الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الترمذي عن جابر بن سمرة رضي الله عنه أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم متكئًا على وسادة سوداء. (1)
وعددُ جُلساء رسول الله صلى الله عليه وسلم لا ينضبط، بل كان يختلف باختلاف الأيام وأوقات النهار، فربما اشتمل المجلسُ على أربعين رجلًا كما ورد في الصحيح من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال:"أرسلني أبو طلحة الأنصاري رضي الله عنه أدعو له رسول الله صلى الله عليه وسلم خامس خمسة لطعام صنعه لرسول الله صلى الله عليه وسلم فوجدتُ النبِيَّ صلى الله عليه وسلم في المسجد معه ناس فقمت، فقال: "أأرسلك أبو طلحة؟ "، قلت: نعم، قال: "لطعام؟ "، قلت: نعم، فقال لِمَنْ معه: "قوموا"، وكانوا نحو الأربعين". (2)
وربما كان مجلسه يشتمل على عشرة، ففي الصحيح عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال:"بينا نحن عند النبي صلى الله عليه وسلم جلوس إذ أتي بجُمَّار نخلة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن من الشجر لمَا بركته كبركة المسلم"، فظننت أنه يعني النخلة، فأردت أن أقول: هي النخلة يا رسول الله، ثم التفتُّ فإذا أنا عاشر عشرة أنا أحدثُهم فسكتُّ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "هي النخلة"". (3)
ما كان يجري في مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم
-:
نبعت ينابيعُ الهدى والحكمة والتشريع من مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن منبره. ولقد كان أكثرُ ما رواه أصحابُه عنه مما سمعوه منه في مجلسه، لذلك يكثر أن تجد في الأحاديث المروية عن الصحابة أن يقول الصحابي: "بينما نحن جلوسٌ عند رسول الله
= ثم قال لي: "يا عمر! أتدري من السائل؟ " قلت: الله ورسوله أعلم. قال: "فإنه جبريل أتاكم يعلمكم دينكم"". صحيح مسلم، "كتاب الإيمان"، الحديث 8، ص 27.
(1)
لفظة "سوداء" غير موجودة في رواية الترمذي للحديث.
(2)
ساق المصنف الحديث بتصرف في كلام الراوي. صحيح البخاري، "كتاب الأيمان والنذور"، الحديث 6688، ص 1154 - 1155؛ "كتاب الأطعمة"، الحديث 5381، ص 961 (وفيه: والقوم ثمانون رجلا)، والحديث 5450، ص 971 (وفيه: ثم قال: أدخل علي عشرة، حتى عد أربعين).
(3)
صحيح البخاري، "كتاب الأطعمة"، الحديث 5444، ص 971.
- صلى الله عليه وسلم". وكان يقع التحاكمُ عند رسول الله صلى الله عليه وسلم في مجلسه، وقد حكم فيه بين المسلمين كثيرًا، وبين اليهود في قصة الرجم؛ إذ جاءه اليهود برجل وامرأة زنيا فأمر بهما، فرُجِمَا في موضع الجنائز من المسجد. وكانت تفد عليه الوفودُ وهو في مجلسه، ويأتيه سفراءُ المشركين من أهل مكة، ويَعْتَوِرُه العُفاة وأصحابُ الحاجات.
في "الشفاء" أن أعرابيًّا جاء يطلب من النبي صلى الله عليه وسلم شيئًا، فأعطاه ثم قال له: أأحسنتُ إليك؟ قال الأعرابب: لا، ولا أجملت، فغضب المسلمون وقاموا إليه، فأشار إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أَنْ كُفُّوا، ثم قام ودخل منزلَه وأرسل إليه وزاده، فقال له: أَأحسنت إليك؟ قال: نعم". (1)
(1) ونص الحديث بتمامه: "جاء أعرابِيٌّ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يومًا يطلب منه شيئًا، فأعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال: "أحسنت إليك؟ "، قال الأعرابي: لا، ولا أجملت. قال: فغضب المسلمون وقاموا إليه، فأشار إليهم أن كفوا، ثم قام ودخل منزله وأرسل إليه وزاده شيئًا، ثم قال: "أحسنت إليك؟ "، قال: نعم، فجزاك الله من أهلٍ وعشيرةٍ خيرًا. فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "إنك قلتَ ما قلت، وفي نفس أصحابي شيء من ذلك، فإن أحببت فقُلْ بين أيديهم ما قلت بين يديَّ حتى يذهب من صدورهم ما فيها عليك"، قال: نعم. فلما كان الغدُ - أو العشيُّ - جاء فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن هذا الأعرابي قال ما قال فزدناه، فزعم أنه رضي، أكذلك؟ "، فقال الأعرابي: نعم، فجزاك الله من أهل وعشيرة خيرا. فقال صلى الله عليه وسلم: "إن مثلي ومثل هذا الأعرابي كمثل رجل كانت له ناقةٌ شردت عليه، فاتبعها الناسُ فلم يزيدوها إلا نفورًا، فناداهم صاحبُ الناقة: خلوا بيني وبين ناقتي، فإنِّي أرفق وأعلم، فتوجه لها صاحبُ الناقة بين يديها فأخذ لها من قمام الأرض فردها هونا، حتى جاءت واستناخت، وشد عليها رحلها واستوى عليها. وإني لو تركتكم حيث قال الرجل ما قال فقتلتموه، دخل النار"". اليحصبي: الشفا، ص 73 - 74. قال العراقي في تخريج أحاديث الإحياء:"بطوله أخرجه البزار وأبو الشيخ من حديث أبي هريرة بسند ضعيف". الغزالي: إحياء علوم الدين، ج 2، ص 509 (الحاشية رقم 1). انظر: البحر الزخار المعروف بمسند البزار 15/ 294، الحديث (8799). وقد أخرجه أيضًا أبو الشيخ. الأصبهاني، أبو محمد عبد الله بن محمد بن جعفر بن حيان أبو الشيخ: كتاب أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم وآدابه، نشرة بعناية السيد الجميلي (بيروت: دار الكتاب العربي، ط 1، 1405/ 1985)، ص 71 - 72.
ثم هو أيضًا مجلسُ أدب، يُنشد فيه الشعر، وتُضرب فيه الأمثال. ولقد أنشد كعب بن زهير قصيدته المشهورة، (1) فلما بلغ إلى وصف راحلته فقال:
قَنْوَاءُ فِي حُرَّتَيْهَا لِلْبَصِيرِ بِهَا
…
عِتْقٌ مُبِينٌ وَفِي الْخَدَّيْنِ تَسْهِيلُ (2)
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه: "ما حرتاها؟ فقال بعضُهم: عيناها، وسكت بعضهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هما أُذُناها". (3) ولمَّا بلغ كعبٌ قولَه في مدح المهاجرين:
لَا يَقَعُ الطَّعْنُ إِلَّا فِي نُحُورِهِمُ
…
مَا إِنْ لَهُمْ عَنْ حِيَاضِ المَوْتِ تَهْلِيلُ (4)
(1) شرح ديوان كعب بن زهير، صنعة أبي سعيد بن الحسن بن الحسين بن عبيد الله السكري، تحقيق عباس عبد القادر (القاهرة: مطبعة دار الكتب والوثائق القومية، ط 3، 1423/ 2002)، ص 13. وانظر القصيدة بكاملها في ابن هشام: السيرة النبوية، ج 2/ 4، ص 115 - 123.
(2)
المصدر نفسه، ص 119.
(3)
قال السيوطي عند شرح هذا البيت: "وقد روي أن النبي صلى الله عليه وسلم لما سمع هذا البيت قال للصحابة رضي الله عنهم: ما حُرَّتيها؟ قال بعضهم: عيناها، ثم سكت الباقي، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: هما أذناها". السيوطي، جلال الدين: كنه المراد في بيان بانت سعاد، تحقيق مصطفى عليان (بيروت: الشركة المتحدة للتوزيع، 1426/ 2005)، ص 303. وقد علق الأستاذ عليان على هذا الحكاية بما يأتي:"أسند التبريزي هذا الرواية إلى السكري بقوله: روى السكري أن النبي صلى الله عليه وسلم. . . غير أن السكري لم يذكر هذا الرواية في شرحه (انظر ص 13)، وأسند ابن هشام الأنصاري الحديثَ إلى العسكري (انظر ص 153). وفي شرح أبي بكر بن الأنباري استشهد بالحديث بقوله: جاء في الحديث عن رسول الله أنه لما سمع هذا البيت قال لأصحابه. . . الحديث (ص 104). قال عبد القادر البغدادي: لم أقف على تخريج الحديث، ولا على إسناده، ولا على صحابيه". انتهى ما قرره عليان، وهو كما قال هو والبغدادي، فقد راجعت شرح ديوان كعب بن زهير لأبي سعيد السكري (طبعة دار الكتب بمصر سنة 1369/ 1950) فلم أجد فيه لهذه الرواية ذكرًا، كما لم أجدها في كتب الحديث والسيرة والأخبار التي أمكنني الرجوع إليها. والله أعلم. ذكر ذلك ابن هشام رواية عن العسكري. ابن هشام، جمال الدين: شرح قصيدة بانت سعاد وبهامشه حاشية الباجوري (مصر المحروسة: المكتبة الميمنية لصاحبها عيسى البابي الحلبي، 1307)، ص 57.
(4)
شرح ديوان كعب بن زهير، ص 25. وانظر ابن هشام: السيرة النبوية، ج 2/ 4، ص 123.
نظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى من حوله من قريش نَظَرَ مَنْ يومئ إليهم أنِ اسمعوا هذا المدح. (1)
وروى الترمذي عن جابر بن سَمُرة رضي الله عنه قال: "جالستُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم أكثر من مائة مرة، وكان أصحابُه يتناشدون الشعر، ويتذاكرون من أمر الجاهلية، وهو ساكت، وربها تبسَّم معهم". (2)
وقد ورد في الأثر أن أصحابَ رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخلوا عليه كانوا "لا يفترقون إلا عن ذَواق، ويخرجون أدلة". (3) وللعلماء اختلافٌ في تأويله، فحمله بعضُهم على ظاهره، أي: لا يفترقون إلا بعد أن يطعموا طعامًا قليلًا، ولذلك عبر عنه بذَواق، وهو بفتح الذال: الشيء المَذُوق من تمر أو نحوه أو ماء. وقد ورد في حديث عبد الله بن عمر عنهما أنه قال: بينما نحن جلوس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ أتي بِجُمَّار نخلة. . . إلخ، (4) أي أُتِي به ليؤكل في مجلسه، ولذلك ترجم البخاري هذا الحديث:"باب أكل الجمار".
وفي حديث الموطأ عن أبي هريرة رضي الله عنه: "جاء رجلٌ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر أنه وقع على أهله في نهار رمضان إلى أن قال: فبينما نحن على ذلك إذ أُتِيَ النبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِعَرَقٍ فيه تمر. . ." إلخ. (5) وتأوله الأنباري، وابنُ الأثير، وغيرُ واحدٍ أنه أراد أنهم لا
(1) ابن هشام: شرح قصيدة مانت سعاد، ص 83.
(2)
الترمذي: الشمائل المحمدية، الحديث 238، ص 106؛ سنن الترمذي، "كتاب الأدب"، الحديث 2850، ص 663. قال الترمذي:"هذا حديثٌ حسن صحيح".
(3)
وهو من حديث هند بن أبي هالة عن الحسن بن علي بن أبي طالب. الترمذي: الشمائل المحمدية، الحديث 321، ص 144؛ البيهقي: دلائل النبوة، ج 1، ص 289؛ الهيثمي: بغية الرائد، "كتاب علامات النبوة"، الحديث 14026، ج 8، ص 488 - 491، وقد جاء فيه لفظ "أذلة" بدل "أدلة"، وهو صحيح المعنى.
(4)
سبق تخريجه.
(5)
والعَرَق - بفتح العين وفتح الراء، ويجوز كسرُها - هو المكتل؛ أي الزنبيل. - المصنف. يبدو أن المصنف جمع بين روايتين للحديث إحداهما عن أبي هريرة والأخرى عن سعيد بن المسيب، =