الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كان شركهم من قبيل اتخاذ الوسائط والشفعاء التي تقربهم إلى الله تعالى.
قال تعالى: {أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} [الزمر: 3]، وقال عز وجل {وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ} [يونس: 18]، وقوله:{فَلَوْلَا نَصَرَهُمُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ قُرْبَانًا آلِهَةً بَلْ ضَلُّوا عَنْهُمْ وَذَلِكَ إِفْكُهُمْ وَمَا كَانُوا يَفْتَرُونَ (28)} [الأحقاف: 28]، فهذه الآيات الكريمة واضحة في صنيع المشركين وأنهم لم يقصدوا من آلهتهم إلا الجاه والواسطة والشفاعة؛ أي: الواسطة التي تقربهم من الله تعالى، وترفع لهم دعاءهم ومسألتهم لتقضى لهم الحوائج.
يقول ابن كثير عند تفسير قوله تعالى: {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} : "أي: ليشفعوا لنا ويقربونا عنده منزلة، ولهذا كانوا يقولون في تلبيتهم إذا حجوا في جاهليتهم: لبيك لا شريك لك إلا شريكًا هو لك تملكه وما ملك، وهذه الشبهة -أي: شبهة الشفاعة والواسطة- هي التي اعتمدها المشركون في قديم الدهر وحديثه، وجاءتهم الرسل صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين بردها والنهي عنها، والدعوة إلى إفراد العبادة لله وحده لا شريك له، وأن هذا شيء اخترعه المشركون من عند أنفسهم، لم يأذن الله فيه، ولا رضي به، بل أبغضه ونهى عنه"
(1)
.
*
المسألة الرابعة * أقوال العلماء في اعتماد القاعدة
لا يخفى على القارئ ما أولاه أهل العلم من عناية فائقة، واهتمام بالغ، وحرص شديد، وتركيز كبير على مسألة الواسطة بنوعيها المثبتة والمنفية، وفيما يلي أنقل ما وقفت عليه من أقوال لأهل العلم؛
(1)
تفسير ابن كثير (4/ 46).
سواء كانت بالتنصيص على القاعدة، أو جاءت بمعناها:
يقول الإمام ابن تيمية: "وهذا جهل بدين الحنفاء فإن الحنفاء ليس بينهم وبين الله تعالى واسطة في العبادة والدعاء والاستعانة بل يناجون ربهم ويدعونه ويعبدونه بلا واسطة، وإنما الرسل بلغتهم عن الله تعالى ما أمر به وأحبه من العبادات وغيرها، وما نهى عنه، فهم وسائط في التبليغ والدلالة"
(1)
.
ويقول رحمه الله: "والله سبحانه لم يجعل له أحدًا من الأنبياء والمؤمنين واسطة في شيء من الربوبية والألوهية مثل ما ينفرد به من الخلق والرزق وإجابة الدعاء، والنصر على الأعداء وقضاء الحاجات وتفريج الكربات، بل غاية ما يكون العبد سببًا مثل أن يدعو أو يشفع"
(2)
.
ويقول الإمام ابن القيم: "وبالجملة فتجعل الرسول شيخك وأستاذك ومعلمك ومربيك ومؤدبك وتسقط الوسائط بينك وبينه إلا في التبليغ، كما تسقط الوسائل بينك وبين المرسل في العبودية، ولا تثبت وساطة إلا في وصول أمره ونهيه ورسالته إليك"
(3)
.
ويقول الشيخ محمد الأمين الشنقيطي: "وبهذا التحقيق تعلم أن: ما يزعمه كثير من ملاحدة أتباع الجهال المدعين للتصوف، من أن المراد بالوسيلة في الآية الشيخ الذي يكون له واسطة بينه وبين ربه، أنه تخبط في الجهل والعمى، وضلال مبين وتلاعب بكتاب الله تعالى، واتخاذ الوسائط من دون الله من أصول كفر الكفار كما صرح به تعالى في قوله عسهم: {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} "
(4)
.
هذا ما وقفت عليه من أقوال لأهل العلم في التنصيص على القاعدة، أو في ذكرهم لمعناها.
(1)
الرد على البكري (2/ 572).
(2)
مجموع الفتاوى (24/ 340).
(3)
مدارج السالكين (3/ 144).
(4)
أضواء البيان (1/ 403).