الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المقصد العظيم من الهجرة
(1)
إن في كل شأن من شؤون رسول الله صلى الله عليه وسلم خاصِّها وعامها - دلائلَ على أنه بمحلِّ العناية من ربه تعالى تُحَقِّقُ معنى قوله تعالى: {فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا} [الطور: 48]، أي بمحل العناية منا؛ إذ حقيقةُ العين يستحيل إثباتُها لله تعالى فتعيَّن بحكم استعمال اللغة أن تكون العين في الآية مرادًا منها لازمُ حقيقتها، وهو الاعتناء اللازم لمعنى المشايعة، والمشايعةُ من لوازم النظر المراد من العين، كما قال النابغة يخاطب النعمان بن المنذر:
رَأَيْتُكَ تَرْعَانِي بِعَيْنٍ بَصِيرَةٍ
…
وَتَبْعَثُ أَحْرَاسًا عَليَّ وَنَاظِرَا (2)
ومن أعظم الشؤون التي عرضت للرسول عليه السلام في رسالته شأنُ خروجه من وطنه في ذات الله تعالى، وكان في ذلك الشأن من المقاصد الإلهية العظيمة ما لا يحيط به غيرُ علَّام الغيوب. فلا جرَمَ أن نعد منها ما بلغ إليه العلم وأُلْهِمه الفهمُ في هذا الوقت القصير، وعسى أن يكون في قليله تنبيهٌ كثير، يفتح فهمَ الناقد البصير.
الهجرة شِنْشِنَةٌ (3) من أحوال الرسل؛ فقد هاجر إبراهيم ولوط وهود وصالح وموسى ويونس، ولكلٍّ وجهة، وكلٌّ على هيئة. وتلك الشنشنة هي التي أنبأت ورقةَ بن نوفل بأن محمدًا عليه الصلاة والسلام سيسلك به ربُّه مسلكَ رسله:
(1) المجلة الزيتونية، المجلد 3، العدد 3، ذو القعدة 1357/ مارس 1939 (ص 94 - 97).
(2)
ديوان النابغة الذبياني، ص 132 (نشرة عبد السلام هارون)، وص 116 (نشرة ابن عاشور، وهو عنده بلفظ: "حِراسًا" بدل "أحراسًا").
(3)
الشنشنة، العادة أو السنة الغالبة.
{سُنَّةَ مَنْ قَدْ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنْ رُسُلِنَا} [الإسراء: 77]. كان ورقة بن نوفل القرشي المتنصِّر في الجاهلية قد توسَّم من بعثة النبي صلى الله عليه وسلم أن يَخرُج أو يُخرَج من وطنه، ففي صحيح البخاري أن رسول الله لَمَّا ذهب إليه بإشارة خديجة رضي الله عنها وقصَّ عليه رؤيةَ الملك ونزول الوحي عليه في غار حراء، قال له ورقة:"هذا الناموس الذي أُنزل على موسى، يا ليتني فيها جَذعٌ، يا ليتني أكون حيًّا إذ يخرجك قومُك! فقال رسول الله: "أَوَمُخرِجِيَّ هم؟ " قال (ورقة): نعم، لم يأت رجلٌ قط بمثل ما جئت به إلا عودي، وإن يدركْني يومُك أَنصرْك نصرًا مؤزرًا". (1)
كان خروجُ رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة نبذًا منه لأهل الشرك، وسخطًا عليهم، وتنزيهًا للدين عن البقاء بين أظهرهم، وإيذانًا لسائر الناس بأنَّ أمرَ هذا الدين ليس بالأمر الهين؛ فإن الدعوة بالفعل مع القول أشدُّ نفوذًا إلى النفوس من مجرد القول، بحيث صارت الدعوةُ الإسلامية حادثًا مشاهدًا ومتحدَّثًا به بعد أن كانت مسموعةً لا غير. ولذلك سُمِّي هذا الخروجُ هجرةً، مشتقة من الهجر، وهو قَطع المعاشرة. ولقد كانت بإذن الله له بذلك حين تهيأت الأسباب التي أرادها الله تعالى، كما أنبأ به حدثُ الهجرة في الصحيح أن رسول الله قال لأبي بكر:"إن الله قد أذن لِي في الخروج والهجرة". (2)
لم يكن ذلك الخروج فرارًا وخشية من المشركين؛ لأن الله الذي عصمه منهم ثلاث عشرة سنة وهم يؤذونه بالقول ولا يقدمون على إلحاق الضرر به قادرٌ على إكمال عصمته منهم، وخاصة بعد أن كثر أتباعه، واعتزوا بأقويائهم مثل عمر بن الخطاب وحمزة بن عبد المطلب. وقد علم رسول الله أنه إذا خرج من بين قومه يعدون خروجه
(1) صحيح البخاري، "كتاب بدء الوحي"، الحديث 3، ص 2؛ صحيح مسلم، "كتاب الإيمان"، الحديث 160، ص 77؛ ابن هشام: السيرة النبوية، ج 1/ 1، ص 191. واللفظ للبخاري.
(2)
ابن هشام: السيرة النبوية، ج 1/ 2، ص 97؛ صحيح البخاري، "كتاب مناقب الأنصار"، الحديث 3905، ص 657. واللفظ لابن إسحاق.
غلبةً معنوية عليهم، فيحاولون منعَه. فلذلك رأى أن كتمان أمره أعونُ على مراد الله من خروجه، ورأى الاختفاءَ بعد الخروج ثلاث ليال بغار ثور أقطعَ لطماعية المشركين في اللحاق به وأعجزَ لهم في طلبه، ولذلك كان يسير الليلَ ويستريح النهار. وتلك أيضًا عادةُ العرب في سيرها وقت الحر، وقد كانت الهجرة في زمن الحر.
الهجرة مفارقةُ الوطن على نية عدم الرجوع إليه. وأسبابُها تارة تكون للطمع في نفع يحصل للمهاجر في الموطن الذي ينتقل إليه، وتارة من كراهية الإقامة في الوطن لعداء بين المهاجر وقومه أو لأذى لحقه منهم، وتارة لنشر دعوة أو إظهار فضيلة أو استنصار على عدو أو غير ذلك، فهي أخصُّ من السفر ومن التغرب؛ لأن في السفر والتغرب أملَ العود إلى الوطن. وأيًّا ما كانت غايتُها ومنفعتها، فإنها شديدةُ المضاضة على النفس؛ لأن في مفارقة الوطن مفارقةً لأعلق البقاع بالقلب مما شب فيه المرءُ وأَلِفه، ومفارقةَ قرابته وجيرانه وأحبته، وقد قال أبو الطيب وأجاد:
وَلَوْلَا مُفَارَقَةُ الأَحْبَابِ مَا وَجَدَتْ
…
لَهَا المَنَايَا إِلَى أَرْوَاحِنَا سَبُلَا (1)
وسَمَّاها القرآنُ فتنةً في قوله تعالى: {وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ} [البقرة: 191]، قال المفسرون: أراد إخراجَ المؤمنين من بلادهم مكة. (2)
(1) لَهًا اسم جمع لَهاة بفتح اللام، وهي الحلق. والمنايا جمع منية، وهي الموت. وقد جمعها باعتبار متعلقاتها، وهي نفوس الأحياء، وأثبت للمنايا حلوقًا؛ لأنه قدر تشبيهَها بسباع تبتلع الأرواح على طريقة الاستعارة المكنية. - المصنف. ما ذكره المصنف هنا من بيان لمعنى البيت مبني على قراءة ابن القطاع للفظ لها. وقد أثبت البرقوقي البيت بناء على قراءة أخرى للفظ "لَها"، وذلك على تقدير أنها مركبة من لام الجر وضمير المؤنث متعلِّقًا بالمنايا أو بالمفارقة. وعلى ذلك يكون المعنى:"لولا الفراق لما كان للمنايا طريق إلى أرواحنا". والبيت هو الثالث من قصيدة قالها المتنبي في صباه يمدح سعيد بن عبد الله بن الحسن الكلابي المنبجي. ديوان المتنبي بشرح البرقوقي، ج 3، ص 282 - 283.
(2)
قال الطبري: "فإنه يعني بذلك المهاجرين الذين أُخرجوا من ديارهم ومنازلهم بمكة، فقال لهم جل ثناؤه: وأخرجوا هؤلاء الذين يقاتلونكم وقد أخرجوكم من دياركم، من مساكنهم كما أخرجوكم منها". جامع البيان، ج 3، ص 293.
ثُمَّ إن أسْمى غايةٍ يفارق المرءُ لأجلها وطنَه، وأقوى سببٍ يَحْدُث عنه الشقاقُ بين المرء وذويه، هو الذبُّ عن الاعتقاد إذا بلغ عنادُ المخالفين فيه إلى حدِّ تحجير إظهاره والمضايقة فيه، ومحاولة الإرغام على تركه، والتظاهر بما يخالفه. وإن المرء ليضجر لو أُغمضت عيناه أو سُدت أذناه وما هما إلا بعضُ مظاهر إدراكه، فكيف به إذا سُدَّ عليه قلبُه وعقلُه ورأيُه؟
وإن أسمى العقائد وأقدسَ الآراء عقيدةُ الدين لتعلقها بأشرف الموجودات، ولتجردها عن الغايات المادية والمنافع العاجلة التي تلائم هناءَ المرء في عيشه ومسالمة دهماء قومه إياه. فالاعتقاد الديني اعتقادٌ محبوب لأجل كونه حقًّا بحتًا، ولأجل كونه يرضي خالقَ الخلق.
وقد كانت الهجرةُ قي الله للتمكن من تبليغ شرائعه، وكان الأذى في الله لأجل ذلك سنةً من سنن المرسلين، فما من رسول إلا وقد أوذي في الله، وكذلك كثيرٌ من أصحاب الرُّسل أوذوا وهاجروا معهم وبدونهم. ولما بعث الله محمدًا صلى الله عليه وسلم واتبعه مَنِ اتبعه من قريش وتكاثروا، وحاولوا إظهارَ دينهم بين مشركي أهل مكة، لم يرض المشركون بذلك، وكشَّروا للمسلمين عن أنياب العدوان، وأخذوا يؤذون المسلمين بصنوف من الأذى كانت تزداد يومًا فيومًا بمقدار رسوخ المسلمين في الاستمساك بدينهم.
وكان المسلمون صابرين على أذى المشركين، حتى إذا بلغ الصبرُ غايته أذن رسولُ الله في سنة خمس لطائفة من المؤمنين المستضعفين والمقصودين بخاصة الأذى بالخروج من مكة. ولم يخرج رسول الله حينئذ؛ لأنه في منعة بعمِّه أبي طالب، فقال لأصحابه:"لو خرجتم إلى أرض الحبشة، فإن بها ملكًا لا يُظلم عنده أحد حتى يجعل الله لكم فرجًا مما أنتم فيه". (1) فخرج من المسلمين يومئذ ثلاثة وثمانون رجلًا
(1) قال ابن إسحاق: "فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يصيب أصحابه من البلاء. وما هو فيه من العافية. بمكانه من الله ومن عمه أبي طالب وأنه لا يقدر على أن يمنعهم مما هم فيه من البلاء. قال لهم لو خرجتم إلى أرض الحبشة، فإن بها ملكًا لا يظلم عنده أحد. وهي أرض صدق حتى يجعل الله =
وتسعُ عشرة امرأة، فتلك الهجرة الأولى.
ثم لمَّا أسلم الأوس والخزرج، أذن الله لرسوله وللمؤمنين كلهم بالهجرة من مكة إلى المدينة دار الإسلام، وقد قيل: إن ذلك كان باقتراح من عمر بن الخطاب رضي الله عنه (1). ورجع مهاجِرَةُ الحبشة إلى المدينة، فكان حكم الهجرة من مكة واجبًا على كل مسلم، قال تعالى:{وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلَّا عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ} [الأنفال: 72]، ودام ذلك الحكم إلى فتح مكة.
كم من حكمة لله تعالى فيما اشتمل عليه حادث الهجرة من الأحوال، وكم من نعمة أسداها لعبده ورسوله في تلك الهجرة، دلَّ بها على أنه بمحل عنايته وأنه متمم نوره ولو كره الكافرون، قال تعالى:{وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا (113)} [النساء: 113].
1 -
الحكمة الأولى صرفُه ألبابَ قريش وحذقَهم عن أن يفكروا في قطع دابر أمر الإسلام قبل أن يكثر أتباعه ويُنتدَب له أنصارُه، وتشتيتُه رأيَهم في صده عن الخروج حتى مكنه الله منه، وفي ذلك اليأس تهيئةٌ لهم نحو الدخول في الإسلام.
2 -
الحكمة الثانية أن هيأ له أن تكون هجرتُه إلى يثرب، ولم يكن ذلك في باله أول وهلة، ففي الصحيح عن أبي موسى الأشعري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "رأيت في المنام أني أهاجر من مكة إلى أرض بها نخلٌ فذهب وَهَلي إلى أنها اليمامة أو
= لكم فرجًا مما أنتم فيه، فخرج عند ذلك المسلمون من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أرض الحبشة، مخافة الفتنة وفرارًا إلى الله بدينهم. فكانت أول هجرة كانت في الإسلام". ابن هشام: السيرة النبوية، ج 1/ 1، ص 255؛ السهيلي: الروض الأنف، ج 2، ص 90.
(1)
لم يتهيأ لي التعرف على صاحب هذا القول.
هَجَرُ، فإذا هي المدينة يثرب". (1) فكان من تيسير الله أن ساق إليه النفر الستةَ الأولين من الأوس الذين أسلموا من أهل يثرب، فإن موقع المدينة كان وسطًا من أرض العرب، فكان بلوغُ دعوة الإسلام إلى بلاد العرب بانتشار شعاعي، وهذا أيسر عمومًا مما لو كانت دار الهجرة اليمامة أو هجر في الطرف الشرقي من بلاد العرب.
3 -
الحكمة الثالثة أن أهلَ يثرب كانوا أقرب قبائل العرب لقبول شريعة الإسلام؛ فإنهم وإن كانوا قبل الإسلام مشركين يعبدون مناة وغيرها، إلا أنهم لشدة مخالطتهم لليهود - وهم أهل كتاب - كانت آذانهم قد اعتادت معاني التوحيد والشرائع، فكانت نفوسهم مرتاضة إلى ذلك.
4 -
الحكمة الرابعة أن الله جعل للمسلمين من أهمية موقع المدينة من بلاد العرب سلطانًا على أعدائهم من قريش أهل مكة؛ فإن قريشًا كانوا تجارًا وكانت لهم رحلةٌ في الشتاء إلى اليمن للجارة وأخرى في الصيف إلى الشام، سن لهم ذلك هاشم ابن عبد مناف جد النبي صلى الله عليه وسلم، وذلك هو المسمى بالإيلاف. (2) وكان مرورُهم إلى الشام على طريق المدينة من بطن عالج، فلما صارت المدينةُ دارَ سلام وثبتت العداوة بين أهلها وبين قريش صارت قريشٌ ترهب المرورَ على المدينة، فانقطعت تجارتهم إلى الشام، وهي أهم تجارتهم. وفي ذلك المعنى قال حسان بن ثابت مهددًا لقريش:
دَعُوا فَلَجَاتِ الشَّأْمِ قَدْ حَالَ دُونَهَا
…
جِلَادٌ كَأَفْواهِ المَخَاضِ الأَوَارِكِ (3)
بِأَيْدِي رِجَالٍ هَاجَرُوا نَحْوَ رَبِّهِمْ
…
وَأَنْصَارِهِ حَقًّا وَأَيْدِي المَلَائِكِ
(1) صحيح البخاري، "كتاب مناقب الأنصار"، ص 655؛ صحيح مسلم، "كتاب الرؤيا"، الحديث 2272، ص 895.
(2)
انظر في مغزى الإيلاف من النواحي التاريخية والاجتماعية والحضارية، سحَّاب، فكتور: إيلاف قريش: رحلة الشتاء والصيف (بيروت: المركز الثقافي العربي، 1992).
(3)
الأوارك التي تأكل الأراك فيجرح لها أفواها فيسيل منها الدم. - المصنف.
إِذَا سَلَكَتْ لِلْغَوْرِ مَنْ بَطْنِ عَالِجٍ
…
فَقُولَا لَهَا لَيْسَ الطَّرِيقُ هُنَالِكِ (1)
5 -
الحكمة الخامسة انتقال الإسلام من طور إلى طور أكمل منه، وهو الذي كان مقدمة كماله المعلن عليه يوم حجة الوداع بقوله:{الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي} [المائدة: 3].
مضت مدةُ إقامة رسول الله بمكة والإسلام حينئذ في طور كان فيه دينًا مقتصرًا على إصلاح العقيدة، وتهذيب نفوس أتباعه، وتطهير أخلاقهم في خويصتهم ومجتمعهم، ودعوة المشركين إلى الإيمان بالله ورسله وما جاؤوا به، وتشهير فضائع أهل الشرك وضلالهم وسخافة رأيهم.
وذلك طورٌ ابتدأ الله به الإسلام لينشأ منشأ سائر الكائنات من طفولة إلى شباب إلى كهولة: {كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ} [الفرقان: 32]، ولتهيئة قلوب المسلمين إلى تلقي الشرائع وانتظام الجماعة. فلما هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة تطوَّر الإسلامُ إلى طوره الأشد، فصار دينًا وجامعة، وشريعة وحكومة.
6 -
الحكمة السادسة استقلال الإسلام وأمنه وإعلان العبادة، فشرع الأذان، وأقيمت الجمعة، ونحو ذلك.
7 -
الحكمة السابعة تنظيم الجماعة في الإسلام من أول الهجرة بابتناء المساجد وإقامة الأئمة والقضاء، ومشروعية المواساة بين المسلمين بالزكاة والصدقات، وتنظيم قوانين العائلة من شرع تصحيح عقود الزواج وحقوق الزوجين والقرابة والمصاهرة إلخ، والاستخلاف في تدبير الأمور وإقامة الأحكام في مغيب الرسول أو في البعد عنه، وابتداء التشريع العام في أحكام المعاملات والجنايات. ففي الصحيح
(1) ديوان حسان بن ثابت، ج 1، ص 85. وفيه "ذرُوا" بدل "دعوا"، و"هبطت" بدل "سلكت"، و"رمل عالج"، بدل "بطن عالج".
عن عائشة رضي الله عنها قالت: "إنما نزل أول ما نزل من القرآن سورة من المفصل بين ذكر الجنة والنار، حتى إذا ثاب الناس إلى الإسلام نزل الحلال والحرام". (1)
8 -
الحكمة الثامنة تنظيم الدفاع عن الدين والأمة بالتهيّؤ لمقاومة المشركين من أهل مكة وأحلافهم إذا نووا ذلك، وهم يوشك (2) أن ينووه إذ هم من قبل قد ناوءوه.
9 -
الحكمة التاسعة إيجاد مال للمسلمين لإقامة مصالحهم وعُدَّةً لنوائبهم، مجتمعًا من الزكاة والأوقاف، ثم من المغانم والأنفال.
10 -
الحكمة العاشرة مخاطبةُ ملوك الأرض ورؤساء الأمم بالدعوة إلى الدخول في دين الإسلام، والاستظلال بالراية الإسلامية.
(1) سبق تخريجه.
(2)
لعل الأوْلَى أن يقال: يوشكون ..