الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المخلوق الذي لا يبلغ رتبة العبادة، وكالحلف بغير الله، ويسير الرياء ونحو ذلك"
(1)
.
ويقول أيضًا: "حَدُّ الشرك الأصغر هو: كل وسيلة وذريعة يتطرق منها إلى الشرك الأكبر؛ من الإرادات، والأقوال، والأفعال التي لم تبلغ رتبة العبادة"
(2)
.
وجاء في فتاوى اللجنة الدائمة قولهم في تأييد معنى القاعدة مع زيادة بعض القيود وذكر المثال: "أما الشرك الأصغر: فكل ما نهى عنه الشرع مما هو ذريعة إلى الشرك الأكبر، ووسيلة للوقوع فيه، وجاء في النصوص تسميته شركًا، كالحلف بغير الله، فإنه مظنة للانحدار إلى الشرك الأكبر"
(3)
.
فزاد بعض القيود: منها أن يكون مما نهى الله عنه. ومنها: أن يأتي في النصوص الشرعية تسميته شركًا.
*
المسألة الرابعة* فوائد القاعدة وتطبيقاتها
بعض ما ظهر لي من فوائد وتطبيقات للقاعدة:
أولًا: وهي أعظم فائدة إذ يمكن الاستفادة من القاعدة في ضبط مسائل الشرك المتشابهة، والتفريق بين ما هو من قبيل الشرك الأكبر، أو من قبيل الشرك الأصغر من الإرادات والأقوال والأفعال، وكما سبق بيانه فإن مناط التفريق بين ما هو شرك أكبر أو أصغر مرجعه إلى الأمور القلبية والاعتقادية، أما من حيث الظاهر فلا يمكن الحكم إلا بالشرك الأصغر على بعض الأقوال والأعمال
(4)
.
(1)
القول السديد في مقاصد التوحيد (ص 32).
(2)
المرجع نفسه (ص 54).
(3)
فتاوى اللجنة الدائمة (1/ 748).
(4)
المقصود ما يتردد بين الشرك الأكبر والأصغر من الأقوال والأعمال، ولا شك أن =
ثانيًا: أفادت القاعدة الحذر العظيم من الشرك الأصغر لكونه طريقًا وبابًا إلى الشرك الأكبر، والخسران الأعظم، الذي ليس بعده فلاح ولا نجاح ولا فوز، بل هو الخلود في جهنم وساءت مصيرًا؛ ولذا كان هذا الشرك من أعظم مخاوف النبي صلى الله عليه وسلم على أمته كما سبق في حديث محمود بن لبيد.
ثالثًا: ومما يدخل في القاعدة: تعليق التمائم، ولبس الحلقة، أو الخيط، أو العظم، أو الشعر، أو غير ذلك لرفع البلاء أو دفعه. كل ذلك من الشرك الأصغر المنهي عنه شرعًا؛ لما فيه من تعلق القلب بغيره سبحانه، واعتقاد أنها سبب يؤثر في رفع البلايا، أو جلب المنافع.
ولا شك أن جعل الشيء مؤثرًا في غيره إنما هو من خصاص الرب تبارك وتعالى، إذ هو الخالق لكل شيء، فمن تعلق قلبه بشيء لجلب خير أو دفع شر لم يجعله الشارع سببًا لهذا، ولم يأذن باتخاذه يكون واقعًا في الشرك الأصغر؛ لأنَّه لما اعتقد أن ما ليس بسبب سببًا فقد شارك الله تعالى في الحكم لهذا الشيء بأنه سبب، والله تعالى لم يجعله سببًا، أما إن اعتقد أن هذه الأمور المعلقة تدفع الشر، وتجلب الخير بذاتها وقدرتها المستقلة أداه ذلك إلى الشرك الأكبر في توحيد الربوبية، المخرج عن دين الإسلام؛ لأنه اعتقد أن مع الله خالقًا غيره
(1)
.
يقول الشيخ حافظ الحكمي: "هذه الأمور المذكورة التي يتعلق بها العامة غالبها من الشرك الأصغر، لكن إذا اعتمد العبد عليها بحيث يثق بها، ويضيف النفع والضر إليها كان ذلك شركًا أكبر والعياذ بالله؛ لأنه حينئذٍ صار متوكلًا على سوى الله، ملتجئًا إلى غيره"
(2)
.
= هناك من الأقوال والأعمال ما هو شرك أكبر مخرج عن الإسلام؛ وهي الأقوال والأعمال المناقضة لكلمة التوحيد.
(1)
انظر: الشرح الممتع، لابن عثيمين (1/ 165).
(2)
معارج القبول، لحافظ الحكمي (2/ 497).
رابعًا: ومن ذلك إرادة الإنسان بعمله الدنيا، فهو يعمل العمل لله تعالى ولكنه يريد به ثواب الدنيا، فقلبه متعلق بالمال والبنين، ولذا وصفه صلى الله عليه وسلم في الحديث بكونه عابدًا للدينار والدرهم فعن أبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قال: "تَعِسَ عبْدُ الدِّينَارِ وعبْدُ الدِّرْهَمِ وعبْدُ الخَمِيصَةِ، إنْ أُعْطيَ رَضِيَ وإنْ لَمْ يُعْطَ سَخِطَ تَعِسَ وانْتَكَسَ وإِذَا شِيكَ فَلَا انْتَقَشَ
…
"
(1)
.
يقول الإمام ابن تيمية في كلامه على الحديث: "وكذلك من غلب عليه الثقة بجاهه وماله، بحيث يكون عنده مخدومه من الرؤساء ونحوهم، أو خادمه من الأعوان والأجناد ونحوهم، أو أصدقائه، أو أمواله هي التي تجلب المنفعة الفلانية، وتدفع المضرة الفلانية، فهو معتمد عليها، ومستعين بها، والمستعان هو مدعو ومسؤول.
وما أكثر ما تستلزم العبادة الاستعانة، فمن اعتمد عليه القلب في رزقه ونصره ونفعه وضره خضع له وذل، وانقاد، وأحبه من هذه الجهة، وإن لم يحبه لذاته لكن قد يغلب عليه الحال حتى يحبه لذاته، وينسى مقصوده منه، كما يصيب كثيرًا ممن يحب المال، أو يحب من يحصل له به العز والسلطان "
(2)
.
فسمى هؤلاء الذين إن أعطوا رضوا وإن منعوا سخطوا عبيدًا لهذه الأشياء؛ لانتهاء محبتهم ورضاهم ورغبتهم إليها، فإذا شغف الإنسان بمحبة المال، أو الصور، أو الدنيا، وتعلق قلبه لغير الله بحيث يرضى وصول ذلك إليه، وظفره به، ويسخطه فوات ذلك كان فيه من التعبد لها والعبودية بقدر ذلك
(3)
.
(1)
أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الجهاد والسير، باب: الحراسة في الغزو في سبيل الله (3/ 1057)، برقم (2730).
(2)
مجموع الفتاوى (1/ 35 - 36).
(3)
انظر: إغاثة اللهفان، لابن القيم (2/ 149).
فالعبودية درجات، منها: عبودية الشرك الأصغر، ومنها عبودية الشرك الأكبر، فالذي يشرك بغير الله الشرك الأكبر هو عابد له، كأهل الأوثان، وعبدة الأصنام، وعبدة الصليب، وكذلك من يعمل الشرك الأصغر، ويتعلق قلبه بشيء من الدنيا فهو عابد لذلك، يقال: عبد هذا الشيء؛ لأنه هو الذي حرك همته، فهذا الذي حركته همته للدنيا وللدينار وللدرهم عبد لها؛ لأن همته معلقة بتلك الأشياء، وإذا وجد لها سبيلًا تحرك إليها بدون النظر هل يوافق أمر الله أم لا يوافق أمر الله وشرعه
(1)
.
فالذي يعمل العبادة لله طمعًا في ثواب الدنيا ولا هم له في الآخرة كان فيه من الشرك الأصغر بحسب تعلقه؛ أما من كانت إرادته للدنيا أصلًا وقصدًا وتعلقًا وهمة وتحركًا، فعمل من أجل الدنيا ولم يتحرك قلبه بإرادة الله تعالى والدار الآخرة، فهذا ليس له في الآخرة من نصيب، وهذا العمل على هذا الوصف لا يصدر من مؤمن؛ فإن المؤمن ولو كان ضعيف الإيمان، فلا بد أن يريد الله والدار الآخرة، بل هو من أعمال الكافرين الخارجين عن ملة الإسلام جملة وتفصيلًا، وفيهم نزل قوله سبحانه وتعالى:{مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ (15) أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (16)} [هود: 15، 16]
(2)
.
خامسًا: ومما يدخل في حكم القاعدة مسألة الرياءء وهو بكسر الراء وتخفيف التحتانية والمد، وهو مشتق من الرؤية، والمراد به إظهار العبادة لقصد رؤية الناس لها فيحمدوا صاحبها
(3)
، فهو ما يفعل طاعة لله ليراه الناس، ولا يكتفي فيه برؤية الله سبحانه وتعالى
(4)
.
(1)
انظر: التمهيد لشرح كتاب التوحيد (ص 410).
(2)
انظر معناه في: القول السديد في مقاصد التوحيد، للسعدي (ص 130)، والتمهيد لشرح كتاب التوحيد، للشيخ صالح آل الشيخ (ص 405).
(3)
انظر: فتح الباري (11/ 336).
(4)
انظر: مرقاة المفاتيح (9/ 500).
قال الصنعاني فى معناه: "وشرعًا: أن يفعل الطاعة ويترك المعصية مع ملاحظة غير الله، أو يخبر بها، أو يحب أن يطلع عليها لمقصد دنيوي من مال أو نحوه"
(1)
.
فالرياء ليس فيه صرف للعبادة لغير الله، بل هو تزيين العبادة من أجل رؤية المخلوق ومدحه، وأما العبادة فهي لله وحده، وأما من توجه بالعبادة لغير الله وقصد بها غيره سبحانه فهذا قد وقع في الشرك الأكبر.
وقد فصَّل الشيخ السعدي رحمه الله حالات الرياء، ومتى يكون شركًا أكبر أو شركًا أصغر، فيقول: "واعلم أن الرياء فيه تفصيل: فإن كان الحامل للعبد على العمل قصد مراءاة الناس، واستمر على هذا القصد الفاسد، فعمله حابط، وهو شرك أصغر، ويخشى أن يتذرع به إلى الشرك الأكبر.
وإن كان الحامل على العمل إرادة وجه الله مع إرادة مراءاة الناس، ولم يقلع عن الرياء بعمله، فظاهر النصوص أيضًا بطلان هذا العمل.
وإن كان الحامل للعبد على العمل وجه الله وحده، ولكن عرض له الرياء في أثناء عمله، فإن دفعه وخلص إخلاصه لله لم يضره، وإن ساكنه واطمأن إليه نقص العمل، وحصل لصاحبه من ضعف الإيمان والإخلاص بحسب ما قام في قلبه من الرياء"
(2)
.
ويقول الشيخ حافظ الحكمي: "فإن كان الباعث على العمل من أصله هو إرادة غير الله فنفاق، وإن كان دخل الرياء في تزيين العمل وكان الباعث عليه أولًا إرادة الله والدار الآخرة كان شركًا أصغر بحسبه، حتى إذا غلب عليه التحق بالأكبر"
(3)
.
(1)
سبل السلام (4/ 185).
(2)
القول السديد في مقاصد التوحيد (ص 129 - 130).
(3)
معارج القبول (2/ 442).
وبين الشيخ علي القاري رحمه الله خطورة الرياء بأنه ذريعة إلى الشرك الأكبر فقال: "ثم إذا ثبت المرائي على اعوجاجه، ولم يرجع إلى الصراط المستقيم، هام في أودية الضلال، وأداه الشرك الأصغر إلى الشرك الأكبر أعاذنا الله منه"
(1)
.
سادسًا: ومما تتناوله القاعدة مسألة الحلف بغير الله تعالى، حيث جاء في الحديث عن سعد بن عبيدة قال سمع بن عمر رضي الله عنهما رجلًا يحلف بالكعبة فقال: لا تحلف بالكعبة فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك"
(2)
.
والمقصود بالشرك هنا الشرك الأصغر، وهو دون الشرك الأكبر المخرج من الإسلام، وحكمة النهي أن حقيقة العظمة مختصة بالله تعالى، كما قال تعالى:"الكبرياء ردائي والعظمة إزاري"
(3)
، فلا ينبغي مضاهاة غيره به في الألفاظ
(4)
؛ لأن الحلف بشيء يقتضي تعظيمه
(1)
مرقاة المفاتيح، لعلي القاري (1/ 481).
(2)
أخرجه الحاكم في المستدرك على الصحيحين (4/ 330)، برقم (7814)، وقال عقبه: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، ومرة قال (1/ 65)، برقم (45):"هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، فقد احتجا بمثل هذا الإسناد وخرجاه في الكتاب، وليس له علة، ولم يخرجاه، وله شاهد على شرط مسلم فقد احتج بشريك بن عبد الله النخعي"، وأخرجه ابن حبان في صحيحه (10/ 199)، برقم (4358)، وأبو داود في سننه (3/ 223)، برقم (3251)، والترمذي في جامعه (4/ 110)، برقم (4358)، وأبو داود في سننه (3/ 223)، برقم (3251)، والترمذي في جامعه (4/ 110)، برقم (1535)، وقال عقبه: "هذا حديث حسن، وفسر هذا الحديث عند بعض أهل العلم أن قوله: فقد كفر أو أشرك على التغليظ
…
قال أبو عيسى: هذا مثل ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: إن الرياء شرك،
…
"، وصححه الألباني: انظر: التعليقات الرضية على الروضة الندية (2/ 542).
(3)
أخرجه أحمد في المسند (2/ 376)، برقم (8881)، وأبو داود (4/ 59)، برقم (4090)، والحديث عند مسلم (4/ 2023)، برقم (2620)، بلفظ:"العز إزاره والكبرياء رداؤه فمن ينازعني عذبته"، من روايته أبي سعيد الخدري وأبي هريرة.
(4)
انظر: طرح التثريب في شرح التقريب للحافظ العراقي (7/ 133، 134).
والعظمة في الحقيقة إنما هي لله وحده
(1)
.
قال الإمام أبو جعفر الطحاوي رحمه الله في معنى قوله صلى الله عليه وسلم: "أن من حلف بشيء دون الله فقد أشرك": "فكان ذلك عندنا والله أعلم لم يرد به الشرك الذي يخرج به من الإسلام حتى يكون به صاحبه خارجًا من الإسلام، ولكنه أريد أن لا ينبغي أن يحلف بغير الله تعالى، وكان من حلف بغير الله قد جعل ما حلف به كما الله تعالى محلوفًا به، وكان بذلك قد جعل من حلف به، أوما حلف به شريكًا فيما يحلف به، وذلك عظيم، فجعل مشركًا بذلك شركًا غير الشرك الذي يكون به كافرًا بالله تعالى"
(2)
.
ويقول الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله: "وكذلك الحلف بغير الله لا يجوز، وهو من الشرك الأصغر أيضًا، وقد يكون من الشرك الأكبر إذا اعتقد الحالف بغير الله أن هذا المحلوف به مثل الله، أو يصح أن يدعى من دون الله، أو أنه يتصرف في الكون من دون الله فإنه يكون شركًا أكبر"
(3)
.
ويقول الشيخ محمد أمان الجامي رحمه الله: "وقد ينتقل بعض أفراد هذا النوع من الشرك الأصغر إلى دائرة الشرك الأكبر بأمور خارجة تطرأ أحيانًا وتصاحب القول، كأن يصل تعظيم المحلوف به في قلب الحالف، والخوف إلى حد تعظيم الموحد ربه وخالقه، أو أعظم من ذلك، وفي هذه الحالة ينتقل القَسَم بغير الله من الشرك الأصغر إلى الشرك الأكبر؛ لأن من بلغ إلى هذه الحالة فقد خرب قلبه، وحقيقة الكفر هو خراب القلب، ويفقد تقدير الله حق قدره، وتعظيمه، والخوف منه، ويحل محل
(1)
انظر: شرح الزرقاني (3/ 88)، وفيض القدير للمناوي (6/ 120).
(2)
شرح مشكل الآثار للطحاوي (2/ 297).
(3)
مجموع فتاوى ومقالات متنوعة (5/ 307).
تعظيم الله تعظيم مخلوق؛ فنسأله تعالى العفو والعافية"
(1)
.
سابعًا: ومما يدخل في الشرك الأصغر الذي هو وسيلة إلى الشرك الأكبر التشريك في الألفاظ؛ كقولك: ما شاء الله وشئت، ولولا الله وفلان، وهذا من الله وفلان، وما لي إلا الله وأنت، ونحو ذلك.
فعن قتيلة
(2)
امرأة من جهينة (أن يهوديًا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إنكم تنددون وإنكم تشركون، تقولون: ما شاء الله وشئت، وتقولون: والكعبة، فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم إذا أرادوا أن يحلفوا أن يقولوا: ورب الكعبة، ويقول أحدهم: ما شاء الله ثم شئت)
(3)
.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن رجلًا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فكلمه في بعض الأمر، فقال ما شاء الله وشئت. فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"أجعلتني لله عدلًا قل ما شاء الله وحده"
(4)
.
يقول الإمام ابن تيمية: "فأنكر عليه أن جعله ندًا لله في هذه الكلمة
(1)
مقال بعنوان: (ما هكذا يا سعد تورد الإبل) بقلم فضيلة الشيخ: محمد أمان بن علي الجامي رحمه الله، وهو رد على الدكتور: أحمد الشلبي ضمن مجلة الجامعة الإسلامية عدد (43).
(2)
هي: قتيلة بنت صيفي، قال ابن عبد البر: ويقال: الأنصارية، كانت من المهاجرات الأول، وتعقبه الحافظ ابن حجر بقوله: ولم أر من نسبها أنصارية، وقوله من المهاجرات يأبى ذلك. وقد أخرج حديثها ابن سعد وأشار إلى أنها ليس لها غيره. [ترجمته في: الاستيعاب (4/ 1903)، والإصابة في تمييز الصحابة (8/ 79)].
(3)
أخرجه النسائي في السنن الكبرى (3/ 124)، برقم (4714)، وانظر:(6/ 245)، برقم (10822)، والحاكم في المستدرك (4/ 331)، برقم (7815)، وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وقال الحافظ ابن حجر في "الإصابة" (8/ 79):"سنده صحيح". اهـ.
(4)
أخرجه النسائي في السُّنن الكبرى (6/ 245)، برقم (10825)، والخطيب في تاريخ بغداد (8/ 104)، برقم (4218)، بلفظ:(ندًا) بدلًا من (عدلًا)، وحسَّن إسناده العراقي وكذا الألباني. [انظر: المغني عن حمل الأسفار (2/ 835)، برقم (3066)، والسلسلة الصحيحة (1/ 266)].
التي جمع فيها بينه وبين الله في المشيئة؛ إذ مشيئة العبد تابعة لمشيئة الله، فلا يكون شريكه لما يعلم أن كون الشيء ندًا لله قد يكون بدون أن يعبد العبادة التامة، فإن ذلك الرجل ما كان يعبد رسول الله تلك العبادة"
(1)
.
يقول العلامة عبد العزيز بن باز: "ومن هذا الباب قول: ما شاء الله وشاء فلان، ولولا الله وفلان، وهذا من الله وفلان، وهذا كله من الشرك الأصغر، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "لا تقولوا ما شاء الله وشاء فلان ولكن قولوا ما شاء الله ثم شاء فلان"
(2)
، وبهذا يعلم أنه لا حرج بأن يقول: لولا الله ثم فلان، أو هذا من الله ثم فلان .. إذا كان له تسبب في ذلك.
وثبت عنه صلى الله عليه وسلم: أن رجلًا قال له: ما شاء الله وشئت فقال له صلى الله عليه وسلم: "أجعلتني لله ندًّا قل ما شاء الله وحده"، فدل هذا الحديث على أنه إذا قال: ما شاء الله وحده فهذا هو الأكمل، وإن قال ما شاء الله ثم شاء فلان فلا حرج جمعًا بين الأحاديث والأدلة كلها والله ولي التوفيق"
(3)
.
وفيما سبق من نصوص الدلالة على حرمة التسوية بين الله وغيره، وأنه يعد من الشرك، وهو من شرك الألفاظ؛ لأنَّه يوهم أن مشيئة العبد مساوية لمشيئة الرب سبحانه وتعالى، والسبب في ذلك استعمال الواو التي تقتضي مطلق الجمع بين المشيئتين، فإن اعتقد حقيقة المساواة بين الرب والعبد كان مشركًا الشرك الأكبر المخرج إلى الكفر بالله العظيم.
(1)
قاعدة في المحبة ضمن جامع الرسائل، لابن تيمية المجموعة الثانية (ص 275).
(2)
أخرجه الإمام أحمد في مسنده (5/ 384)، برقم (23313)، والنسائي في السُّنن الكبرى (6/ 245)، برقم (10821)، وأبو داود في السُّنن (4/ 295)، برقم (4980)، والدارمي في سننه (2/ 382)، برقم (2699)، وقال الألباني في السلسلة الصحيحة (1/ 214)، برقم (137):"قلت: وهذا سند صحيح، رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين غير عبد الله بن يسار، وهو "قلت: وهذا سند صحيح، ورجاله كلهم ثقات رجال الشيخين غير عبد الله بن يسار، وهو الجهني الكوفي وهو ثقة، وثقه النسائي وابن حبان".
(3)
مجموع فتاوى ومقالات متنوعة، لابن باز (7/ 52).
يقول الشيخ حافظ الحكمي رحمه الله: "والفرق بين الواو وثم: أنه إذا عطف بالواو كان مضاهيًا مشيئة الله بمشيئة العبد إذ قرن بينهما، وإذا عطف بـ (ثم) فقد جعل مشيئة العبد تابعة لمشيئة الله عز وجل كما قال تعالى: {وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} [التكوير: 29] "
(1)
.
وقال الشافعي رحمه الله: "المشيئة: إرادة الله عز وجل قال الله عز وجل: {وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ}، فأعلم الله خلقه أن المشيئة له دون خلقه، وأن مشيئتهم لا تكون إلا أن يشاء"
(2)
.
ومما يلحق بذلك قول البعض: (ما لي غير الله وأنت) و (أنا داخل على الله وعليك)، وأقبح منه قول البعض:(باسم الله والوطن)، أو (باسم الله والشعب)، ونحو ذلك من الألفاظ الشركية التي تضمنت سوء الأدب وسوء الظن بالرب المالك القدير.
يقول الإمام ابن القيم: "وفي معنى هذا الشرك المنهي عنه قول من لا يتوقى الشرك: (أنا بالله وبك) (وأنا في حسب الله وحسبك) (ومالي إلا الله وأنت) (وأنا متوكل على الله وعليك) (وهذا من الله ومنك) (والله لي في السماء وأنت لي في الأرض)، و (الله وحياتك)، وأمثال هذا من الألفاظ التي يجعل فيها قائلها المخلوق ندًّا للخالق، وهي أشد منعًا وقبحًا من قوله: (ما شاء الله وشئت) "
(3)
.
ثامنًا: ومن أنواع الشرك الأصغر وتتناوله القاعدة في كونه وسيلة إلى الشرك الأكبر الخوف من غير الله المؤدي إلى ترك الطاعة وفعل المعصية، وكذا رجاء غير الله فيما يملكه المخلوق ويقدر عليه، وكذلك محبة ما يبغضه الله تعالى مما حرمه، ومن ذلك التوكل والاعتماد على غير الله تعالى فيما يقدر عليه ذلك الغير من الأسباب الظاهرة الحسية،
(1)
معارج القبول للحكمي (2/ 497).
(2)
الاعتقاد للبيهقي (ص 157).
(3)
زاد المعاد في هدي خير العباد (2/ 353).
وهذا الشرك متعلق بالقلب، ويشبهه من يتوكل على سلطان أو ملك ظالم فيما جعله الله في يده من القوة والبطش أو الرزق والخير.
أما الخوف الشركي فأن يخاف ممن لا يملك أسباب الخوف الحسية والظاهرة، وكذا الرجاء فيما لا يقدر عليه إلا الله تعالى، وكذا من توكل واعتمد على غير الله فيما لا يقدر عليه إلا الله فذلك هو عين الشرك المخرج عن الإسلام، وعليه فالشرك الأصغر في الخوف والرجاء والتوكل يؤدي إلى الشرك الأكبر المحبط لجميع الأعمال.
يقول -الإمام المجدد- الشيخ محمد بن عبد الوهاب: "وأما خوف المخلوق؛ فالمراد به الخوف الذي يحملك أن تترك ما فرض الله عليك، وتفعل ما حرم الله عليك خوفًا من ذلك المخلوق، وأما الرجاء فلعل المراد الذي يخرج العبد عن التوكل على الله، والثقة بوعده، وكل هذه الأمور كثيرة جدًّا.
وأما قولك: هل المراد به الشرك الأصغر أو الأكبر فهذا يختلف باختلاف الأحوال، وقد يتصنع لمخلوق فيخافه أو يرجوه فيدخل في الشرك الأصغر، وقد يتزايد ذلك ويتوغل فيه حتى يصل إلى الشرك الأكبر"
(1)
.
ويقول الإمام ابن تيمية: "وإن كان مراده جنس الشرك؛ فيقال: ظلم العبد نفسه كبخله -لحب المال- ببعض الواجب هو شرك أصغر وحبه ما يبغضه الله حتى يكون يقدم هواه على محبة الله شرك أصغر، ونحو ذلك، فهذا صاحبه قد فاته من الأمن والاهتداء بحسبه، ولهذا كان السلف يدخلون الذنوب في هذا الظلم بهذا الاعتبار"
(2)
.
(1)
الفتاوى، للإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب (ص 38).
(2)
مجموع الفتاوى (7/ 82).