الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مَنْ غاب عن زوجته فبلغها موته أو طلاقه، فظنت وقوع ذلك واعتدت وتزوجت بآخر وولدت أولادًا، ثم تبين خلافُ ما بلغها وكانت قد ولدت أولادًا، فالأولاد للثاني. (1)
الثاني: الحمل:
17 -
الحمل منشأ النسب، فكان حريًّا بضبط أحواله الشرعية للاعتداد به (2)(مبدأً ونهاية). فأقلُّ مدة الحمل بالجنين ستةُ أشهر، وأقصى مدة بقائه في بطن أمه سنتان، (3) وهذا مذهبُ الحنفية. لا خلاف بين علماء الإسلام في أن أقل مدة الحمل ستةُ أشهر، للإجماع على ذلك.
وأما أقصى مدة الحمل ففيها اختلافٌ كثير؛ ففي المالكي أقصى أمد الحمل خمسُ سنين، (4) وبه القضاء. (5) وفي الشافعي أكثرُ مدة الحمل أربعُ سنين، (6) وفي الحنبلي مثلُ الشافعي. (7) ولا دليلَ لواحد من هذه المذاهب من الكتاب، أو السنة، أو الإجماع، أو القياس.
واحتج الحنفيةُ بقول عائشة المرويِّ في سنن الدارقطني وسنن البيهقي، (8) فهو أمثلُ ما رُوِيَ في هذا الباب، وهو قولُ صاحبيه.
(1) الدر المختار، ص 714؛ ورد المختار ص 714 - 715 جزء 2.
(2)
رد المحتار ص 963 جزء 2.
(3)
الدر المختار، ص 963 جزء 2.
(4)
شرح التاودي على التحفة، ص 431 جزء 1، والبناني على عبد الباقي ص 205 جزء 4.
(5)
عند البلاد التي التزمت مذهب مالك.
(6)
المهذب للشيرازي، ص 142 جزء 2.
(7)
زاد المستقنع بمختصر المقنع وعليه الروض المربع ومعه نيل المآرب على دليل الطالب، المطبعة الخيرية للخشاب 1324، ص 168 جزء 2.
(8)
سيأتي ذكره وتخريجه بعد قليل.
دليلُ أقل مدة الحمل الإجماع: رُوي أن امرأة تزوجت فولدت لستة أشهر من يوم تزوجت، فأُتِيَ بها عثمانَ رضي الله عنه، فأراد أن يرجمها أو أمر برجمها، وسأل الناسَ فقال له علي رضي الله عنه:"إن تُخاصِمْكم بكتاب الله تَخْصُمْكم، قال تعالى عز وجل: {وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا} [الأحقاف: 15]، وقال: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ} [البقرة: 233]، وقال: {وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ} [لقمان: 14]. فالحملُ ستةُ أشهر، والفصالُ أربعة وعشرون شهرًا". وفي رواية أن عثمان سألَ الناس، فقال له ابن عباس ما ذُكر آنفًا، وأن عثمان رجع إلى قول علي وابن عباس، وخلَّى سبيلَ المرأة. (1)
وقد انعقد الإجماعُ على أن أقل مدة الحمل ستةُ أشهر. (2) وأما أقصى مدةِ الحمل عند الحنفية، فلِمَا رواه الدارقطني والبيهقي في سننهما أن عائشة رضي الله عنها قالت:"ما تزيد في الحمل سنتين قَدْرَ ما يتحول ظل عود المغزل". (ظلُّ المغزل مَثَلٌ للقلة؛ لأنه في حال الدوران أسرعُ زوالًا من سائر الظلال). (3)
(وتظهر فائدة هذه المسألة في لحاق الولد المحمول به من زوجة أو من سُرِّيَّة إذا ولد لأقل من أدنى مدة الحمل. وفي إبطال دعوى المعتدة الحامل أن حملها مستمر إذا تجاوزت مدةُ حملها أقصى أمد الحمل من وقت تحققه)(4)
(1) أحكام القرآن لأبي بكر الجصاص، المطبعة البهية بمصر 1347، ص 479 جزء 3؛ وأحكام القرآن لأبي بكر ابن العربي، مطبعة السعادة بمصر 1331 هـ، ص 317 جزء 2.
(2)
الدر المختار، ص 963 جزء 2.
(3)
رد المحتار، ص 963 جزء 2. - المصنف. الدارقطني: سنن الدارقطني، "كتاب النكاح"، الحديث 3816/ 282، ج 3، ص 251؛ البيهقي: السنن الكبرى، "كتاب العدد - باب ما جاء في أكثر الحمل"، الحديث 15552 وكذلك 15553 (مع اختلاف يسير)، ج 7، ص 728. - المحقق.
(4)
الدر المختار، ص 963 جزء 2.
18 -
لا بد في إثبات لحاق نسب المولود من أن تلده المرأة بعد مضيِّ أقلِّ مدة الحمل منذ وقتِ العقد على الزوجة (أي وقت حصول الملك على الأمة). (1) هذا الحكم مجمع عليه. (2)
19 -
يثبت نسبُ الولد تلده زوجةٌ معتدة بحيضٍ أو بأشهر في طلاق رجعي، وإن ولدته لأكثر من سنتين من يوم المفارقة (3) ولو لعشرين سنة فأكثر، لاحتمال أن تكون طهرت في أثناء العدة وعلقت بحمل بعد طهر، وأن تكون ظنت نفسَها آيسةً واعتدت بالأشهر، فظهر أنها غير آيسة (أي وإنما تأخر حيضُها عدة أشهر فظنت نفسها آيسة، وهذا يحصل كثيرًا للمرأة إذا قاربت إبان الإياس) وعلقت بحبل بعد أن حاضت. ويعتبر حملُها مراجعةً من زوجها؛ لأنه اعتبر بمنزلة وطئه إياها - إلا إذا أقرت بمُضِيِّ عدتها في مدة تحتمل ذلك، فالعمل على إقرارها - ويعتبر حملُها مراجعة. (4) أي لأن المطلقة الرجعية لها حكمُ الزوجة فحملها في مدة المدة يُحمل على الحلال - لانتفاء الزِّنَى عن المسلم ظاهرًا - فيحمل على أن مفارقها قاربها فيكون الحمل منه. (5) فهذه المرأة معتبرة فراشًا لمفارقها ما لم ينفه مفارقها بلعان، وإن تناكرا في أنها ولدت المولود فعليها البينة. (6)
في المالكي إن أتت المعتدةُ بولد بعد العدة لدون أقصى أمد الحمل - وهو خمس سنين على المشهور - لحق بالمطلِّق إلا أن ينفيَه بلعان، ولا يضرها لو كانت أقرتْ بأن عدتها انقضت (إن كانت معتدة بالأقراء)؛ لأن دلالةَ القرء على براءة
(1) كنز الدقائق للزيلعي، ص 38 - 39 جزء 3.
(2)
نيل الأوطار، ص 211 جزء 6.
(3)
رد المحتار، ص 963 جزء 2.
(4)
شرح الزيلعي على كنز الدقائق، ص 963 جزء 2؛ والدر المختار ورد المحتار ص 963 جزء 2.
(5)
شرح الزيلعي على كنز الدقائق، ص 39 جزء 3.
(6)
الدر المختار، ص 968 جزء 2.
الرحم أكثرية، ولأن الحامل قد تحيض. ولو تزوجت قبل الخمس سنين بأربعة أشهر فولدت لخمسة أشهر من نكاح الثاني، لم يلحق الولدُ بواحد منهما. (1)
20 -
الزوجة المطلقة بتاتًا، حرة كانت أو أمة، إذا جاءت بولد لأقل من سنتين من وقت الطلاق يثبت نسبه إذ لا يجوز أن تكون المرأة علقت به قُبيل صدور الطلاق (لأن المبتوتة لا يُقدم مطلِّقُها على قربانها، ولا هي تمكنه من نفسها حملًا للمسلمين على صلاح الديانة).
في المالكي موافقة، لقوله تعالى:{وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ} [البقرة: 228]، فجَعلَهن مؤتمَناتٍ على ما في أرحامهن، إلا إذا ادعت المرأة دعوى مستبعدة. (2) وفي الشافعي مثلُ المالكي، (3) وفي الحنبلي مثلُه. (4)
وقيل يثبت لتصوره العلوق في حين صدور الطلاق، وصوبه صاحبُ الجواهر إلا إذا ادعاه المطلق فيلحق به؛ لأن دَعوته شبهةُ عقد لإمكان أن يكون قاربَها في العدة ظنًّا منه بأنها كالرجعية، ولو لم تصدقه المرأة في أنه منه. وحمل الخلاف على اختلاف الرواية. (5)
21 -
المطلقة إذا لم تكن بالغةً بل كانت مراهقة (أي مقاربة البلوغ) - وأقلُّ ذلك أن تكون بنتَ تسع سنين فأكثر (ولم تظهر بها علامةُ البلوغ) - يثبت نسب الولد الذي تلده لمدة أقل من تسعة أشهر من وقت الطلاق، سواء كان الطلاق رجعيًّا أم بائنًا؛ لأن عدتها ثلاثة أشهر وأقل مدة الحمل ستة أشهر، فمجموع ذلك تسعة أشهر. فإن ولدته لأكثر من تسعة أشهر، لم يثبت نسبه لكون الحمل حصل بعد
(1) شرح عبد الباقي الزرقاني على مختصر خليل، ص 205 جزء 4.
(2)
شرح السجلماسي على نظم العمليات العامة، ص 82 - 83.
(3)
المهذب للشيرازي، ص 142 سطر 28 جزء 2.
(4)
المغني، ص 489 جزء 8.
(5)
الدر المختار ورد المحتار، ص 964 جزء 2.
العدة. (1) هذا، وإن اختلف الزوجُ والزوجة في مدة الحمل بعد الولادة، فادعت الأكثرَ وادعى الأقل، فالقولُ للزوجة بلا يمين. (2)
22 -
لو باع المالك أمةً فولدت لأقل من ستة أشهر منذ بيعت فادعى هذا البائع أن المولود ابنه، يثبت نسبُه إليه (فيفسخ البيع ويرد الثمن؛ لأن أم الولد لا تباع).
لكن إن ادعى مشتري الأَمَة أن المولود ابنُه قبل أن يدعيَه البائع، ثبت نسبُ المولود لمشتري أُمِّه، لوجودِ ملكه لها وكونها أمَّ ولده بإقراره. ولا يلحق الولد بالبائع؛ لأنه قد استقر لحاقُه بمشتري الأمَة الذي ادعاه (أي فيرجح قولُ المشتري؛ لأنه معضودٌ بالسبق وبالحوز، ولأن بيع البائع إياها يقتضي إقرارًا بأنها ليست أم ولد.
وأما كونُ الولادة لأقل من ستة أشهر منذ اشتراها هذا المشتري، فذلك من إعمال دليل الإمكان، لاحتمال أنه وطئ الأمة قبل أن يشتريَها، وأنه إنما اشتراها لذلك السبب. وإن كان بيعُه إياها يقتضي بطريق الاستلزام أنه مقِرٌّ بأنها ليست أمَّ ولده؛ لأن الشأن أن أمَّ الولد لا تُباع، وذلك الاقتضاءُ يناقض ادعاءه أنه ابنُه، لكن اغتُفِر له هذا التناقضُ استحسانًا على خلاف القياس. فلو تداعياه في وقت واحد، رجَح ادعاءُ البائع أن ادعاءه دِعوةُ استيلاد وادعاء المشتري دِعوةُ تحرير، ودِعوة الاستيلاد أوْلَى من دِعوة التحرير. (3)
في المالكي: أما الصورة الأولى فالمالكي موافقها، وأما صورة تداعي بائع الأمة ومشتريها فقواعد المذهب المالكي تخالفها، وقد يشملها قولُ خليل:"وإلا لحق به". (4)
(1) الدر المختار ورد المحتار، ص 966، جزء 2.
(2)
الدر المختار، ص 970 جزء 2.
(3)
الدر المختار، ص 682 - 687؛ ورد المحتار، ص 682 جزء 4؛ وكنز الدقائق للزيلعي، ص 329 جزء 4.
(4)
خليل في باب أم الولد من عبد الباقي، ص 163 جزء 8. - المصنف. (مختصر خليل، ص 139).