الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الأرض من بني جنسه؛ وهذا تباين عظيم لا يحصل مثله في سائر الحيوان"
(1)
.
وما هذا التباين والتفاوت إلا بسبب ما قام بقلوبهم وأبدانهم من تحقيق أصل التوحيد، وتتميم كماله الواجب، وتكميله بتحقيق الكمال المستحب، من صدق اليقين، وقوة التوكل، وخالص الالتجاء، وحقيقة العبودية.
*
المسألة الرابعة * أقوال أهل العلم في تقرير معنى القاعدة
سبق وأن ذكرت بأن تحقيق التوحيد يتضمن تثبيت أصله، وتتميم كماله الواجب، وتكميل كماله المستحب، وبينت بأن أصل التوحيد يضاده الشرك الأكبر والكفر الأكبر المنافيين لأصله وأساسه، وأن تمامه الواجب تعارضه البدع والإصرار على المعاصي، وأما كماله المستحب فتعارضه المكروهات وترك المستحبات.
وفيما يلي أنقل ما وقفت عليه من أقوال أهل العلم في بيان حقيقة تحقيق التوحيد، وعباراتهم في تأييد لفظ القاعدة، أو معناه، مع ملاحظة أن تعبيراتهم قد تنوعت وتباينت بعض الشيء ولكنهم لا يختلفون في المضمون، كما أن بعضهم قد يذكر نوعًا أو أكثر من أنواع تحقيق التوحيد.
يقول الإمام ابن رجب: "ولعل من قال: إن المراد الاستقامة على التوحيد، إنما أراد التوحيد الكامل الذي يحرم صاحبه على النار، وهو تحقيق معنى لا إله إلا الله؛ فإن الإله هو المعبود الذي يطاع فلا يعصى خشية وإجلالًا ومهابة ومحبة ورجاء وتوكلًا ودعاء والمعاصي قادحة كلها
(1)
مجموع الفتاوى (2/ 384 - 385).
في هذا التوحيد"
(1)
.
فقد أشار رحمه الله إلى النوع الثاني من التحقيق وهو تمام التوحيد أو الكمال الواجب.
ويقول رحمه الله: "فإذا تحقق القلب بالتوحيد التام لم يبق فيه محبة لغير ما يحبه الله ولا كراهة لغير ما يكرهه الله"
(2)
.
ويقول الإمام ابن القيم في بيان تحقيق التوحيد في المحبة لغير الله: "وهذا بخلاف الحب مع الله فهو نوعان؟ يقدح في أصل التوحيد وهو شرك، ونوع يقدح في كمال الإخلاص ومحبة الله ولا يخرج من الإسلام"
(3)
.
وقصده بكمال الإخلاص هو تحقيق الكمال الواجب للتوحيد وهو تمام التوحيد.
ويقول الشيخ سليمان آل الشيخ: "وتحقيق التوحيد: هو معرفته والاطلاع على حقيقته والقيام بها علمًا وعملًا، وحقيقة ذلك انجذاب الروح إلى الله محبة وخوفًا وإنابة وتوكلًا ودعاء وإخلاصًا وإجلالًا وهيبة وتعظيمًا وعبادة، وبالجملة فلا يكون في قلبه شيء لغير الله، ولا إرادة لما حرم الله ولا كراهة لما أمر الله وذلك هو حقيقة لا إله إلا الله"
(4)
.
وهذا التعريف لتحقيق التوحيد تضمن تحقيق الأصل، وتحقيق التمام، وتحقيق الكمال المستحب، إذ معرفة التوحيد بأنواعه الثلاثة لا سيما توحيد العبادة، وكونه سبحانه وتعالى هو المستحق للعبادة دون ما سواه، كما أن القيام بحقيقته علمًا وعملًا يتضمن الأصل والتمام، وأشار إلى كماله المستحب بقوله: انجذاب الروح إلى الله محبة وخوفًا وإنابة وتوكلًا.
ويقول الشيخ عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ: "قلت: تحقيقه:
(1)
جامع العلوم والحكم (ص 204).
(2)
المصدر نفسه (ص 366).
(3)
الروح (ص 253).
(4)
تيسير العزيز الحميد (ص 77).
تخليصه وتصفيته من شوائب الشرك والبدع والمعاصي"
(1)
.
ويقول الشيخ سليمان بن عبد الرحمن الحمدان
(2)
: "وتحقيق التوحيد تخليصه وتصفيته من شوائب الشرك والبدع والمعاصي، فلا يعمل شركًا يحبطه، ولا بدعة تقدح فيه، ولا معصية تنقصه، وتحقيق التوحيد عزيز في الأمة لا يوجد إلا في أهل الإيمان الخالص الذين أخلصهم الله واصطفاهم من خلقه"
(3)
.
ويبين الشيخ عبد الرحمن السعدي حقيقة تحقيق التوحيد بقوله: "فإن تحقيق التوحيد تهذيبه وتصفيته من الشرك الأكبر والأصغر، ومن البدع القولية الاعتقادية، والبدع الفعلية العملية، ومن المعاصي، وذلك بكمال الإخلاص لله في الأقوال والأفعال والإرادات، وبالسلامة من الشرك الأكبر المناقض لأصل التوحيد، ومن الشرك الأصغر المنافي لكماله، وبالسلامة من البدع والمعاصي التي تكدر التوحيد، وتمنع كماله، وتعوقه عن حصول آثاره"
(4)
.
ويقول الشيخ حافظ الحكمي: "فالذين آمنوا الإيمان التام الذي لم
(1)
فتح المجيد (ص 47)، وأقر الشيخ حمد بن عتيق ما ذكره الشيخ عبد الرحمن والشيخ سليمان آل الشيخ في إبطال التنديد (ص 28).
(2)
هو: الشيخ سليمان بن عبد الرحمن بن محمد آل حمدان، ولد عام 1322 هـ، وحفظ القرآن وطلب العلم، وعد من كبار علماء بلدته، انتقل إلى مكة، وتولى القضاء، وإمامة مسجد ابن عباس، وكان مكان تدريسه للطلبة، ثم عين إمامًا وخطيبًا في المسجد النبوي ومدرسًا فيه، بعدها رجع إلى مكة وعين عضوًا في رئاسة القضاء، من مؤلفاته: الدر النضيد شرح كتاب التوحيد، الأجوبة الحسان في جواب المستفتي من باكستان، والأجوبة البيرونية، ورسالة في أن قتال الكفار جهاد لا دفاع، توفي في عام 1397 هـ، ودفن في الطائف. [ترجمته في: علماء نجد خلال ثمانية قرون (2/ 295 - 300)، وكتاب قضاة المدينة المنورة (1/ 188 - 191)].
(3)
الدر النضيد على أبواب التوحيد (ص 37).
(4)
القول السديد في مقاصد التوحيد، ضمن المجموعة الكاملة لمؤلفات الشيخ السعدي، قسم العقيدة الإسلامية (3/ 13 - 14).
تشبه شوائب الشرك الأكبر المنافي لجميعه، ولا الشرك الأصغر المنافي لكماله، ولا معاصي الله المحبطة لثمراته من الطاعات فأولئك لهم الأمن التام من خزي الدنيا وعذاب الآخرة، والاهتداء التام في الدنيا والآخرة
…
"
(1)
.
ويقول الشيخ عبد الرحمن بن قاسم: "وتحقيقه من وجهين، واجب ومندوب، فالواجب تخليصه وتصفيته عن شوائب الشرك والبدع والمعاصي، فالشرك ينافيه بالكلية، والبدع تنافي كماله الواجب، والمعاصي تقدح فيه وتنقص ثوابه، فلا يكون العبد محققًا للتوحيد حتى يسلم من الشرك بنوعيه، ويسلم من البدع والمعاصي، والمندوب تحقيق المقربين، تركوا ما لا بأس به حذرًا مما به بأس، وحقيقته هو انجذاب الروح إلا الله، فلا يكون في قلبه شيء لغيره، فإذا حصل تحقيقه بما ذكر، فقد حصل الأمن التام، والاهتداء التام"
(2)
.
ويقول الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز: "تحقيق التوحيد: تخليصه من شوائب الشرك والبدع والمعاصي، فمن حقق توحيده، وسلم من الشرك والبدع والمعاصي، دخل الجنة بغير حساب ولا عذاب" لأن الشرك الأكبر ينافي التوحيد، والأصغر ينافي كماله الواجب، والبدع والمعاصي تقدح فيه، وتنقص ثوابه"
(3)
.
ويقول الشيخ صالح آل الشيخ -حفظه الله-: "وتحقيقه بمعنى تحقيق الشهادتين (لا إله إلا الله محمد رسول الله) ومعنى تحقيق الشهادتين: تصفية الدين من شوائب الشرك والبدع والمعاصي، فصار تحقيق التوحيد يرجع إلى ثلاثة أشياء:
(1)
معارج القبول (2/ 405).
(2)
حاشية كتاب التوحيد (ص 37).
(3)
شرح كتاب التوحيد لسماحة الشيخ عبد العزيز بن باز (ص 27)، تحقيق: محمد العلاوي.
الأول: ترك الشرك بأنواعه: الأكبر والأصغر والخفي.
الثاني: ترك البدع بأنواعها.
الثالث: ترك المعاصي بأنواعها.
فيكون تحقيق التوحيد على هذا على درجتين: درجة واجبة، ودرجة مستحبة، وعليها يكون الذين حققوا التوحيد على درجتين أيضًا: فالدرجة الواجبة: أن يترك ما يجب تركه من الأشياء الثلاثة التي ذكرت، فيترك الشرك خفيه وجليه، صغيره وكبيره، ويترك البدع، ويترك المعاصي، هذه درجة واجبة.
والدرجة المستحبة في تحقيق التوحيد -وهي التي يتفاضل فيها الناس من المحققين للتوحيد أعظم تفاضل- هي ألا يكون في القلب شيء من التوجه أو القصد لغير الله - جل وعلا - يعني: أن يكون القلب متوجهًا إلى الله بكليته، ليس فيه التفات إلى غير الله، فيكون نطقه لله، وفعله وعمله لله، بل وحركة قلبه لله - جل وعلا - وقد عبر عنها بعض أهل العلم - أعني: هذه الدرجة المستحبة - بقوله: أن يترك ما لا بأس به حذرًا مما به بأس، يعني: فى مجال أعمال القلوب، وأعمال اللسان، وأعمال الجوارح"
(1)
.
ويقول الشيخ عبد العزيز الريس - حفظه الله -: "المحققون للتوحيد دررجات متفاوتة لكن شرط تحقيق التوحيد تخليصه من أحد نواقضه المخرجة من الدين والملة، ثم بعد ذلك الناس في تحقيقه جملة قسمان:
أ - تحقيق واجب: وهو تخليصه من الأمور المحرمة كالشرك الأصغر والبدع والمعاصي مع فعل الواجبات الشرعية والناس في هذا على درجات.
ب - تحقيق مستحب: وهو تخليصه من الأمور المكروهة مع فعل
(1)
التمهيد لشرح كتاب التوحيد (ص 32 - 33).