن صالح العثيمين: "ثم التشبيه الذي ضلَّ به من ضلَّ من الناس على نوعين:
أحدهما: تشبيه المخلوق بالخالق.
والثاني: تشبيه الخالق بالمخلوق.
فأما تشبيه المخلوق بالخالق فمعناه: إثبات شيء للمخلوق مما
(1)
المعجم الفلسفي لمجمع اللغة العربية (ص 44)، وانظر: التعريفات (ص 274).
(2)
انظر: مقالة التشبيه وموقف أهل السُّنَّة منها (1/ 79).
(3)
شرح العقيدة الطحاوية (ص 237).
يختص به الخالق من الأفعال، والحقوق، والصفات، وهذا على ثلاثة أقسام:
فالأول: كفعل من أشرك في الربوبية ممن زعم أن مع الله خالقًا.
والثاني: كفعل المشركين بأصنامهم حيث زعموا أن لها حقًّا في الألوهية، فعبدوها مع الله.
والثالث: كفعل الغلاة في مدح النبي صلى الله عليه وسلم أو غيره مثل قول المتنبي
(1)
:
فكن كما شئت يا من لا شبيه له
…
وكيف شئت فما خَلْقٌ يدانيكا
وأما النوع الثاني وهو تشبيه الخالق بالمخلوق فمعناه: أن يثبت لله تعالى في ذاته، أو صفاته من الخصائص مثل ما يثبت للمخلوق من ذلك، كقول القائل: إن يدي الله مثل أيدي المخلوقين، واستواءه على عرشه كاستوائهم ونحو ذلك"
(2)
.
والتشبيه المذموم عند أهل السُّنَّة والجماعة بنوعيه يقع بالقول والاعتقاد والفعل، فمن شبَّه الله بلسانه، أو اعتقد التشبيه بقلبه، أو فعل فعلًا بجوارحه استلزم التشبيه، وأفضى إليه كان ممن وقع في تشبيه الخالق بالمخلوق، وتشبيه المخلوق بالخالق.
يقول الدكتور جابر إدريس -وفقه الله-: "ومثال مقالة التشبيه
(1)
المُتَنَبِّي: بضم الميم وفتح التاء والنون وكسر الباء الموحدة المشددة، هو أبو الطيب أحمد بن الحسين بن الحسن بن عبد الصمد الجعفي الكوفي، الشاعر المشهور، وإنما قيل له ذلك لأنه ادعى النبوة فتبعه كثير، فسجن طويلًا، ثم أطلق وطلب الشعر وقاله فأجاد، وفاق أهل عصره.
قال ابن خلكان: اعتنى العلماء بديوانه فشرحوه حتى قال لي بعض شيوخي وقفت له على أكثر من أربعين شرحًا ما بين مطول ومختصر، قتل في رمضان سنة (354 هـ).
[انظر: لسان الميزان (1/ 160)، وتوضيح المشتبه (8/ 34)].
(2)
مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين (4/ 22 - 23)، بتصرف.