الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ولو باع عبدًا وُلد عنده، ثم ادعى أنه ابنه، ثبت نسبه، ورد بيعُه إياه؛ لأن النسبَ لا يقبل النقض والبيع يقبل النقض. (1)
57 -
وبالأَوْلَى لا يحتمل النسبُ النقلَ بعوض، ولا بدون عوض. وعن ابن بطال حكايةُ الإجماع على أن النسب لا يجوز تحويله، (2) لقول النبي صلى الله عليه وسلم:"الولاء لُحْمة كلحمة النسب، ولا يباع ولا يوهب"، (3) فجعل الولاءَ مشبَّهًا بالنسب في أنه لا يُباع ولا يوهب.
ما يتوهم أنه يقطع النسب:
يتوهم مَنْ لا علمَ لهم أن المرءَ يستطيع أن يقطع ابنه أو من له نسب، بالخلع أو القطع.
58 -
الخلع: وُضعت في طبعة (اللسان) ضمة على الخاء، ولعله اسم مصدر. فأما المصدر القياسي فيجب أن يكون بفتح الخاء.
كان أهلُ الجاهلية يخلعون مَنْ يغضبون عليه، أي يبطلون انتسابه فيهم. فكان الرجل فيهم يأتي بابنه إلى الموسم ويقول:"ألا إني قد خلعت ابني، فإن جَرَّ لم أضمن وإن جُرَّ عليه لم أطلب". (4) وهذا المخلوع يقال له خليع، وقد جاء ذكرُه في شعر ينسبه بعضُ الرواة إلى امرئ القيس في معلقته، وينسبه الأكثرون إلى تأبط شرًّا وهو قوله:
(1) الدر المختار ورد المحتار، ص 326 جزء 4.
(2)
نيل الأوطار، ص 326 جزء 5.
(3)
رواه الحاكم وابن حبان وصححه عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم، وأعلّه البيهقي. نيل الأوطار ص 326 جزء 5. - المصنف. ورواه الحاكم، وقال:"هذا حديث صحيح ولم يخرجاه". المستدرك على الصحيحين، "كتاب الفرائض"، الحديث 8071، ج 4، ص 490.
(4)
قال الزمخشري: "وكان الرجل في الجاهلية إذا غلبه ابنه أو من هو منه بسبيل، جاء به إلى الموسم ثم نادي: أيها الناس، هذا ابني وقد خلعته، فإن جرَّ لم أضمن، وإن جُرَّ لم أطلب، يريد: تبرأت منه". الزمخشري: أساس البلاغة، ج 1، ص 263. - المحقق.
وَوَادٍ كَجَوْفِ الْعَيْرِ قَفْرٍ قَطَعْتُه
…
بِهِ الذِّئْبُ يَعْوِي كَالْخَلِيعِ المُعيَّلِ (1)
وكان أولياءُ الرجل وعشيرتُه في الجاهلية يؤاخَذون بجناية مولاهم. فإذا كان أحدٌ منهم شاطرًا خبيثًا، فأراد أولياؤه أن يتبرَّؤُوا مِنْ أن يُؤاخَذُوا بجنايته، أظهروا ذلك للناس، وسَمَّوْا فعلَهم ذلك خلعًا والمتبَرَّأ منه خليعًا، فلا يؤاخَذون بجنايته ولا يؤاخَذُ هو بهم. (2)
وفي الحديث: "وقد كانت هُذيلٌ خلعوا خليعًا لهم في الجاهلية فقتلته خزاعة"، اغترارًا بأنه لا يقوم بدمه أحد، فوداه النبي صلى الله عليه وسلم من ماله يوم الفتح، وأعلم الناسَ بأن الخلع لا عبرةَ به. (3)
(1) ديوان امرؤ القيس، نشرة بعناية عبد الرحمن المصطاوي (بيروت: دار المعرفة، ط 3، 1427/ 2006)، ص 51 (وهو البيت رقم 49 من المعلقة)؛ ديوان تأبط شرًّا، نشرة بعناية عبد الرحمن المصطاوي (بيروت: دار المعرفة، 1424/ 2003)، ص 62 (من قصيدة: كلانا طوى كشحًا، وهي كذلك من بحر الطويل).
(2)
قال ابن منظور: "والخليع: الرجل يجني الجنايات يُؤخذ بها أولياؤه فيتبرؤون منه ومن جنايته ويقولون: إنا خلعنا فلانًا، فلا نأخذ أحدًا بجناية تُجنى عليه، ولا نؤاخذُ بجناياته التي يجنيها، وكان يسمى في الجاهلية الخليع". لسان العرب، ج 8، ص 77. - المحقق.
(3)
جزء من حديث أبي قلابة، جاء فيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ودى قتيلًا، ولكن دون ذكر أن ذلك كان يوم الفتح. ومما قال أبو قلابة:"وقد كان في هذا (يعني القسامة) سنَّة من رسول الله صلى الله عليه وسلم، دخل عليه نفر من الأنصار، فتحدثوا عنده، فخرج رجلٌ منهم بين أيديهم فقُتل، فخرجوا بعده، فإذا هم بصاحبهم يتشحَّط في الدم، فرجعوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا رسول الله، صاحبنا كان تحدَّث معنا، فخرج بين أيدينا، فإذا نحن به يتشحَّط في الدم، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "بمن تظنُّون، أو ترون، قتله). قالوا: نرى أن اليهود قتلته. فأرسل إلى اليهود فدعاهم، فقال:"آنتم قتلتم هذا؟ " قالوا: لا، قال:"أترضون نفل خمسين من اليهود ما قتلوه؟ " قالوا: ما يبالون أن يقتلونا أجمعين، ثم ينتفلون، قال:"أفتستحقون الدية بأيمان خمسين منكم؟ " قالوا: ما كنا لنحلف، فوداه من عنده". ثم قال: "قلت: وقد كانت هذيل خلعوا خليعًا لهم في الجاهلية، فطرق أهل بيت من اليمن بالبطحاء، فانتبه له رجل منهم، فحذفه بالسيف فقتله، فجاءت هذيل، فأخذوا اليماني فرفعوه إلى عمر بالموسم، وقالوا: قتل صاحبنا، فقال: إنهم قد خلعوه، فقال: يقسم خمسون من هذيل ما خلعوه، =
59 -
القَطعة: يتوهم بعض العامة أن من يعقه ابنُه أو يتمادى في الخبث والشطارة أنه يستطيع أن يقطع نسبَه من نفسه، وربما ذهب الواحدُ منهم إلى العدولِ المنتصبين للإشهاد فأشهدهم بذلك. وبعضُ جَهلة المنتصبين [للإشهاد] يكتب لهم ذلك، وقد يريد الواحد منهم الإشهاد بالتبرؤ من تبعات ابنه، وهو يحسب أن ذلك قطعٌ لنسبه.
ويسمون ذلك قَطعة، كما رأيتُه مقيَّدًا بخط شيوخنا. وتوجد في بعض مجموعات التوثيق لعدول تونس صورةُ كتب من هذا القبيل. (1) وهو عبث، إذ ليست تبعاتُ أحدٍ بلازمة لغيره في أحكام الشريعة الإسلامية، إلا ما ألزمه الشرع مثل الديات. وفي نظم العمل الفاسي وشرحه، (2) نقلًا عن مختصر النهاية، (3) أنه أشار فيه إلى وثيقة في هذا المعنى، ونبه على عدم الحاجة إليها.
= قال: فأقسم منهم تسعة وأربعون رجلًا، وقدم رجل منهم من الشأم، فسألوه أن يقسم، فافتدى يمينه منهم بألف درهم، فأدخلوا مكانه رجل آخر، فدفعه إلى أخي المقتول، فقرنت يده بيده، قالوا: فانطلقنا والخمسون الذين أقسموا، حتى إذا كانوا بنخلة، أخذتهم السماء، فدخلوا في غار في الجبل، فانهجم الغار على الخمسين الذين أقسموا فماتوا جميعًا، وأفلت القرينان، واتبعهما حجر فكسر رجل أخي المقتول، فعاش حولًا ثم مات". صحيح البخاري، "كتاب الدّيات"، الحديث 6899، ص 1189. وانظر كذلك صحيح مسلم، "كتاب القسامة والمحاربين والقصاص والديات"، الحديث 1669، ص 657. - المحقق.
(1)
كتاب الإفادة في علم الشهادة للعدل الشيخ محمد البشير التواني التونسي، المطبعة الرسمية بتونس، ص 106.
(2)
ورقة 209 جزء 2.
(3)
النهاية والتمام للمتيطي الأندلسي، وممن اختصره ابن هارون التونسي. لكن هذه المسألة لم أجدها في ابن هارون.