الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(تَأْخُذُ) الْمَرْأَةُ أَيْ تَقُصُّ (مِنْ جَمِيعِ شَعْرِهَا نَحْوَ) أَيْ قَدْرَ (الْأُنْمُلَةِ) مِنْ الْأُصْبُع.
(وَ) يَأْخُذُ (الرَّجُلُ) إنْ قَصَّرَ (مِنْ قُرْبٍ أَصْلَهُ) أَيْ الشَّعْرَ، (وَأَجْزَأَهُ الْأَخْذُ مِنْ الْأَطْرَافِ) لِجَمِيعِ الشَّعْرِ نَحْوَ الْأُنْمُلَةِ وَأَخْطَأَ (لَا) يُجْزِئُ (حَلْقُ الْبَعْضِ) مِنْ شَعْرِ الرَّأْسِ لِلذَّكَرِ، وَلَا تَقْصِيرُ الْبَعْضِ لِلْأُنْثَى وَهُوَ مُجْزٍ عِنْدَ غَيْرِنَا كَالْمَسْحِ فِي الْوُضُوءِ. فَإِذَا رَمَى الْعَقَبَةَ وَنَحَرَ وَحَلَقَ أَوْ قَصَّرَ نَزَلَ مِنْ مِنًى لِمَكَّةَ لِطَوَافِ الْإِفَاضَةِ. وَلَا تُسَنُّ لَهُ صَلَاةُ الْعِيدِ بِمِنًى وَلَا بِالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، لِأَنَّ الْحَاجَّ لَا عِيدَ عَلَيْهِ. وَمَا يَقَعُ الْآنَ مِنْ صَلَاةِ الْعِيدِ بِالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ بَعْدَ رَمْيِهِمْ جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ فَعَلَى غَيْرِ مَذْهَبِنَا.
(الرُّكْنُ الرَّابِعُ) مِنْ أَرْكَانِ الْحَجِّ: (طَوَافُ الْإِفَاضَةِ) :
سَبْعَةُ أَشْوَاطٍ بِالْبَيْتِ عَلَى الْوَجْهِ الْمُتَقَدِّمِ. (وَحَلَّ بِهِ مَا بَقِيَ) مِنْ نِسَاءٍ وَصَيْدٍ وَطِيبٍ، وَهَذَا هُوَ التَّحَلُّلُ الْأَكْبَرُ. فَيَجُوزُ لَهُ وَطْءُ حَلِيلَتِهِ بِمِنًى أَيَّامَ التَّشْرِيقِ (إنْ حَلَقَ) أَوْ قَصَّرَ قَبْلَ الْإِفَاضَةِ أَوْ بَعْدَهَا (وَقَدَّمَ سَعْيَهُ) عَقِبَ الْقُدُومِ. فَإِنْ لَمْ يُقَدِّمْهُ عَقِبَهُ أَوْ كَانَ لَا قُدُومَ عَلَيْهِ فَلَا يَحِلُّ مَا بَقِيَ إلَّا بِالسَّعْيِ. فَإِنْ وَطِئَ أَوْ اصْطَادَ قَبْلَهُ: فَالدَّمُ وَسَيَأْتِي أَنَّهُ إذَا لَمْ يَحْلِقْ فَالدَّمُ فِي الْوَطْءِ لَا الصَّيْدِ.
(وَوَقْتُهُ) : أَيْ طَوَافِ الْإِفَاضَةِ (مِنْ طُلُوعِ فَجْرِ يَوْمِ النَّحْرِ) فَلَا يَصِحُّ قَبْلَهُ (كَالْعَقَبَةِ) أَيْ رَمْيِ جَمْرَتِهَا، فَلَا يَصِحُّ قَبْلَهُ.
(وَوَجَبَ تَقْدِيمُ الرَّمْيِ) لِلْعَقَبَةِ (عَلَى الْحَلْقِ) ، لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَرْمِهَا لَمْ يَحْصُلْ لَهُ
ــ
[حاشية الصاوي]
[الرُّكْن الرَّابِع مِنْ أَرْكَان الْحَجّ طَوَافُ الْإِفَاضَةِ]
قَوْلُهُ: [عَلَى الْوَجْهِ الْمُتَقَدِّمِ] : أَيْ مِنْ الشُّرُوطِ وَالْآدَابِ.
قَوْلُهُ: [إنْ حَلَقَ] : أَيْ وَكَانَ قَدْ رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ قَبْلَ الْإِفَاضَةِ. أَوْ فَاتَ وَقْتُهَا.
قَوْلُهُ: [فَالدَّمُ] : أَيْ هَدْيًا فِي الْوَطْءِ، وَجَزَاءً فِي الصَّيْدِ، وَقَوْلُنَا:" وَكَانَ قَدْ رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ أَوْ فَاتَ وَقْتُهَا ": احْتِرَازٌ مِمَّا إذَا أَفَاضَ قَبْلَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ إذَا وَطِئَ عَلَيْهِ هَدْيٌ.
تَحَلُّلٌ، فَلَا يَجُوزُ لَهُ حَلْقٌ وَلَا غَيْرُهُ مِنْ مُحَرَّمَاتِ الْإِحْرَامِ. (وَ) وَجَبَ تَقْدِيمُ الرَّمْيِ أَيْضًا عَلَى طَوَافِ (الْإِفَاضَةِ)، فَإِنْ قَدَّمَ وَاحِدًا مِنْهُمَا عَلَيْهِ: فَدَمٌ، كَمَا يَأْتِي، بِخِلَافِ تَقْدِيمِ النَّحْرِ أَوْ الْحَلْقِ عَلَى الْإِفَاضَةِ أَوْ الرَّمْيِ عَلَى النَّحْرِ، فَلَيْسَ بِوَاجِبٍ بَلْ مَنْدُوبٌ. فَالْحَاصِلُ أَنَّ الَّذِي يُفْعَلُ يَوْمَ النَّحْرِ أَرْبَعَةٌ: الرَّمْيُ، فَالنَّحْرُ، فَالْحَلْقُ، فَالْإِفَاضَةُ. فَتَقْدِيمُ الرَّمْيِ عَلَى الْحَلْقِ وَعَلَى الْإِفَاضَةِ وَاجِبٌ يَنْجَبِرُ بِالدَّمِ، وَتَقْدِيمُ الرَّمْيِ عَلَى النَّحْرِ، وَتَقْدِيمُ النَّحْرِ عَلَى الْحَلْقِ وَتَقْدِيمُهُمَا عَلَى الْإِفَاضَةِ مَنْدُوبٌ، فَإِنْ نَحَرَ قَبْلَ الرَّمْيِ أَوْ أَفَاضَ قَبْلَ النَّحْرِ أَوْ قَبْلَ الْحَلْقِ أَوْ قَبْلَهُمَا مَعًا أَوْ قَدَّمَ الْحَلْقَ عَلَى النَّحْرِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِي الْخَمْسَةِ وَهُوَ مَحْمَلُ الْحَدِيثِ:«مَا سُئِلَ عَنْ شَيْءٍ قُدِّمَ أَوْ أُخِّرَ يَوْمَ النَّحْرِ إلَّا قَالَ: افْعَلْ وَلَا حَرَجَ» .
(وَنُدِبَ فِعْلُهُ) أَيْ طَوَافِ الْإِفَاضَةِ (فِي ثَوْبَيْ إحْرَامِهِ) لِيَكُونَ جَمِيعُ أَرْكَانِ الْحَجِّ بِهِمَا.
(وَ) نُدِبَ فِعْلُهُ (عَقِبَ حَلْقِهِ) بِلَا تَأْخِيرٍ إلَّا بِقَدْرِ قَضَاءِ حَاجَتِهِ.
(فَإِنْ وَطِئَ بَعْدَهُ) أَيْ بَعْدَ طَوَافِ الْإِفَاضَةِ (وَقَبْلَ الْحَلْقِ: فَدَمٌ) لِمَا تَقَدَّمَ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ لَهُ مَا بَقِيَ إلَّا إذَا حَلَقَ وَسَعَى قَبْلَ الْإِفَاضَةِ أَوْ بَعْدَهَا، (بِخِلَافِ الصَّيْدِ)
ــ
[حاشية الصاوي]
قَوْلُهُ: [فَلَا يَجُوزُ لَهُ حَلْقٌ] : فَلَوْ حَلَقَ لَزِمَهُ فِدْيَةٌ كَمَا يَأْتِي، وَلَا يَجْزِيهِ ذَلِكَ الْحِلَاقُ.
قَوْلُهُ: [وَهُوَ مَحْمَلُ الْحَدِيثِ] : أَيْ هَذِهِ الصُّوَرُ الْخَمْسُ يُحْمَلُ عَلَيْهَا قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم: «افْعَلْ وَلَا حَرَجَ» ، وَلَا يُحْمَلُ الْحَدِيثُ شَامِلًا لِتَقْدِيمِ الْحَلْقِ أَوْ الْإِفَاضَةِ عَلَى الرَّمْيِ، لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ نَفْيُ الْحَرَجِ عَنْهُمَا.
قَوْلُهُ: [فِي ثَوْبَيْ إحْرَامِهِ] : أَيْ وَهُمَا الْإِزَارُ وَالرِّدَاءُ.
قَوْلُهُ: [بِخِلَافِ الصَّيْدِ] : أَيْ وَأَوْلَى الطِّيبُ وَإِنَّمَا كَانَ أَمْرُهُمَا خَفِيفًا بِالنِّسْبَةِ
قَبْلَ الْحَلْقِ فَلَا دَمَ عَلَيْهِ لِخِفَّتِهِ بِالنِّسْبَةِ لِلْوَطْءِ، وَهَذَا إنْ كَانَ سَعَى، وَإِلَّا فَعَلَيْهِ الدَّمُ فِي الصَّيْدِ أَيْضًا كَمَا تَقَدَّمَ، لِأَنَّ السَّعْيَ رُكْنٌ.
(كَأَنْ قَدَّمَ الْإِفَاضَةَ أَوْ الْحَلْقَ عَلَى الرَّمْيِ) : تَشْبِيهٌ فِي وُجُوبِ الدَّمِ؛ فَفِي تَقْدِيمِ الْإِفَاضَةِ عَلَى الرَّمْيِ دَمٌ أَيْ هَدْيٌ، وَفِي تَقْدِيمِ الْحَلْقِ عَلَى الرَّمْيِ دَمٌ أَيْ فِدْيَةٌ، لِأَنَّهُ مِنْ إزَالَةِ الْأَذَى أَوْ التَّرَفُّهِ قَبْلَ التَّحَلُّلَيْنِ، فَإِنْ قَدَّمَهُمَا مَعًا عَلَى الرَّمْيِ فَهَدْيٌ وَفِدْيَةٌ (وَأَعَادَ الْإِفَاضَةَ) - مَا دَامَ بِمَكَّةَ تَدَارُكًا لِلْوَاجِبِ، وَسَقَطَ عَنْهُ الدَّمُ إنْ أَعَادَهُ قَبْلَ الْمَحْرَمِ.
(لَا) دَمَ عَلَيْهِ (إنْ خَالَفَ) عَمْدًا أَوْ نِسْيَانًا (فِي غَيْرٍ) : أَيْ الصُّورَتَيْنِ الْمُتَقَدِّمَتَيْنِ؛ كَأَنْ قَدَّمَ النَّحْرَ عَلَى الرَّمْيِ أَوْ الْحَلْقِ عَلَى الذَّبْحِ أَوْ الْإِفَاضَةِ عَلَيْهِمَا كَمَا تَقَدَّمَ. (وَكَتَأْخِيرِهِ الْحَلْقَ) وَلَوْ سَهْوًا (لِبَلَدِهِ) وَلَوْ قَرُبَتْ: فَدَمٌ. (أَوْ) تَأْخِيرِهِ الْحَلْقَ (لِخُرُوجِ أَيَّامِ الرَّمْيِ) الثَّلَاثَةِ بَعْدَ يَوْمِ النَّحْرِ: فَدَمٌ، إلَّا أَنَّ هَذَا حَكَاهُ فِي التَّوْضِيحِ: بِ " قِيلَ " - بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ أَنَّ الدَّمَ فِي تَأْخِيرِهِ لِبَلَدِهِ - " عَنْ الْمُدَوَّنَةِ " وَذَكَرَ عَنْ التُّونُسِيِّ أَوْ بَعْدَ طُولٍ، ثُمَّ قَالَ: وَقِيلَ إنْ أَخَّرَهُ بَعْدَ أَيَّامِ النَّحْرِ فَظَاهِرُهُ أَنَّهُ ضَعِيفٌ. (أَوْ تَأْخِيرِ) طَوَافِ (الْإِفَاضَةِ لِلْمُحْرِمِ) : فَدَمٌ لِفِعْلِ الرُّكْنِ فِي غَيْرِ
ــ
[حاشية الصاوي]
لِلْوَطْءِ، لِأَنَّ الْوَطْءَ مِنْ مُفْسِدَاتِ الْحَجِّ فِي بَعْضِ أَحْوَالِهِ.
قَوْلُهُ: [وَإِلَّا فَعَلَيْهِ الدَّمُ فِي الصَّيْدِ أَيْضًا] : مُرَادُهُ جَزَاءٌ، وَأَمَّا الطِّيبُ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ فَلَا شَيْءَ فِيهِ.
قَوْلُهُ: [لَا دَمَ عَلَيْهِ إنْ خَالَفَ] إلَخْ: أَيْ لِكَوْنِهِ لَمْ يَتْرُكْ وَاجِبًا كَمَا تَقَدَّمَ.
قَوْلُهُ: [وَكَتَأْخِيرِهِ الْحَلْقَ وَلَوْ سَهْوًا لِبَلَدِهِ] : نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ: وَالْحِلَاقُ يَوْمَ النَّحْرِ أَحَبُّ إلَيَّ وَأَفْضَلُ، وَإِنْ حَلَقَ بِمَكَّةَ أَيَّامَ التَّشْرِيقِ أَوْ بَعْدَهَا أَوْ حَلَقَ فِي الْحِلِّ فِي أَيَّامِ مِنًى فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَإِنْ أَخَّرَ الْحِلَاقَ حَتَّى رَجَعَ إلَى بَلَدِهِ جَاهِلًا أَوْ نَاسِيًا حَلَقَ أَوْ قَصَّرَ وَأَهْدَى - كَذَا فِي الْبُنَانِيِّ نَقَلَهُ مُحَشِّي الْأَصْلِ.
قَوْلُهُ: [وَلَوْ قَرُبَتْ] : أَيْ كَمَا فِي سِيَاقِ الْمُدَوَّنَةِ خِلَافًا لِمَنْ قَيَّدَهَا بِالْبُعْدِ.
قَوْلُهُ: [لِفِعْلِ الرُّكْنِ فِي غَيْرِ أَشْهُرِ الْحَجِّ] : أَيْ الَّتِي هِيَ شَوَّالٌ وَذُو الْقَعْدَةِ وَذُو الْحِجَّةِ.
أَشْهُرِ الْحَجِّ، وَكَذَا تَأْخِيرُ السَّعْيِ لَهُ. (أَوْ) تَأْخِيرُ (رَمْيِ حَصَاةٍ فَأَكْثَرَ) مِنْ الْجِمَارِ (اللَّيْلِ) لِخُرُوجِ وَقْتِ الْأَدَاءِ وَهُوَ النَّهَارُ، الْوَاجِبُ فِيهِ الرَّمْيُ وَدُخُولُ وَقْتِ الْقَضَاءِ وَهُوَ اللَّيْلُ، فَأَوْلَى إذَا أَخَّرَ لِيَوْمٍ بَعْدَهُ وَعَلَيْهِ دَمٌ وَاحِدٌ فِي تَأْخِيرِ حَصَاةٍ فَأَكْثَرَ.
(وَفَاتَ) الرَّمْيُ لِجَمْرَةِ الْعَقَبَةِ أَوْ غَيْرِهَا مِنْ جِمَارِ الثَّانِي وَالثَّالِثِ وَالرَّابِعِ، (بِالْغُرُوبِ مِنْ) الْيَوْمِ (الرَّابِعِ، فَقَضَاءُ كُلِّ) تَفْرِيعٍ عَلَى مَا قَبْلَهُ؛ أَيْ فَعُلِمَ مِنْ قَوْلِهِ: " أَوْ رَمْيِ حَصَاةٍ " إلَخْ. أَنَّ قَضَاءَ كُلٍّ مِنْ الْعَقَبَةِ وَغَيْرِهَا إنْ أَخَّرَهُ لِعُذْرٍ أَوْ غَيْرِهِ يَنْتَهِي (إلَيْهِ) أَيْ إلَى غُرُوبِ الرَّابِعِ. (وَاللَّيْلِ) عَقِبَ كُلِّ يَوْمٍ (قَضَاءً) لِمَا فَاتَهُ بِالنَّهَارِ يَجِبُ بِهِ الدَّمُ.
(وَحُمِلَ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ (مُطِيقٌ) لِلرَّمْيِ عَلَى دَابَّةٍ أَوْ غَيْرِهَا إنْ كَانَ لَا قُدْرَةَ لَهُ عَلَى الْمَشْيِ لِمَرَضٍ أَوْ غَيْرِهِ (وَرَمْيٌ) بِنَفْسِهِ وُجُوبًا وَلَا يَسْتَنِيبُ وَلَا يَرْمِي الْحَصَاةَ فِي كَفِّ غَيْرِهِ لِيَرْمِيَ عَنْهُ فَإِنْ فَعَلَ لَمْ يُجْزِهِ.
(وَاسْتَنَابَ الْعَاجِزُ) عَنْ الرَّمْيِ عَنْهُ؛ وَلَا يَسْقُطُ عَنْهُ الدَّمُ بِرَمْيِ النَّائِبِ. وَفَائِدَتُهَا سُقُوطُ الْإِثْمِ. وَرَمَى عَنْ صَغِيرٍ لَا يُحْسِنُ الرَّمْيَ أَوْ مَجْنُونٍ وَلِيُّهُ، فَإِنْ أَخَّرَ لِوَقْتِ الْقَضَاءِ: فَالدَّمُ عَلَى الْوَلِيِّ. وَإِذَا اسْتَنَابَ الْعَاجِزُ (فَيَتَحَرَّى الرَّمْيَ) : أَيُّ وَقْتٍ رَمَى
ــ
[حاشية الصاوي]
قَوْلُهُ: [وَاسْتَنَابَ الْعَاجِزُ] : حَاصِلُ الْفِقْهِ: أَنَّ الْعَاجِزَ عَنْ الرَّمْيِ يُؤْمَرُ بِالِاسْتِنَابَةِ. فَإِذَا اسْتَنَابَ سَقَطَ عَنْهُ الْإِثْمُ، وَالدَّمُ لَازِمٌ لَهُ عَلَى كُلِّ حَالٍ، لَكِنْ إنْ كَانَ تَأْخِيرُ النَّائِبِ عَنْ وَقْتِ الْأَدَاءِ لِغَيْرِ عُذْرٍ، كَانَ الدَّمُ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ لِعُذْرٍ كَانَ عَلَى الْعَاجِزِ.
قَوْلُهُ: [وَرَمَى عَنْ صَغِيرٍ] : حَاصِلُهُ أَنَّ الصَّغِيرَ الَّذِي لَا يُحْسِنُ الرَّمْيَ وَالْمَجْنُونَ يَرْمِي عَنْهُمَا مَنْ أَحَجَّهُمَا، كَمَا أَنَّهُ يَطُوفُ عَنْهُمَا، وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ أَوَّلَ الْبَابِ. فَإِنْ لَمْ يَرْمِ عَنْهُمَا إلَى أَنْ دَخَلَ وَقْتُ الْقَضَاءِ فَالدَّمُ وَاجِبٌ عَلَيْهِ، وَإِنْ رَمَى عَنْهُمَا فِي وَقْتِ الْأَدَاءِ فَلَا دَمَ أَصْلًا، بِخِلَافِ رَمْيِ النَّائِبِ عَنْ الْعَاجِزِ فَإِنَّ فِيهِ الدَّمَ، وَلَوْ رَمَى عَنْهُ فِي وَقْتِ الْأَدَاءِ إلَّا أَنْ يَصِحَّ الْعَاجِزُ، وَيَرْمِي عَنْ نَفْسِهِ وَقْتَ الْأَدَاءِ، وَأَمَّا الصَّغِيرُ الَّذِي يُحْسِنُ الرَّمْيَ فَإِنْ يَرْمِي عَنْ نَفْسِهِ. فَإِنْ لَمْ يَرْمِ حَتَّى فَاتَ وَقْتُ الْأَدَاءِ لَزِمَهُ الدَّمُ.
نَائِبُهُ عَنْهُ، (وَكَبَّرَ) لِكُلِّ حَصَاةٍ، وَأَعَادَ الرَّمْيَ بِنَفْسِهِ إنْ صَحَّ قَبْلَ الْفَوَاتِ بِالْغُرُوبِ مِنْ الرَّابِعِ.
(ثُمَّ) بَعْدَ إفَاضَتِهِ مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ (رَجَعَ) وُجُوبًا (لِلْمَبِيتِ بِمِنًى)، أَيْ فِيهَا. وَنُدِبَ - الْفَوْرُ وَلَوْ يَوْمَ جُمُعَةٍ وَلَا يُصَلِّي الْجُمُعَةَ بِمَكَّةَ - (فَوْقَ الْعَقَبَةِ) : لَا دُونَهَا فَلَا يُجْزِئُ. وَالْعَقَبَةُ: صَخْرَةٌ عَظِيمَةٌ هِيَ أَوَّلُ مِنًى بِالنِّسْبَةِ لِلْآتِي مِنْ مَكَّةَ، يَلِيهَا بِنَاءٌ لَطِيفٌ يُرْمَى عَلَيْهِ الْحَصَيَاتُ هُوَ الْمُسَمَّى بِجَمْرَةِ الْعَقَبَةِ. وَهِيَ آخِرُ مِنًى بِالنِّسْبَةِ لِلْآتِي مِنْ مُزْدَلِفَةَ، وَمِنًى: بَطْحَاءُ مُتَّسَعَةٌ يَنْزِلُ بِهَا الْحُجَّاجُ فِي الْأَيَّامِ الْمَعْدُودَاتِ، فَقَوْلُ " فَوْقَ الْعَقَبَةِ " أَيْ فِي الْبَطْحَاءِ الَّتِي مَبْدَؤُهَا الْعَقَبَةُ احْتِرَازًا عَنْ الْبَيَاتِ دُونَهَا مِمَّا يَلِي مَكَّةَ، (ثَلَاثًا) مِنْ اللَّيَالِي إنْ لَمْ يَتَعَجَّلْ (أَوْ لَيْلَتَيْنِ إنْ تَعَجَّلَ قَبْلَ الْغُرُوبِ مِنْ) الْيَوْمِ (الثَّانِي) مِنْ أَيَّامِ الرَّمْيِ. (وَإِنْ تَرَكَ جُلَّ لَيْلَةٍ) وَهُوَ مَا زَادَ عَلَى النِّصْفِ مِنْ الْغُرُوبِ لِلْفَجْرِ، (فَدَمٌ) يَلْزَمُهُ.
(وَلَوْ غَرَبَتْ) الشَّمْسُ مِنْ الثَّانِي (وَهُوَ بِمِنًى لَزِمَهُ) الْمَبِيتُ بِهَا، (وَرَمْيُ) الْيَوْمِ (الثَّالِثِ) .
ــ
[حاشية الصاوي]
قَوْلُهُ: [وَأَعَادَ الرَّمْيَ بِنَفْسِهِ] : وَفَائِدَةُ الْإِعَادَةِ نَفْيُ الدَّمِ عَمَّنْ لَمْ يَخْرُجْ وَقْتُهُ، فَإِنْ لَمْ يُعِدْ أَثِمَ وَاسْتَمَرَّ الدَّمُ بَاقِيًا.
قَوْلُهُ: [أَوْ لَيْلَتَيْنِ إنْ تَعَجَّلَ] : أَيْ وَالتَّعْجِيلُ جَائِزٌ مُسْتَوِي الطَّرَفَيْنِ لَا مُسْتَحَبٌّ وَلَا خِلَافُ الْأَوْلَى. كَذَا فِي الْحَاشِيَةِ، لَكِنْ فِي حَقِّ غَيْرِ الْإِمَامِ، وَأَمَّا هُوَ فَيُكْرَهُ لَهُ التَّعْجِيلُ.
قَوْلُهُ: [وَإِنْ تَرَكَ جُلَّ لَيْلَةٍ] : الْمُرَادُ أَنَّ غَيْرَ الْمُتَعَجِّلَ يَلْزَمُهُ الدَّمُ لِتَرْكِ جُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ اللَّيَالِي الثَّلَاثِ، وَالْمُتَعَجِّلُ لِتَرْكِهِ مِنْ اللَّيْلَتَيْنِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ جُلَّ لَيْلَةٍ مِنْ أَيِّ لَيْلَةٍ مِنْ الثَّلَاثِ لِلْمُتَعَجِّلِ وَغَيْرِهِ، إذْ الْمُتَعَجِّلُ لَا يَلْزَمُهُ بَيَاتُ الثَّالِثَةِ. وَالْحَاصِلُ: أَنَّ الْمُقْتَضِيَ لِوُجُوبِ بَيَاتِ الثَّالِثَةِ وَعَدَمِ وُجُوبِهِ قَصْدُ التَّعْجِيلِ وَعَدَمُهُ، فَإِنْ قَصَدَ التَّعْجِيلَ فَلَا يَلْزَمُهُ بَيَاتٌ وَلَا دَمٌ، وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْهُ يَلْزَمُهُ الْبَيَاتُ وَالدَّمُ، إنْ تَرَكَ اللَّيْلَةَ كُلَّهَا أَوْ جُلَّهَا.
قَوْلُهُ: [وَلَوْ غَرَبَتْ الشَّمْسُ] : أَشَارَ بِهَذَا إلَى أَنَّ شَرْطَ جَوَازِ التَّعْجِيلِ أَنْ يُجَاوِزَ جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ مِنْ الْيَوْمِ الثَّانِي مِنْ أَيَّامِ الرَّمْيِ، فَإِنْ
وَإِذَا رَجَعَ لِلْمَبِيتِ بِمِنًى - وَتَعَجَّلَ أَوْ لَمْ يَتَعَجَّلْ - (فَيَرْمِي كُلَّ يَوْمٍ) بَعْدَ يَوْمِ النَّحْرِ الْجَمَرَاتِ (الثَّلَاثَ) : الْأُوَلَ وَالْوُسْطَى وَجَمْرَةُ الْعَقَبَةِ (بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ) فَجَمِيعُهَا إحْدَى وَعِشْرِينَ حَصَاةً، فِي كُلِّ يَوْمٍ غَيْرَ يَوْمِ النَّحْرِ، فَلَيْسَ فِيهِ إلَّا جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ طُلُوعَ الشَّمْسِ بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ فَقَطْ. (يَبْدَأُ بِاَلَّتِي تَلِي مَسْجِدَ مِنًى) وَهِيَ الْأُولَى، وَيُثَنِّي بِالْوُسْطَى (وَيَخْتِمُ بِالْعَقَبَةِ) : أَيْ يَرْمِي جَمْرَتَهَا. وَوَقْتُ أَدَاءِ الرَّمْيِ (مِنْ الزَّوَالِ لِلْغُرُوبِ) ، وَتَقَدَّمَ أَنَّ اللَّيْلَ قَضَاءٌ فَإِنْ قَدَّمَهُ
ــ
[حاشية الصاوي]
لَمْ يُجَاوِزْهَا إلَّا بَعْدَ الْغُرُوبِ لَزِمَهُ الْمَبِيتُ بِمِنًى وَرَمْيُ الثَّالِثِ كَمَا قَالَ الشَّارِحُ. لَكِنْ فِي حَاشِيَةِ الْأَصْلِ - نَقْلًا عَنْ كَبِيرِ الْخَرَشِيِّ - مَا ذُكِرَ مِنْ شَرْطِ التَّعْجِيلِ، إنْ كَانَ الْمُتَعَجِّلُ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ، وَأَمَّا إنْ كَانَ مِنْ غَيْرِهَا فَلَا يُشْتَرَطُ خُرُوجُهُ مِنْ مِنًى قَبْلَ الْغُرُوبِ مِنْ الْيَوْمِ الثَّانِي، وَإِنَّمَا يُشْتَرَطُ نِيَّةُ الْخُرُوجِ قَبْلَ الْغُرُوبِ مِنْ الثَّانِي، ثُمَّ إنَّ مَنْ تَعَجَّلَ وَأَدْرَكَتْهُ الصَّلَاةُ فِي أَثْنَاءِ الطَّرِيقِ هَلْ يُتِمُّ أَوْ لَا؟ لَمْ أَرَ فِيهِ نَصًّا، وَالْإِتْمَامُ أَحْوَطُ. وَأَمَّا مَنْ أَدْرَكَتْهُ الصَّلَاةُ مِنْ الْحُجَّاجِ وَهُوَ فِي غَيْرِ مَحَلِّ النُّسُكِ كَالرُّعَاةِ إذَا رَمَوْا الْعَقَبَةَ وَتَوَجَّهُوا لِلرَّعْيِ، فَالظَّاهِرُ مِنْ كَلَامِهِمْ أَنَّ حُكْمَهُمْ حُكْمُ الْحُجَّاجِ (اهـ) . تَنْبِيهٌ:
رَخَّصَ مَالِكٌ جَوَازًا لِرَاعِي الْإِبِلِ فَقَطْ بَعْدَ رَمْيِ الْعَقَبَةِ يَوْمَ النَّحْرِ أَنْ يَنْصَرِفَ إلَى رَعْيِهِ، وَيَتْرُكَ الْمَبِيتَ لَيْلَةَ الْحَادِيَ عَشَرَ وَالثَّانِيَ عَشَرَ، وَيَأْتِي الْيَوْمُ الثَّالِثُ مِنْ أَيَّامِ النَّحْرِ فَيَرْمِي فِيهِ لِلْيَوْمَيْنِ، الْيَوْمِ الثَّانِي الَّذِي فَاتَهُ وَهُوَ فِي رَعْيِهِ، وَالثَّالِثِ الَّذِي حَضَرَ فِيهِ، ثُمَّ إنْ شَاءَ تَعَجَّلَ وَإِنْ شَاءَ أَقَامَ لِرَمْيِ الثَّالِثِ مِنْ أَيَّامِ الرَّمْيِ. وَكَذَا رَخَّصَ لِصَاحِبِ السِّقَايَةِ فِي تَرْكِ الْمَبِيتِ خَاصَّةً، فَلَا بُدَّ أَنْ يَأْتِيَ نَهَارًا لِلرَّمْيِ، ثُمَّ يَنْصَرِفَ، لِأَنَّ ذَا السِّقَايَةِ يَنْزِعُ الْمَاءَ مِنْ زَمْزَمَ لَيْلًا، وَيُفْرِغُهُ فِي الْحِيَاضِ كَذَا فِي الْأَصْلِ.
قَوْلُهُ: [فَجَمِيعُهَا إحْدَى وَعِشْرِينَ] : هَكَذَا مُسْوَدَّةُ الشَّارِحِ بِالْيَاءِ، وَلَعَلَّ الْمُنَاسِبَ عِشْرُونَ بِالْوَاوِ. وَجُمْلَةُ الْحَصَيَاتِ سَبْعُونَ لِغَيْرِ الْمُتَعَجِّلِ وَتِسْعٌ وَأَرْبَعُونَ لِلْمُتَعَجِّلِ.
قَوْلُهُ: [يَبْدَأُ] : أَيْ وَهَذَا التَّرْتِيبُ وَاجِبٌ شَرْطٌ فَهُوَ مِنْ شُرُوطِ الصِّحَّةِ أَيْضًا كَمَا يَأْتِي.
قَوْلُهُ: [وَقْتَ أَدَاءِ الرَّمْيِ] إلَخْ: أَيْ لِجَمِيعِ الْجِمَارِ غَيْرَ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ يَوْمَ
عَلَى الزَّوَالِ لَمْ يُعْتَدَّ بِهِ. ثُمَّ شَرَعَ فِي بَيَانِ شُرُوطِ صِحَّةِ الرَّمْيِ بِقَوْلِهِ:
(وَصِحَّتُهُ) أَيْ شَرْطُ صِحَّةِ الرَّمْيِ مُطْلَقًا: أَنْ يَكُونَ (بِحَجَرٍ) ، فَلَا يَصِحُّ بِطِينٍ وَلَا بِمَعْدِنٍ، وَلَا يُشْتَرَطُ طَهَارَتُهُ. وَأَنْ يَكُونَ الْحَصَى (كَحَصَى الْخَذْفِ) يَصِحُّ قِرَاءَتُهُ بِالْمُعْجَمَتَيْنِ وَبِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ: وَهُوَ رَمْيُ الْحَصَى بِالسِّبَابَتَيْنِ، بِأَنْ تَكُونَ الْحَصَاةُ قَدْرَ الْفُولَةِ أَوْ النَّوَاةِ، (وَلَا يُجْزِئُ صَغِيرٌ جِدًّا) كَالْحِمَّصَةِ، (وَكُرِهَ كَبِيرٌ) وَأَجْزَأَ. (وَرَمْيٌ) عَطْفٌ عَلَى حَجَرٍ: أَيْ وَصِحَّتُهُ بِرَمْيٍ؛ أَيْ دَفْعٍ بِالْيَدِ. فَلَا يُجْزِئُ الْوَضْعُ أَوْ الطَّرْحُ (عَلَى الْجَمْرَةِ) : وَهِيَ الْبِنَاءُ وَمَا حَوْلَهُ مِنْ مَوْضِعِ الْحَصَى،
ــ
[حاشية الصاوي]
النَّحْرِ، فَإِنَّ وَقْتَهَا يَدْخُلُ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ إلَى الْغُرُوبِ، وَالْأَفْضَلُ أَنْ تَكُونَ بَعْدَ الشَّمْسِ كَمَا يَأْتِي. قَوْلُهُ:[أَنْ يَكُونَ بِحَجَرٍ] : أَيْ كَوْنُ الرَّمْيِ بِهِ مِنْ جِنْسِ مَا يُسَمَّى حَجَرًا سَوَاءٌ كَانَ زَلَطًا أَوْ رُخَامًا أَوْ صَوَّانًا أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ.
قَوْلُهُ: [وَلَا يُشْتَرَطُ طَهَارَتُهُ] : أَيْ بَلْ يُنْدَبُ.
قَوْلُهُ: [وَهُوَ رَمْيُ الْحَصَى بِالسِّبَابَتَيْنِ] : بَيَانٌ لِمَعْنَاهُ اللُّغَوِيِّ، وَكَانَتْ الْعَرَبُ تَرْمِي بِهَا فِي الصِّغَرِ عَلَى وَجْهِ اللَّعِبِ تَجْعَلُهَا بَيْنَ السَّبَّابَةِ وَالْإِبْهَامِ مِنْ الْيُسْرَى، ثُمَّ تَقْذِفُهَا بِسَبَّابَةِ الْيُمْنَى أَوْ تَجْعَلُهَا بَيْنَ سَبَّابَتَيْهَا، وَلَيْسَتْ هَذِهِ الْهَيْئَةُ مَطْلُوبَةً فِي الرَّمْيِ، وَإِنَّمَا الْمَطْلُوبُ أَخْذُهَا بِسَبَّابَتِهِ وَإِبْهَامِهِ مِنْ الْيَدِ الْيُمْنَى وَرَمْيُهَا.
قَوْلُهُ: [وَكُرِهَ كَبِيرٌ] : أَيْ لِئَلَّا يُؤْذِيَ النَّاسَ.
قَوْلُهُ: [أَيْ وَصِحَّتُهُ بِرَمْيٍ] : اعْتَرَضَ بِأَنَّ الشَّيْءَ لَا يَكُونُ شَرْطًا لِنَفْسِهِ. وَأُجِيبُ بِأَنَّ الرَّمْيَ الْمَشْرُوطَ فِيهِ الْمُرَادُ مِنْهُ الْإِيصَالُ لِلْجَمْرَةِ. وَالرَّمْيُ الَّذِي اُعْتُبِرَ شَرْطًا بِمَعْنَى الِانْدِفَاعِ، فَالْمَعْنَى حِينَئِذٍ شَرْطُ صِحَّةِ الْإِيصَالِ لِلْجَمْرَةِ الِانْدِفَاعُ، فَلَا يُجْزِئُ وَضْعُ الْحَصَاةِ بِيَدِهِ عَلَى الْجَمْرَةِ، وَلَا طَرْحُهَا عَلَيْهَا مِنْ غَيْرِ انْدِفَاعٍ، وَهَذَا الْجَوَابُ يُؤْخَذُ مِنْ الشَّارِحِ. وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الرَّمْيُ مُبَاشَرَةً لَا بِقَوْسٍ أَوْ رِجْلِهِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، وَلَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ كُلُّ وَاحِدَةٍ بِانْفِرَادِهَا، فَلَوْ رَمَى السَّبْعَةَ دُفْعَةً وَاحِدَةً حُسِبَتْ وَاحِدَةً.
قَوْلُهُ: [وَهِيَ الْبِنَاءُ وَمَا حَوْلَهُ] : وَقِيلَ إنَّ الْجَمْرَةَ اسْمٌ لِلْمَكَانِ الَّذِي حَوْلَ
وَهُوَ أَوْلَى، فَإِنْ وَقَعَتْ الْحَصَاةُ فِي شِقٍّ مِنْ الْبِنَاءِ أَجْزَأَتْ عَلَى التَّحْقِيقِ لَا إنْ جَاوَزَتْهَا وَوَقَعَتْ خَلْفَهَا بَعْدُ، (أَوْ وَقَعَتْ دُونَهَا) : أَيْ دُونَ الْجَمْرَةِ الَّتِي هِيَ مَحَلُّ الرَّمْيِ، (وَلَمْ تَصِلْ) الْحَصَاةُ إلَيْهَا، فَإِنْ وَصَلَتْ أَجْزَأَتْ. (وَ) صِحَّتُهُ (بِتَرَتُّبِهِنَّ) : أَيْ الْجَمَرَاتِ بِأَنْ يَبْتَدِئَ بِالْأُولَى الَّتِي تَلِي مَسْجِدَ مِنًى، ثُمَّ الْوُسْطَى، ثُمَّ الْعَقَبَةُ (لَا إنْ نَكَسَ) بِأَنْ قَدَّمَ الْعَقَبَةَ أَوْ الْوُسْطَى، (أَوْ تَرَكَ بَعْضًا) مِنْهَا حَصَاةً أَوْ أَكْثَرَ مِنْ الْجَمِيعِ أَوْ مِنْ بَعْضِهِنَّ (وَلَوْ سَهْوًا) لَمْ يُجْزِهِ. (فَلَوْ رَمَى كُلًّا) مِنْ الْجَمَرَاتِ (بِخَمْسٍ) مِنْ الْحَصَيَاتِ (اُعْتُدَّ بِالْخَمْسِ الْأُوَلِ) مِنْ الْجَمْرَةِ الْأُولَى، وَكَمَّلَهَا بِحَصَاتَيْنِ وَأَعَادَ الثَّانِيَةَ وَالثَّالِثَةَ مِنْ أَصْلِهِمَا لِلتَّرْتِيبِ.
(وَإِنْ لَمْ يَدْرِ مَوْضِعَ حَصَاةٍ) تَرَكَهَا مِنْهُنَّ تَحْقِيقًا أَوْ شَكَّ أَهِيَ مِنْ الْأُولَى أَوْ مِنْ غَيْرِهَا (اعْتَدَّ بِسِتٍّ مِنْ) الْجَمْرَةِ (الْأُولَى) بِنَاءً عَلَى الْيَقِينِ، (وَأَعَادَ مَا بَعْدَهَا)
ــ
[حاشية الصاوي]
الْبِنَاءِ فَقَطْ مَحَلُّ اجْتِمَاعِ الْحَصَى، وَعَلَيْهِ فَلَا يُجْزِئُ مَا وَقَفَ فِي الْبِنَاءِ، وَلَكِنَّ التَّحْقِيقَ الْإِجْزَاءُ كَمَا قَالَ الشَّارِحُ.
قَوْلُهُ: [فَإِنْ وَصَلَتْ أَجْزَأْت] : هَكَذَا فِي التَّوْضِيحِ عَنْ سَنَدٍ.
قَوْلُهُ: [بِأَنْ يَبْدَأَ بِالْأُولَى] : أَيْ وَهِيَ الْكُبْرَى.
قَوْلُهُ: [ثُمَّ بِالْوُسْطَى] : أَيْ الَّتِي فِي السُّوقِ، وَيُرْمَيَانِ مِنْ أَعْلَى مِنْ جِهَةِ مِنًى كَمَا فِي التَّتَّائِيِّ.
وَقَوْلُهُ: [ثُمَّ بِالْعَقَبَةِ] : أَيْ يَخْتِمُ بِهَا وَيَرْمِيهَا مِنْ أَسْفَلَ مِنْ بَطْنِ الْوَادِي. قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: فَإِنْ تَأَخَّرَ يَوْمٌ لِآخَرَ فَفِي (ح) تَقْدِيمِ الْقَضَاءِ، وَلَوْ ضَاقَ كَيَسِيرِ الْفَوَائِتِ، وَظَاهِرُ اتِّحَادِ الدَّمِ قَالَ إلَّا أَنْ يَضِيقَ الْيَوْمُ الْآخَرُ: السَّنْهُورِيُّ - قِيَاسًا عَلَى الِاخْتِصَاصِ بِالْأَخِيرَةِ عِنْدَ الضِّيقِ - الْأُجْهُورِيُّ: إذَا ضَاقَ عَنْ كُلِّ الْقَضَاءِ أَتَى بِبَعْضِهِ لِحَدِيثِ: «إذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ بِمَا اسْتَطَعْتُمْ» اهـ.
قَوْلُهُ: [اعْتَدَّ بِالْخَمْسِ الْأُوَلِ] : أَيْ سَوَاءٌ فَعَلَ ذَلِكَ عَمْدًا أَوْ نِسْيَانًا. وَالْحَاصِلُ: أَنَّ التَّرْتِيبَ بَيْنَ الْجِمَارِ الثَّلَاثِ شَرْطُ صِحَّةٍ كَمَا قَالَ الشَّارِحُ، وَأَمَّا تَتَابُعُ الرَّمْيَاتِ أَوْ الْجَمَرَاتِ فَمَنْدُوبٌ فَقَطْ، فَلِذَلِكَ اُعْتُدَّ بِالْخَمْسِ الْأُوَلِ لِعَدَمِ وُجُوبِ تَتَابُعِ الرَّمَيَاتِ، وَبَطَلَ مَا بَعْدَهَا لِاشْتِرَاطِ التَّرْتِيبِ بَيْنَ الْجَمَرَاتِ.
قَوْلُهُ: [وَإِنْ لَمْ يَدْرِ مَوْضِعَ حَصَاةٍ] إلَخْ: حَاصِلُهُ: أَنَّهُ إذَا رَمَى الْجِمَارَ الثَّلَاثَ،
مِنْ الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ وُجُوبًا لِلتَّرْتِيبِ. وَلَا هَدْيَ إنْ ذَكَرَ فِي يَوْمِهِ وَلَوْ نَكَسَ أَعَادَ الْمُنَكَّسَ، فَلَوْ رَمَى الْأُولَى ابْتِدَاءً فَالْعَقَبَةُ فَالْوُسْطَى، أَعَادَ الْعَقَبَةَ، لِأَنَّ رَمْيَهَا كَانَ بَاطِلًا لِعَدَمِ التَّرْتِيبِ، وَلَا دَمَ إنْ تَذَكَّرَ فِي يَوْمِهِ. وَتَقَدَّمَ أَنَّ الرَّمْيَ لَا يَفُوتُ إلَّا بِغُرُوبِ الرَّابِعِ.
(وَنُدِبَ رَمْيُ) جَمْرَةِ (الْعَقَبَةِ أَوَّلَ يَوْمٍ) وَهُوَ يَوْمُ النَّحْرِ (طُلُوعِ الشَّمْسِ) إلَى الزَّوَالِ، وَكُرِهَ تَأْخِيرُهُ لِلزَّوَالِ لِغَيْرِ عُذْرٍ، وَمَحَطُّ النَّدْبِ قَوْلُهُ:" طُلُوعِ " إلَخْ. (وَ) نُدِبَ رَمْيُ (غَيْرِهَا) مِنْ بَاقِي الْأَيَّامِ (إثْرَ الزَّوَالِ قَبْلَ) صَلَاةِ (الظُّهْرِ) مُتَوَضِّئًا، وَتَقَدَّمَ أَنَّ دُخُولَ الزَّوَالِ شَرْطُ صِحَّةٍ لِلرَّمْيِ فِي الْأَيَّامِ الثَّلَاثَةِ، فَمَحَطُّ النَّدْبِ التَّعْجِيلُ قَبْلَ صَلَاةِ الظُّهْرِ. (وَ) نُدِبَ (وُقُوفُهُ) : أَيْ مُكْثُهُ وَلَوْ جَالِسًا (إثْرَ) الْجَمْرَتَيْنِ (الْأَوَّلِيَّيْنِ) أَيْ الْأُولَى وَالْوُسْطَى (لِلدُّعَاءِ) وَالثَّنَاءِ عَلَى اللَّهِ حَالَ كَوْنِهِ (مُسْتَقْبِلًا) لِلْبَيْتِ (قَدْرَ) ظَرْفٌ لِلْوُقُوفِ، أَيْ يَقِفُ زَمَنًا قَدْرَ (إسْرَاعِ) قِرَاءَةِ سُورَةِ (الْبَقَرَةِ) .
ــ
[حاشية الصاوي]
ثُمَّ تَيَقَّنَ أَنَّهُ تَرَكَ حَصَاةً مِنْ وَاحِدَةٍ مِنْهَا، وَلَمْ يَدْرِ مِنْ أَيُّهَا تَرَكَهَا أَوْ شَكَّ فِي تَرْكِ حَصَاةٍ - وَلَمْ يَدْرِ مِنْ أَيُّهَا - فَإِنَّهُ يُعْتَدُّ بِسِتٍّ مِنْ الْجَمْرَةِ الْأُولَى لِاحْتِمَالِ كَوْنِهَا مِنْهَا فَيُكْمِلُهَا بِحَصَاةٍ، ثُمَّ يَرْمِي الثَّانِيَةَ وَالثَّالِثَةَ بِسَبْعٍ سَبْعٍ، وَلَا دَمَ عَلَيْهِ إنْ كَمَّلَ الْأُولَى وَفَعَلَ الثَّانِيَةَ وَالثَّالِثَةَ فِي يَوْمِهِ، فَإِنْ رَمَى الْجِمَارَ الثَّلَاثَ فِي يَوْمَيْنِ وَحَصَلَ الشَّكُّ فِي تَرْكِ حَصَاةٍ وَلَمْ يَدْرِ مِنْ أَيِّ الْجِمَارِ. وَهَلْ هِيَ مِنْ الْيَوْمِ الْأَوَّلِ أَوْ الثَّانِي فَإِنَّهُ يَعْتَدُّ بِسِتٍّ مِنْ الْأُولَى فِي كِلَا الْيَوْمَيْنِ، وَيُكْمِلُ عَلَيْهَا وَيُعِيدُ مَا بَعْدَهَا، وَيَلْزَمُهُ دَمٌ لِتَأْخِيرِ رَمْيِ الْيَوْمِ الْأَوَّلِ لِوَقْتِ الْقَضَاءِ، وَلَا مَفْهُومَ لِقَوْلِهِ:" مَوْضِعُ حَصَاةٍ "، بَلْ مِثْلُهُ مَوْضِعُ حَصَاتَيْنِ مَثَلًا وَهَكَذَا، كُلَّمَا زَادَ الشَّكُّ اعْتَدَّ بِغَيْرِ الْمَشْكُوكِ فِيهِ، وَهَذَا أَيْضًا مَبْنِيٌّ عَلَى نَدْبِ تَتَابُعِ الرَّمَيَاتِ وَالْجَمَرَاتِ.
قَوْلُهُ: [لِغَيْرِ عُذْرٍ] : أَيْ وَأَمَّا إذَا كَانَ لِمَرَضٍ أَوْ نِسْيَانٍ فَلَا كَرَاهَةَ فِي فِعْلِهِ بَعْدَ الزَّوَالِ.
قَوْلُهُ [فَمَحَطُّ النَّدْبِ التَّعْجِيلُ] إلَخْ: أَيْ فَلَا يُنَافِي أَنَّ كَوْنَهُ بَعْدَ الزَّوَالِ شَرْطَ صِحَّةٍ فِيهِ.
(وَ) نُدِبَ (تَيَاسُرُهُ فِي) الْجَمْرَةِ (الثَّانِيَةِ) أَيْ الْوُسْطَى؛ بِأَنْ يَقِفَ عَلَى يَسَارِهَا كَمَا فِي النَّقْلِ (مُتَقَدِّمًا عَلَيْهَا) جِهَةَ الْبَيْتِ، لَا أَنَّهُ يُحَاذِيهَا جِهَةَ يَسَارِهَا.
(وَ) نُدِبَ حَالَ وُقُوفِهِ لِلدُّعَاءِ بِقَدْرِ رَمْيِ الْأُولَى، (جَعْلُ الْأُولَى خَلْفَهُ) وَأَمَّا جَمْرَةُ الْعَقَبَةِ فَيَرْمِيهَا وَيَنْصَرِفُ، وَلَا يَقِفُ لِضِيقِ مَحِلِّهَا، وَإِذَا اسْتَقْبَلَهَا لِلرَّمْيِ كَانَتْ مَكَّةُ جِهَةَ يَسَارِهِ وَمِنًى جِهَةَ يَمِينِهِ. (وَ) نُدِبَ (نُزُولُ غَيْرِ الْمُتَعَجِّلِ) بَعْدَ رَمْيِ جِمَارِ الْيَوْمِ الثَّالِثِ (بِالْمُحَصَّبِ) : اسْمٌ لِبَطْحَاءَ خَارِجَ مَكَّةَ. (لِيُصَلِّيَ بِهِ) أَيْ فِيهِ (أَرْبَعَ صَلَوَاتٍ) الظُّهْرُ وَالْعَصْرُ وَالْمَغْرِبُ وَالْعِشَاءُ، كَمَا فَعَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، وَأَمَّا الْمُتَعَجِّلُ فَلَا يُنْدَبُ
ــ
[حاشية الصاوي]
قَوْلُهُ: [وَنُدِبَ تَيَاسُرُهُ] : أَيْ وُقُوفُهُ جِهَةَ يَسَارِهَا فَتَكُونُ هِيَ عَنْ يَمِينِهِ، لِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِهِ جِهَةَ يَسَارِهَا أَنْ تَكُونَ هِيَ جِهَةَ يَمِينِهِ.
قَوْلُهُ: [كَمَا فِي النَّقْلِ] : فَفِي عِبَارَةِ ابْنِ الْمَوَّازِ: يَرْمِي الْوُسْطَى وَيَنْصَرِفُ مِنْهَا إلَى الشِّمَالِ فِي بَطْنِ الْمَسِيلِ، فَيَقِفُ أَمَامَهَا مِمَّا يَلِي يَسَارَهَا.
قَوْلُهُ: [إلَّا أَنْ يُحَاذِيَهَا] إلَخْ: أَيْ بَلْ تَكُونُ خَلْفَهُ كَالْجَمْرَةِ الْأُولَى غَيْرَ أَنَّهُ فِي يَسَارِهَا.
قَوْلُهُ: [لِضِيقِ مَحِلِّهَا] : أَيْ فَلَوْ أَمَرْت النَّاسَ بِالْوُقُوفِ لَحَصَلَ مَزِيدُ الضَّرَرِ.
قَوْلُهُ: [وَنُدِبَ نُزُولُ غَيْرِ الْمُتَعَجِّلِ] : أَيْ إنْ لَمْ يَكُنْ رُجُوعُهُ يَوْمَ جُمُعَةٍ وَإِلَّا فَلَا يُنْدَبُ التَّحْصِيبُ. وَمَحِلُّ نَدْبِ صَلَاةِ الظُّهْرِ بِهِ إذَا وَصَلَهُ قَبْلَ ضِيقِ وَقْتِهَا، أَمَّا لَوْ ضَاقَ وَقْتُهَا عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ يُصَلِّي الظُّهْرَ حَيْثُ أَدْرَكَهُ، وَلَا يُؤَخِّرُهَا لِلْمُحَصَّبِ.
وَهَذَا التَّحْصِيبُ مَنْدُوبٌ فِي حَقِّ الرَّاجِعِ مِنْ مِنًى بِشَرْطِهِ، سَوَاءٌ كَانَ آفَاقِيًّا أَوْ مَكِّيًّا، وَيَقْصُرُ الْمَكِّيُّ الصَّلَاةَ فِيهِ لِأَنَّهُ مِنْ تَمَامِ الْمَنَاسِكِ وَأَوْلَى الْآفَاقِيُّ.
قَوْلُهُ: [اسْمٌ لِبَطْحَاءَ خَارِجَ مَكَّةَ] : أَيْ مُحَاذِيَةً لِلْمَقْبَرَةِ.
قَوْلُهُ: [كَمَا فَعَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم] إلَخْ: أَيْ شُكْرًا لِلَّهِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْمُحَصَّبَ هُوَ الْمَوْضِعُ الَّذِي تَحَالَفَتْ فِيهِ قُرَيْشٌ عَلَى أَنَّهُمْ لَا يُبَايِعُونَ بَنِي هَاشِمٍ، وَلَا يُنَاكِحُونَهُمْ. وَلَا يَأْخُذُونَ مِنْهُمْ، وَلَا يُعْطُونَهُمْ إلَّا أَنْ يُسَلِّمُوا لَهُمْ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، وَكَتَبُوا بِذَلِكَ صَحِيفَةً وَوَضَعُوهَا فِي جَوْفِ الْكَعْبَةِ فَخَيَّبَهُمْ اللَّهُ فِي ذَلِكَ، وَبَلَغَ رَسُولُ اللَّهِ كُلَّ الْمَقَاصِدِ فِيهِمْ وَفِي غَيْرِهِمْ.
لَهُ ذَلِكَ. (وَ) نُدِبَ (طَوَافُ الْوَدَاعِ لِخَارِجٍ) أَيْ لِكُلِّ مَنْ خَرَجَ مِنْ مَكَّةَ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ أَوْ غَيْرِهِمْ مِنْ الْحُجَّاجِ أَوْ غَيْرِهِمْ (لِكَمِيقَاتٍ) مِنْ الْمَوَاقِيتِ، أَوْ لِمَا حَاذَاهُ، أَوْ لِلطَّائِفِ، وَأَوْلَى لِأَبْعَدَ مِنْ ذَلِكَ، وَسَوَاءٌ خَرَجَ لِحَاجَةٍ أَمْ لَا أَرَادَ الْعَوْدَ أَمْ لَا، (لَا) إنْ خَرَجَ (لِكَجِعْرَانَةَ) وَالتَّنْعِيمِ مِمَّا دُونَ الْمَوَاقِيتِ فَلَا وَدَاعَ عَلَيْهِ، (إلَّا) أَنْ يَكُونَ الْخَارِجُ لِمَا دُونَ الْمَوَاقِيتِ، خَرَجَ (لِتَوَطُّنٍ) بِهِ فَيُنْدَبُ لَهُ الْوَدَاعُ، (وَتَأَدَّى) طَوَافُ الْوَدَاعِ (بِالْإِفَاضَةِ، وَ) طَوَافُ (الْعُمْرَةِ) ، وَحَصَلَ لَهُ ثَوَابُهُ إنْ نَوَاهُ بِهِمَا كَتَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ تُؤَدَّى بِالْفَرْضِ، وَيَحْصُلُ ثَوَابُهَا إنْ نَوَاهَا بِهِ.
(وَبَطَلَ) الْوَدَاعُ أَيْ بَطَلَ الِاكْتِفَاءُ بِهِ لَا الثَّوَابُ (بِإِقَامَتِهِ) بِمَكَّةَ (بَعْضَ يَوْمٍ) لَهُ بَالٌ فَيُعِيدُهُ، (لَا) يَبْطُلُ بِإِقَامَتِهِ (بِشُغْلٍ) أَيْ بِسَبَبِ شُغْلٍ (خَفَّ) مِنْ بَيْعٍ أَوْ شِرَاءٍ أَوْ قَضَاءِ دَيْنٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ، فَلَا يَطْلُبُ بِإِعَادَتِهِ. (وَ) إذَا بَطَلَ أَوْ لَمْ يَأْتِ بِهِ مِنْ أَصْلِهِ (رَجَعَ لَهُ) أَيْ لِفِعْلِهِ (إنْ لَمْ يَخَفْ) بِالرُّجُوعِ (فَوَاتَ رُفْقَةٍ) وَلَا لِصًّا أَوْ سَارِقًا أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ، وَإِلَّا لَمْ يَرْجِعْ.
ــ
[حاشية الصاوي]
قَوْلُهُ: [وَنُدِبَ طَوَافُ الْوَدَاعِ] : أَيْ لِغَيْرِ الْمُتَرَدِّدِ بِفَاكِهَةٍ وَنَحْوِهَا. وَحَاصِلُ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ الْخَارِجَ مِنْ مَكَّةَ إذَا قَصَدَ التَّرَدُّدَ لَهَا فَلَا وَدَاعَ عَلَيْهِ مُطْلَقًا وَصَلَ الْمِيقَاتَ أَمْ لَا، وَإِنْ قَصَدَ مَسْكَنًا أَوْ الْإِقَامَةَ طَوِيلًا فَعَلَيْهِ الْوَدَاعُ مُطْلَقًا. وَإِنْ خَرَجَ لِاقْتِضَاءِ دَيْنٍ أَوْ زِيَارَةِ أَهْلٍ نُظِرَ؛ فَإِنْ خَرَجَ لِنَحْوِ الْمَوَاقِيتِ طُلِبَ بِالْوَدَاعِ مُطْلَقًا، وَإِنْ خَرَجَ لِدُونِهَا كَالتَّنْعِيمِ فَلَا وَدَاعَ عَلَيْهِ، هَذَا مُحَصَّلُ كَلَامِ الْحَطَّابِ.
قَوْلُهُ: [وَتَأَدَّى طَوَافُ الْوَدَاعِ] إلَخْ: أَيْ لِأَنَّهُ لَيْسَ مَقْصُودًا لِذَاتِهِ، بَلْ لِيَكُونَ آخِرَ عَهْدِهِ مِنْ الْبَيْتِ الطَّوَافُ، وَلَا يَكُونُ السَّعْيُ بَعْدَهُ طُولًا حَيْثُ لَمْ يَقُمْ بَعْدَهُ إقَامَةً تَقْطَعُ حُكْمَ التَّوْدِيعِ.
تَنْبِيهٌ: يُحْبَسُ الْكَرِيُّ وَالْوَلِيُّ - مِنْ زَوْجٍ أَوْ مَحْرَمٍ - لِأَجْلِ حَيْضٍ أَوْ نِفَاسٍ مَنَعَ الْمَرْأَةَ مِنْ طَوَافِ الْإِفَاضَةِ حَتَّى يَزُولَ الْمَانِعُ، وَتَطُوفُ بِشَرْطِ أَمْنِ الطَّرِيقِ حَالَ الرُّجُوعِ بَعْدَ طَوَافِهَا، فَإِنْ لَمْ يُؤْمَنْ - كَمَا فِي هَذِهِ الْأَزْمِنَةِ - فُسِخَ الْكِرَاءُ اتِّفَاقًا، وَلَا يُحْبَسُ مِنْ ذُكِرَ مَعَهَا وَمَكَثَتْ بِمَكَّةَ وَحْدَهَا إنْ أَمْكَنَهَا، وَإِلَّا رَجَعَتْ لِبَلَدِهَا وَهِيَ عَلَى
(وَ) نُدِبَ (زِيَارَةُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم) وَهِيَ مِنْ أَعْظَمِ الْقُرُبَاتِ.
ــ
[حاشية الصاوي]
إحْرَامِهَا، ثُمَّ تَعُودُ فِي الْقَابِلِ لِلْإِفَاضَةِ وَالْأَسْهَلُ فِي تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ تَقْلِيدُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَدَ فِي صِحَّةِ طَوَافِهَا بِالْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ كَذَا فِي الْمَجْمُوعِ.
قَوْلُهُ: [وَهِيَ مِنْ أَعْظَمِ الْقُرُبَاتِ] : قَالَ الْعَلَّامَةُ السَّمْهُودِيُّ فِي كِتَابِهِ الْمُؤَلَّفُ فِي زِيَارَةِ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم: وَمِنْ خَصَائِصِهَا - أَيْ الْمَدِينَةِ الْمُنَوَّرَةِ - وُجُوبُ زِيَارَتِهَا كَمَا فِي حَدِيثِ الطَّبَرَانِيُّ، وَحَقٌّ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ زِيَارَتُهَا، فَالرِّحْلَةُ إلَيْهَا مَأْمُورٌ بِهَا وَاجِبَةٌ أَيْ مُتَأَكِّدَةٌ عَلَى الْمُسْلِمِ الْمُسْتَطِيعِ لَهُ سَبِيلًا، وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا:«مَنْ حَجَّ فَزَارَ قَبْرِي بَعْدَ مَوْتِي كَانَ كَمَنْ زَارَنِي فِي حَيَاتِي» ، وَأَخْرَجَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ:«مَنْ حَجَّ فَزَارَ قَبْرِي بَعْدَ مَوْتِي كَانَ كَمَنْ زَارَنِي فِي حَيَاتِي» ، وَلِابْنِ عَدِيٍّ وَالطَّبَرَانِيِّ:«مَنْ حَجَّ الْبَيْتَ وَلَمْ يَزُرْنِي فَقَدْ جَفَانِي» ، وَعَنْ أَنَسٍ مَرْفُوعًا:«مَنْ زَارَنِي مَيِّتًا فَكَأَنَّمَا زَارَنِي حَيًّا، وَمَنْ زَارَ قَبْرِي وَجَبَتْ لَهُ شَفَاعَتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ أُمَّتِي لَهُ سَعَةٌ ثُمَّ لَمْ يَزُرْنِي فَلَيْسَ لَهُ عُذْرٌ» ، وَعَنْ عَطَاءٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا:«مَنْ زَارَنِي فِي مَمَاتِي كَمَنْ زَارَنِي فِي حَيَاتِي، وَمَنْ زَارَنِي حَتَّى يَنْتَهِيَ إلَى قَبْرِي كُنْت لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ شَهِيدًا» أَوْ قَالَ " شَفِيعًا "(اهـ) .
قَالَ بَعْضُهُمْ السَّلَامُ عَلَيْهِ عِنْدَ قَبْرِهِ عليه الصلاة والسلام أَفْضَلُ مِنْ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ عِنْدَهُ لِلْأَخْبَارِ الْكَثِيرَةِ الْوَارِدَةِ فِي ذَلِكَ؛ مِنْهَا: «مَا مِنْ أَحَدٍ يُسَلِّمُ عَلَيَّ عِنْدَ قَبْرِي إلَّا رَدَّ اللَّهُ عَلَيَّ رُوحِي حَتَّى أَرُدَّ عليه السلام» .
وَمَعْنَى قَوْلِهِ فِي الْحَدِيثِ: " إلَّا رَدَّ اللَّهُ عَلَيَّ رُوحِي " أَيْ مِنْ حَضْرَةِ الشُّهُودِ إلَى رَدِّ جَوَابِ الْمُسَلِّمِ، وَلِأَنَّ شِعَارَ اللِّقَاءِ التَّحِيَّةُ، وَيَدُلُّ لِذَلِكَ قَوْلُ الْعُلَمَاءِ: إنَّ الزَّائِرَ يَبْدَأُ بِالسَّلَامِ وَيَخْتِمُ بِالصَّلَاةِ عَلَيْهِ صلى الله عليه وسلم، وَالْأَفْضَلُ فِي الزِّيَارَةِ الْقُرْبُ مِنْ الْقَبْرِ الشَّرِيفِ، بِحَيْثُ يَكُونُ النَّبِيُّ يَسْمَعُ قَوْلَهُ عَلَى حَسَبِ الْعَادَةِ، وَيَلْزَمُ فِي تِلْكَ الْحَضْرَةِ الْأَدَبُ الظَّاهِرِيُّ وَالْبَاطِنِيُّ لِيَظْفَرَ بِالْمُنَى.
(وَ) نُدِبَ (الْإِكْثَارُ مِنْ الطَّوَافِ) بِالْبَيْتِ لَيْلًا وَنَهَارًا مَا اسْتَطَاعَ، (وَ) إذَا أَرَادَ الْخُرُوجَ مِنْ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ بَعْدَ الْوَدَاعِ أَوْ غَيْرِهِ (لَا يَرْجِعُ الْقَهْقَرَى) بِأَنْ يَرْجِعَ بِظَهْرِهِ وَوَجْهُهُ لِلْبَيْتِ، أَيْ يُكْرَهُ لِأَنَّهُ مِنْ فِعْلِ الْأَعَاجِمِ لَا مِنْ السُّنَّةِ.
وَلَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ أَرْكَانِ الْحَجِّ شَرَعَ فِي بَيَانِ أَرْكَانِ الْعُمْرَةِ فَقَالَ:
(وَأَرْكَانُ الْعُمْرَةِ ثَلَاثَةٌ) ؛ بِإِسْقَاطِ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ: (إحْرَامٌ) مِنْهُ الْمَوَاقِيتُ أَوْ مِنْ الْحِلِّ
ــ
[حاشية الصاوي]
وَمِمَّا يَتَأَكَّدُ عِنْدَ دُخُولِ الْمَدِينَةِ الْمُشَرَّفَةِ الْغُسْلُ وَالتَّطَيُّبُ وَتَجْدِيدُ التَّوْبَةِ، وَحِين يَدْخُلُ الْمَسْجِدَ الشَّرِيفَ يَأْتِي الرَّوْضَةَ فَيُصَلِّي بِهَا رَكْعَتَيْنِ تَحِيَّةَ الْمَسْجِدِ، ثُمَّ يَأْتِي قُبَالَةَ الْقَبْرِ الشَّرِيفِ وَيَقُولُ:" السَّلَامُ عَلَيْك يَا سَيِّدِي يَا رَسُولَ اللَّهِ، السَّلَامُ عَلَيْك يَا سَيِّدِي يَا حَبِيبَ اللَّهِ، السَّلَامُ عَلَيْك يَا سَيِّدِي يَا أَشْرَفَ رُسُلِ اللَّهِ، السَّلَامُ عَلَيْك يَا إمَامَ الْمُتَّقِينَ، السَّلَامُ عَلَيْك يَا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ، أَشْهَدُ أَنَّك رَسُولُ اللَّهِ بَلَّغَتْ الرِّسَالَةَ، وَأَدَّيْت الْأَمَانَةَ، وَنَصَحْت الْأُمَّةَ، وَكَشَفْت الْغُمَّةَ، وَجَلَيْت الظُّلْمَةَ، وَنَطَقْت بِالْحِكْمَةِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْك، وَعَلَى آلِكَ وَأَصْحَابِك أَجْمَعِينَ ". ثُمَّ يَتَوَسَّلُ بِهِ فِي جَمِيعِ مَطْلُوبَاتِهِ. ثُمَّ يَنْتَقِلُ قُبَالَةَ قَبْرِ أَبِي بَكْرٍ وَيَقُولُ: " السَّلَامُ عَلَيْك يَا خَلِيفَةَ رَسُولِ اللَّهِ، السَّلَامُ عَلَيْك يَا صِدِّيقَ رَسُولِ اللَّهِ، أَشْهَدُ أَنَّك جَاهَدْت فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ، جَزَاك اللَّهُ عَنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ خَيْرًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْك وَأَرْضَاك، وَجَعَلَ الْجَنَّةَ مُتَقَلَّبَك وَمَثْوَاك، وَرَضِيَ اللَّهُ عَنْ كُلِّ الصَّحَابَةِ أَجْمَعِينَ، ثُمَّ يَتَوَسَّلُ بِهِ إلَى رَسُولِ اللَّهِ. ثُمَّ يَنْتَقِلُ قُبَالَةَ قَبْرِ عُمَرَ وَيَقُولُ: " السَّلَامُ عَلَيْك يَا صَاحِبَ رَسُولِ اللَّهِ، السَّلَامُ عَلَيْك يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عُمَرَ الْفَارُوقَ، أَشْهَدُ أَنَّك جَاهَدْت فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ، جَزَاك اللَّهُ عَنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ خَيْرًا، رَضِيَ اللَّهُ عَنْك وَأَرْضَاك، وَجَعَلَ الْجَنَّةَ مُتَقَلَّبَك وَمَثْوَاك، وَرَضِيَ اللَّهُ عَنْ كُلِّ الصَّحَابَةِ أَجْمَعِينَ ". ثُمَّ يَتَوَسَّلُ بِهِ إلَى رَسُولِ اللَّهِ. ثُمَّ يَخْرُجُ إلَى الْبَقِيعِ فَيُسَلِّمُ عَلَى أَهْلِهِ هَكَذَا، وَيَتَوَسَّلُ بِهِمْ إلَى رَسُولِ اللَّهِ فَلْتَحْفَظْ تِلْكَ الْآدَابَ فَإِنَّ مَنْ فَعَلَهَا مَعَ الشَّوْقِ وَفَرَاغِ الْقَلْبِ مِنْ الْأَغْيَارِ بَلَغَ كُلَّ مَا يَتَمَنَّى إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
قَوْلُهُ: [وَنُدِبَ الْإِكْثَارُ مِنْ الطَّوَافِ] إلَخْ: أَيْ لِأَنَّهُ عِبَادَةٌ مَفْقُودَةٌ لَهُ فِي غَيْرِهِ
(وَطَوَافٌ) بِالْبَيْتِ سَبْعًا. (وَسَعْيٌ) بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ سَبْعًا (عَلَى مَا) : أَيْ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي (مَرَّ) بَيَانُهُ فِي الْحَجِّ، سَوَاءٌ بِسَوَاءٍ. فَإِنْ أَحْرَمَ مِنْ الْحَرَمِ وَجَبَ عَلَيْهِ الْخُرُوجُ لِلْحِلِّ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ كُلَّ إحْرَامٍ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ الْجَمْعِ بَيْنَ الْحِلِّ وَالْحَرَمِ، وَلَا يَصِحُّ طَوَافُهُ وَسَعْيُهُ إلَّا بَعْدَ خُرُوجِهِ لِلْحِلِّ. (ثُمَّ) بَعْدَ سَعْيِهِ (بِحَلْقِ) رَأْسِهِ وُجُوبًا عَلَى مَا مَرَّ أَيْضًا، فَقَدْ حَذَفَهُ مِنْ الْأَخِيرِ لِدَلَالَةِ الْأَوَّلِ عَلَيْهِ.
(وَكُرِهَ) لِلْمُكَلَّفِ (تَكْرَارُهَا) أَيْ الْعُمْرَةِ (بِالْعَامِ) الْوَاحِدِ. وَإِنَّمَا يُطْلَبُ كَثْرَةُ الطَّوَافِ، وَأَوَّلُ الْعَامِ الْمُحَرَّمُ، فَإِنْ اعْتَمَرَ آخِرَ يَوْمٍ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ وَأَوَّلَ يَوْمٍ مِنْ الْمُحَرَّمِ لَمْ يُكْرَهْ.
ــ
[حاشية الصاوي]
قَوْلُهُ: [وَكُرِهَ لِلْمُكَلَّفِ تَكْرَارُهَا] : أَيْ وَمَا وَرَدَ عَنْ السَّلَفِ مِنْ تَكْرَارِهَا، فَلَمْ يُؤْخَذْ بِهِ مَالِكٌ وَلَا مَفْهُومَ لِلْمُكَلَّفِ، بَلْ الصَّبِيُّ الْمُمَيِّزُ تَتَعَلَّقُ بِهِ الْكَرَاهَةُ أَيْضًا.
تَتِمَّةٌ: لَوْ طَافَ حَامِلُ شَخْصٍ وَقَصَدَ بِطَوَافِهِ نَفْسَهُ وَعَنْ مَحْمُولِهِ لَمْ يَجُزْ عَنْ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، لِأَنَّ الطَّوَافَ صَلَاةٌ وَهِيَ لَا تَكُونُ عَنْ اثْنَيْنِ، وَأَجْزَأَ السَّعْيُ عَنْهُمَا لِخِفَّةِ أَمْرِ السَّعْيِ، إذْ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ طَهَارَةٌ فَلَيْسَ كَالصَّلَاةِ، وَكَذَلِكَ يُجْزِئُ الطَّوَافُ وَالسَّعْيُ عَنْ مَحْمُولَيْنِ لَهُ، حَيْثُ لَمْ يُدْخِلْ نَفْسَهُ مَعَهُمْ كَانَ الْمَحْمُولُ مَعْذُورًا أَمْ لَا. لَكِنْ عَلَى غَيْرِ الْمَعْذُورِ الدَّمُ إنْ لَمْ يُعِدْهُ - كَذَا فِي الْأَصْلِ