الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باهرة، ومذاهبهم ظاهرة، وحججهم قاهرة
(1)
.
ويقول الإمام ابن تيمية: "ومن سوى الأنبياء؛ من مشايخ العلم والدين، فمن أثبتهم وسائط بين الرسول صلى الله عليه وسلم وأمته؛ يبلغونهم، ويعلمونهم، ويؤدبونهم، ويقتدون بهم، فقد أصاب في ذلك. وهؤلاء إذا أجمعوا فإجماعهم حجة قاطعة، لا يجتمعون على ضلالة، وإن تنازعوا في شيء ردوه إلى الله والرسول"
(2)
.
*
المسألة الثالثة * أدلة القاعدة
دلت القاعدة على نوعين من أنواع الواسطة، ولكل نوع منها أدلته الخاصة، وعليه فيحسن تصنيف الأدلة إلى قسمين:
الأول: الأدلة الدالة على الواسطة المثبتة الشرعية الإيمانية:
وهذه كما سبق هي الواسطة في تبليغ الوحي من الله تعالى إلى خلقه ويدخل في ذلك تبليغ جبريل لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وكذلك تبليغ الصحابة الذين للأمة متلقين له من نبيهم محمد صلى الله عليه وسلم.
فمما دل على كون الملائكة وسائط بين الله ورسله في تبليغ الوحي ما يلي:
قوله تعالى: {نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (193) عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ (194)} [الشعراء: 193، 194]. فقد جاء عن ابن عباس رضى الله عنهما أن الروح الأمين: هو جبريل عليه السلام
(3)
.
(1)
انظر: شرف أصحاب الحديث، البغدادي (ص 8 - 9).
(2)
مجموع الفتاوى (1/ 125).
(3)
تفسير الطبري (19/ 112)، وهو الذي رجحه ابن جرير الطبري ونقله عن: قتادة والضحاك.
وقال بهذا القول جملة من السلف، بل هو مما لا نزاع فيه
(1)
.
ومن ذلك قوله تعالى: {مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ (98)} [البقرة: 98].
وقوله عز وجل: {اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (75)} [الحج: 75].
يقول الحافظ ابن كثير في تفسير قوله: {مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ} : "يقول تعالى: من عاداني وملائكتي ورسلي - ورسله تشمل رسله من الملائكة والبشر كما قال تعالى: {اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ} - {وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ} وهذا من باب عطف الخاص على العام فإنهما دخلا في الملائكة في عموم الرسل
(2)
، ثم خُصِّصَا بالذكر؛ لأن السياق في الانتصار لجبرائيل، وهو السفير بين الله وأنبيائه"
(3)
.
ومن السُّنَّة حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه المعروف بحديث جبريل الطويل، وفيه مجيء جبريل على صورة أعرابي وسؤاله عن الإسلام والإيمان والإحسان وأمور أخرى، فلما انصرف قال النبي صلى الله عليه وسلم:"يا عمر أتدري من السائل؟ قلت: الله ورسوله أعلم، قال: فإنه جبريل أتاكم يعلمكم دينكم"
(4)
.
(1)
تفسير ابن كثير (3/ 348).
(2)
في النسخة المحققة: (في الملائكة ثم عموم الرسل). [انظر: تفسير ابن كثير: (1/ 508) بتحقيق ت مجموعة من الباحثين؛ منهم: مصطفى السيد، طبعة مؤسسة قرطبة].
(3)
تفسير ابن كثير (1/ 133).
(4)
أخرجه البخاري، كتاب الإيمان، باب: سؤال جبريل النبي صلى الله عليه وسلم عن الإيمان والإسلام والإحسان
…
(1/ 27)، رقم (50)، ومسلم في صحيحه، كتاب الإيمان، باب: بيان الإيمان والإسلام والإحسان (1/ 39)، رقم (9).
فجميع هذه النصوص دلت على أن الواسطة في تبليغ الوحي إلى الأنبياء والرسل جميعًا هي الملائكة.
يقول الرازي: "فإذا ثبت أن وحي الله تعالى إنما يصل إلى البشر بواسطة الملائكة، فالملائكة يكونون كالواسطة بين الله تعالى وبين البشر"
(1)
.
كما أن الأنبياء واسطة بيننا وبين الله تبارك وتعالى في تبليغ الوحي والشرائع كما قال عز وجل: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ} [النساء: 64]، وقوله سبحانه:{اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (75)} [الحج: 75] وقوله تعالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي شِيَعِ الْأَوَّلِينَ (10)} [الحجر: 10].
يقول الإمام ابن تيمية: "والرسول هو الواسطة والسفير بينهم وبين الله عز وجل، فهو الذي يبلغهم أمر الله ونهيه ووعده ووعيده، وتحليله وتحريمه: فالحلال ما حلله الله ورسوله، والحرام ما حرَّمه الله ورسوله، والدين ما شرعه الله ورسوله"
(2)
.
وقال ابن الوزير: "وهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو المبين لكتاب الله الواسطة المختارة بين الله وبين عباد الله "
(3)
.
أما ما دون الأنبياء من الصحابة ومشايخ العلم والدين فهم واسطة كذلك بين النبي صلى الله عليه وسلم وما علموه من الكتاب والسُّنَّة وبين الأمة، إذ هم ورثة الأنبياء فيجب عليهم التبليغ والبيان بقدر ما عرفوه من ذلك، ويدل على ذلك حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "بلِّغوا عني ولو آية وحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج، ومن كذب عليّ متعمّدًا
(1)
التفسير الكبير (7/ 113).
(2)
مجموع الفتاوى (35/ 372).
(3)
إيثار الحق على الخلق، لابن الوزير اليماني (ص 140).