المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌زكاة الأموال (1) اصطلح أهلُ تونس على أن جعلوا يوم عاشوراء - جمهرة مقالات ورسائل الشيخ الإمام محمد الطاهر ابن عاشور - جـ ٢

[ابن عاشور]

فهرس الكتاب

- ‌الفَرْعَ الثَّانِيفِقْهُ النّبوَّة وَالسِّيرَة

- ‌نسب الرسول صلى الله عليه وسلم ومناسبته لعليِّ ذلك المقام

- ‌سلسلة النسب النبوي

- ‌شرف هذا النسب:

- ‌طهارة هذا النسب:

- ‌زكاء هذا النسب:

- ‌قصة المولد [والمبعث والرسالة]

- ‌نسب رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌طهارة النسب الشريف:

- ‌مولده صلى الله عليه وسلم

- ‌نشأته صلى الله عليه وسلم

- ‌بعثته صلى الله عليه وسلم

- ‌الهجرة

- ‌ظهور الإسلام في المدينة:

- ‌الغزوات:

- ‌شأن رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبناؤه:

- ‌شمائله صلى الله عليه وسلم وأخلاقه

- ‌أسماؤه الشريفة:

- ‌الشمائل المحمدية

- ‌مقدمة:

- ‌الآثار المروية في الشمائل:

- ‌تفصيل الشمائل:

- ‌من يشبه رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌محمد صلى الله عليه وسلم رسول الرحمة

- ‌إعراض الرسول صلى الله عليه وسلم عن الاهتمام بتناول الطعام

- ‌الطعام مادة جسدية ولذة حيوانية:

- ‌المدد الروحاني:

- ‌جوع الرسول صلى الله عليه وسلم[والحكمة منه]:

- ‌توجع بعض السلف عند ذكر ذلك:

- ‌تنافس آل النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه في الاقتداء به:

- ‌معجزة الأمية

- ‌المعجزات الخفية للحضرة المحمدية

- ‌ما هي المعجزات وأي شيء هي المعجزة الخفية

- ‌أصناف المعجزات الخفية:

- ‌المقصد العظيم من الهجرة

- ‌الكتاب الذي هم به رسول الله صلى الله عليه وسلم قبيل وفاته

- ‌مشكلات:

- ‌الحكم المتجلية من هذا المقام الجليل:

- ‌مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌[مقدمة]

- ‌صفة مجلس الرسول عليه السلام

- ‌كيفية التئام مجلس الرسول وخروجه إليه:

- ‌هيئة المجلس الرسولي:

- ‌ما كان يجري في مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌وقت المجلس الرسولي:

- ‌آداب مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌أثر الدعوة المحمدية في الحرية والمساواة

- ‌ الحرية

- ‌المقام الأول: في الحرية والمساواة في الشريعة المحمدية:

- ‌دعوة الإسلام إلى الحرية:

- ‌مظاهر الحرية

- ‌حرية العبيد:

- ‌سد ذرائع انخرام الحرية:

- ‌تحصيل:

- ‌المساواة:

- ‌ موانع المساواة

- ‌المقام الثاني: أثر الدعوة المحمدية في الحرية والمساواة بين الأمم غير أتباع الإسلام:

- ‌المدينة الفاضلة

- ‌[تمهيد]

- ‌[الفطرة وأصول الاجتماع الإنساني]:

- ‌[سعي الأنبياء والحكماء لتأسيس المدينة الفاضلة]:

- ‌[الإسلام وتأسيس المدينة الفاضلة]:

- ‌[قوام المدينة الفاضلة وخصائصها وصفاتها]:

- ‌المحْوَر الثَّالِثفِي الأُصُولِ وَالفِقْهِ وَالفَتْوى

- ‌الفَرْع الأَوّلالأصُوْل

- ‌حكمةُ التشريع الإسلامي وأثره في الأخلاق

- ‌المحكم والمتشابه

- ‌بيان وتأصيل وتحقيق لحكم البدعة والمنكر

- ‌الفَرْعَ الثَّانِيالفِقْهُ وَالفَتْوَى

- ‌حكم قراءة القرآن على الجنازة

- ‌قراءة القرآن في محطة الإذاعة

- ‌السؤال:

- ‌الجواب

- ‌[تمهيد: استحباب سماع القرآن]

- ‌ في حكم تصدي القارئ للقرآن بمركز الإذاعة

- ‌في حكم سماع السامعين قراءة القرآن من آلة الإذاعة:

- ‌ثبوت الشهر القمري

- ‌الجواب:

- ‌ثبوت شهر رمضان بالهاتف أو المذياع

- ‌النسب [في الفقه الإسلامي]

- ‌القسم الأول: معلومات تمهيدية

- ‌أهمية النسب في مباحثات الفقه:

- ‌اقتضاء الفطرة العناية بالنسب:

- ‌الأوهام التي علقت بالنسب:

- ‌عناية الشريعة بحفظ النسب:

- ‌القسم الثاني:‌‌ معنى النسبلغة، وحقيقته الشرعية، وأنواعه

- ‌ معنى النسب

- ‌حقيقة النسب:

- ‌أصناف النسب وأسماؤها الجارية في كلام الفقهاء:

- ‌القسم الثالث: طريقة ثبوت النسب

- ‌مصادر استنباطها:

- ‌مبنى النسب:

- ‌الطريق الأول: الفراش:

- ‌الثاني: الحمل:

- ‌الطريق الثالث: البينة:

- ‌الطريق الرابع: الدعوة:

- ‌الطريق الخامس: الإقرار بالنسب:

- ‌الطريق السادس: حوز النسب:

- ‌الطريق السابع: شهادة السماع

- ‌الطريق الثامن: القافة:

- ‌الطريق التاسع: حكم القاضي:

- ‌القضاء بالقرعة في النسب وغيره:

- ‌القسم الرابع: مبطلات النسب وما لا يبطله

- ‌تمهيد:

- ‌مبطلات النسب:

- ‌ما لا يبطل به النسب:

- ‌ما يتوهم أنه يقطع النسب:

- ‌القسم الخامس: آثار النسب

- ‌ الحفظ

- ‌البر

- ‌الصلة:

- ‌الوقف وآثاره في الإسلام

- ‌[تقديم]

- ‌نص ما به من الاقتراح الذي في جريدة الأهرام

- ‌أصل التملك قبل الإسلام:

- ‌مقصد الشريعة الإسلامية في تصريف الأموال

- ‌الوقف في نظر الشريعة الإسلامية:

- ‌انقسام الحبس:

- ‌هل الوقف من الإسلام

- ‌ليس الوقف حجرًا على الرشداء:

- ‌هل في الوقف مصلحة أو مفسدة

- ‌هل الوقف خرمٌ لنظام الاقتصاد العام

- ‌هل من حق ولاة الأمور منع الناس من الوقف

- ‌هل صدرت الفتوى بإبطال بعض أنواع الوقف؟ وهل إذا أفتى بذلك من أفتى تكون فتواه صحيحة

- ‌الصاع النبوي

- ‌المخالفة في مقادير المكاييل المستعملة في كثير من بلاد المسلمين ومقادير المكاييل الشرعية:

- ‌نشأة الصاع النبوي وما ظهر بعده من الأصواع:

- ‌ضبط مقدار الصاع النبوي بوجه عام:

- ‌ضبط مقدار الصاع النبوي بمكيال تونس الحالي:

- ‌خاتمة

- ‌زكاة الأموال

- ‌زكاة الحبوب

- ‌التعامل بالأوراق المالية

- ‌حكم الربا في التعامل بالأوراق المالية:

- ‌زكاة "تذاكر البانكة" [الأوراق المالية]

- ‌[معنى الأوراق المالية المعروفة بتذاكر البانكة]:

- ‌حكم زكاة الأوراق المالية المعبَّر عنها بتذاكر البانكة:

- ‌لحوق الأوراق النقدية بأصناف الزكاة

- ‌مشروعية الزكاة:

- ‌المعنى الموجب للزكاة:

- ‌جواز تصريف رقاع الديون مع التعجيل بإسقاط

- ‌جواز القرض برهن

- ‌المصطلح الفقهي في المذهب المالكي

- ‌[مقدمة: المصطلح الفقهي وترجمة القوانين الأجنبية]:

- ‌[المصطلح الفقهي بين الوضع اللغوي والنقل الشرعي]:

- ‌[عوامل تكون المصطلح الفقهي في المذهب المالكي]:

- ‌[فقه الإمام مالك في الموطأ وتأسيس المصطلح الفقهي]:

- ‌[تنوع أسلوب مالك في التعبير اللغوي عن مسائل الفقه]:

- ‌[تطور المصطلح الفقهى بانتشار فقه الإمام مالك]:

- ‌[منهجان في الفقه المالكي]:

الفصل: ‌ ‌زكاة الأموال (1) اصطلح أهلُ تونس على أن جعلوا يوم عاشوراء

‌زكاة الأموال

(1)

اصطلح أهلُ تونس على أن جعلوا يوم عاشوراء هو يوم إخراج زكاة أموالهم، والظاهر أنهم اعتبروا في ذلك أن المحرم هو مبدأ السنة العربية الإسلامية الهجرية. ولعلهم كانوا في هذه الأقطار يبتدئون في المحرم عقدَ شركات التجارة، وتنتهي عنده المحاسبات بين الشركاء وتقويم سلع التجارة.

ولعلهم في تعيينهم شهرًا لإخراج زكاة الأموال تابعون لاصطلاح سابق في صدر الإسلام، يشير إليه ما رواه الإمام مالك رحمه الله في الموطأ في باب الزكاة في الدين: أن عثمان بن عفان رضي الله عنه كان يخطب فيقول: "هذا شهرُ زَكاتِكُم، فَمَنْ كان عليه دينٌ فلْيُؤَدِّ دَيْنَه، حتَّى تَحْصُلَ أموالُكم فتؤدون منها الزكاة". (2) قال شراحه: وذلك

(1) الهداية الإسلامية، المجلد 7، الجزء 10، ربيع الثاني 1354 (ص 529 - 533)؛ المجلة الزيتونية، المجلد 1، الجزء 7، محرم 1356/ مارس 1937 (ص 325 - 328). هذه المقالة هي في الواقع إعادة صياغة لمجموعة من الفتاوى أساسها فتوى عن وقت وجوب الزكاة في النقدين والأوراق المالية وكيفيتها، ذكر الدكتور محمد السويسي أن "هذه الفتوى كان الشيخ ابن عاشور ينشرها كل عام في شهر المحرم طيلة وجوده على رأس مشيخة الإسلام. ومن ذلك أنه نشرها بجريدة الزهرة، عدد 8697، 13 محرم 1355/ 1936 (ص 2 - 3) مع اختلاف يسير". التوزري العباسي: الفتاوى التونسية، ج 2، ص 625، الحاشية 3. أما الأجزاء من الأخرى من المقالة - وهي تشمل الكلام على مصارف الزكاة والكلام على نقل الزكاة من بلد وجوبها إلى بلد آخر - فقد صدرت في صورة فتاوى في جريدتي الزهرة والنهضة خلال السنوات 1351/ 1932 و 1354/ 1935 و 1355/ 1936 (انظر المرجع نفسه، ص 700 - 701 و 731 - 732). وقد اعتمدنا في ضبط النص على مجلتي "الهداية" و"الزيتونية" حيث نشر مستقلًّا عن سؤال الاستفتاء في صورة مقال قائم بذاته.

(2)

موطأ الإمام مالك، "كتاب الزكاة"، الحديث 645، ج 2، ص 243 - 244. وانظر كذلك: المدونة الكبرى، "كتاب الزكاة الأول"، ج 1، ص 383.

ص: 950

في شهر رجب. (1) ولم يتكلم شراحُ الموطأ في هذا الأثر بكلام شاف؛ فمنهم من سكت، ومنهم مَنْ أجمل، وذلك دليلُ حيرتهم فيه. وذكر أبو الوليد الباجي في المنتقى احتمالاتٍ في المراد منه كلُّها مدخولة. (2)

وكلامُ الموطأ صريحٌ في أن هذا الكلام كان يتكرر من عثمان في هذا الشهر من كل عام، لقول الراوي:"كان يقول". فقول عثمان: "فمن كان عليه دين" إلخ، يعين أن يكون مرادُ عثمان بقوله "زكاتكم" زكاةَ النقدين وما في معناهما من التجارة

(1) لم أجده لا في المنتقى للباجي، ولا في القبس والمسالك لابن العربي، ولا التمهيد والاستذكار لابن عبد البر، ولا في غريب الموطأ لعبد الملك بن حبيب. وهو عند الزرقاني ونقله عنه اللكنوي، قال:" [قوله]: هذا شهر زكاتكم، قيل: الإشارة لرجب وإنه محمولٌ على أنه كان تمام حول المال، لكن يحتاج إلى نقل. ففي رواية البيهقي المذكورة عن الزهري: ولم يسم لي السائبُ الشهر، ولم أسأله عنه". الزرقاني: شرح الزُّرقاني على موطأ الإمام مالك، ج 2، ص 141؛ موطأ الإمام مالك برواية محمد بن الحسن الشيباني مع التعليق الممجد على موطأ محمد شرح العلامة عبد الحي اللكنوي، تحقيق تقي الدين الندوي (بوميائي: دار السنة والسيرة/ دمشق: دار القلم، ط 1، 1412/ 1992)، ج 2، ص 130 - 131. وقال ابن رجب:"وأما الزكاة فقد اعتاد أهلُ هذه البلاد إخراجَ الزكاة في شهر رجب، ولا أصلَ لذلك في السنة، ولا عُرف عن أحد من السلف. ولكن رُوي أن عثمان خطب الناس على المنبر فقال: هذا شهرُ زَكاتِكُم، فَمَنْ كان عليه دينٌ فلْيُؤَدِّ دَيْنَه، وليزكِّ ما بقي، خرجه مالك في الموطأ. وقد قيل: إن ذلك الشهر الذي كانوا يخرجون فيه زكاتهم نُسي فلم يُعرف. وقيل: بل كان شهر المحرم؛ لأنه رأس الحول، وقد ذكر الفقهاء من أصحابنا وغيرهم أن الإمام يبعث سعاته لأخذ الزكاة في المحرم. وقيل: بل كان شهر رمضان لفضله وفضل الصدقة فيه. وبكل حال، فإنما تجب الزكاة إذا تم الحول، فكل أحد له حولٌ يخصه بحسب وقت ملكه للنصاب، فإذا تم حوله وجب عليه إخراجُ زكاته في أي شهر كان". ابن رجب الحنبلي الدمشقي، زين الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن أحمد: لطائف المعارف فيما لمواسم العام من الوظائف، تحقيق عامر بن علي ياسين (الرياض: دار ابن خزيمة، ط 1، 1428/ 2007)، ص 289.

(2)

قال الباجي: "قوله: هذا شهر زكاتكم، يحتمل أن يقول هذا لمن عرف حاله في الحول، ويحتمل أن يريد أنه الشهر الذي جرت فيه عادةُ أكثرهم بإخراج الزكاة فيه، إن كان يريد العين وإن كان يريد الماشية والذي يجب إخراج الزكاة فيه، ليتمكن من بعث السعاة ذلك الوقت، فيؤخذ الزكاةُ فيها ولا يحتسب لهم في شيء من ذلك بما عليهم من الدَّين". المنتقى، ج 3، ص 164. وقد تابع الباجي في كلامه ابنُ العربي بصورة حرفية. انظر المسالك، ج 4، ص 41 - 42.

ص: 951

والديون. فيدلنا ذلك على أن المسلمين كانوا قد جعلوا شهرَ رجب مبدأَ العام التجاري، ففيه يعقدون عقودَ القراضات، ويتحاسبون على الديون. وهذا من المعروف في كل قطر أن يكون لهم شهرٌ يعتبرونه مبدأ سنةِ نوعٍ من المعاملات، نظيرَ ما عندنا بتونس في أكرية الرباع وفي أكرية الأرضين.

فمَنْ لم يكن ضابطًا لمبدأ حول النقدين عنده (ويكثر عدمُ الضبط في ذلك) يصير إلى الحول المعين عند أصحاب المعاملات، فيزول الإشكالُ الذي عرض لشرَّاح الموطأ في هذا الأثر. ولولا أن أهلَ تونس في القديم اعتبروا هذا المعنى كما اعتبره الذين خاطبَهم الخليفةُ الثالث، لمَا جاز لأحدٍ تأخيرُ زكاته إلى وقت معين إذا كان قد مضى على النصاب عنده عام، فإن مرورَ الحول على نصاب زكاة المال المقتنَى يختلف باختلاف أحوال اجتماع نُصب الأموال عند أربابها. والأمر سهلٌ إذا عسر ضبطُ مبادئ الأعوام بالنسبة لغالب الناس، فيُجعل يومُ عاشوراء هو وقت زكاة النقدين والتجارة.

فأما زكاة النقدين، فهي في الذهب والفضة المسكوكين، وفي قطع الذهب والفضة غير المُعَدَّة للباس المأذون فيه شرعًا، إذا مر عليها حولٌ وهي في ملك صاحبها. فأما الذهبُ فتجب فيه الزكاةُ إذا بلغ منه مقدارَ عشرين دينارًا شرعيًّا فصاعدًا، مضى عليها الحول. والدينار الشرعي وزنُه أربعةُ غرامات وعشرون سنتغرام من الذهب الخالص غير المخلوط. وحيث كانت السكةُ الذهبية في ممالك العالم المتمدن مخلوطةً على نسبة تسعين غرامًا وأربعين سنتغرام من سكة الذهب المعروفة، أعني مقدار أربع عشرة قطعة وخُمُسَيْ قطعة من قطع اللويز، وذلك صرفُ ألف وتسعمائة وخمسين فرنكًا فصاعدًا بحساب رواج اللويز (1) اليوم في صرفه بسكة الفضة أو بكوارط البنك. (2) وإذا كان الذهبُ أكثرَ خلطًا بالنحاس كذهب تونس

(1) قطع الذهب.

(2)

Bank notes.

ص: 952

المصوغ المعبَّر عنه بذوق تسعة، يكون النصابُ منه ضعفَ هذا المقدار تقريبًا، ويُخرِجُ المزكِّي على جملة ما عنده من الذهب رُبُعَ العشر، أعني اثنين ونصفًا في المائة.

وأما الفضة فنصابُها مائتا درهم، والدرهم وزنُه ثلاثةُ غراماتٍ من الفضة الخالصة. وحيث كانت الفضة المسكوكة في الممالك المتمدنة مخلوطةً بنسبة 83 جزءًا ونصف في المائة من الفضة وستة عشر جزءًا ونصف في المائة من النحاس، فنصابُ الفضة ستمائة غرام فضة خالصة، فإذا زيد عليها ما يعادل ما في الفضة من الخلط يكون نصابُ الفضة 700 غرام من سكة الفضة، وذلك مقدارُ سبعمائة فرنك فصاعدًا من سكة فرنسا وتونس الفضية الرائجة الآن بالمملكة التونسية. وعلى هذا التقدير يجري العملُ في بلاد الإسلام بنسبة صرف الغرام من الفضة، ويخرج المزكي عن ذلك ربع العشر.

واعلم أن المرجع في تقدير نصاب الزكاة للدرهم الشرعي، وهو الذي يساوي ثلاثةَ غرامات من الفضة الخالصة، وهذا الدرهم هو المسمَّى بدرهم الكيل. وإنما سمي بدرهم الكيل؛ لأن الخليفة عبد الملك بن مروان رحمه الله جعل الدرهمَ الشرعي هو وحدةَ المكاييل. قال فقهاؤنا: الدرهمُ الشرعي هو المسمَّى بدرهم الكيل، وهو خمسون حبةٍ وخُمُسَا حبة من مطلق الشعير. وسمي درهم الكيل؛ لأنه بتكييل عبد الملك بن مروان (أي بتحقيقه)، ولأنه تُقَدَّر به المكاييلُ الشرعية من أوقية ورطل وصاع ومد.

أما درهم النقد فأصنافٌ شتَّى في العصور المختلفة من عصور الإسلام، كما هو الحال في المكاييل. والدرهم الشرعي هو درهمٌ من دراهم النقد في عصر الدولة الأموية والدولة العباسية، والعبرةُ بالدرهم الذي بينته. وأما تذاكر البانكة المعبَّرُ عنها بالكوارط، فإنها تعتبر مقاديرُها المرسومة عليها، فالنصابُ من كوارط بنك فرانسا والجزائر هو مقدارُ سبعمائة فرنك فأكثر، ويخرج عنها ربع العشر، أعني اثنين ونصفًا في المائة. وذلك لأن الكوارط هي في الأصل بمنزلة ديونٍ وأماناتٍ عند

ص: 953

شركات البنوك مع إمكان قبض مقدار ما يُرسم بها، فبذلك كان لها حكمُ المال الناض على قول ابن القاسم رحمه الله في مثل هذا النوع من الديون حسب تحقيق نحارير المذهب، كابن عبد البر وابن رشد وخليل وابن عاشر. ثم إن هذه الديون المعبر عنها بكوارط البانكة بلغت بسبب قوة الثقة بالشركات المدينة بها وضمان الحكومات فيها إلى أن صار لها من الرواج بين الناس مثلُ ما للنقدين، فكانت جديرةً بأن تأخذ أحكامَ النقدين، إذ الأحكامُ منوطةٌ بالمعاني لا بالألفاظ.

وأما زكاة التجارة، فالتجارة قسمان: إدارة واحتكار. وأما الإدارة فهي غالبُ أنواع التجارة التي يقرر أصحابُها أرباحًا مناسبة لإقامة تجارتهم، بحيث يكثر عندهم البيعُ وتجديد السلعة. فهؤلاء يقوِّمون سِلَعَهم في مبدإ كل عام، فإذا بلغت قيمتُها حدَّ النصاب بأحد النقدين - وهو في تونس الفرنك؛ لأنه الرائج في التعاقد - فيُخرجون زكاتَها ربعَ العشر. وكذلك أرباحُهم الناضَّة بأيديهم أو المؤمنة في البنوك، يزكونها إذا مضى حولٌ على رأس المال. وكذلك الديونُ التي لهم على الناس إذا كانت في محلَّ ثقة وأمانة مع إمكان استخلاصها، ويطرحون الديونَ التي عليهم من جملة أموالهم، ويزكون ما فضل بعد طرح الديون. (1)

وأما الاحتكار فهو المعبَّرُ عنه في اصطلاح التجار بالتجارة الميتة التي يطلب أصحابُها أرباحًا عظيمة، حيث لا يبيعون إلا قليلا. فهؤلاء لا يزكون إلا إذا باعوا السلعةَ بعد حول فأكثر من اليوم الذي زكُّوا فيه أثمانَها، فيكون عامُ كلِّ واحد من هؤلاء متعددًا. فلكل سلعة نصابُ عامِها الخاص بها، فيجب عليهم ضبطُ ذلك بالتحرير لئلا يؤخِّروا زكاةَ كلِّ سلعة باعوها عن وقت وجوب زكاتها.

(1) انظر في هذا: المدونة الكبرى، "كتاب الزكاة الأول"، ج 1، ص 362 - 364؛ النوادر والزيادات، "كتاب الزكاة"، ج 2، ص 167 - 168.

ص: 954

ومصارفُ الزكاة مجموعةٌ في قوله تعالى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا} [التوبة: 60] ، وهم الذين يبعثهم الأمير لاستخلاص الزكاة وكتابة مقاديرها ونحو ذلك، فيأخذون أجورهم على خدمتهم من أموال الزكاة. {وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ} ، وهم الذين دخلوا في الإسلام حديثًا، {وَفِي الرِّقَابِ} أي عتق العبيد، {وَالْغَارِمِينَ} ، وهم الذين عليهم ديونٌ في غير معصية، أو في معصية وثبتت توبتُهم منها، ولم تكن لهم أموالٌ فاضلة تُدفع منها ديونُهم ولو كانت لهم عروضٌ تكفي عيالهم، {وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ} وهو الغريب إذا لم يجد مالًا في بلد غربته في طريق سفره. (1)

واعلم أنه يجوز للإنسان أن يعطيَ زكاتَه إلى أقاربه الذين لا تجب عليه نفقتُهم، ويجوز للمرأة أن تعطيَ زكاةَ مالها لزوجها الفقير أو المدين. ويُعْطَى لكلِّ واحدٍ من مصارفها ما يكفيه لدفع السبب الذي لأجله استحقَّ الزكاة. و [اعلم](2) أن زكاة النقدين تُوَزَّع في البلد الذي فيه المالك، والمراد بالبلد هو الموضع الذي ينضبط بالعرف بأنه بلد، إذ قد تكون الأرضون شاسعةً لا سُكَّانَ فيها، وهي تابعةٌ لمدينة أو قرية كالهناشير التابعة للبلدان، أو تكون حولها وعن بعد منها أحياء أو بيوت، فموضعُ الوجوب ما كان بلدًا، أو قرية، أو قرى متجاورة، أو أحياء، هي أقرب لموضع المزكي.

(1) لم يبين المصنف ما المراد بـ "في سبيل الله"، كما بين بقية المصارف. ولعله من المناسب هنا جلبُ كلامه في ذلك من التفسير، حيث قال:"وسبيل الله لم يُختلف أن الغزو هو المقصود، فيُعطى الغزاةُ المحتاجون في بلد الغزو، وإن كانوا أغنياء في بلدهم. وأما الغزاة الأغنياء في بلد الغزو فالجمهور أنهم يُعطَوْن، وبه قال الشافعي وإسحاق، وقال أبو حنيفة: لا يُعطَون". ثم قال توسيعًا لمعنى في سبيل الله: "والحق أن سبيل الله يشمل شراء العدة من سلاح وخيل ومراكب بحرية ونوتية ومجانيق، وللحملان، ولبناء الحصون وحفر الخنادق، وللجواسيس الذين يأتون بأخبار العدو. وبه قال محمد بن عبد الحكم من المالكية، ولم يُذكر أن له مخالفًا، وأشعر كلام القرطبي في التفسير أن قول ابن عبد الحكم مخالفٌ لقول الجمهور". تفسير التحرير والتنوير، ج 6/ 10، ص 239 - 240.

(2)

زيادة اقتضاها السياق.

ص: 955

وأما نقلة الزكاة إلى موضع غير الموضع الذي وجبت فيه، ففيه صور:

1 -

الصورة الأولى: أن يكون أهلُ الموضع أغنياء، أو يكون المحتاجون فيهم قليلًا جدًّا، قال مالك: يجوز أن تُنقل الزكاةُ إلى البلد الذي فيه المساكين، ويُنقل ما فضل عن فقراء البلد إلى فقراء البلد الآخر. (1)

2 -

الصورة الثانية: أن يكون في بلد الوجوب فقراء، ويكون في بلد آخر مجاعة أو حاجة، فيجوز نقلُ الزكاة إلى البلد الذي فيه المجاعة حتى يستغني فقراؤه، ولا يُعطى منها فقراءُ البلد الذي وجبت فيه الزكاة إذا كان فقرُهم لم يبلغ مبلغَ الحاجة أو المجاعة.

3 -

الصورة الثالثة: أن يفضل من مقدار الزكاة ما هو زائدٌ على حاجة فقراء البلد الذي وجبت فيه الزكاة، فهذا يُنقل إلى فقراء بلد آخر. ثم إن المزكِّي إذا دفع زكاتَه لفقراء بلدٍ غير البلد الذي وجبت فيه الزكاةُ في الصورة التي لم يُؤْذَنْ له فيها بنقل الزكاة أجزأه ذلك، ولكنه فعل مكروهًا، وهو قولُ ابن القاسم رحمه الله. (2)

وحرره الفقير إلى ربه محمد الطاهر ابن عاشور

شيخ الإسلام المالكي لطف الله به

في 30 ذي الحجة 1355، وفي 3 مارس من سنة 1937.

(1) القيرواني: النوادر والزيادات، "كتاب الزكاة"، ج 2، ص 290 - 293؛ ابن رشد: البيان والتحصيل، "كتاب زكاة الحبوب والفطر"، ج 2، ص 501 - 502.

(2)

انظر المواق: التاج والإكليل بهامش مواهب الجليل للحطاب، ج 3، ص 247. وراجع كذلك في نقل الزكاة، القرضاوي، يوسف: فقه الزكاة (بيروت: مؤسسة الرسالة، ط 7، 1422/ 2001)، ج 2، ص 297 - 309.

ص: 956