الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الطريق التاسع: حكم القاضي:
46 -
يوجد في كتب الحنفي عَدُّ حكم القاضي من طرق ثبوت النسب، نظرًا إلى أن حكم القاضي لا يخلو عن مستَنَدٍ يرجع إلى أحد الطرق السبعة المتقدمة. وإنما عددناه طريقًا مع أنه لا يخلو عن الاستناد إلى طريق من الطرق المتقدمة، نظرًا إلى أن الحكم قد لا يُذكر فيه مُستَنَدُ الحاكم. والأكثر على أن ذلك لا يقدح في حكمه، كما ذكره فقهاء المالكي، وأصلُه قول سحنون: يُقبلُ قولُ القاضي فيما اشتمل عليه مجلس حكمه. ولأن مستنده قد يكون مختلفًا في اعتباره مستندًا، فإذا حكم بمقتضاه ارتفع الخلافُ فيه، وكان الحكم طريقَ الثبوت. فلو لم نعدَّ الحكم من طرق الثبوت، لكان الكلام غير واف بصور ثبوت النسب.
وفي الفقه المالكي يكثر التنبيهُ في نوازل النسب على أن حكم القاضي بالإرث لمدعي النسب في الأحوال المختلف فيها يمضي. فإذا وقع الاستظهارُ بحكم قاضٍ بثبوت نسب أحدٍ غيرِ مذكورٍ فيه مُستَنَدُ الحاكم لم يسع القاضي - المُستظهَر لديه بذلك الحكم - إلا أن يقول: ثبت ذلك بحكم القاضي فلان. وفي "معين المفتي على جواب المستفتي" لمحمد بن عبد الله المعروف بكور مفتي (المتوفَّى سنة 1030 هـ) مفتي أسكوب في كتاب الشهادة: "لو قام المدعي بأنه وارث فلان، وأقام شاهدين قالا إن قاضي بلد كذا قضى بأن فلانًا وارثُ فلان لا وارث له سواه، وأشهَدَنا على قضائه ولا ندري بأيِّ سبب قضى بورثته، قُضي له بالميراث؛ لأن قضاء القاضي يُحمل على الصحة ما أمكن، ولا ينقض بالشك كما في الخانية". (1) وفي المالكي: لا يُخِل بحكم القاضي عدم ذكر مستند الحكم. (2)
(1) معين المفتي الورقة الرابعة من كتاب الشهادة مخطوط.
(2)
عدم ذكر مستند القاضي في حكمه يُنْتَزَع من مسألة قبول قول القاضي: "أقر فلان لدي بكذا"، أو "حكمت على فلان بكذا"، مع إنكار الخصم ما قاله القاضي. قال جمع من الفقهاء، يقبل قول القاضي قبل عزله لا بعده. (عبد الباقي والبناني، ص 128 جزء 7). وتردد كلام صاحب =
47 -
حكم القاضي بثبوت نسب ينفذ على المحكوم عليه وعلى غيره ممن لم يدخل في الخصومة؛ لأن الحكم على الحاضر حكمٌ على الغائب في النسب وفي مسائل أخرى، استُقْرئ منها تسعٌ وعشرون. (1)
وفي المالكي حكم القاضي بثبوت النسب لا تعجيزَ فيه على المحكوم عليه، فللمحكوم عليه أن يطلب إعادةَ الخصومة في تلك الدعوة، إذا جاء بما ينفعه مما لم يكن أدلَى به من قبل. ولذلك عدوا ستةً (2) لا تعجيزَ فيها، منها النسب. (3)
فالحكم بثبوت النسب على المنازِع فيه لا يفيد إلا قطعَ الاحتجاج بما دُحض من الحجج المعروضة، وإلّا انتفاعَ المحكوم له باستمرار حوزه للنسب. وقد عنون الفقهاء عن ذلك الحكم في النسب ونحوه بعنوان عدم التعجيز؛ لأنهم أجرَوْا كلامَهم فيه بمناسبة ذكر التعجيز. (4) ولا ينسحب الحكم إلا على الخصمين ومَنْ جاء من قِبلهما. (5)
= التوضيح. والذي انفصل عليه العبدوسي (البناني، ص 128 جزء 7 سطر 25) أن قول القاضي مقبولٌ قبل عزله وبعده؛ لأنه إخبار لا شهادة. فإن كان شهادة قُبِل قَبْل العزل ولم يقبل بعده، وذلك من قول سحنون بقبول قول القاضي فيما يجري بين يديه في مجلس قضائه، ودرج عليه ابن الحاجب. وحكى ابن عاصم في "التحفة" أن العمل على قول سحنون، وتعقبه شارحه بما لا ينهض (التاودي، ص 47 جزء 1). وكلمات فقهاء المالكي في ذلك يبدو فيها تعارض، وصرحوا بأن ابن الماجشون وسحنون قالا بإعمال قول القاضي، وأن مالكًا منع من ذلك. (الرهوني على شرح عبد الباقي على خليل، طبع بولاق، ص 339 جزء 7).
(1)
الدر المختار ورد المحتار، ص 522 جزء 4.
(2)
الستة هي دعوى الحبسية، والطلاق، والدم، والعتق، والنسب، والطريق العامة.
(3)
عبد الباقي والبناني، ص 141 - 142 جزء 4.
(4)
شرح التاودي على التحفة، ص 91؛ وشرح التسولي على لامية الزقاق، ص 34.
(5)
شرح عبد الباقي على مختصر خليل، ص 149 جزء 7؛ والتبصرة لابن فرحون، ص 114 - 115 جزء 1.