المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ المسألة الثالثة * أدلة القاعدة - القواعد في توحيد العبادة - جـ ٢

[محمد بن عبد الله باجسير]

فهرس الكتاب

- ‌الفصل الخامسالقواعد المتعلقة بتحقيق توحيد العبادة وأدلته

- ‌المبحث الأولقاعدة تحقيق التوحيد يتضمن تحقيق أصله وكماله الواجب وكماله المستحب وبحسبها يتفاضل المؤمنون

- ‌ المسألة الأولى * معاني مفردات القاعدة

- ‌معنى التحقيق:

- ‌ المسألة الثانية * معنى القاعدة

- ‌ المسألة الثالثة * أدلة القاعدة

- ‌ المسألة الرابعة * أقوال أهل العلم في تقرير معنى القاعدة

- ‌ المسألة الخامسة * فوائد القاعدة وتطبيقاتها

- ‌المبحث الثانيقاعدة توحيد الربوبية هو أصل توحيد الإلهية ودليله الأكبر

- ‌ المسألة الأولى * شرح معاني مفردات القاعدة

- ‌ المسألة الثانية * بيان معنى القاعدة

- ‌ المسألة الثالثة * أدلة القاعدة

- ‌ المسألة الرابعة * أقوال أهل العلم في تقرير معنى القاعدة

- ‌ المسألة الخامسة * فوائد القاعدة وتطبيقاتها

- ‌الفصل السادسالقواعد المتعلقة برد البدع

- ‌المبحث الأولقاعدة العبادات توقيفية

- ‌ المسألة الأولى * شرح ألفاظ القاعدة

- ‌ المسألة الثانية * معنى القاعدة

- ‌ المسألة الثالثة * أدلة القاعدة

- ‌ المسألة الرابعة* أقوال أهل العلم في تقرير معنى القاعدة

- ‌ المسألة الخامسة* فوائد القاعدة وتطبيقاتها

- ‌المبحث الثانيقاعدة اعتبار ما صدر عن النبي صلى الله عليه وسلم عبادة موقوف على قصده التعبد

- ‌ المسألة الأولى* معنى القاعدة

- ‌ المسألة الثانية* أدلة القاعدة

- ‌ المسألة الثالثة * أقوال أهل العلم في تقرير معنى القاعدة

- ‌ المسألة الرابعة * فوائد القاعدة وتطبيقاتها

- ‌المبحث الثالثقاعدة الوسائل لها أحكام المقاصد

- ‌‌‌ المسألة الأولى * شرح ألفاظ القاعدة

- ‌ المسألة الأولى * شرح ألفاظ القاعدة

- ‌معنى الوسائل والمقاصد اصطلاحًا:

- ‌ المسألة الثانية * معنى القاعدة

- ‌ المسألة الثالثة * أدلة القاعدة

- ‌ المسألة الرابعة * أقوال أهل العلم في اعتماد معنى القاعدة

- ‌ المسألة الخامسة * فوائد القاعدة وتطبيقاتها

- ‌الباب الثانيالقواعد المتعلقة بما يضاد توحيد العبادة

- ‌الفصل الأولالقواعد المتعلقة بتعريف الشرك وحقيقته

- ‌المبحث الأولقاعدة التشبيه هو أصل عبادة الأوثان عند أكثر المشركين

- ‌ المسألة الأولى * شرح ألفاظ القاعدة

- ‌معنى التشبيه لغة واصطلاحًا:

- ‌ المسألة الثانية * معنى القاعدة

- ‌ المسألة الثالثة * أدلة القاعدة

- ‌ المسألة الرابعة * أقوال أهل العلم في تقرير معنى القاعدة

- ‌ المسألة الخامسة * فوائد القاعدة وتطبيقاتها

- ‌المبحث الثانيقاعدة الشرك هو التسوية بين الله وغيره في شيء من خصائصه وحقه

- ‌ المسألة الأولى * شرح ألفاظ القاعدة

- ‌أولًا: معنى الشرك لغة:

- ‌ثانيًا: معنى التسوية:

- ‌ المسألة الثانية * معنى القاعدة

- ‌ المسألة الثالثة * أدلة القاعدة

- ‌ المسألة الرابعة * أقوال أهل العلم في تقرير معنى القاعدة

- ‌ المسألة الخامسة * فوائد القاعدة وتطبيقاتها

- ‌المبحث الثالثقاعدة الخوف الشركي أن يخاف العبد من غير الله أن يصيبه مكروه بمشيئته وقدرته وإن لم يباشره

- ‌ المسألة الأولى * شرح ألفاظ القاعدة

- ‌معنى الخوف وأنواعه:

- ‌ المسألة الثانية * معنى القاعدة

- ‌ المسألة الثالثة * أدلة القاعدة

- ‌ المسألة الرابعة * أقوال أهل العلم في تقرير معنى القاعدة

- ‌ المسألة الخامسة * فوائد القاعدة وتطبيقاتها

- ‌المبحث الرابعقاعدة السؤال والطلب من غير الله فيما لا يقدر عليه إلا الله شرك

- ‌ المسألة الأولى * شرح ألفاظ القاعدة

- ‌بيان معنى السؤال والطلب:

- ‌ المسألة الثانية * معنى القاعدة

- ‌ المسألة الثالثة * أدلة القاعدة

- ‌ المسألة الرابعة * أقوال أهل العلم في تقرير معنى القاعدة

- ‌ المسألة الخامسة * فوائد القاعدة وتطبيقاتها

- ‌المبحث الخامسقاعدة الاعتقاد في الأسباب بذاتها شرك في الربوبية والألوهية

- ‌ المسألة الأولى * شرح ألفاظ القاعدة

- ‌معنى الأسباب:

- ‌ المسألة الثانية * معنى القاعدة

- ‌ المسألة الثالثة * أدلة القاعدة

- ‌ المسألة الرابعة * أقوال أهل العلم في تقرير معنى القاعدة

- ‌ المسألة الخامسة * فوائد القاعدة وتطبيقاتها

- ‌المبحث السادسقاعدة الشفاعة ملك لله تعالى وطلبها ورجاؤها من غير الله أو بغير إذن شرك

- ‌ المسألة الأولى * معنى الشفاعة لغة وشرعًا

- ‌ المسألة الثانية * بيان معنى القاعدة

- ‌ المسألة الثالثة * أدلة القاعدة

- ‌ المسألة الرابعة * أقوال أهل العلم في تقرير معنى القاعدة

- ‌ المسألة الخامسة * فوائد القاعدة وتطبيقاتها

- ‌المبحث السابعقاعدة كل ما ورد في القرآن من الأمر بالدعاء والنهي عن دعاء غير الله يتناول دعاء المسألة ودعاء العبادة

- ‌ المسألة الأولى* شرح ألفاظ القاعدة

- ‌بيان معنى الدعاء وأقسامه:

- ‌ المسألة الثانية * معنى القاعدة

- ‌ المسألة الثالثة * أدلة القاعدة

- ‌ المسألة الرابعة * أقوال أهل العلم في تقرير معنى القاعدة

- ‌ المسألة الخامسة * فوائد القاعدة وتطبيقاتها

- ‌الفصل الثانيالقواعد المتعلقة بقبح الشرك وأنواعه

- ‌المبحث الاولقاعدة الشرك هضم لعظمة الربوبية وتنقص لحق الإلهية وسوء ظن برب العالمين

- ‌ المسألة الأولى * شرح بعض ألفاظ القاعدة

- ‌معنى الهضم والتنقص:

- ‌معنى سوء الظن:

- ‌ المسألة الثانية * معنى القاعدة

- ‌ المسألة الثالثة * أدلة القاعدة

- ‌ المسألة الرابعة * أقوال أهل العلم في تقرير معنى القاعدة

- ‌ المسألة الخامسة * فوائد القاعدة وتطبيقاتها

- ‌المبحث الثانيقاعدة قبح الشرك مستقر في العقول والفطر والسمع نبه العقول وأرشدها إلى معرفة ما أودع فيها من قبح ذلك

- ‌ المسألة الأولى * معنى القاعدة

- ‌ المسألة الثانية * أدلة القاعدة

- ‌ المسألة الثالثة * أقوال أهل العلم في تقرير معنى القاعدة

- ‌ المسألة الرابعة * فوائد القاعدة وتطبيقاتها

- ‌المبحث الثالثقاعدة الشرك الأصغر كل وسيلة وذريعة يتطرق منها إلى الشرك الأكبر من الإرادات والأقوال والأفعال التي لم تبلغ رتبة العبادة

- ‌ المسألة الأولى * معنى القاعدة

- ‌ المسألة الثانية* أدلة القاعدة

- ‌ المسألة الثالثة* أقوال أهل العلم في تقرير معنى القاعدة

- ‌ المسألة الرابعة* فوائد القاعدة وتطبيقاتها

- ‌الفصل الثالثالقواعد المتعلقة بوسائل الشرك وأسبابه

- ‌المبحث الأولقاعدة سد الذرائع المفضية إلى الشرك من المقاصد الشرعية

- ‌ المسألة الأولى* شرح مفردات القاعدة

- ‌معنى سد الذرائع:

- ‌ المسألة الثانية * معنى القاعدة

- ‌ المسألة الثالثة* أدلة القاعدة

- ‌ المسألة الرابعة* أقوال أهل العلم في تقرير معنى القاعدة

- ‌ المسألة الخامسة* فوائد القاعدة وتطبيقاتها

- ‌المبحث الثانيقاعدة الحقائق لا تتغير بتغير المسميات

- ‌ المسألة الأولى* شرح ألفاظ القاعدة

- ‌ المسألة الثانية * معنى القاعدة

- ‌ المسألة الثالثة * أدلة القاعدة

- ‌ المسألة الرابعة * أقوال أهل العلم في تقرير معنى القاعدة

- ‌ المسألة الخامسة * فوائد القاعدة وتطبيقاتها

- ‌المبحث الثالثقاعدة تعظيم شعائر الله هو تعظيم لله وعبادة له، فهو تابع لتعظيم الله وإجلاله

- ‌ المسألة الأولى * شرح مفردات القاعدة

- ‌أولًا: معنى التعظيم:

- ‌ثانيًا: معنى شعائر الله:

- ‌ المسألة الثانية * بيان معنى القاعدة

- ‌ المسألة الثالثة * أدلة القاعدة

- ‌ المسألة الرابعة * أقوال أهل العلم في تقرير معنى القاعدة

- ‌ المسألة الخامسة * فوائد القاعدة وتطبيقاتها

- ‌الفصل الرابعالقواعد المتعلقة بإبطال الشرك وحقيقة المشركين

- ‌المبحث الأولقاعدة المشركون ما قصدوا من معبوداتهم إلا القربة والشفاعة ويقولون نريد من الله عز وجل لا منهم لكن بشفاعتهم والتقرب إلى الله بهم

- ‌ المسألة الأولى * بيان معنى القاعدة

- ‌ المسألة الثانية * أدلة القاعدة

- ‌ المسألة الثالثة * أقوال أهل العلم في تقرير معنى القاعدة

- ‌ المسألة الرابعة * فوائد القاعدة وتطبيقاتها

- ‌المبحث الثانيقاعدة الأصنام الجمادية لم تعبد لذاتها وإنما وضعت في الأصل لما كان غائبًا من معبودات المشركين

- ‌ المسألة الأولى* بيان معنى القاعدة

- ‌ المسألة الثانية* أدلة القاعدة

- ‌ المسألة الثالثة * أقوال أهل العلم في تقرير معنى القاعدة

- ‌ المسألة الرابعة* فوائد القاعدة وتطبيقاتها

- ‌المبحث الثالثقاعدة المشركون الأولون يشركون في الرخاء ويخلصون في الشدة ومشركو زماننا شركهم دائم في الشدة والرخاء

- ‌ المسألة الأولى * بيان معنى القاعدة

- ‌ المسألة الثانية * أدلة القاعدة

- ‌ المسألة الثالثة* أقوال أهل العلم في اعتماد معنى القاعدة

- ‌ المسألة الرابعة * فوائد القاعدة وتطبيقاتها

- ‌المبحث الرابعقاعدة دين الحنفاء ليس فيه واسطة بين الله وخلقه في الربوبية والألوهية، والرسل وسائط في التبليغ والدلالة

- ‌ المسألة الأولى* بيان معاني مفردات القاعدة

- ‌معنى الواسطة لغة واصطلاحًا:

- ‌ المسألة الثانية* معنى القاعدة

- ‌ المسألة الثالثة * أدلة القاعدة

- ‌الأول: الأدلة الدالة على الواسطة المثبتة الشرعية الإيمانية:

- ‌القسم الثاني: الأدلة الدالة على الواسطة المنفية غير الشرعية:

- ‌ المسألة الرابعة * أقوال العلماء في اعتماد القاعدة

- ‌ المسألة الخامسة* فوائد القاعدة وتطبيقاتها

- ‌الخاتمة

- ‌فهرس المصادر والمراجع

الفصل: ‌ المسألة الثالثة * أدلة القاعدة

معنى قوله تعالى: {قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ (22)} [سبأ: 22]: {وَمَا لَهُ} ؛ أي: الله تعالى: و {مِنْهُمْ} ؛ يعني: من تلك الآلهة، ما له من وزير ولا معاون؛ لأنه قد يتبادر إلى ذهن بعض الناس أن ثمة من يعين الله على تدبير الأمور، وتصريف الشؤون، كالملائكة، أو الأنبياء، فيظن أنه إذا توجّه إلى أولئك بالدعاء والطلب، كان قد توجه إلى من يعين الله، فيعتقد أنه إذا طلب من الله فإن الله لن يردّه؛ لأنه ممن يعين الله! وقد بنوا هذا الاعتقاد الفاسد على تشبيه الخالق

(1)

-تعالى- بما يحصل من المخلوقين بعضهم لبعض، فإن الملك في هذه الدنيا، أو الحاكم، أو الأمير إذا كان له من يعينه، ومن يظاهره، وشَفَعَ هذا المعين لأحد فإنه لا يردُّ شفاعته؛ لأنه يحتاجه، فلأجل هذه الحاجة لا يرد الأمير، أو الملك، شفاعة من كان له ظهيرًا، فلما ظنَّ هؤلاء المشركون أن بعض تلك الآلهة معاونة لله -جل وعلا- نفى الله هذا الاعتقاد الجاهلي"

(2)

.

*‌

‌ المسألة الثالثة * أدلة القاعدة

لقد دلَّ على صحة ما قررته القاعدة أدلة عديدة أذكر بعضًا منها فيما يلي:

(1)

وقد صرح أهل الباطل بهذا التشبيه في تجويزهم الوساطة الشركية، وعللوا جوازها بأن الناس جبلوا على معرفة "أن إكرام عبيد السلطان وأتباعه وتعظيمهم هو من أحسن وجوه التقرب إليه لقضاء حوائجهم عنده، وكلما كان ذلك العبد أو التابع أقرب له وأحب إليه كان إكرامه وتعظيمه والتوسل به إليه أقرب من نجاح الحاجة وحصول المقصود

". [انظر: شواهد الحق في الاستغاثة بسيد الخلق، ليوسف بن إسماعيل النبهاني (ص 87)، وانظر: الدعاء ومنزلته من العقيدة الإسلامية، للعروسي (2/ 838).

(2)

التمهيد لشرح كتاب التوحيد (218).

ص: 750

أولًا: النصوص التي نفى الله فيها أن يكون في خلقه مشابهًا أو مماثلًا له في ذاته، أو صفاته، أو أفعاله، بل ونهيه عن ذلك؛ مثل الكفؤ، والسمي، والشريك، والمثل، والند، وضرب الأمثال له؛ إذ تماثل الصفات والأفعال يستلزم تماثل الذوات، فإن الصفة تابعة للموصوف بها، والفعل أيضًا تابع للفاعل

(1)

، ومن تلك النصوص ما يلي:

1 -

قوله تعالى: {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ (4)} [الإخلاص: 4].

أي: ليس له شبيه ولا نظير ولا مساوي، وهي عامة لكل ما يدخل في مسمى الكفؤ

(2)

.

قال أبو العالية: "لم يكن له شبيه ولا عدل وليس كمثله شيء"

(3)

.

وقال الإمام السمعاني في معنى الآية: "أي: لم يكن أحد نظيرًا له ولا شبيهًا"

(4)

. فيمتنع ويستحيل أن يكون في الموجودات من هو مساوٍ له في شيء من صفات الكمال، والجلال، والعظمة، والكبرياء

(5)

.

2 -

ومنها قوله سبحانه: {رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا (65)} [مريم: 65].

يقول الإمام ابن تيمية: "وقال تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ}، {هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا (65)} {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ (4)} فبين بذلك أن الله لا مثل له، ولا سمي، ولا كفو، فلا يجوز أن يكون شيء من صفاته مماثلًا لشيء من صفات المخلوقات، ولا أن يكون المخلوق مكافئًا ولا مساميًا له في شيء من صفاته سبحانه وتعالى"

(6)

.

(1)

انظر: مجموع الفتاوى (5/ 325)، والعقيدة الأصفهانية لابن تيمية (ص 25).

(2)

انظر: مجموع الفتاوى (6/ 444).

(3)

انظر: تفسير الطبري (30/ 347).

(4)

تفسير السمعاني (6/ 304)، وانظر: تفسير ابن زمنين (5/ 172).

(5)

انظر: التفسير الكبير للرازي (23/ 169).

(6)

مجموع الفتاوى (6/ 516).

ص: 751

ويقول أيضًا: "وأصل دين الإسلام أن نعبد الله وحده ولا نجعل له من خلقه ندًا، ولا كفوًا، ولا سميًا"

(1)

.

ويقول ابن القيم في معنى الآية: "وذلك نفي عن المخلوق أن يكون مشابهًا للخالق، ومماثلًا له، بحيث يستحق العبادة والتعظيم، ولم يقل سبحانه: هل تعلمه سميًا أو مشبهًا لغيره؛ فإن هذا لم يقله أحد، بل المشركون المشبهون جعلوا بعض المخلوقات مشابهًا له، مساميًا وندًّا وعدلًا، فأنكر عليهم هذا التشبيه والتمثيل"

(2)

.

3 -

ومنها قوله جل وعلا: {فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (22)} [البقرة: 22]. وقال سبحانه: {قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ (9)} [فصلت: 9].

والند: الشبيه والنظير والمثيل، وكل شيء كان نظيرًا لشيء وشبيهًا فهو له ند

(3)

.

وقيل: حقيقة الله أنه المضاد لنده الجاري على مناقضته

(4)

.

وقال الأَخفشُ: "النِّدُ: الضِّدُّ والشِّبْهُ"

(5)

.

والأنداد في الآيات السابقة: هي الأوثان التي اتخذوها آلهة لتقربهم إلى الله زلفى، ورجوا من عندها النفع والضر، وقصدوها بالمسائل، ونذروا لها النذور، وقربوا لها القرابين

(6)

.

وعن ابن عباس رضي الله عنهما: " {فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا}: أندادًا قال أشباهًا"

(7)

.

(1)

المصدر نفسه (27/ 338).

(2)

إغاثة اللهفان (2/ 230).

(3)

انظر: تفسير الطبري (1/ 163).

(4)

انظر: الموافقات للشاطبي (3/ 398)، وفتح الباري (13/ 491).

(5)

تاج العروس (8/ 310).

(6)

انظر: التفسير الكبير (4/ 184).

(7)

تفسير الطبري (1/ 163)، والدر المنثور (1/ 87)، وانظر: تفسير السمعاني (4/ 335).

ص: 752

يقول الإمام ابن تيمية في قوله تعالى: {فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا} : "فليس لصفة الله ند ولا مثل، ولا يوجد شيء من صفاته في المخلوقين"

(1)

.

ويقول أيضًا: "فمن جعل لله ندًّا من خلقه فيما يستحقه عز وجل من الإلهية والربوبية فقد كفر بإجماع الأمة"

(2)

.

ويقول الشيخ السعدي: " {فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا}؛ أي: نظراء وأشباهًا من المخلوقين، فتعبدونهم كما تعبدون الله، وتحبونهم كما تحبونه، وهم مثلكم مخلوقون، مرزوقون، مدبرون، لا يملكون مثقال ذرة في السماء ولا في الأرض، ولا ينفعونكم ولا يضرون"

(3)

.

وقال الإمام السمعاني: "وقوله: {وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَادًا} [فصلت: 9]؛ أي: أشباهًا وأمثالًا وشركاءً"

(4)

.

وقال ابن أبي زمنين: " {وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَادًا}: أعدالًا تعدلونهم به فتعبدونهم دونه"

(5)

.

4 -

ومنها قوله تعالى: {فَلَا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثَالَ} [النحل: 74]، وقوله:{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (11)} [الشورى: 11].

{فَلَا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثَالَ} : "لا تجعلوا لله أشباهًا تشركونهم به"

(6)

.

يقول الإمام ابن تيمية: "والقرآن ملآن من توحيد الله تعالى، وأنه ليس كمثله شيء، فلا يمثل به شيء من المخلوقات في شيء من الأشياء؛ إذ ليس كمثله شيء، لا في ذاته، ولا في صفاته، ولا في

(1)

درء التعارض (2/ 42)، وانظر: شرح العقيدة الأصفهانية (ص 53).

(2)

مجموع الفتاوى (1/ 88).

(3)

تفسير السعدي (45)، وانظر: تفسير البغوي (1/ 55).

(4)

تفسير السمعاني (5/ 38)، وانظر: تفسير البحر المحيط (7/ 465).

(5)

تفسير ابن أبي زمنين (4/ 146).

(6)

انظر: تفسير الجلالين (ص 356).

ص: 753

أفعاله، ولا فيما يستحقه من العبادة، والمحبة، والتوكل، والطاعة، والدعاء، وسائر حقوقه"

(1)

.

فالآية الكريمة المتضمنة النهي عن ضرب الأمثال لله تعالى بالمخلوقين، فلا يشبه عز وجل بالمخلوق الذي يحتاج إلى الأعوان والحجاب، ولا يشبه المخلوق بالله تعالى في استحقاق العبادة والتأله

(2)

.

وفي قوله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} ، رد للتشبيه والتمثيل

(3)

.

يقول الإمام ابن القيم: "وكذلك قوله سبحانه: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (11)} إنما قصد به نفي أن يكون معه شريك، أو معبود يستحق العبادة والتعظيم، كما يفعله المشبهون والمشركون، ولم يقصد به نفي صفات كماله، وعُلُوَّه على خلقه، وتَكَلُّمَه بكتبه، وتَكْلِيمَه لرسله"

(4)

.

ويقول الشيخ صلاح الدين آيبك الصفدي

(5)

في قوله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} : "وشيء للعموم، وشيء يستغرق الإلهية، والصورة، والصفة، وكل ما سوى الله تعالى"

(6)

.

ويقول الشيخ السعدي: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} أي: ليس يشبهه

(1)

مجموع الفتاوى (27/ 366).

(2)

وانظر: المصدر نفسه (27/ 340 - 341).

(3)

انظر: المصدر نفسه (3/ 4).

(4)

إغاثة اللهفان (2/ 231).

(5)

هو: خليل بن أيبك بن عبد الله الصفدي، صلاح الدين: أديب، مؤرخ، كثير التصانيف الممتعة، ولد في صفد (بفلسطين) سنة 696 هـ، وإليها نسبته، وتعلم في دمشق فعانى صناعة الرسم فمهر بها، ثم ولع بالأدب وتراجم الأعيان، وتولى ديوان الإنشاء في صفد ومصر وحلب، ثم وكالة بيت المال في دمشق، فتوفي فيها سنة 764 هـ، وله زهاء مئتي مصنف، منها: الوافي بالوفيات، في التراجم، والشعور بالعور، في تراجم العور وأخبارهم، ونكت الهميان، وغيرها. [ترجمته في: الأعلام للزركلي (2/ 315)].

(6)

انظر: الوافي بالوفيات (3/ 79).

ص: 754

تعالى ولا يماثله شيء من مخلوقاته؛ لا في ذاته، ولا في أسمائه، ولا في صفاته، ولا في أفعاله؛ لأن أسماءه كلها حسنى، وصفاته صفات كمال وعظمة، وأفعاله تعالى أوجد بها المخلوقات العظيمة من غير مشارك، فليس كمثله شيء؛ لانفراده وتوحده بالكمال من كل وجه"

(1)

.

فكل ما سبق من النصوص، ومن أقوال أهل العلم يدل على أن شرك المشركين كان بسبب اتخاذ الشركاء والنظراء الذين شبهوهم بالله تعالى، فصرفوا لهم العبادة والتأله والمحبة والتذلل التي هي من خصائص الرب تبارك وتعالى، ولذا اشتملت جميع النصوص السابقة على النفي أو النهي عن هذا التشبيه الشركي.

يقول الإمام ابن القيم: في ذكر أسباب عبادة الأصنام وأن منها الغلو في المخلوق وإعطاؤه فوق منزلته: "حتى جعل فيه حظ من الإلهية، وشبهوه بالله سبحانه، وهذا هو التشبيه الواقع في الأمم الذي أبطله الله سبحانه وبعث رسله وأنزل كتبه بإنكاره والرد على أهله.

فهو سبحانه ينفي وينهى أن يجعل غيره مثلًا له، وندًّا له، وشبهًا له، لا أن يُشَبَّه هو بغيره؛ إذ ليس في الأمم المعروفة أمة جعلته سبحانه مثلًا لشيء من مخلوقاته، فجعلت المخلوق أصلًا وشبهت به الخالق، فهذا لا يعرف في طائفة من طوائف بني آدم، وإنما الأول هو المعروف في طوائف أهل الشرك؛ غلوا فيمن يعظمونه ويحبونه حتى شبهوه بالخالق، وأعطوه خصائص الإلهية، بل صرحوا أنه إله وأنكروا جعل الآلهة إلهًا واحدًا، وقالوا:{وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ} [ص: 6]، وصرحوا بأنه إله معبود، يرجى، ويخاف، ويعظم، ويسجد له، ويحلف باسمه، وتقرب له القرابين إلى غير ذلك من خصائص العبادة التي لا تنبغي إلا لله تعالى. فكل مشرك فهو مُشَبِّه لإلهه ومعبوده بالله سبحانه وإن لم يُشَبِّهْهُ

(1)

تفسير السعدي (ص 754).

ص: 755

به من كل وجه"

(1)

.

ثانيًا: النصوص الدالة على إبطال ما وقع فيه المشركون من العدل، والتسوية، والتمثيل، والقياس، والتشريك، والتشبيه

(2)

، بين الله تعالى ومعبوداتهم الباطلة، وتقرير توحده سبحانه بصفات الربوبية، وانفراده بخصائص الإلهية التي لا يشركه فيها أحد من الخلق، وهذا يدل على أن أصل شركهم بالله كان من تشبيههم معبوداتهم بالرب تعالى، ومن تلك النصوص ما يلي:

1 -

قوله عز وجل: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ} [البقرة: 165].

قال الزجاج

(3)

: "يحبون الأصنام كما يحبون الله؛ لأنهم أشركوها مع الله فسووا بين الله وبين أوثانهم في المحبة"

(4)

.

وجاء عن مجاهد: في معنى الآية: "مباهاة ومضاهاة للحق بالأنداد"

(5)

.

وقد أشار سبحانه في آيات كثيرة إلى أن الكفار ساووا بين المخلوق والخالق قبحهم الله تعالى

(6)

.

2 -

ومن ذلك قوله سبحانه: {قُلْ أَرُونِيَ الَّذِينَ أَلْحَقْتُمْ بِهِ شُرَكَاءَ

(1)

إغاثة اللفهان (2/ 226 - 227).

(2)

جميع هذه المواد من جنس واحد. انظر: مجموع الفتاوى، لابن تيمية (20/ 82).

(3)

هو: إبراهيم بن السري بن سهل أبو إسحاق النحوي الزجاج؛ بفتح الزاي والألف بين الجيمين الأولى مشددة، هذا الاسم لمن يعمل الزجاج، كان من أهل الفضل والدين، حسن الاعتقاد، جميل المذهب، وله مصنفات حسان في الأدب، من تصانيفه: معاني القرآن في التفسير، وخلق الإنسان، وتفسير جامع المنطق، وفعلت وأفعلت، توفي سنة 311 هـ. [ترجمته في: طبقات المفسرين (ص 52)، والأعلام للزركلي (1/ 40)].

(4)

تفسير البغوي (1/ 136).

(5)

انظر: تفسير الطبري (2/ 66).

(6)

انظر: أضواء البيان (1/ 469).

ص: 756

كَلَّا بَلْ هُوَ اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (27)} [سبأ: 27]، وهم قد ألحقوا وشْبهوا شركاءهم وأندادهم بالله تعالى، وقد بين سبحانه في هذه الآية أنه لا يعبد أحد لاستحقاقه العبادة غيره عز وجل؛ إذ هو المعبود لذاته، الذي ليس كمثله شيء

(1)

.

يقول الإمام ابن كثير: "أي: أروني هذه الآلهة التي جعلتموها لله أندادًا، وصيرتموها له عدلًا، (كَلَّا)؛ أي: ليس له نظير، ولا نديد، ولا شريك، ولا عديل"

(2)

.

والشركاء جمع شريك وهو النظير والمثيل والشبيه.

وقال الألوسي: "والمراد أرونيهم لأنظر بأي صفة الحقتموهم بالله عز وجل الذي ليس كمثله شيء في استحقاق العبادة، أو ألحقتموهم به سبحانه جاعليهم أو مسميهم شركاء"

(3)

.

فعبادتهم للشركاء تشبيه لشركائهم بالله تعالى في العبادة، وهذا ما يفيده لفظ الإلحاق

(4)

.

يقول الشيخ الشنقيطي: "أمر الله جلَّ وعلا نبيّه صلى الله عليه وسلم في هذه الآية الكريمة أن يقول لعبدة الأوثان: أروني أوثانكم التي ألحقتموها بالله شركاء له في عبادته كفرًا منكم وشركًا وافتراء. وقوله: {أَرُونِيَ الَّذِينَ أَلْحَقْتُمْ بِهِ شُرَكَاءَ} ، لأنَّهم إن أروه إيّاها تبيّن برؤيتها أنها جماد لا ينفع ولا يضرّ، واتّضح بُعْدها عن صفات الألوهية، فظهر لكل عاقل برؤيتها

(1)

انظر: تفسير الرازي (25/ 223)، وتفسير البيضاوي (4/ 401)، وتفسير ابن أبي زمنين (4/ 16).

(2)

تفسير ابن كثير (3/ 539).

(3)

روح المعاني (22/ 141).

(4)

فإنه بمعنى الإدراك والإتباع؛ يقال: ألحق به: أدركه، وألحق فلانًا به: أتبعه إياه، ويقال: ألحق القائف الولد بأبيه: أخبر بأنه ابنه لشبه بينهما يظهر له. [انظر: تاج العروس (26/ 352)، والمعجم الوسيط (2/ 818)، ومعجم الأفعال المتعدية بحرف (ص 325)].

ص: 757

بطلان عبادة ما لا ينفع ولا يضرّ"

(1)

.

3 -

ومن ذلك قوله سبحانه: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ (1)} [الأنعام: 1]، وقوله:{قُلْ هَلُمَّ شُهَدَاءَكُمُ الَّذِينَ يَشْهَدُونَ أَنَّ اللَّهَ حَرَّمَ هَذَا فَإِنْ شَهِدُوا فَلَا تَشْهَدْ مَعَهُمْ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَهُمْ بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ (150)} [الأنعام: 150]، وقوله عز وجل مستفهمًا ومقررًا المشركين بعد اعترافهم بربوبيته سبحانه:{أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ (60)} [النمل: 60].

يقال: عدلت الشيء بالشيء أعدله عدولًا إذا ساويته به؛ والمعنى: يعدلون بالله غير الله، وقال مجاهد: معناه؛ ثم الذين كفروا بربهم يشركون، والمعنيان متقاربان؛ لأن من ساوى غير الله بالله فقد أشرك

(2)

.

فالمعنى أنه سبحانه خلق ما لا يقدر عليه سواه، ثم هم يعدلون به ما لا يقدر على شيء

(3)

.

يقول أبو حيان في شأن العادلين بالله تعالى غيره: "وهم عبدة الأوثان، والجاعلون لربهم عديلًا؛ وهو المثل، عدلوا به الأصنام في العبادة والإلهية"

(4)

.

ويقول الإمام الطبري: {وَهُمْ بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ (150)} [الأنعام: 150]، يقول: وهم مع تكذيبهم بالبعث بعد الممات، وجحودهم قيام الساعة،

(1)

أضواء البيان (6/ 269).

(2)

انظر: تفسير السمعاني (2/ 86)، ومعاني القرآن (2/ 398)، وقال النحاس بعد ذكره لقول الكسائي:"وهذا القول يرجع إلى قول مجاهد؛ لأنهم إذا عبدوا مع الله غيره فقد ساووه به وأشركوا". [معاني القرآن (2/ 3908)، و (2/ 515)، وتفسير الثعلبي (4/ 133)].

(3)

شرح شذور الذهب، لابن هشام (185).

(4)

تفسير البحر المحيط (4/ 249).

ص: 758

بالله يعدلون الأوثان والأصنام، فيجعلونها له عدلًا، ويتخذونها له ندًا، يعبدونها من دونه"

(1)

.

والمقصود أنهم يجعلون له عدلًا في العبادة، والمحبة، والتعظيم، فهذه هي التسوية التي أثبتها المشركون بين الله وآلهتهم، وعرفوا وهم في النار أنها كانت ضلالًا وباطلًا، فيقولون لآلهتهم وهم في النار معهم:{تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (97) إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ (98)} [الشعراء: 97، 98]، ومعلوم أنهم ما سووهم به في الذات، والصفات، والأفعال، ولا قالوا: إن آلهتهم خلقت السموات والأرض، وأنها تحيي وتميت، وإنما سووها به في محبتهم لها، وتعظيمهم لها، وعبادتهم إياها، كما ترى عليه أهل الإشراك ممن ينتسب إلى الإسلام

(2)

.

وقال الشيخ يحيى العمراني: "وقد أخبر الله بضلال من سوى بين الله وبين خلقه بشيء، فقال تعالى إخبارًا عن أهل النار: {تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (97) إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ (98)}، ومن سمى غير الله خالقًا لشيء من الأشياء فقد سوى غير الله بالله"

(3)

.

ثالثًا: النصوص الدالة على أن شرك المشركين كان باتخاذهم وسائط وشفعاء وشركاء وأندادًا تقربهم إلى الله عز وجل، وفي ذلك تشبيه لله تعالى بملوك الدنيا في كونهم لا يتوصلون إليهم إلا بالوسائط، فجعلوا الله تعالى لا يمكن الوصول إليه إلا بتوسط آلهتهم، وشفاعة أوثانهم، ومن تلك النصوص ما يلي:

1 -

قوله تعالى: {أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ

(1)

تفسير الطبري (8/ 81).

(2)

انظر: إغاثة اللهفان (1/ 61)، و (2/ 229)، ومدارج السالكين (1/ 341)، ومفتاح دار السعادة (2/ 120).

(3)

الانتصار في الرد على المعتزلة القدرية الأشرار (1/ 231).

ص: 759

أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ (3)} [الزمر: 3].

فبين حالهم في كونهم إنما عبدوا الأصنام لأجل أن تقربهم من الله زلفى، والزلفى القرابة

(1)

.

يقول الإمام ابن تيمية: "وإن أثبتم وسائط بين الله وبين خلقه؛ كالحجاب الذين بين الملك ورعيته بحيث يكونون هم يرفعون إلى الله حوائج خلقه، فالله إنما يهدى عباده ويرزقهم بتوسطهم، فالخلق يسألونهم وهم يسألون الله، كما أن الوسائط عند الملوك يسألون الملوك الحوائج للناس لقربهم منهم، والناس يسألونهم أدبًا منهم أن يباشروا سؤال الملك، أو لأن طلبهم من الوسائط أنفع لهم من طلبهم من الملك؛ لكونهم أقرب إلى الملك من الطالب للحوائج، فمن أثبتهم وسائط على هذا الوجه فهو كافر مشرك يجب أن يستتاب، فإن تاب وإلا قتل، وهؤلاء مشبهون لله شبهوا المخلوق بالخالق، وجعلوا لله أندادًا"

(2)

.

فهم بذلك واقعون في التشبيهين؛ تشبيه الخالق سبحانه بملوك الدنيا، وتشبيه المخلوق بالخالق في صرف العبادة له.

يقول الشيخ السعدي في معنى الآية: "أي: لترفع حوائجنا لله، وتشفع لنا عنده، وإلا فنحن نعلم أنها لا تخلق، ولا ترزق، ولا تملك من الأمر شيئًا؛ أي: فهؤلاء قد تركوا ما أمر الله به من الإخلاص، وتجرؤوا على أعظم المحرمات وهو الشرك، وقاسوا الذي ليس كمثله شيء الملك العظيم بالملوك، وزعموا بعقولهم الفاسدة ورأيهم السقيم أن الملوك كما أنه لا يوصل إليهم إلا بوجهاء، وشفعاء، ووزراء، يرفعون إليهم حوائج رعاياهم، ويستعطفونهم عليهم، ويمهدون لهم الأمر في ذلك أن الله تعالى كذلك، وهذا القياس من أفسد الأقيسة، وهو يتضمن

(1)

انظر: أضواء البيان (6/ 352).

(2)

مجموع الفتاوى (1/ 126).

ص: 760