الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فالنسب المعتبر شرعًا هو النسب الذي تُساوِقُ أحوالُه وأحكامُه الحقَّ الذي أراده الله لتكوين الأسرة. وقوانينُ حماية النسب في الشريعة تنضوي إلى أصل كلِّيٍّ من كليات الشريعة، وهو أصلُ حفظ الأنساب، أحد الكليات الضرورية الخمسة أو الستة، وهي: حفظ الدين، والنفس، والعقل، والنسب، والمال. قيل: وحفظ العرض. (1) فيأتِي حفظُ النسب في المرتبة الرابعة متدرجًا تدرجًا طبيعيًا.
وجاء في كتاب "مقاصد الشريعة الإسلامية" أن مقصد حفظ النسب هو انتسابُ النسل إلى أصله في نفس الأمر، وهو النسب الكامل شرعًا، وأن عده في الضروري ناظر لأهمية شأنه؛ إذ إن دخول الشك عليه يفيت الداعي النفسي الباعث على الذب عنه وحياطته والقيام عليه بما به بقاؤه. وأن حفظه عند التحقيق من قبيل الحاجي ولكنه شبيه بالضروري. (2)
وإلى ذلك الأصل ترجع الأحكامُ الشرعية الحائمة حول حياطته من الانخرام والشك في واقعيته، مثل تشريع الزواجر على الاعتداء عليه، كحد الزنى وتعزير الاغتصاب. وشرع عدة الوفاة، وإيجاب الإشهاد على النكاح عند العقد أو قبل البناء (على الخلاف). وقد تقرر من قواعد الفقه أن الشارع متشوِّفٌ لِلَحاق النسب. (3)
عناية الشريعة بحفظ النسب:
4 -
ولاعتناء الشريعة بحفظ النسب تكرر فيها الأمر بحفظه عن تطرُّق الشك إليه، والتحذير من ذرائع التهاون به، قال تعالى: {مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ
(1) انظر في ذلك: القرافي، شرح تنقيح الفصول، ص 377؛ الطوفي، نجم الدين سليمان بن عبد القوي: شرح مختصر الروضة، تحقيق عبد الله عبد المحسن التركي (بيروت: مؤسسة الرسالة، 1410/ 1990)، ج 3، 209. - المحقق.
(2)
ابن عاشور: مقاصد الشريعة الإسلامية، ص 305. - المحقق.
(3)
شرح عبد الباقي الزرقاني على مختصر خليل وحاشية البناني عليه، المطبعة البهية بمصر 1307، ج 6، ص 105.
فِي جَوْفِهِ وَمَا جَعَلَ أَزْوَاجَكُمُ اللَّائِي تُظَاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهَاتِكُمْ وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ ذَلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْوَاهِكُمْ وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ (4)} [الأحزاب: 4]. وفي الحديث الصحيح قال النبي صلى الله عليه وسلم: "من ادعى إلى غير أبيه وهو يعلم أنه غير أبيه، فالجنة حرام عليه"، (1) وقال:"لا ترغبوا عن آبائكم، فمن رغب عن أبيه فقد كفر"، (2) وقال النبي صلى الله عليه وسلم:"تعلموا من أنسابكم ما تصلون به أرحامَكم" رواه الترمذي (3)(واتفق أهلُ السنة على أن قوله: "فالجنة عليه حرام" وقوله: "فقد كفر" مؤَوَّل لقصد التغليظ). ولمراعاة هذا المقصد، اتفق فقهاء الأمصار على اعتبار الأحوال النادرة في إلحاق النسب، كما أشار إليه القرافي في الفرقين 175 و 239. (4)
واختلفوا فيما اشتدت ندرته، وقد توسع الحنفي في ذلك، كما في مسألة لحاق ولد المشرقي بالمغربية مع تعذر التقاء الزوجين، وكما في مسألة زوجة المجبوب إذا جاءت بولد بعد أن فرق القاضي بينهما بسنتين فما دونهما أن الولد يلحق بالزوج المجبوب. (5)
(1) صحيح البخاري في "باب غزوة الطائف" وصحيح مسلم في كتاب الإيمان، وانظر فتح الباري 15/ 57 والرواية الواردة:"فهو كفر". - المصنف.
(2)
صحيح البخاري، "كتاب الفرائض"، الحديث 6768، ص 1167؛ صحيح مسلم، "كتاب الإيمان"، الحديث 113، ص 47. وفيه لفظ:"فهو كفر" بدل "فقد كفر". وأما بهذا اللفظ فقد أخرجه المتقي الهندي في "كنز العمال". - المحقق.
(3)
وتمام لفظه عن أبي هُرَيرَةَ عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "تعلَّموا من أنسابكُمْ ما تصِلُونَ بهِ أرحامكُمْ فإنَّ صلةَ الرَّحمِ محبَّةٌ في الأهلِ مثراةٌ في المالِ منسأةٌ في الأثر". سنن الترمذي، "البرِّ والصلةِ عن رَسُولِ الله البرِّ والصلةِ عن رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم"، الحديث 1979، ص 482. قال الترمذي:"هذا حديثٌ غريبٌ مِن هَذا الوَجْه، ومعنى قوله: "منسأةٌ في الأثرِ"، يعني بهِ الزِّيادةَ في العُمرِ". - المحقق.
(4)
القرافي: كتاب الفروق، ج 3، ص 1002، وج 4، ص 1263. - المحقق.
(5)
الدر المختار شرح تنوير الأبصار حاشية ابن عابدين رد المحتار، مطبعة بولاق بمصر 1286، ص 918 جزء 2.
وجعلت الشريعةُ أحكامَ بُطلان ما حاد عن قوانين الشريعة، مثل النسب الناشئ عن الزنَي، وعن الاستبضاع، وعن البغاء، وعن إلاطة البغايا أنسابَ ما يولد لهن بِمَنْ يرينه من الذين يغْشوْنَهن. (1)
(1) وذلك ما بينه حديث عائشة رضي الله عنها، "عن ابن شهاب قال: أخبرني عروة بن الزبير أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أخبرته أن النكاح في الجاهلية كان على أربع أنحاء: فنكاحٌ منها نكاح الناس اليوم: يخطب الرجل إلى الرجل وليته أو ابنته، فيصدقها ثم ينكحها. ونكاحٌ آخر: كان الرجل يقول لامرأته إذا طهرت من طمثها أرسلي إلى فلان فاستبضعي منه، ويعتزلها زوجها ولا يمسها أبدًا، حتى يتبين حملها من ذلك الرجل الذي تستبضع منه. فإذا تبين حملها أصابها زوجها إذا أحب، وإنما يفعل ذلك رغبةً في نجابة الولد، فكان هذا النكاح نكاح الاستبضاع. ونكاح آخر: يجتمع الرهط ما دون العشرة، فيدخلون على المرأة، كلهم يصيبها، فإذا حملت ووضعت، ومر عليها ليال بعد أن تضع حملها، أرسلت إليهم، فلم يستطع رجل أن يمتنع، حتى يجتمعوا عندها، تقول لهم: قد عرفتم الذي كان من أمركم وقد ولدت، فهو ابنك يا فلان، تُسَمِّي مَنْ أحبت باسمه فيلحق به ولدُها، لا يستطيع أن يمتنع منه الرجل. ونكاح رابع: يجتمع الناس كثيرًا، فيدخلون على المرأة، لا تمتنع ممن جاءها، وهن البغايا، كن ينصبن على أبوابهن رايات تكون علمًا، فمن أراد دخل عليهن. فإذا حملت إحداهن ووضعت حملها، جُمِعوا لها، ودعوا القافة، ثم ألحقوا ولدها بالذي يرون، فالتاط به، ودعي ابنه، لا يمتنع من ذلك. فلما بعث النبي صلى الله عليه وسلم بالحق، هدم نكاح الجاهلية كله إلا نكاح الناس اليوم". صحيح البخاري، "كتاب النكاح"، الحديث 5127، ص 917. - المحقق.