الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
هذه خلاصةُ الاقتراح الذي قدمه النائب المحترم إلى مجلس النواب، ويليه إبداءُ رأينا في هذا الموضوع المهم بتفصيلٍ لا يدع للشبه مجالًا.
أصل التملك قبل الإسلام:
كان من أصول الحضارة البشرية من أقدم أزمان التاريخ أن يدأب المرءُ إلى تحصيل ما يحتاجه لقوام أود حياته وسلامته؛ فهو يصيد القنيصة لطعامه، ويجتني الثمرة ليتفكه بها، ويحطب حطبًا ليوقد عليه، ويبني البيت أو الخص ليقيَه الْحَرَّ والقر، ويجاور حوضَ الاء خشيةَ العطش، ويرتبط الفرس ويعد السلاح ليدافع به، ويقتني الجَزْعَ (1) والرياش وفريد قلائد الذهب والفضة ليتحلى بها. وهو في سعيه لنوال كل أولئك يتجشم عَرَقَ القِرْبَةِ، (2) ومشقة الكد، وخطر الخوف، ووحشة الاغتراب. وهو يعمد أيضًا إلى السبق إلى البَريرِ (3) والنَّبِق، والجلوس في الظل، وتحويل ساقية من الوادي إلى زرعه.
(1) الجزْعُ نوعٌ من الأحجار الكريمة ذو خطوط متوازية مستديرة مختلفة الألوان، وهو في جملته بلون الظُّفر.
(2)
قال ابن منظور: "وفي حديث عمر: ألا لا تغالوا صُدُقَ النساء، فإن الرجال تغالي بصداقها حتى تقول جشمت إليك عَرَقَ القِرْبَةِ. قال الكسائي: عرق القربة أن يقول نصبت لك وتكلفت وتعبت حتى عرقت كعرق القربة، وعرقها سيلان مائها. وقال أبو عبيدة: تكلفت إليك ما لا يبلغه أحد حتى تجشمت ما لا يكون؛ لأن القربة لا تعرق، وهذا مثل قولهم: حتى يشيب الغراب ويبيض الفأر. وقيل أراد بعرق القربة عرق حاملها من ثقلها. . . قال الأصمعي عرق القربة معناه الشدة ولا أدري ما أصله وأنشد لابن أحمر الباهلي:
لَيْسَتْ بمَشْتَمَةٍ تُعَدُّ، وَعَفْوُهَا
…
عَرَقُ السِّقَاءِ عَلَى الْقَعُودِ اللَّاغِبِ
قال: أراد أنه يسمع الكلمة تغيظه وليست بمشتمة، فيؤاخذ بها صاحبها وقد أُبْلِغَتْ إليه كعرق السقاء على القعود اللاغب، وأراد بالسقاء القربة. . . وقيل معناه جشمت إليك النصب والتعب والغرم والمؤونة حتى جشمت إليك عرق القربة، أي عراقها الذي يخرز حولها. ومن قال علق القربة أراد السيور التي تعلق بها. وقال ابن الأعرابي كلفت إليك عَرَقَ القِربة وعَلَقَ القِربة، فأما عرقها فعرقك بها عن جهد حملها، وذلك لأن أشد الأعمال عندهم السقي. وأما علقها فما شدت به ثم علقت". لسان العرب، ج 10، ص 241.
(3)
البرير، بفتح الباء الموحَّدة، ثمر الأراك. - المصنف.
وكان ذلك التعب وذلك الاحتيال يدعوه إلى التكثُّر مما يتطلبه والتحفظ على ما يفضل عن حاجته، ادخارًا لشدائد الأزمان أو تباعد المكان، وتطلُّبًا للراحة بقدر الإمكان، "كَجَابِيَةِ الشَّيْخِ الْعِرَاقِيِّ تَفْهَقُ". (1) وقد رأى الإنسانُ ذلك الكدَّ الذي نال به ما سعى إليه وتلك الحيلة التي سبق بها غيره يتناول ما تناوله، يخول له حقَّ الاختصاص بنواله، وكونه أولَى به ممن جاء بعده. فإذا امتدت إليه أيدي الطامعين رأى عملهم ظلمًا، وحمى غضبه وقام إلى مدافعتهم، كما قال زهير:
ومَنْ لَمْ يَذُدْ عَنْ حِيَاضِهِ بِسِلَاحِهِ
…
يُهَدَّمْ وَمَنْ لَا يَظْلِمِ النَّاسَ يُظلَمِ (2)
أي: لا يظن أن مسالَمَتَه الناسَ كافيةٌ له عن الذود عن حياضه؛ لأنه لو ترك الناس فالناس لا يتركونه، هذا مراد الشاعر من المصراع الثاني.
ثم ارتقى بالإنسان اعتقادُ أحقيتِه بما اكتسبه إلى أن رأى لنفسه الحقَّ في التصرُّف فيما حصله بكدِّ يمينه تصرُّفًا مطلقًا لا يقبل تدخُّلَ متدخِّل، إذ قدر أن التدخلَ في شأنه ما هو إلَّا محاولةٌ لانتزاع بعضِ حقه. وقد عجب أهلُ مدين أن جاء رسولُهم شعيبٌ يضَيِّق عليهم بعضَ أصناف المعاملة المشتملة على مفاسد، حين لم يفقهوا حكمةَ التشريع، ولم يفهموا من منعه إلا تدخلَه في شؤونهم، فشافهوه بالإنكار والتهكم به، فيما حكى عنهم القرآن:{قَالُوا يَاشُعَيْبُ أَصَلَاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ (87)} [هود: 87].
(1) مصراع من بيت للأعشى أوله: "نَفَى الذَّمَّ عَنْ رَهْطِ المُحَلَّقِ جَفْنَة"، ومحلُّ الشاهد منه أنه اختار النسب لجابية الشيخ؛ لأنها أشدُّ امتلاءً من غيرها؛ لأنه مظنة الادخار. - المصنف. ديوان الأعشى الكبير ميمون بن قيس، تحقيق محمد محمد حسين (القاهرة: المطبعة النموذجية، 1950 م)، ص 225. وفيه:"آل" بدل "رهط"، و"السيح" بدل "الشيخ". والسيح هو النهر، وفهق الإناء: امتلأ حتى تصبب.
(2)
ديوان زهير بن أبي سلمى، ص 111. والبيت من معلقته التي طالعها:"أَمِنْ أُمِّ أَوْفَى دِمْنَةٌ لَمْ تَكَلَّمِ". والقصيدة من البحر الطويل، وقد نظمها الشاعر في مدح الحارث بن عوف بن أبي حارثة وهرم بن سنان لسعيهما بالصلح بين عبس وذبيان.