الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[أَخَذَ الْعَشْر مِنْ الذِّمِّيِّينَ وَالْحَرْبِيِّينَ]
(وَأُخِذَ مِنْ تُجَّارِهِمْ) أَيْ أَهْلِ الذِّمَّةِ، (وَلَوْ) كَانُوا (أَرِقَّاءَ أَوْ صِبْيَةً عُشْرُ
ــ
[حاشية الصاوي]
لَا يُمْكِنُ الْخَلَاصُ بِدُونِهِ؟ وَهُوَ الْوَجِيهُ - خِلَافٌ. وَمَحَلُّ رُجُوعِ الْفَادِي عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ إنْ لَمْ يَكُنْ الْمُفْدَى مَحْرَمًا أَوْ زَوْجًا إنْ عَرَفَهُ أَوْ كَانَ الْمَحْرَمُ يَعْتِقُ عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَعْرِفْهُ مَا لَمْ يَأْمُرْ الْمَحْرَمُ أَوْ الزَّوْجُ الْفَادِيَ بِالْفِدَاءِ أَوْ يَلْتَزِمُهُ، وَإِلَّا فَيُرْجَعُ بِهِ عَلَيْهِ. وَيُفَضُّ الْفِدَاءُ عَلَى عَدَدِ الْمُفْدَيْنَ إنْ جَهِلَ الْكُفَّارُ قَدْرَ الْأُسَارَى مِنْ غِنًى وَفَقْرٍ وَشَرَفٍ وَوَضَاعَةٍ، فَإِنْ عَلِمُوا قَدْرَهُمْ فُضَّ عَلَى قَدْرِ مَا يُفْدَى بِهِ كُلُّ وَاحِدٍ بِحَسَبِ عَادَتِهِمْ، وَلَوْ تَنَازَعَ الْأَسِيرُ وَالْفَادِي، فَالْقَوْلُ لِلْأَسِيرِ فِي إنْكَارِ الْفِدَاءِ مِنْ أَصْلِهِ أَوْ قَدْرِهِ، وَلَوْ كَانَ الْأَسِيرُ بِيَدِ الْفَادِي. وَيَجُوزُ فِدَاءُ أُسَارَى الْمُسْلِمِينَ بِأُسَارَى الْكُفَّارِ الَّذِينَ عِنْدَنَا وَلَوْ كَانُوا شُجْعَانًا إذَا لَمْ يَرْضَوْا إلَّا بِذَلِكَ لِأَنَّ قِتَالَهُمْ لَنَا مُتَرَقَّبٌ، وَخَلَاصُ الْأُسَارَى مُحَقَّقٌ، وَقَيَّدَهُ اللَّخْمِيُّ بِمَا إذَا لَمْ يُخْشَ مِنْهُمْ وَإِلَّا حَرُمَ. وَيَجُوزُ أَيْضًا بِالْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ عَلَى الْأَحْسَنِ، وَصِفَةُ مَا يُفْعَلُ فِي ذَلِكَ أَنْ يَأْمُرَ الْإِمَامُ أَهْلَ الذِّمَّةِ بِدَفْعِ ذَلِكَ لِلْعَدُوِّ وَيُحَاسِبَهُمْ بِقِيمَةِ ذَلِكَ مِمَّا عَلَيْهِمْ مِنْ الْجِزْيَةِ، فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ جَازَ شِرَاؤُهُ لِلضَّرُورَةِ. وَلَوْ فَدَى مُسْلِمٌ مُسْلِمًا أَوْ ذِمِّيًّا بِخَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ فَلَا رُجُوعَ لَهُ بِهِ عَلَيْهِ، سَوَاءٌ كَانَ مِنْ عِنْدِهِ أَوْ اشْتَرَاهُ. وَفِي جَوَازِ فِدَاءِ الْأَسِيرِ الْمُسْلِمِ بِالْخَيْلِ وَآلَةِ الْحَرْبِ قَوْلَانِ: إذَا لَمْ يُخْشَ مِنْ الْفِدَاءِ بِهِمَا الظَّفَرُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، وَإِلَّا مُنِعَ اتِّفَاقًا.
قَوْلُهُ: [وَأُخِذَ مِنْ تُجَّارِهِمْ] إلَخْ: سَبَبُ ذَلِكَ قَوْلُ مَالِكٍ فِي الْمُوَطَّإِ: وَلَيْسَ عَلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ وَلَا عَلَى الْمَجُوسِ فِي نَخِيلِهِمْ وَلَا كُرُومِهِمْ وَلَا زَرْعِهِمْ وَلَا عَلَى مَوَاشِيهِمْ صَدَقَةٌ، لِأَنَّ الصَّدَقَةَ إنَّمَا وُضِعَتْ عَلَى الْمُسْلِمِينَ تَطْهِيرًا لَهُمْ وَرَدًّا عَلَى فُقَرَائِهِمْ، وَوُضِعَتْ الْجِزْيَةُ عَلَى أَهْلِ الْكِتَابِ صَغَارًا لَهُمْ فَهُمْ وَإِنْ كَانُوا بِبَلَدِهِمْ الَّذِي صَالَحُوا عَلَيْهِ لَيْسَ عَلَيْهِمْ شَيْءٌ سِوَى الْجِزْيَةِ فِي شَيْءٍ مِنْ أَمْوَالِهِمْ، إلَّا أَنْ يَتَّجِرُوا فِي بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ وَيَخْتَلِفُوا فِيهَا. فَيُؤْخَذُ مِنْهُمْ الْعُشْرُ فِيمَا يُدِيرُونَ مِنْ التِّجَارَاتِ، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ إنَّمَا وُضِعَتْ عَلَيْهِمْ الْجِزْيَةُ وَصَالَحُوا عَلَيْهَا عَلَى أَنْ يُقَرُّوا بِبِلَادِهِمْ، وَيُقَاتَلَ عَنْهُمْ عَدُوُّهُمْ. فَمَنْ خَرَجَ مِنْ بِلَادِهِ مِنْهُمْ إلَى غَيْرِهَا يَتَّجِرُ فَعَلَيْهِ الْعُشْرُ مَنْ تَجَرَ مِنْهُمْ مِنْ أَهْلِ مِصْرَ إلَى الشَّامِ، أَوْ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ إلَى الْعِرَاقِ أَوْ مِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ إلَى الْمَدِينَةِ، أَوْ إلَى الْيَمَنِ وَمَا أَشْبَهَ هَذَا مِنْ الْبِلَاد فَعَلَيْهِ الْعُشْرُ وَلَا صَدَقَةَ عَلَى أَهْلِ الْكِتَابِ وَلَا الْمَجُوسِ فِي شَيْءٍ مِنْ مَوَاشِيهِمْ وَلَا ثِمَارِهِمْ وَلَا زُرُوعِهِمْ مَضَتْ بِذَلِكَ السُّنَّةُ، وَيُقَرُّونَ عَلَى دِينِهِمْ وَيَكُونُونَ
ثَمَنِ) بِفَتْحِ الْمُثَلَّثَةِ (مَا بَاعُوهُ) مِنْ الْعُرُوضِ وَالْأَطْعِمَةِ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ، فَإِذَا لَمْ يَبِيعُوا شَيْئًا لَمْ يُؤْخَذْ مِنْهُمْ شَيْءٌ، وَقِيلَ: يُؤْخَذُ مِنْهُمْ عُشْرُ مَا جَلَبُوهُ كَالْحَرْبِيِّينَ، فَيُؤْخَذُ مِنْهُمْ وَلَوْ لَمْ يَبِيعُوهُ (مِمَّا) أَيْ مِنْ عَرَضٍ أَوْ طَعَامٍ (قَدِمُوا بِهِ مِنْ أُفُقٍ) أَيْ قُطْرٍ وَإِقْلِيمٍ (إلَى) أُفُقٍ (آخَرَ) كَمِصْرِ وَالشَّامِ وَالرُّومِ وَالْمَغْرِبِ، فَإِذَا قَدِمَ مِنْ إقْلِيمٍ إلَى إقْلِيمٍ آخَرَ أُخِذَ مِنْهُ مَا ذُكِرَ، وَمَا دَامَ فِي إقْلِيمِهِ كَالْمِصْرِيِّ يَنْتَقِلُ بِتِجَارَتِهِ مِنْ الْإِسْكَنْدَرِيَّة إلَى الْقَاهِرَةِ مَثَلًا، لَمْ يُؤْخَذْ مِنْهُ شَيْءٌ كَمَا سَيُنَصُّ عَلَيْهِ.
(وَ) أُخِذَ مِنْهُمْ (عُشْرُ عَرَضٍ) أَوْ حَيَوَانٍ (اشْتَرَوْهُ) فِي غَيْرِ إقْلِيمِهِمْ
ــ
[حاشية الصاوي]
عَلَى مَا كَانُوا عَلَيْهِ، وَإِنْ اخْتَلَفُوا فِي الْعَامِ الْوَاحِدِ مِرَارًا إلَى بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ فَعَلَيْهِمْ كُلَّمَا اخْتَلَفُوا الْعُشْرُ لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ مِمَّا صَالَحُوا عَلَيْهِ، وَلَا مِمَّا شُرِطَ لَهُمْ وَهَذَا الَّذِي أَدْرَكْت عَلَيْهِ أَهْلَ الْعِلْمِ بِبَلَدِنَا.
قَوْلُهُ: [عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ] : أَيْ وَهُوَ الْمَشْهُورُ.
قَوْلُهُ: [فَإِذَا لَمْ يَبِيعُوا شَيْئًا لَمْ يُؤْخَذْ مِنْهُمْ شَيْءٌ] : أَيْ خِلَافًا لِابْنِ حَبِيبٍ لِأَنَّ الْأَخْذَ فِي نَظِيرِ النَّفْعِ لَا فِي دُخُولِ الْأَرْضِ لِأَنَّهُمْ مُكِّنُوا مِنْهَا بِالْجِزْيَةِ.
قَوْلُهُ: [مِنْ إقْلِيمٍ إلَى إقْلِيمٍ آخَرَ] : مُرَادُهُ بِالْإِقْلِيمِ الْقُطْرُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَحَدُ الْأَقَالِيمِ السَّبْعَةِ الَّتِي تَقَدَّمَ بَيَانُهَا بِدَلِيلِ الْأَخْذِ مِمَّنْ أَخَذَ سِلَعًا مِنْ الشَّامِ، وَبَاعَهَا بِمِصْرَ أَوْ عَكْسُهُ، فَالْعِبْرَةُ بِهَا لَا بِالسَّلَاطِينِ إذْ لَا يَجُوزُ تَعَدُّدُ السُّلْطَانِ كَمَا قَالَهُ التَّتَّائِيُّ، وَقِيلَ يَجُوزُ عِنْدَ تَبَاعُدِ الْأَقْطَارِ.
قَوْلُهُ: [وَأُخِذَ مِنْهُمْ عُشْرُ عَرْضٍ أَوْ حَيَوَانٍ] إلَخْ: اُنْظُرْ هَذَا مَعَ قَوْلِ الْعَلَّامَةِ الْعَدَوِيِّ فِي حَاشِيَةِ أَبِي الْحَسَنِ. الْحَاصِلُ أَنَّهُمْ إنْ قَدِمُوا مِنْ أُفُقٍ إلَى أُفُقٍ آخَرَ بِعَرْضٍ وَبَاعُوهُ بِعَيْنٍ أُخِذَ مِنْهُمْ عُشْرُ الثَّمَنِ، وَإِنْ قَدِمُوا بِعَيْنٍ وَاشْتَرَوْا بِهِ عَرْضًا أُخِذَ مِنْهُمْ عُشْرُ الْعَرْضِ عَلَى الْمَشْهُورِ، لَا عُشْرُ قِيمَتِهِ. وَإِنْ قَدِمُوا بِعَرْضٍ وَاشْتَرَوْا بِهِ عَرْضًا آخَرَ فَعَلَيْهِمْ عُشْرُ قِيمَةِ مَا اشْتَرَوْا لَا عُشْرُ عَيْنِ مَا قَدِمُوا بِهِ. وَلَا يَتَكَرَّرُ عَلَيْهِمْ الْأَخْذُ بِتَكَرُّرِ بَيْعِهِمْ وَشِرَائِهِمْ مَا دَامُوا بِأُفُقٍ وَاحِدٍ، فَإِنْ بَاعُوا بِأُفُقٍ كَالشَّامِ أَوْ الْعِرَاقِ، وَاشْتَرَوْا بِآخَرَ كَمِصْرِ أُخِذَ مِنْهُمْ عُشْرٌ فِي الْأَوَّلِ وَعُشْرٌ فِي الثَّانِي. كَمَا أَنَّهُ يَتَكَرَّرُ الْأَخْذُ مِنْهُمْ إنْ قَدِمُوا بَعْدَ ذَهَابِهِمْ لِبَلَدِهِمْ، وَلَوْ مِرَارًا فِي سَنَةٍ وَاحِدَةٍ (اهـ) فَإِنَّ بَيْنَ الْكَلَامَيْنِ مُخَالَفَةً لَا تَخْفَى.
(بِعَيْنٍ أَوْ عُرُوضٍ قَدِمُوا بِهَا) مِنْ بِلَادِهِمْ لَا بِثَمَنِ مَا بَاعُوهُ، لِأَنَّهُ قَدْ أُخِذَ مِنْهُمْ عُشْرُهُ فَلَا يُؤْخَذُ مِنْهُمْ مِمَّا اشْتَرَوْهُ بِالْبَاقِي شَيْءٌ.
وَبَالَغَ عَلَى أَخْذِ عُشْرِ الثَّمَنِ مِنْهُمْ بِقَوْلِهِ: (وَلَوْ اخْتَلَفُوا) أَيْ تَرَدَّدُوا إلَى غَيْرِ إقْلِيمِهِمْ (فِي السَّنَةِ مِرَارًا) لِفِعْلِ عُمَرَ رضي الله عنه، وَلِأَنَّ الْعِلَّةَ الِانْتِفَاعُ، وَقَالَتْ الْحَنَفِيَّةُ: لَا يُؤْخَذُ مِنْهُمْ فِي الْحَوْلِ إلَّا مَرَّةً كَالزَّكَاةِ، وَقَالَتْ الشَّافِعِيَّةُ: لَا يُؤْخَذُ مِنْ الذِّمِّيِّ شَيْءٌ كَالْمُسْلِمِ.
وَفَرَّعَ عَلَى مَا قَدَّمَهُ قَوْلَهُ: (فَلَوْ اشْتَرَوْا) سِلَعًا (بِإِقْلِيمٍ) غَيْرِ إقْلِيمِهِمْ (وَبَاعُوا) مَا اشْتَرَوْهُ (بِآخَرَ) أَيْ بِإِقْلِيمٍ آخَرَ كَأَنْ يَشْتَرِيَ مِصْرِيٌّ سِلَعًا فِي الشَّامِ وَيَبِيعَهَا بِالرُّومِ (أُخِذَ مِنْهُمْ) الْعُشْرُ (عِنْدَ كُلٍّ) مِنْ الْإِقْلِيمَيْنِ فَأَكْثَرَ. لَكِنَّ الَّذِي اشْتَرَوْا فِيهِ يُؤْخَذُ مِنْهُمْ فِيهِ عُشْرُ السِّلَعِ الْمُشْتَرَاةِ، وَاَلَّذِي بَاعُوا فِيهِ يُؤْخَذُ مِنْهُمْ فِيهِ عُشْرُ ثَمَنِ مَا بَاعُوهُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ.
(إلَّا) إذَا بَاعُوا أَوْ اشْتَرَوْا (بِإِقْلِيمِهِمْ) وَلَوْ بِانْتِقَالِهِمْ مِنْ بَلَدٍ لِآخَرَ فَلَا يُؤْخَذُ مِنْهُمْ شَيْءٌ وَلَوْ تَبَاعَدَ مَا بَيْنَ الْبَلَدَيْنِ.
ثُمَّ اسْتَثْنَى مِنْ قَوْلِهِ: " أُخِذَ عُشْرُ ثَمَنِ " إلَخْ قَوْلَهُ (إلَّا) إذَا جَلَبُوا (الطَّعَامَ بِالْحَرَمَيْنِ فَقَطْ) ، أَيْ إلَيْهِمَا وَالْمُرَادُ مَكَّةُ وَالْمَدِينَةُ وَمَا أُلْحِقَ بِهِمَا مِنْ الْبِلَادِ، وَمُرَادُهُ بِالطَّعَامِ كُلُّ مَا يُقْتَاتُ بِهِ أَوْ يَجْرِي مَجْرَاهُ فَيَشْمَلُ جَمِيعَ الْحُبُوبِ وَالزُّيُوتِ وَالْأَدْهَانِ وَمَا أُلْحِقَ بِذَلِكَ كَمِلْحٍ وَبَصَلٍ وَتَابِلٍ، (فَنِصْفُ عُشْرِ ثَمَنِهِ) أَيْ يُؤْخَذُ مِنْهُمْ. وَإِنَّمَا خُفِّفَ عَنْهُمْ فِي الطَّعَامِ فِي الْبَلَدَيْنِ لِشِدَّةِ حَاجَةِ أَهْلِهِمَا لَهُ فَيَكْثُرُ
ــ
[حاشية الصاوي]
قَوْلُهُ: [ثُمَّ اسْتَثْنَى مِنْ قَوْلِهِ] إلَخْ: إنَّمَا اسْتَثْنَى ذَلِكَ لِمَا رَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ: " أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَانَ يَأْخُذُ مِنْ الْقِبْطِ مِنْ الْحِنْطَةِ وَالزَّيْتِ نِصْفَ الْعُشْرِ، يُرِيدُ بِذَلِكَ أَنْ يَكْثُرَ الْحَمْلُ إلَى الْمَدِينَةِ ".
قَوْلُهُ: [لِشِدَّةِ حَاجَةِ أَهْلِهِمَا] : وَقِيلَ لِفَضْلِهِمَا، وَفِي ابْنِ نَاجِي ظَاهِرُ كَلَامِ الشَّيْخِ يَعْنِي صَاحِبَ الرِّسَالَةِ أَنَّ قُرَى مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ لَيْسَتْ كَهُمَا وَأَلْحَقَهَا ابْنُ الْجَلَّابِ بِهِمَا (اهـ) وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ. قَوْلُهُ:[تَجْرِي فِي الْحَرْبِيِّينَ] : قَالَ ابْنُ عُمَرَ وَهَلْ الْحَرْبِيُّونَ مِثْلُ ذَلِكَ أَمْ لَا؟ فَإِنْ نَظَرْنَا إلَى الْعِلَّةِ فَالْعِلَّةُ جَارِيَةٌ فِي الْجَمِيعِ، قَالَ الشَّيْخُ الْعَدَوِيُّ فِي حَاشِيَةِ أَبِي الْحَسَنِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُمْ مِثْلُهُمْ.
جَلْبُهُ إلَيْهِمَا. وَهَذِهِ الْعِلَّةُ كَمَا تَجْرِي فِي أَهْلِ الذِّمَّةِ تَجْرِي فِي الْحَرْبِيِّينَ إذَا دَخَلُوهُمَا بِأَمَانٍ.
(وَأُخِذَ مِنْ تُجَّارِ الْحَرْبِيِّينَ النَّازِلِينَ) عِنْدَنَا (بِأَمَانٍ عُشْرُ مَا قَدِمُوا بِهِ) لِلتِّجَارَةِ مِنْ عُرُوضٍ وَطَعَامٍ بَاعُوا أَوْ لَمْ يَبِيعُوا. وَاَلَّذِي لَهُ الْأَخْذُ مِنْهُمْ عَامِلُ أَوَّلِ قُطْرٍ دَخَلُوهُ، وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهُمْ إذَا انْتَقَلُوا لِآخَرَ مَا دَامُوا فِي بِلَادِنَا حَتَّى يَذْهَبُوا لِبِلَادِهِمْ وَيَنْقَلِبُوا إلَيْنَا مَرَّةً أُخْرَى، لِأَنَّ جَمِيعَ بِلَادِ الْإِسْلَامِ كَالْبَلَدِ الْوَاحِدِ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِمْ. وَأَمَّا أَهْلُ الذِّمَّةِ فَعِلَّةُ الْأَخْذِ مِنْهُمْ الِانْتِفَاعُ وَهُمْ غَيْرُ مَمْنُوعِينَ مِنْ بِلَادِ الْإِسْلَامِ، فَكُلَّمَا تَكَرَّرَ نَفْعُهُمْ تَكَرَّرَ الْأَخْذُ مِنْهُمْ، (إلَّا لِشَرْطٍ) فَيُؤْخَذُ مِنْهُمْ مَا وَقَعَ الِاشْتِرَاطُ عَلَيْهِ قَلَّ أَوْ كَثُرَ، وَلَوْ قَدِمُوا بِعَيْنٍ لِلتِّجَارَةِ أُخِذَ عُشْرُ قِيمَةِ مَا اشْتَرَوْهُ بِهَا، وَلَا يُمَكَّنُونَ مِنْ بَيْعِ خَمْرٍ إلَّا إذَا حَمَلُوهُ لِأَهْلِ الذِّمَّةِ فَيُمَكَّنُونَ مِنْ بَيْعِهِ لَهُمْ، وَيُؤْخَذُ مِنْهُمْ عُشْرُ ثَمَنِ مَا بَاعُوهُ مِنْهُ.
(وَلَا يُعَادُ) الْأَخْذُ مِنْهُمْ (إنْ رَحَلُوا) مِنْ أُفُقٍ (لِأُفُقٍ آخَرَ) لِمَا قَدَّمْنَا مِنْ أَنَّ جَمِيعَ بِلَادِ الْإِسْلَامِ كَالْبَلَدِ الْوَاحِدِ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِمْ، فَمَا دَامُوا فِيهَا لَمْ يَتَكَرَّرْ الْأَخْذُ مِنْهُمْ حَتَّى يَذْهَبُوا لِبِلَادِهِمْ، ثُمَّ يَرْجِعُوا بِأَمَانٍ آخَرَ وَلَوْ تَكَرَّرَ فِي السَّنَةِ مِرَارًا؛ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ: يُؤْخَذُ مِنْهُمْ مَرَّةً فَقَطْ فِي الْعَامِ.
ــ
[حاشية الصاوي]
قَوْلُهُ: [وَأَمَّا أَهْلُ الذِّمَّةِ] : أَيْ فَهَذَا هُوَ الْفَرْقُ بَيْنَ أَهْلِ الذِّمَّةِ وَالْحَرْبِيِّينَ.
قَوْلُهُ: [قَلَّ أَوْ كَثُرَ] : حَاصِلُهُ أَنَّهُ قَبْلَ نُزُولِهِمْ يَجُوزُ أَنْ يَتَّفِقَ مَعَهُمْ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ الْعُشْرِ وَإِنْ بِأَضْعَافٍ وَإِنْ كَانَ بَعْدَ النُّزُولِ لَمْ يُؤْخَذْ مِنْهُمْ إلَّا الْعُشْرُ كَمَا أَفَادَهُ الشَّيْخُ الْعَدَوِيُّ فِي حَاشِيَةِ أَبِي الْحَسَنِ.
قَوْلُهُ: [فَيُمَكَّنُونَ مِنْ بَيْعِهِ لَهُمْ] : أَيْ عَلَى الْمَشْهُورِ. وَمُقَابِلُهُ لَا يُمَكَّنُونَ وَالْخِلَافُ مَبْنِيٌّ عَلَى تَكْلِيفِهِمْ بِفُرُوعِ الشَّرِيعَةِ أَوْ لَا ذَكَرَهُ فِي التَّوْضِيحِ.
قَوْلُهُ: [وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ] إلَخْ: هَذَا فِي الْحَرْبِيِّينَ. وَمِثْلُهُمْ أَهْلُ الذِّمَّةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ كَمَا تَقَدَّمَ، وَأَمَّا عِنْدَ الشَّافِعِيِّ فَهُمْ كَالْمُسْلِمِينَ لَا شَيْءَ عَلَيْهِمْ كَمَا تَقَدَّمَ.