الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث السادس
قاعدة الشفاعة ملك لله تعالى وطلبها ورجاؤها من غير الله أو بغير إذن شرك
وتشتمل على عدة مسائل:
*
المسألة الأولى * معنى الشفاعة لغة وشرعًا
الشَّفاعة على وزن (فَعَالَة) مشتقة من أصل لغوي ثلاثي هو (شَفَعَ)، والشَّفْعُ ضد الوتر، يقال: كان وترًا فشفعه من باب قَطَعَ، فالشَّفْعُ: ما شَفَعَ غيره وجعله زوجًا جمع أَشْفاعٍ وشُفَّاع، وكذلك شَفَعَ الشيء شَفْعًا: ضم مثله إليه، وجعله زوجًا، وتَشَفَّع إليه في فلان فَشَفَّعَهُ فيه تَشْفِيعًا: قبل شفاعته فيه، ويقال: هو مُشَفِّعٌ: يقبل الشفاعة وهو مُشَفَّعٌ: مقبول الشفاعة. واسْتَشْفَعَ: طلب الناصر، والشَّفِيع والشَّافِع: صاحب الشفاعة، والشَّفَاعَة: كلام الشفيع والجَمعُ شُفَعاء وهو الطالبُ لغَيرِه يَتَشَفَّعُ به إلى المَطلوب
(1)
.
(1)
انظر: تاج العروس (21/ 282 - 286، 285، 283)، ومقاييس اللغة (3/ 201)، والصحاح (3/ 1238)، ولسان العرب (7/ 150 - 152)، ومعجم الأفعال المتعدية بحرف (ص 180)، ومختار الصحاح (144)، والمعجم الوسيط (1/ 487).
هذا هو أصل مادة (شَفَعَ)، وعليه فمعنى الشَّفَاعَة في اللغة من الشَّفْعِ؛ كأن المَشْفُوع له كان فردًا فجعله الشَّفِيعُ شفْعًا، ولذا عرَّفها الراغب بقوله:"والشفاعة: الانضمام إلى آخر ناصرًا له وسائلًا عنه، وأكثر ما يستعمل في انضمام من هو أعلى حرمة ومرتبة إلى من هو أدنى، ومنه الشفاعة في القيامة"
(1)
.
وهذا المعنى هو حقيقة الشفاعة الشرعية الواردة في الكتاب والسُّنَّة، وبهذا عرَّفها أهل العلم، وأذكر فيما يلي بعض ما وقفت عليه من ذلك:
يقول الزبيدي: هي كلامُ الشَّفيع للمَلِكِ في حاجةٍ يسألُها لغيرِه، وَشفَع إليه في معنى طَلَبَ إليه.
وقيل: الشَّفاعة: التَّجاوُزُ عن الذُّنُوبِ والجرائم.
وقيل: الشّفاعَةُ المُطالَبةُ بوَسيلةٍ أو ذِمامٍ
(2)
.
وفسَّر بعض أهل اللغة الشفاعة الواردة في قول الله تبارك وتعالى: {مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ ذعِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ} [البقرة: 255] أن الشفاعة ها هنا هي الدعاء
(3)
.
وقال أبو جعفر الطبري: "والشفاعة: مصدر من قول الرجل شَفَعَ لي فلان إلى فلان شفاعة: وهو طلبه إليه في قضاء حاجته، وإنما قيل للشفيع شفيع وشافع؛ لأنَّه ثَنَّى المستشفع به فصار له شفعًا، فكان ذو الحاجة قبل استشفاعه به في حاجته فردًا فصار صاحبه له فيها شافعًا، وطلبه فيه وفي حاجته شفاعة؛ ولذلك سمي الشفيع في الدار وفي الأرض شفيعًا لمصير البائع به شفعًا"
(4)
.
(1)
المفردات في غريب القرآن (ص 263).
(2)
انظر: تاج العروس (21/ 286)، وبه قال الأزهري في تهذيب اللغة (1/ 278).
(3)
انظر: تهذيب اللغة (1/ 278)، وقد نقله الأزهري عن المبرد وثعلب.
(4)
تفسير الطبري (1/ 267).
وقال أبو السعود في تفسيره: "الشفاعة: هي التوسط بالقول في وصول شخص إلى منفعة من المنافع الدنيوية أو الأخروية، أو خلاصه من مضرة ما كذلك، من الشفع كأن المشفوع له كان فردًا فجعله الشفيع شفعًا"
(1)
.
ويقول الإمام القرطبي: "فالشفاعة إذًا ضَمُّ غيرك إلى جاهك ووسيلتك، فهي على التحقيق إظهار لمنزلة الشَّفِيع عند المُشَفِّع وإيصال المنفعة إلى المشفوع له"
(2)
.
وعرَّفها الإمام ابن تيمية بقوله: "والشَّفاعة هي الدعاء"
(3)
.
وعرَّفها الشيخ مبارك الميلي
(4)
بقوله: "فالشَّفاعة تحمل معنى الضم والإعانة للمشفوع له، ومعنى الجاه والحرمة للشفيع عند المشفوع إليه، فسعيك لآخر في حاجة له عند عظيم شفاعة، وأنت شفيع، وذلك الآخر مشفوع له، وذلك العظيم مشفوع إليه، وقضاء تلك الحاجة تشْفِيع"
(5)
.
هذا بعض ما وقفت عليه من كلام العلماء في تحرير معنى الشفاعة
(6)
والحاصل أن الشفاعة في حقيقتها أنها دعاء الشافع لربه تبارك
(1)
تفسير أبو السعود (2/ 210)، وانظر: روح المعاني (5/ 97).
(2)
تفسير القرطبي (5/ 295)، وانظر:(1/ 368)، وفتح القدير (1/ 492)، وعمدة القارئ (4/ 10).
(3)
مجموع الفتاوى (1/ 130).
(4)
هو: العلامة الشيخ السلفي مبارك بن محمد الهلالي الميلي الجزائري، ولد سنة 1316 هـ، بقرية ميلية من نواحي قسنطينة (شرق الجزائر)، درس على العلامة ابن باديس، ثم التحق بعد ذلك بجامع الزيتونة بتونس وتتلمذ على علمائها، من أعماله: عين عضوًا في مجلس إدارة جمعية العلماء المسلمين الجزائريين وأمينًا لماليتها، مؤلفاته: تاريخ الجزائر في القديم والحديث، ورسالة الشرك ومظاهره، ومجموعة من المقالات القيمة والبحوث، توفي سنة 1945 هـ. [ترجمته في: معجم المؤلفين (3/ 13)، برقم (11338)].
(5)
رسالة الشِّرك ومظاهره (ص 217).
(6)
انظر للوقوف على المزيد من أقوال أهل العلم في تحرير معنى الشفاعة: التوقيف =