الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
جواز تصريف رقاع الديون مع التعجيل بإسقاط
(1)
السؤال:
ما هو حكم تصريف الرقاع الدَّينية كالكمبيالات بالبنوك بمعجل وإسقاط بعض الحق مع الضرورة وعدمها؟ (2)
الجواب:
فالجواب عن تصريف أوراق الديون أن الأوراق تارة يصرفها التاجر أو المالي المعروف لدى البانكة الموثوق لديها بذمته، بمعنى أن يعمر ذمته بدين لتلك البانكة، ويمضي بخطه في ورقة "كمبيال" ويسلمه لتلك البانكة، فتدفع له المال الذي بالورقة مع إسقاط. وهذه معاملة ربوية، لأنه يسلم من يده دينًا بمائة - مثلًا - لمدة أشهر، ويقبض الآن ثمانية وتسعين مثلًا.
وتارة تكون الورقة حجة دين لأحد على غيره، فيريد رب الدَّين رهن ما بالورقة لدى البانكة فتأخذها منه وتسلم له مقدارَ ما بها مع إسقاط، وهو أكثرُ تصريف أهل التجارة. وهذا من رهن الدين مع توكيل المرتهن على استخلاصه، وليس هو من بيع الدين، لأن بيعَ الدين لا رجوع به على البائع عند مطل المدين المشتري، أو حدوث إفلاسه بعد البيع.
(1) جريدة الوزير، العدد 26، 6 صفر 1339/ 1920. نقلًا عن التوزري العباسي: الفتاوى التونسية، ج 2، ص 1005 - 1007.
(2)
نشر هذا السؤال - كما أفاد الدكتور محمد السويسي - في جريدة العصر الجديد، العدد 6، 23 شوال 1338/ 1920 (ص 3).
وأما تصريف أوراق الديون لدى البنوك، فالمرجع فيه على المصرف لها عند تعطيل الدفع، وليس هو من الحوالة كما قد يُتوهم؛ إذ الحوالة إنما تكون على أصل دين سابق ولا دين سابق هنا، ولأن الحوالة لا رجوع فيها على المحيل، وهذا فيه الرجوع كما علمت. والذي يصح رهنه لا يجوز بيعه؛ إذا الرهن بذل من له البيع ما يباع، وفي مختصر ابن الحاجب:"ويجوز رهن الدين من المديان وغيره". (1)
وحيث كان رهنًا، فإن قبض الراهن من المرتهن نقدًا أو عروضًا فظاهر، ما لو لم تكن هناك زيادة فيما يأخذه ربُّ الدين على ما يدفعه، وهو سلف جر نفعًا، وهو حرام.
وإن قبض الراهن أوراق بنوك، فهو رهن الدين مع كون عوض الرهن دينًا ولم يمنعوه، وإنما الممنوع ما فيه الزيادة، ولا يأتي فيه ما قيل في بيع الدين بالدين لانتفاء العلة التي تقدمت عن المازري. (2) غير أن هنالك اعتبار الزيادة في قيمة أحد الدينين على الآخر عند وقوع الاستخلاص، وهي من باب السلف الجار نفعًا. هذا والجمع بين الرهن وبين توكيل المرتهن على استخلاصه واستيفاء دينه منه صحيح، لنصِّهم على جواز توكيل الراهن للمرتهن على بيع المرهون عند حلول أجل الدين، (3) إذا سلم ذلك مما يجعله وكالةَ اضطرار، (4) كما هنا؛ لأن
(1) ابن الحاجب: جامع الأمهات، ص 234.
(2)
وهذه العلة هي الزيادة لأجل التأخير كسلف جر نفعًا، وفي ذلك قال المازري:"فإذا حل أجل الدين وهو في المثل عين، فإنه إذا أخره بزيادة فيه فهذا يحرم؛ لأن التأخير للدين بعد استحقاق قبضه كسلفه لمن هو عليه. والزيادة في مقدارٍ عوض التأخير هي زيادة عوض السلف، وقد علم تحريم سلف جر نفعًا". شرح التلقين، ج 4، ص 372 - 373.
(3)
هذا ما ذهب إليه ابن القصار عن مالك وكذلك أبو حنيفة. وللعلماء في هذه المسألة مذاهب وتفصيلات وشروط ليس هذا مجال ذكرها، فانظرها في: المازري: شرح التلقين، ج 8، ص 463 - 482.
(4)
وكالة الاضطرار على بيع الرهن هي التنصيصُ في العقد على توكيل الراهنِ المرتهنَ على بيع الرهن قبل الأجل، وبعده من باب أولَى. فإذا وقع هذا البيع، فإنه لا يجوز ابتداءً حسبما نص عليه =
الناس يفعلون ذلك مختارين، وهذا أخفُّ عليهم من تولي الاستخلاص بأنفسهم، وليس ذلك بالجائي لهم من رب الدين. والفرق بينه وبين وكالة الاضطرار على بيع المرهون ظاهرٌ لمن تأمله، فلا نطيل به.
= الحطَّابُ نقلًا عن ابن غازي أنه مذهب المدونة والعتبية؛ لأنها وكالةُ اضطرار لحاجة الراهن إلى ابتياع ما اشترى، أو استقراض ما استقرض. وأما لو أطاع الراهنُ المرتهنَ بعد العقد بأن يرهنه رهنًا ويوكله على بيعه عند أجل الدين، فجائز باتفاق. الحطاب: مواهب الجليل، ج 7، ص 570 - 571. وانظر مزيدًا من التفصيل للآراء في المسألة في: المالكي: التوضيح، "كتاب الرهن"، ج 6، ص 133 - 136.