الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فينتج من ذلك أن مقام أبي هريرة كان في الروضة، وأن ملازمته رسول الله كانت في ذلك المقام، وأن الروضة هي مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم. هذا وقد رأيتُ في كلام شهاب الدين الخفاجي في شرحه على شفاء عياض كلمةً تقتضي الجزمَ بأن مجلس رسول الله هو الروضة؛ فإنه لَمَّا بلغ إلى قول عياض:"ومما لم يزل مِنْ شأن مَنْ حجَّ المرورُ بالمدينة، والقصد إلى الصلاة في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، والتبرك برؤية روضته ومنبره وقبره، ومجلسه". . . إلخ، (1) قال:"ومجلسه، أي: موضع جلوسه في الروضة المأثور"، (2) ولم أقف على مستنده الصريح فيما جزم به.
كيفية التئام مجلس الرسول وخروجه إليه:
كان أصحاب رسول الله إذا قصدوا مسجدَه، يحضرون المكان الذي اعتاد الجلوسَ فيه. فإذا قدموا قبل خروج الرسول، يجلسون ينتظرونه حتى إذا خرج رسول الله كانوا يقومون له، فنهاهم عن ذلك، روى أبو أمامة قال:"خرج علينا رسول الله فقمنا له فقال: "لا تقوموا كما يقوم الأعاجم، يعظم بعضُها بعضا""، (3) فصار القيامُ منسوخًا على الأصح.
وعندما يخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم على أصحابه يبقون جلوسًا، "فلا يرفع أحدٌ منهم بصرَه إلى رسول الله إلا أبو بكر وعمر؛ فإنهما كانا ينظران إليه، وينظر إليهما،
= ص 328؛ "كتاب الحرث والمزارعة"، الحديث 2350، ص 377؛ "كتاب صحيح مسلم"، "كتاب فضائل الصحابة رضي الله تعالى عنهم"، الحديثان 2492 - 2493، ص 971. ومعنى الصفق: عقد الصفقات التجارية، ومعنى العمل في أموالهم: العمل في حوائطهم ومزارعهم.
(1)
اليحصبي: الشفا، ص 297 - 298 (هذا الكلام لإسحاق بن إبراهيم الفقيه، وقد سبق للمصنف ذكره).
(2)
الخفاجي المصري، شهاب الدين أحمد بن محمد بن عمر: نسيم الرياض في شرح شفاء القاضي عياض، تحقيق محمد عبد القادر عطا (بيروت: دار الكتب العلمية، ط 1، 1421/ 2001)، ج 5، ص 102.
(3)
سنن أبي داود، "كتاب الأدب"، الحديث 5230، ص 814.
ويبتسمان إليه، ويبتسم إليهما"، كذا في الشفاء. (1) وفي الشفاء أنه كان يجلس حيث انتهى به المجلس، ويجلس بين أصحابه مختلطًا بهم. (2)
والظاهرُ أن معنى ذلك أنه حين يخرج إليهم لا يتخطى رقابَهم، ولكن يجلس حيث انتهى به المجلس؛ ففي صحيح البخاري عن أبي واقد الليثي "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بينما هو جالس في المسجد والناس معه، إذ أقبل ثلاثة نفر، فأقبل اثنان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وذهب واحد، قال: فوقفا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأما أحدهما: فرأى فرجةً في الحلقة فجلس فيها، وأما الآخر: فجلس خلفهم، وأما الثالث فأدبر ذاهبًا، فلما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ألا أخبركم عن النفر الثلاثة؟ أما أحدُهم فأوى إلى الله فآواه الله إليه، وأما الآخر فاستَحْيا فاستحيا الله منه، وأما الآخر فأعرض فأعرض اللهُ عنه"". (3)
وفي أسباب النزول والتفسير أن رسول الله كان يُكرِم أهلَ بدر من المهاجرين والأنصار، وأن ناسًا منهم جاؤوا إلى مجلسه فلم يجدوا موضعًا فقاموا مواجهين له ولم يوسع لهم أحد، فقال رسول الله لبعض مَنْ حوله من غير أهل بدر: قم يا فلان ويا فلان، وفي ذلك نزل قوله تعالى:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا} [المجادلة: 11]، وسيأتي تفصيلُه في ذكر آداب مجلسه.
وربما وقف السامعُ إلى حديث رسول الله. وفي البخاري: باب من سأل وهو قائم عالِمًا جالسًا، وأخرج حديث أبي موسى الأشعري:"جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله ما القتال في سبيل الله؟ فرفع رسول الله رأسه إليه وقال: "مَنْ
(1) اليحصبي: الشفا، ص 263.
(2)
اليحصبي: الشفا، ص 77؛ الترمذي، أبو عيسى محمد بن عيسى بن سورة: الشمائل المحمدية والخصائل المصطفوية، تحقيق صلاح الدين محمود السعيد (المنصورة/ مصر: دار الغد الجديد، 1426/ 2005)، ص 145.
(3)
صحيح البخاري، "كتاب العلم"، الحديث 66، ص 16.