المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ المسألة الخامسة * فوائد القاعدة وتطبيقاتها - القواعد في توحيد العبادة - جـ ٢

[محمد بن عبد الله باجسير]

فهرس الكتاب

- ‌الفصل الخامسالقواعد المتعلقة بتحقيق توحيد العبادة وأدلته

- ‌المبحث الأولقاعدة تحقيق التوحيد يتضمن تحقيق أصله وكماله الواجب وكماله المستحب وبحسبها يتفاضل المؤمنون

- ‌ المسألة الأولى * معاني مفردات القاعدة

- ‌معنى التحقيق:

- ‌ المسألة الثانية * معنى القاعدة

- ‌ المسألة الثالثة * أدلة القاعدة

- ‌ المسألة الرابعة * أقوال أهل العلم في تقرير معنى القاعدة

- ‌ المسألة الخامسة * فوائد القاعدة وتطبيقاتها

- ‌المبحث الثانيقاعدة توحيد الربوبية هو أصل توحيد الإلهية ودليله الأكبر

- ‌ المسألة الأولى * شرح معاني مفردات القاعدة

- ‌ المسألة الثانية * بيان معنى القاعدة

- ‌ المسألة الثالثة * أدلة القاعدة

- ‌ المسألة الرابعة * أقوال أهل العلم في تقرير معنى القاعدة

- ‌ المسألة الخامسة * فوائد القاعدة وتطبيقاتها

- ‌الفصل السادسالقواعد المتعلقة برد البدع

- ‌المبحث الأولقاعدة العبادات توقيفية

- ‌ المسألة الأولى * شرح ألفاظ القاعدة

- ‌ المسألة الثانية * معنى القاعدة

- ‌ المسألة الثالثة * أدلة القاعدة

- ‌ المسألة الرابعة* أقوال أهل العلم في تقرير معنى القاعدة

- ‌ المسألة الخامسة* فوائد القاعدة وتطبيقاتها

- ‌المبحث الثانيقاعدة اعتبار ما صدر عن النبي صلى الله عليه وسلم عبادة موقوف على قصده التعبد

- ‌ المسألة الأولى* معنى القاعدة

- ‌ المسألة الثانية* أدلة القاعدة

- ‌ المسألة الثالثة * أقوال أهل العلم في تقرير معنى القاعدة

- ‌ المسألة الرابعة * فوائد القاعدة وتطبيقاتها

- ‌المبحث الثالثقاعدة الوسائل لها أحكام المقاصد

- ‌‌‌ المسألة الأولى * شرح ألفاظ القاعدة

- ‌ المسألة الأولى * شرح ألفاظ القاعدة

- ‌معنى الوسائل والمقاصد اصطلاحًا:

- ‌ المسألة الثانية * معنى القاعدة

- ‌ المسألة الثالثة * أدلة القاعدة

- ‌ المسألة الرابعة * أقوال أهل العلم في اعتماد معنى القاعدة

- ‌ المسألة الخامسة * فوائد القاعدة وتطبيقاتها

- ‌الباب الثانيالقواعد المتعلقة بما يضاد توحيد العبادة

- ‌الفصل الأولالقواعد المتعلقة بتعريف الشرك وحقيقته

- ‌المبحث الأولقاعدة التشبيه هو أصل عبادة الأوثان عند أكثر المشركين

- ‌ المسألة الأولى * شرح ألفاظ القاعدة

- ‌معنى التشبيه لغة واصطلاحًا:

- ‌ المسألة الثانية * معنى القاعدة

- ‌ المسألة الثالثة * أدلة القاعدة

- ‌ المسألة الرابعة * أقوال أهل العلم في تقرير معنى القاعدة

- ‌ المسألة الخامسة * فوائد القاعدة وتطبيقاتها

- ‌المبحث الثانيقاعدة الشرك هو التسوية بين الله وغيره في شيء من خصائصه وحقه

- ‌ المسألة الأولى * شرح ألفاظ القاعدة

- ‌أولًا: معنى الشرك لغة:

- ‌ثانيًا: معنى التسوية:

- ‌ المسألة الثانية * معنى القاعدة

- ‌ المسألة الثالثة * أدلة القاعدة

- ‌ المسألة الرابعة * أقوال أهل العلم في تقرير معنى القاعدة

- ‌ المسألة الخامسة * فوائد القاعدة وتطبيقاتها

- ‌المبحث الثالثقاعدة الخوف الشركي أن يخاف العبد من غير الله أن يصيبه مكروه بمشيئته وقدرته وإن لم يباشره

- ‌ المسألة الأولى * شرح ألفاظ القاعدة

- ‌معنى الخوف وأنواعه:

- ‌ المسألة الثانية * معنى القاعدة

- ‌ المسألة الثالثة * أدلة القاعدة

- ‌ المسألة الرابعة * أقوال أهل العلم في تقرير معنى القاعدة

- ‌ المسألة الخامسة * فوائد القاعدة وتطبيقاتها

- ‌المبحث الرابعقاعدة السؤال والطلب من غير الله فيما لا يقدر عليه إلا الله شرك

- ‌ المسألة الأولى * شرح ألفاظ القاعدة

- ‌بيان معنى السؤال والطلب:

- ‌ المسألة الثانية * معنى القاعدة

- ‌ المسألة الثالثة * أدلة القاعدة

- ‌ المسألة الرابعة * أقوال أهل العلم في تقرير معنى القاعدة

- ‌ المسألة الخامسة * فوائد القاعدة وتطبيقاتها

- ‌المبحث الخامسقاعدة الاعتقاد في الأسباب بذاتها شرك في الربوبية والألوهية

- ‌ المسألة الأولى * شرح ألفاظ القاعدة

- ‌معنى الأسباب:

- ‌ المسألة الثانية * معنى القاعدة

- ‌ المسألة الثالثة * أدلة القاعدة

- ‌ المسألة الرابعة * أقوال أهل العلم في تقرير معنى القاعدة

- ‌ المسألة الخامسة * فوائد القاعدة وتطبيقاتها

- ‌المبحث السادسقاعدة الشفاعة ملك لله تعالى وطلبها ورجاؤها من غير الله أو بغير إذن شرك

- ‌ المسألة الأولى * معنى الشفاعة لغة وشرعًا

- ‌ المسألة الثانية * بيان معنى القاعدة

- ‌ المسألة الثالثة * أدلة القاعدة

- ‌ المسألة الرابعة * أقوال أهل العلم في تقرير معنى القاعدة

- ‌ المسألة الخامسة * فوائد القاعدة وتطبيقاتها

- ‌المبحث السابعقاعدة كل ما ورد في القرآن من الأمر بالدعاء والنهي عن دعاء غير الله يتناول دعاء المسألة ودعاء العبادة

- ‌ المسألة الأولى* شرح ألفاظ القاعدة

- ‌بيان معنى الدعاء وأقسامه:

- ‌ المسألة الثانية * معنى القاعدة

- ‌ المسألة الثالثة * أدلة القاعدة

- ‌ المسألة الرابعة * أقوال أهل العلم في تقرير معنى القاعدة

- ‌ المسألة الخامسة * فوائد القاعدة وتطبيقاتها

- ‌الفصل الثانيالقواعد المتعلقة بقبح الشرك وأنواعه

- ‌المبحث الاولقاعدة الشرك هضم لعظمة الربوبية وتنقص لحق الإلهية وسوء ظن برب العالمين

- ‌ المسألة الأولى * شرح بعض ألفاظ القاعدة

- ‌معنى الهضم والتنقص:

- ‌معنى سوء الظن:

- ‌ المسألة الثانية * معنى القاعدة

- ‌ المسألة الثالثة * أدلة القاعدة

- ‌ المسألة الرابعة * أقوال أهل العلم في تقرير معنى القاعدة

- ‌ المسألة الخامسة * فوائد القاعدة وتطبيقاتها

- ‌المبحث الثانيقاعدة قبح الشرك مستقر في العقول والفطر والسمع نبه العقول وأرشدها إلى معرفة ما أودع فيها من قبح ذلك

- ‌ المسألة الأولى * معنى القاعدة

- ‌ المسألة الثانية * أدلة القاعدة

- ‌ المسألة الثالثة * أقوال أهل العلم في تقرير معنى القاعدة

- ‌ المسألة الرابعة * فوائد القاعدة وتطبيقاتها

- ‌المبحث الثالثقاعدة الشرك الأصغر كل وسيلة وذريعة يتطرق منها إلى الشرك الأكبر من الإرادات والأقوال والأفعال التي لم تبلغ رتبة العبادة

- ‌ المسألة الأولى * معنى القاعدة

- ‌ المسألة الثانية* أدلة القاعدة

- ‌ المسألة الثالثة* أقوال أهل العلم في تقرير معنى القاعدة

- ‌ المسألة الرابعة* فوائد القاعدة وتطبيقاتها

- ‌الفصل الثالثالقواعد المتعلقة بوسائل الشرك وأسبابه

- ‌المبحث الأولقاعدة سد الذرائع المفضية إلى الشرك من المقاصد الشرعية

- ‌ المسألة الأولى* شرح مفردات القاعدة

- ‌معنى سد الذرائع:

- ‌ المسألة الثانية * معنى القاعدة

- ‌ المسألة الثالثة* أدلة القاعدة

- ‌ المسألة الرابعة* أقوال أهل العلم في تقرير معنى القاعدة

- ‌ المسألة الخامسة* فوائد القاعدة وتطبيقاتها

- ‌المبحث الثانيقاعدة الحقائق لا تتغير بتغير المسميات

- ‌ المسألة الأولى* شرح ألفاظ القاعدة

- ‌ المسألة الثانية * معنى القاعدة

- ‌ المسألة الثالثة * أدلة القاعدة

- ‌ المسألة الرابعة * أقوال أهل العلم في تقرير معنى القاعدة

- ‌ المسألة الخامسة * فوائد القاعدة وتطبيقاتها

- ‌المبحث الثالثقاعدة تعظيم شعائر الله هو تعظيم لله وعبادة له، فهو تابع لتعظيم الله وإجلاله

- ‌ المسألة الأولى * شرح مفردات القاعدة

- ‌أولًا: معنى التعظيم:

- ‌ثانيًا: معنى شعائر الله:

- ‌ المسألة الثانية * بيان معنى القاعدة

- ‌ المسألة الثالثة * أدلة القاعدة

- ‌ المسألة الرابعة * أقوال أهل العلم في تقرير معنى القاعدة

- ‌ المسألة الخامسة * فوائد القاعدة وتطبيقاتها

- ‌الفصل الرابعالقواعد المتعلقة بإبطال الشرك وحقيقة المشركين

- ‌المبحث الأولقاعدة المشركون ما قصدوا من معبوداتهم إلا القربة والشفاعة ويقولون نريد من الله عز وجل لا منهم لكن بشفاعتهم والتقرب إلى الله بهم

- ‌ المسألة الأولى * بيان معنى القاعدة

- ‌ المسألة الثانية * أدلة القاعدة

- ‌ المسألة الثالثة * أقوال أهل العلم في تقرير معنى القاعدة

- ‌ المسألة الرابعة * فوائد القاعدة وتطبيقاتها

- ‌المبحث الثانيقاعدة الأصنام الجمادية لم تعبد لذاتها وإنما وضعت في الأصل لما كان غائبًا من معبودات المشركين

- ‌ المسألة الأولى* بيان معنى القاعدة

- ‌ المسألة الثانية* أدلة القاعدة

- ‌ المسألة الثالثة * أقوال أهل العلم في تقرير معنى القاعدة

- ‌ المسألة الرابعة* فوائد القاعدة وتطبيقاتها

- ‌المبحث الثالثقاعدة المشركون الأولون يشركون في الرخاء ويخلصون في الشدة ومشركو زماننا شركهم دائم في الشدة والرخاء

- ‌ المسألة الأولى * بيان معنى القاعدة

- ‌ المسألة الثانية * أدلة القاعدة

- ‌ المسألة الثالثة* أقوال أهل العلم في اعتماد معنى القاعدة

- ‌ المسألة الرابعة * فوائد القاعدة وتطبيقاتها

- ‌المبحث الرابعقاعدة دين الحنفاء ليس فيه واسطة بين الله وخلقه في الربوبية والألوهية، والرسل وسائط في التبليغ والدلالة

- ‌ المسألة الأولى* بيان معاني مفردات القاعدة

- ‌معنى الواسطة لغة واصطلاحًا:

- ‌ المسألة الثانية* معنى القاعدة

- ‌ المسألة الثالثة * أدلة القاعدة

- ‌الأول: الأدلة الدالة على الواسطة المثبتة الشرعية الإيمانية:

- ‌القسم الثاني: الأدلة الدالة على الواسطة المنفية غير الشرعية:

- ‌ المسألة الرابعة * أقوال العلماء في اعتماد القاعدة

- ‌ المسألة الخامسة* فوائد القاعدة وتطبيقاتها

- ‌الخاتمة

- ‌فهرس المصادر والمراجع

الفصل: ‌ المسألة الخامسة * فوائد القاعدة وتطبيقاتها

وأجاب الشيخ ابن عثيمين عن سؤال فيمن يدعي الولاية مع دعائه لغير الله سبحانه وتعالى، فقال رحمه الله:"فأي إنسان يدعو غير الله، أو يستغيث بغير الله بما لا يقدر عليه إلا الله عز وجل فإنه مشرك كافر، وليس بولي لله ولو ادعى ذلك، بل دعواه أنه ولي مع عدم توحيده وإيمانه وتقواه دعوى كاذبة تنافي الولاية"

(1)

.

ويقول الشيخ صالح الفوزان: "فكل ما لا يقدر عليه إلَّا الله فإنه لا يُطلب إلَّا من الله، فإن طُلب من غيره كان ذلك شركًا"

(2)

.

*‌

‌ المسألة الخامسة * فوائد القاعدة وتطبيقاتها

فيما يأتي بعض ما ظهر لي من فوائد القاعدة:

أولًا: تضمنت القاعدة ذكر الضابط في كون السؤال والطلب شركًا أكبر مخرجًا من ملة الإسلام، وهو السؤال والطلب من غير الله ما لا يقدر عليه إلا الله سبحانه وتعالى، هذا هو المشهور في كلام أهل العلم ولا إشكال فيه، لكن بعض أهل العلم عبَّر عن ضابط الشرك في القاعدة بأنه: دعاء المخلوق وسؤاله ما لا يقدر عليه ذلك المخلوق المعين

(3)

.

ولا شك أن هذا الضابط صحيح في الجملة ولكنه غير دقيق، إذ من الممكن أن يدعو ويسأل أحدٌ مخلوقًا حيًّا شيئًا وهو يظن قدرته على تحقيقه وإجابة طلبه، ولكنه في واقع الحال لا يستطيع فعل شيء من ذلك المطلوب، فلا يكون من سأله ودعاه والحالة هذه واقعًا في الشرك الأكبر؛ وذلك لكون هذا الفعل مقدورًا عليه في غالب طبع البشر، وذلك

(1)

مجموع الفتاوى والرسائل، للشيخ العثيمين (2/ 167).

(2)

إعانة المستفيد بشرح كتاب التوحيد (1/ 186).

(3)

انظر: التمهيد لشرح كتاب التوحيد (ص 178).

ص: 824

كمن استغاث بأصم وناداه كي يغيثه من الغرق أو الحرق مثلًا فلم يسمعه ولم يغثه، فليس في مقدوره سماعه ولا إغاثته، وكمن سأل من يسمعه وطلب منه إغاثته من الغرق، والمسؤول لا يحسن السباحة، فهو غير قادر على تحقيق ما طلب منه، فكل ذلك لا يعتبر فيه السائل والطالب واقعًا في الشرك؛ لأن جنس هذه الأمور مما يستطيعه البشر، وإن كان هذا المسؤول المعين لا يقدر عليه.

وعليه فالضابط الأول هو الأدق والأولى؛ وذلك أن ما لا يقدر عليه إلا الله مطلقًا هذا لا يمكن أن يفعله مخلوق بحال، في أي زمان، ولا أي مكان، وسيأتي فيما بعد التفريق بين حال الأحياء وحال الأموات بالنسبة للسؤال والطلب.

يقول الشيخ صالح بن عبد العزيز آل الشيخ -حفظه الله- مبينًا الفرق بين الضابطين في مسألة الاستغاثة: "أما قول من قال من أهل العلم: إن الاستغاثة شرك أكبر إذا استغاث بالمخلوق فيما لا يقدر عليه، فإن هذا يَرِدُ عليه أن ثَمَّة أشياء قد يكون المخلوق في ظاهر الأمر قادرًا عليها، ولكنه فى الحقيقة لا يقدر عليها، لكن هذا الضابط غير منضبط؛ لأن من وقع في شدة كغرقٍ -مثلًا- وتوجّه لرجل يراه بأن يغيثه فقال مخاطبًا إياه: أستغيث بك، أستغيث بك، أستغيث بك، وذاك لا يحسن السباحة، ولا يحسن الإنجاء من الغرق، فهذا يكون قد استغاث بالمخلوق فيما لا يقدر عليه المخلوق، فهل يكون شركًا أكبر؟! لا يكون منه؛ لأن الإغاثة من الغرق ونحوه يصلح -في الغالب- أن يكون المخلوق قادرًا عليها، فيكون الضابط الثاني هو الصحيح، وهو أن يقال: الاستغاثة بغير الله شرك أكبر إذا كان قد استغاث به فيما لا يقدر عليه إلا الله، أما إذا استغاث به فيما يقدر عليه غير الله من المخلوقين، لكن هذا المخلوق المعين لم يقدر على هذا الشيء المعين، فإنَّه لا يكون شركًا أكبر؛ لأنه ما اعتقد في المخلوق شيئًا لا

ص: 825

يصلح إلا لله جل جلاله"

(1)

.

ثانيًا: حرمة التوجه بالدعاء والسؤال للأموات في قبورهم؛ لأنَّهم لا يقدرون على قضاء الحاجات، وكشف الملمات، وتفريج الكربات، حتى ما كانوا يستطيعونه في الدنيا هم الآن عاجزون عنه شرعًا وعقلًا، وليس في مقدورهم، بل حتى رسولنا صلى الله عليه وسلم مع ما له من المكانة العظيمة العالية عند ربه سبحانه وتعالى، وأنه سيد ولد آدم، وصاحب المقام المحمود، وحامل لواء الحمد يوم القيامة، وما أعطاه الله عز وجل من العطايا الجزيلة في الدنيا والآخرة، وكونه حيًّا في قبره حياة برزخية هي أفضل من حياة الشهداء، فمع كل هذه الفضائل والمنن فلا يجو دعاؤه ولا سؤاله ما لا يقدر عليه إلا الله من أمور الدنيا والآخرة، وحتى ما كان يستطيعه في الدنيا فلا يطلب منه بعد موته.

يقول الإمام ابن تيمية: "وكذلك الأنبياء والصالحون وإن كانوا أحياء في قبورهم، وإن قُدِّرَ أنهم يدعون للأحياء، وإن وردت به آثار فليس لأحد أن يطلب منهم ذلك، ولم يفعل ذلك أحد من السلف؛ لأن ذلك ذريعة إلى الشرك بهم، وعبادتهم من دون الله تعالى، بخلاف الطلب من أحدهم في حياته فإنَّه لا يفضي إلى الشرك؛ ولأن ما تفعله الملائكة، ويفعله الأنبياء والصالحون بعد الموت هو بالأمر الكوني فلا يؤثر فيه سؤال السائلين، بخلاف سؤال أحدهم في حياته، فإنَّه يشرع إجابة السائل، وبعد الموت انقطع التكليف عنهم"

(2)

.

ويقول الإمام الشوكاني: "وكذلك من صار يطلب من الرسول صلى الله عليه وسلم ما لا يقدر على تحصيله إلا الله سبحانه؛ فإن هذا مقام رب العالمين الذي خلق الأنبياء، والصالحين، وجميع المخلوقين، ورزقهم،

(1)

التمهيد لشرح كتاب التوحيد (ص 179).

(2)

مجموع الفتاوى (1/ 330 - 331).

ص: 826

وأحياهم، ويميتهم، فكيف يطلب من نبي من الأنبياء، أو ملك من الملائكة، أو صالح من الصالحين ما هو عاجز عنه، غير قادر عليه، ويترك الطلب لرب الأرباب، القادر على كل شيء، الخالق، الرازق، المعطي، المانع، وحسبك بما في هذه الآية موعظة؛ فإن هذا سيد ولد آدم، وخاتم الرسل، يأمره الله بأن يقول لعباده: لا أملك لنفسي ضرًّا ولا نفعًا، فكيف يملكه لغيره، وكيف يملكه غيره ممن رتبته دون رتبته، ومنزلته لا تبلغ إلى منزلته لنفسه فضلًا عن أن يملكه لغيره"

(1)

.

فلا يوجد أي فرق بين سؤال الحي ما لا يستطيعه وبين التوجه بنفس السؤال للميت؛ وذلك لأن الميت انقطع عن الحياة فصار لا يستطيع فعل ما كان يفعله وهو حي يرزق من السعي والحركة؛ وعليه يكون سؤاله والطلب منه في هذه الحال من الشرك الأكبر.

يقول الشيخ عبد اللطيف آل الشيخ مبينًا ذلك: "فإن الأسباب العاديَّة التي يستطيعها الإنسان في حياته تنقطع بموته، كما دلَّ عليه الحديث

(2)

، وبذلك تصير ملحقة في الحكم والشرع بما لا يستطيعه في حياته؛ كهداية القلوب، وشفاء المريض، وإنبات النبات، وطلب الذرية؛ فلا فرق بين قول الرجل للمسيح بعد رفعه: أعطني كذا وكذا من القوت ونحوه، وقوله: اهدِ قلبي، اغفر ذنبي، وقد تقدَّم أن قول النصارى:(يا والدة المسيح اشفعي لنا عند الإله) شرك بإجماع المسلمين؛ ولو طلب منها في حياته أن تشفع بالدعاء والاستغفار، كما كان يفعله صلى الله عليه وسلم مع أصحابه لم يمنع من ذلك"

(3)

.

ويقول الشيخ ابن سحمان: "لا يجوز لأحد أن يعتقد أن الأحياء

(1)

انظر: فتح القدير (2/ 449 - 450)، (3/ 59).

(2)

المقصود حديث: "إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاثة".

(3)

مصباح الظلام (ص 390).

ص: 827

يقدرون على ما لا يقدر عليه إلا الله، فإن اعتقاد ذلك شرك، وإذا كان الأحياء لا يقدرون على شيء من ذلك، فالأموات بطريق الأولى، وإنما يجوز من الحي طلب الدعاء منه، والاستغفار، والتوسل بدعائه وشفاعته، إذ هو قادر على ذلك، وأما الميت فقد انقطع عمله، وهو لا يملك لنفسه ضرًّا ولا نفعًا، فضلًا لمن استغاث به، أو دعاه، أو سأله أن يشفع له، كما قال صلى الله عليه وسلم:"إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث"

(1)

، وهذا يدل على انقطاع الحس والحركة من الميت، وأن أعمالهم منقطعة عن زيادة ونقصان، فدل ذلك على أنه ليس للميت تصرف في ذاته، فضلًا عن غيره، فإنما عجز عن حركة نفسه، فكيف يتصرف في غيره؟.

وأما الأحياء القادرون على الأسباب الظاهرة العادية من الأمور الحسية، في قتال، أو إدراك عدو، أو دفع سبع صائل، وغيره، فهذا لا مانع منه، وهذا ليس في قدرة الأموات:{وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاءُ وَلَا الْأَمْوَاتُ} [فاطر: 22]، ومن سوَّى بينهما فقد جمع بين ما فرق الله بينه، وكفى بذلك عتوًّا وعنادًا"

(2)

.

ثالثًا: حرمة سؤال الهداية من غيره سبحانه وتعالى؛ أي: هداية التوفيق، أما هداية البيان فهي في مقدور البشر من الأنبياء وأهل العلم، فهم يهدون الناس بعلومهم ومعارفهم بما يبلغونهم من العلم والهدى، ومن الكتاب العظيم والسُّنَّة المطهرة، أما هداية القلوب بجعل الهدى والنور فيها، وإخراج الزيغ والضلال منها، فهذا لا يستطيعه إلا الله وحده.

وعليه فمن اعتقد في مخلوق القدرة على إيجاد الهداية في قلوب الخلق، أو سألها من غيره سبحانه معتقدًا قدرته على ذلك فقد وقع في الشرك الأكبر المخرج عن ملة الإسلام.

(1)

سيأتي تخريجه: انظر: (ص 856).

(2)

الضياء الشارق في رد شبهات الماذق المارق، لابن سحمان (ص 555 - 556).

ص: 828

ولا شك أن هداية البيان والإيضاح هي من أعظم الطرق والذرائع للوصول إلى هداية التوفيق والاستقامة على الهدى، والبعد عن الضلال، وعليه يمكن القول بأن الأنبياء والرسل وأهل العلم هم السبب الموصل إلى هداية التوفيق والإيمان، أما نفس خلق التوفيق والهدى في القلوب فلا يقدر عليه حتى الأنبياء والرسل فضلًا عن غيرهم من أهل العلم والصلاة.

يقول الإمام ابن تيمية: "وأما جعل الهدى في قلوب العباد فهو إلى الله تعالى لا إلى الرسول كما قال الله تعالى: {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} [القصص: 56]، وقال تعالى: {إِنْ تَحْرِصْ عَلَى هُدَاهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ يُضِلُّ} [النحل: 37] "

(1)

.

ويقول رحمه الله أيضًا: "وأما حصول الهدى في القلب فهذا لا يقدر عليه أحد باتفاق المسلمين؛ سنيهم وقدريهم؛ لأن أحدًا لا يستطيع أن يهدي القلوب، ويخلق الهدى فيها غير الله. أما أهل السُّنَّة فيقولون: إن الاهتداء الذي في القلب لا يقدر عليه إلا الله، ولكن العبد يقدر على أسبابه، وهو المطلوب منه"

(2)

.

رابعًا: سؤال أهل العلم رحمهم الله لا يدخل في السؤال المحرم الممنوع، بل قد يكون سؤالهم فرض واجب وحتم لازم لا محيص عنه، وقد أمر الله تبارك وتعالى به في قوله سبحانه:{فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (43)} [النحل: 43]، فسؤال العلماء فيما افترضه الله تعالى من الواجبات، وما نهى عنه من المحرمات من أوجب الأمور؛ لأن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، وبيان ذلك:

أن سؤال أهل العلم ليس فيه خضوع أو ذلة للمسؤول، بل فيه

(1)

مجموع الفتاوى (1/ 308).

(2)

تلخيص كتاب الاستغاثة (1/ 436)، وانظر: مجموع الفتاوى (1/ 329).

ص: 829

تعظيم أهل العلم التعظيم الجائز، والتبجيل الذي يستحقونه، ورفعًا لهم في مكانتهم التي أنزلهم الله إياها.

يقول الإمام المعلمي اليماني: "وقد يكون السؤال من القسم الأول ولكنه يصحبه تذلل ما فيما يظهر، وذلك كسؤال الناس أنبياءهم عن أمور دينهم، وكذلك سؤال العامة علماءهم عن أمور الدين، وكذلك سؤال المحتاج العاجز حاجته من الغني.

والحق أن السؤال من الأنبياء والعلماء إنما يصحبه الإكرام والاحترام الذي أمر الله عز وجل به، وأما سؤال المحتاج العاجز فإنما يصحبه التذلل لجهل الأغنياء بما عليهم من الحقوق"

(1)

.

ثم إن سؤال أهل العلم عن أمور الدين ليس هو مما يبغضونه ولا يحبونه، ثم إن سؤالهم العلم لا ينقص منهم شيئًا، بل هم في ازدياد مستمر، ورفعة دائمة في الدنيا والآخرة.

يقول الإمام ابن تيمية: "فأما سؤال ما يسوغ مثله من العلم فليس من هذا الباب؛ لأن المخبر لا ينقص الجواب من علمه، بل يزداد بالجواب، والسائل محتاج إلى ذلك، قال صلى الله عليه وسلم: "هَلَّا سَألوا إِذْ لَمْ يَعْلَمُوا فَإِنَّما شِفَاءُ الْعِيِّ السُّؤالُ"

(2)

، ولكن من المسائل ما ينهى عنه كما قال تعالى:{لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ} [المائدة: 101] الآية، وكنهيه عن أغلوطات

(1)

مخطوط العبادة، مصورة مكتبة الجامعة الإسلامية (لوحة/ 508).

(2)

أخرجه أبو داود في سننه (1/ 93)، برقم (337)، والدارمي في سننه، باب: المجروح تصيبه الجنابة (1/ 210)، برقم (752)، عن ابن عباس رضي الله عنهما وحسنه الشيخ الألباني. انظر: صحيح الجامع، (2/ 804)، برقم (4362)، وانظر: صحيح سنن أبي داود (2/ 161)، حديث رقم (365)، وللحديث شاهد آخر عن ابن عباس في قوله تعالى:{وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ} [النساء: 43]، ونص بعض أهل العلم كالبيهقي وصوبه الدارقطني: أنه موقوف. وتعقبه الشيخ الألباني بقوله: "ولكنه في حكم المرفوع لأنه في التفسير، ولا سيما من ترجمان القرآن ابن عباس رضي الله عنهما". [انظر: صحيح سنن أبي داود (2/ 164)].

ص: 830

المسائل ونحو ذلك"

(1)

.

ويقول الإمام ابن القيم: "وكذلك سؤال الناس هو عيب ونقص في الرجل، وذلة تنافي المروءة إلا في العلم، فإنه عين كماله ومروءته وعزه، كما قال بعض أهل العلم: خير خصال الرجل السؤال عن العلم. وقيل: إذا جلست إلى عالم فسل تفقهًا لا تعنتًا"

(2)

.

ويلحق بسؤال أهل العلم السؤال من السلطان الحاكم، فإن سؤاله شيئًا من أمور الدنيا جائز إذا كان للسائل حق في بيت مالك المسلمين، أما إذا لم يكن له حق لم يجز لما يترتب على سؤاله من الخضوع والتذلل له.

يقول الإمام ابن حزم: "وأما السلطان فليس يُسْأَل من ماله شيء، إنما بيده أموال المسلمين، فلا حرج على المسلم أن يسأله من أموال المسلمين الذين هو أحدهم"

(3)

.

ويقول الشيخ المعلمي في معرض تقسيمه لأحوال السؤال: "ومن القسم الأول ما أبيح من سؤال السلطان؛ فالمراد إباحة أن يسأله من كان له حق في بيت المال، فأما من لم يكن له حق أصلًا فسؤاله من السلطان كسؤاله من غيره"

(4)

.

خامسًا: طلب الإعانة والاستغاثة المقيدة جائزة من غير الله فيما يقدر عليه ذلك الغير، وأما الإعانة المطلقة والإغاثة المطلقة بمعنى خلق المعين والمغيث فهذا لا يقدر عليه إلا الرب سبحانه وتعالى، وإنما غاية المخلوق أن يكون سببًا في الإعانة والإغاثة.

يقول الإمام ابن تيمية: "فمن فهم معنى قوله: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (5)} [الفاتحة: 5]، عرف أنه لا يعين على العبادة الإعانة المطلقة

(1)

مجموع الفتاوى (1/ 78 - 79).

(2)

مفتاح دار السعادة (1/ 168).

(3)

المحلى، لابن حزم (9/ 159).

(4)

مخطوط "العبادة"، (لوحة/ 509).

ص: 831

إلا الله وحده، وأنه يستعان بالمخلوق فيما يقدر عليه، وكذلك الاستغاثة لا تكون إلا بالله، والتوكل لا يكون إلا عليه:{وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ} [آل عمران: 126]، فالنصر المطلق وهو خلق ما يغلب به العدو لا يقدر عليه إلا الله"

(1)

.

سادسًا: ومن فروع القاعدة أن من سأل الطبيب البرء من مرضه معتقدًا قدرته على ذلك كان واقعًا في الشرك بالله العظيم؛ لأنه سأله شيئًا لا يقدر عليه إلا الله، أما البرء والشفاء فهو من عند الله سبحانه وتعالى، ولكن الله قد شرع له أسبابًا، ومنها الطبيب المعالج، والدواء الناجع، فالأطباء أسباب، ويوصلون بقدرة الله إلى أسباب من وصف الأدوية المناسبة للداء، أما حقيقة خلق البرء، وإيجاد الشفاء فهو بيد الله تعالى.

يقول ابن حزم: "مسألة ولا تجوز مشارطة الطبيب على البرء أصلًا؛ لأنه بيد الله تعالى لا بيد أحد، وإنما الطبيب معالج، ومقو للطبيعة بما يقابل الداء، ولا يعرف كمية قوة الدواء من كمية قوة الداء، فالبرء لا يقدر عليه إلا الله تعالى

فإن أعطي شيئًا عند البرء بغير شرط فحلال؛ لأمر النبي صلى الله عليه وسلم بأخذ ما أعطي المرء من غير مسألة"

(2)

.

سابعًا: طلب الدعاء ممن يظن فيه الخير والصلاح جائز ولا دخل في سؤال المخلوق ما لا يقدر عليه إلا الله تعالى؛ لأنه لم يطلب منه سوى الدعاء وهذا شيء يستطيعه ويقدر عليه، وأما تحقيق مطلوب السائل واستجابة الدعاء فهذه إلى الله تعالى.

يقول الإمام ابن تيمية: "وَذَلِكَ أَنَّ الْمَخْلوقَ يَطْلُبُ مِنْ الْمَخْلُوقِ مَا يَقْدِرُ المَخْلُوقُ عَلَيْهِ، والْمَخْلُوقُ قَادِرٌ عَلَى دُعَاءِ اللهِ وَمَسْأَلَتِهِ، فَلِهَذَا كَانَ طَلَبُ الدُّعَاءِ جَائِزًا كَمَا يَطْلُبُ مِنْهُ الْإعَانَةَ بمَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ، وَالْأَفْعَالَ الَّتِي يَقْدِرُ عَلَيْهَا. فَأَمَّا مَا لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ إِلَّا اللهُ تَعَالَى فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُطْلَبَ إِلَّا

(1)

مجموع الفتاوى (1/ 375).

(2)

المحلى، لابن حزم (8/ 196).

ص: 832

مِنْ اللهِ سُبْحَانَهُ لَا يُطْلَبُ ذَلِكَ لَا مِنْ الْمَلَائِكَةِ وَلَا مِنْ الْأَنْبِيَاءِ وَلَا مِنْ غَيْرِهِمْ"

(1)

.

ويقول الشيخ عبد اللطيف آل الشيخ: "وهذا من جنس الأسباب العادية، فإن الرجل إذا كان معروفًا بالصلاح، وإجابة الدعاء، فطلب منه الدعاء، أو أمر به، فدعا الله واستجيب له، لا يكون هو الفاعل للاستجابة، وليس المطلوب منه ما يختص بالله من الفعل، وإنما يطلب منه ما يختص به من الدعاء والتضرع"

(2)

.

(1)

مجموع الفتاوى (1/ 329).

(2)

تحفة الطالب والجليس في كشف شبه داود بن جرجيس (ص 49).

ص: 833