الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الوحدانية بالعقل، فقد يُؤاخذ وحده على الشرك ولا يؤاخذ جميع قومه. وعلى ذلك يُحمل ما ورد في الآثار أن عمرو بن لحي يجر قصبة في النار.
فعندنا: النسبُ الشريف ما انتظم في سمطيه إلا جوهر لم تنخره قادحة، فكانت فرائدُه في سائر الأجيال نيرة واضحة، وما هو إلا نسبٌ زكيُّ العنصر، وما بينه وبين استبانته إلا أن يسمع واع ويرى مبصر.
وأما الحديثُ المرويُّ في صحيح مسلم، فقد تأوله العلماء، ويحق تأويله على كل مسلم. رواه مسلم عن حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس أن أعرابيًّا سأل رسول الله عن أبيه فقال له:"في النار، فقال له: وأين أبوك يا رسولَ الله؟ قال: في النار". (1) على أن أخبار الآحاد لا تنتقض بها أصول الإعتقاد. فإذا كان آباء رسول الله لم تحق عليهم كلمةُ العذاب، فإن بركته مرجوة لهم في رفع منازلهم يوم الحساب، لقول الله تعالى:{وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى (5)} [الضحى: 5]، فعلى المؤمن الموفق أن يكون ممن أعرض عما يخالف هذا وأغضى.
مولده صلى الله عليه وسلم
-:
لا خلافَ في أن سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ولد يوم الاثنين، كما في صحيح مسلم. (2)
(1) الحديث المقصود هو ما أخرجه مسلم عن أنس بن مالك أن رجلًا قال: "يا رسول الله! أين أبي؟ قال: "في النار"، فلما قَفَّى دعاه فقال: "إن أبي وأباك في النار"". صحيح مسلم، "كتاب الإيمان"، الحديث 347، ص 100. ومعنى "فلما قفى"، أي ذهب موليًا، وكأنه من القفا، أي أعطاه قفاه وظهره. وقد عرض المصنف لهذا الحديث ولغيره مما هو في معناه في المقال السابق، فانظر تعليقَه عليه هناك.
(2)
عن أبي قتادة الأنصاري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن صوم الاثنين فقال: "فيه ولدت، وفيه أنزل علي". صحيح مسلم، "كتاب الصيام"، الحديث 1162/ 198، ص 423. وأورد السهيلي أنه قد جاء في إحدى روايات سيرة ابن إسحاق أنه عليه السلام قال لبلال:"لا يَفُتْكَ صيامُ يوم الاثنين؛ فإني قد وُلدتُ فيه، وبُعثتُ فيه، وأموتُ فيه". الروض الأنف، ج 1، ص 396. وانظر في المعنى نفسه: ابن كثير: البداية والنهاية، ج 3، ص 373 - 380.
والمشهور أنه ولد في اليوم الثاني عشر منه، وأنه ولد عند الفجر، وذلك من عام الفيل، وهو العام الذي دخل فيه جيش الحبشة مكة. فكان يوم المولد لخمسين أو خمسة وخمسين يومًا مضت من يوم دخول الفيل مكة، (1) ويوافق يوم المولد اليوم العشرين من إبريل سنة إحدى وسبعين وخمسمائة من ميلاد المسيح. قيل كان ذلك عند طلوع منزلة الغفر من منازل القمر، (2) وكان عند دخول الشمس في برج الحمل، وهو أول البروج الربيعية.
وقبلته الشِّفاء (بكسر الشين وفتح الفاء مخففة)، وهي بنت عوف بن عبد الحارث بن زهرة، قيل هي أم عبد الرحمن بن عوف.
كان موضع ولادته الذي لا اختلافَ فيه بين أهل مكة بدار أبيه عبد الله، وهي عند الصفا في شعب بني عامر، الذي سمي بعد ذلك سوق الليل. وقد كانت تلك الدار مسكن رسول الله صلى الله عليه وسلم مدة إقامته بمكة قبل الهجرة، ولَمَّا هاجر احتازها عقيل بن أبي طالب، ثم باعها ولده من محمد بن يوسف الثقفي، فأدخلها في داره التي تعرف بالبيضاء. ولمَّا حجت الخيزران زوج المهدي اشترتها، وفصلت الدار التي وُلد فيها رسولُ الله صلى الله عليه وسلم فجعلتها مسجدًا، وأشرعت بابه إلى الزقاق المعروف بزقاق المولد. وبنى السلطان محمد خان العثماني الثالث لذلك المسجد قبةً ومئذنة في سنة 1009 هـ، وقد رأيتُ أن هذه الدار كانت تُسمى دارَ التبابعة، (3) ولم أقف على وجه هذه التسمية.
(1) الزهري: كتاب الطبقات الكبير، ج 1، ص 81؛ البيهقي: دلائل النبوة)، ج 1، ص 79؛ النويري: نهاية الأرب، ج 16، ص 48.
(2)
الغَفْر: منزل من منازل القمر ثلاثة أنجم صغار، وهي من الميزان.
(3)
ذكر ذلك الفيروزآبادي في فصل التاء من باب العين حيث قال: "ودارُ التبابعة بمكة وُلد فيها النبي صلى الله عليه وسلم". القاموس المحيط، ج 3، ص 10.