الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الأول
قاعدة سد الذرائع المفضية إلى الشرك من المقاصد الشرعية
وتشتمل على عدة مسائل:
*
المسألة الأولى* شرح مفردات القاعدة
معنى سد الذرائع:
السدُّ: هو الحاجز بين الشيئين، والبناء في مجرى الماء ليحجزه، والجمع: سدود وأسداد، فالسين والدال: أصل واحد، وهو يدل على ردم شيء، وملاءمته؛ من ذلك: سددت الثُّلْمَة سدًّا، وكل حاجز بين الشيئين سَدٌّ، ومن ذلك قوله تعالى:{قَالُوا يَاذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا (94)} [الكهف: 94]، وقوله سبحانه:{وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ (9)} [يس: 9]
(1)
.
والذرائع: جمع ذريعة، والذريعة: الوسيلة
(2)
، وقد تَذرَّعَ فلان
(1)
انظر: مقاييس اللغة، لابن فارس (3/ 66)، لسان العرب (3/ 208)، المعجم الوسيط (1/ 423)، المصباح المنير (1/ 270).
(2)
ومن أهل اللغة من فرَّق بين الذريعة والوسيلة، وذكر ذلك أبو هلال العسكري في =
بذريعة؛ أي: تَوَسَّلَ، والذريعة: السبب إلى الشيء، وقولهم فلان ذَرِيعتي إلى كذا، وهذا الأمر ذَرِيعَتي؛ أي: سببي ووسيلتي إليه، ومعنى الذريعة في كلام العرب: ما يدني الإنسان من الشيء ويُقرِّبه منه، والأصل في هذا: أنْ يُرْسَلَ البعيرُ مع الوحش يرعى معها، حتى يأنس بالوحش، ويأنس به الوحش، فإذا أراد الرجل أن يصيدها استتر بالبعير، حتى إذا حاذى الوحش وداناها رماها فصادها، ويسمُّون هذا البعير الذريعة، ثم جُعِلت الذريعةُ مثلًا لكل شيء أَدْنى من شيء وقَرَّب منه
(1)
.
وبهذا يظهر الاتفاق بين معنى الوسيلة والذريعة من جهة المعنى العام، وهي ما يتوصل به إلى الشيء، سواء كان هذا الشيء خيرًا أم شرًا، مصلحة أو مفسدة، وهذا هو معنى الذريعة العام.
غير أن غالب أهل الفقه قد اصطلحوا على أن الذرائع هي: الطرق المفضية إلى المفاسد والشرور -خاصة-، أو هي: الأشياء الّتي ظاهرها الإباحة ويتوصّل بها إلى فعل محظور.
يقول الإمام ابن تيمية: "والذريعة: ما كان وسيلة وطريقًا إلى الشيء، لكن صارت في عرف الفقهاء عبارة: عما أفضت إلى فعل محرم، ولو تجردت عن ذلك الإفضاء لم يكن فيها مفسدة، ولهذا قيل: الذريعة الفعل الذي ظاهره أنه مباح، وهو وسيلة إلى فعل المحرم، أما
= كتابه "معجم الفروق اللغوية" فقال: "الفرق بين الوسيلة والذريعة: أن الوسيلة عند أهل اللغة هي القربة، وأصلها من قولك: سألت أسال؛ أي: طلبت، وهما يتساولان؛ أي: يطلبان القربة التي ينبغي أن يطلب مثلها، وتقول: توسلت إليه بكذا، فتجعل كذا طريقًا إلى بغيتك عنده، والذريعة إلى الشيء: هي الطريق إليه؛ ولهذا يقال: جعلت كذا ذريعة إلى كذا، فتجعل هي الطريقة نفسها، وليست الوسيلة هي الطريقة فالفرق بينهما بَيِّن". [معجم الفروق اللغوية للعسكري (ص 333)].
(1)
انظر: العين (2/ 98)، وتاج العروس (21/ 12)، ومقاييس اللغة (2/ 350)، ولسان العرب (8/ 96)، والزاهر في معاني كلمات الناس (1/ 501)، وتهذيب الأسماء (3/ 104)، والمعجم الوسيط (1/ 311).
إذا أفضت إلى فساد ليس هو فعلًا كإفضاء شرب الخمر إلى السكر، وإفضاء الزنا إلى اختلاط المياه، أو كان الشيء نفسه فسادًا؛ كالقتل، والظلم، فهذا ليس من هذا الباب، فإنا نعلم إنما حرمت الأشياء لكونها في نفسها فسادًا، بحيث تكون ضررًا لا منفعة فيه، أو لكونها مفضية إلى فساد، بحيث تكون هي في نفسها فيها منفعة، وهي مفضية إلى ضرر أكثر منها"
(1)
.
ويقول القرطبي: "والذريعة عبارة عن أمر غير ممنوع لنفسه يخاف من ارتكابه الوقوع في ممنوع"
(2)
.
ويقول الإمام محمد بن جزي
(3)
الغرناطي المالكي: "وأما سد الذرائع فمعناه: حسم مادة الفساد بقطع وسائله"
(4)
.
فالذريعة في الأصل مباحة لكن يتوصل بها إلى المحرم، فنهى الشارع عن هذا المباح خوفًا من أثره، وهو الوصول إلى المحرم والفساد.
يقول الإمام الشاطبي: "وقد منع الله أشياء من الجائزات لإفضائها إلى الممنوع"
(5)
.
وعليه فمعنى سدّ الذّريعة: حسم مادّة وسائل الفساد وسد بابها دفعًا
(1)
الفتاوى الكبرى (3/ 256).
(2)
تفسير القرطبي (2/ 57 - 58).
(3)
هو: محمد بن أحمد بن محمد بن عبد الله بن يحيى بن عبد الرحمن بن يوسف بن جزي الكلبي، كنيته أبو القاسم، ولد سنة 693 هـ، كان رحمه الله نابغة زمانه في مختلف العلوم الإسلامية، من مؤلفاته: التسهيل لعلوم التنزيل، وتقريب الوصول إلى علم الأصول، والأنوار السنية، والقوانين الفقهية في تلخيص المالكية، وغيرها، توفي سنة 741 هـ. [ترجمته في: الديباج المذهب (ص 295)، ومقدمة كتاب: تقريب الوصول بتحقيق: محمد المختار الشنقيطي (ص 23 - 50)].
(4)
تقريب الوصول إلى علم الأصول (ص 415)، وقيل هي: المسألة التي ظاهرها الإباحة، ويتوصل بها إلى فعل المحظور. [المصدر نفسه].
(5)
الموافقات (4/ 264).