الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لَمْ يَذْكُرْهُ الشَّيْخُ.
وَإِنَّمَا اقْتَصَرَ عَلَى الْقِسْمِ الثَّانِي وَهُوَ الْيَمِينُ بِاَللَّهِ تَعَالَى، فَقَالَ " الْيَمِينُ تَحْقِيقُ مَا لَمْ يَجِبْ " إلَخْ. وَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا الْقِسْمَ الْأَوَّلَ لَا تُفِيدُ فِيهِ كَفَّارَةٌ وَلَا إنْشَاءٌ بِخِلَافِ الثَّانِي كَمَا يَأْتِي.
ثُمَّ شَرَعَ فِي بَيَانِ الثَّانِي بِقَوْلِهِ: (أَوْ قَسَمٌ) بِفَتْحِ الْقَافِ وَالسِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَ " أَوْ " فِيهِ لِلتَّنْوِيعِ أَيْ التَّقْسِيمُ وَلَا يَضُرُّ ذِكْرُهَا فِي الْحُدُودِ أَيْ: أَوْ حَلَفَ. (عَلَى أَمْرٍ كَذَلِكَ) : أَيْ إثْبَاتًا أَوْ نَفْيًا بِقَصْدِ الِامْتِنَاعِ مِنْ الشَّيْءِ
ــ
[حاشية الصاوي]
جِدًّا فَتَدَبَّرْ.
قَوْلُهُ: [لَمْ يَذْكُرْهُ الشَّيْخُ] : أَيْ لَمْ يَتَعَرَّضْ الشَّيْخُ خَلِيلٌ لِتَعْرِيفِهِ وَضَابِطُهُ كَمَا تَعَرَّضَ مُصَنِّفُنَا، وَإِلَّا فَقَدْ نَصَّ عَلَى أَحْكَامِهِ فِي أَثْنَاءِ هَذَا الْبَابِ وَالنَّذْرِ وَالطَّلَاقِ وَلَمْ يَتْرُكْ مِنْهَا شَيْئًا فَجَزَى اللَّهُ الْجَمِيعَ خَيْرًا وَنَفَعَنَا بِهِمْ.
[يَمِين الحنث]
قَوْلُهُ: [لَا تُفِيدُ فِيهِ كَفَّارَةٌ وَلَا إنْشَاءٌ] : أَمَّا عَدَمُ كَوْنِهِ إنْشَاءً فَلِكَوْنِهِ تَعْلِيقًا وَالتَّعْلِيقُ غَيْرُ الْإِنْشَاءِ، وَأَمَّا عَدَمُ الْكَفَّارَةِ فَلِأَنَّهُ لَيْسَ مِمَّا يُكَفَّرُ، بَلْ إمَّا لُزُومُ الْمُعَلَّقِ أَوْ عَدَمُهُ فَتَدَبَّرْ.
قَوْلُهُ: [وَلَا يَضُرُّ ذِكْرُهَا فِي الْحُدُودِ] : وَإِنَّمَا الْمَمْنُوعُ ذِكْرُ (أَوْ) الَّتِي لِلشَّكِّ.
قَوْلُهُ: [عَلَى أَمْرٍ] : كَلَامُهُ صَادِقٌ بِالْوَاجِبِ الْعَقْلِيِّ وَالْعَادِيِّ، وَلَكِنَّ قَوْلَهُ:(وَهِيَ الَّتِي تُكَفَّرُ) يُخْرِجُ الْوَاجِبَ الْعَقْلِيَّ وَالْعَادِيَّ، فَيَدْخُلُ الْمُمْكِنُ عَادَةً وَلَوْ كَانَ وَاجِبًا أَوْ مُمْتَنِعًا شَرْعًا نَحْوَ: وَاَللَّهِ لَأَدْخُلَنَّ الدَّارَ، أَوْ: لَا أَدْخُلُهَا أَوْ: لَأُصَلِّيَنَّ الصُّبْحَ، أَوْ: لَا أُصَلِّيهَا أَوْ: لَأَشْرَبَنَّ الْخَمْرَ، أَوْ: لَا أَشْرَبُهَا، وَالْمُمْكِنُ عَقْلًا وَلَوْ امْتَنَعَ عَادَةً نَحْوَ: لَأَشْرَبَنَّ الْبَحْرَ، أَوْ: لَأَصْعَدَنَّ السَّمَاءَ. وَيَحْنَثُ فِي هَذَا بِمُجَرَّدِ الْيَمِينِ إذْ لَا يُتَصَوَّرُ هُنَا الْعَزْمُ عَلَى الضِّدِّ لِعَدَمِ قُدْرَتِهِ عَلَى الْفِعْلِ، وَدَخَلَ الْمُمْتَنِعُ عَقْلًا نَحْوَ: لَأَجْمَعَنَّ بَيْنَ الضِّدَّيْنِ، وَلْأَقْتُلَن زَيْدًا الْمَيِّتَ بِمَعْنَى إزْهَاقِ رُوحِهِ، وَيَحْنَثُ فِي هَذَا أَيْضًا بِمُجَرَّدِ الْيَمِينِ لِمَا مَرَّ، فَالْمُمْتَنِعُ عَقْلًا أَوْ عَادَةً إنَّمَا يَأْتِي فِيهِ صِيغَةُ الْحِنْثِ كَمَا مَثَّلْنَا، وَأَمَّا صِيغَةُ الْبِرِّ نَحْوَ: لَا أَشْرَبُ الْبَحْرَ وَلَا أَجْمَعُ بَيْنَ الضِّدَّيْنِ، فَهُوَ عَلَى بِرٍّ دَائِمًا ضَرُورَةَ أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ الْفِعْلُ. وَخَرَجَ الْوَاجِبُ الْعَادِيُّ وَالْعَقْلِيُّ
الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ أَوْ الْحَثِّ عَلَى فِعْلِهِ أَوْ تَحَقُّقِ وُقُوعِ شَيْءٍ أَوْ عَدَمِهِ نَحْوَ: وَاَللَّهِ لَأَضْرِبَنَّ زَيْدًا أَوْ لَا أَضْرِبُهُ أَوْ لَتَضْرِبَنَّهُ أَوْ لَا تَضْرِبُهُ أَنْتَ، وَنَحْوَ: وَاَللَّهِ لَقَدْ
ــ
[حاشية الصاوي]
كَطُلُوعِ الشَّمْسِ مِنْ الْمَشْرِقِ، وَتَحَيُّزِ الْجُرْمِ فَإِنَّهُ لَوْ قَالَ: وَاَللَّهِ إنَّ الْجُرْمَ مُتَحَيِّزٌ فَهُوَ صَادِقٌ؛ وَإِنْ قَالَ: لَيْسَ بِمُتَحَيِّزٍ فَهِيَ غَمُوسٌ، وَإِنَّمَا خَرَجَ هَذَانِ الْقِسْمَانِ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي الَّتِي تُكَفَّرُ كَذَا فِي الْأَصْلِ، وَسَيُصَرِّحُ بِذَلِكَ الْمُصَنِّفُ.
قَوْلُهُ: [نَحْوَ وَاَللَّهِ لَأَضْرِبَن زَيْدًا] : لَمْ يَأْتِ بِالْأَمْثِلَةِ عَلَى التَّرْتِيبِ كَمَا هُوَ
قَامَ زَيْدٌ أَوْ لَمْ يَقُمْ. (بِذِكْرِ اسْمِ اللَّهِ) : مُتَعَلِّقٌ بِقِسْمٍ وَشَمِلَ الِاسْمُ كُلَّ اسْمٍ مِنْ أَسْمَائِهِ تَعَالَى: (أَوْ) بِذِكْرِ (صِفَتِهِ) أَيْ كُلَّ صِفَةٍ مِنْ صِفَاتِهِ الذَّاتِيَّةِ، أَيْ الْقَائِمَةِ بِذَاتِهِ أَوْ السَّلْبِيَّةِ لَا الْفِعْلِيَّةِ الَّتِي هِيَ تَعَلُّقُ الْقُدْرَةِ بِالْمَقْدُورَاتِ كَالْخَلْقِ وَالرِّزْقِ وَالْإِحْيَاءِ وَالْإِمَاتَةِ.
ــ
[حاشية الصاوي]
ظَاهِرٌ، وَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ إثْبَاتًا بِقَصْدِ الْحَثِّ عَلَى الْفِعْلِ، أَوْ نَفْيًا بِقَصْدِ الِامْتِنَاعِ مِنْ الشَّيْءِ، أَوْ تَحَقَّقْ وُقُوعُ شَيْءٍ أَوْ عَدَمُهُ نَحْوَ: وَاَللَّهِ لَأَضْرِبَن أَوْ لَتَضْرِبَن زَيْدًا أَوْ لَا أَضْرِبُهُ أَوْ لَا تَضْرِبُهُ أَنْتَ وَنَحْوَ: وَاَللَّهِ لَقَدْ قَامَ زَيْدٌ أَوْ لَمْ يَقُمْ.
قَوْلُهُ: [كُلَّ اسْمٍ مِنْ أَسْمَائِهِ] : أَيْ لِأَنَّ اسْمَ فِي كَلَامِهِ مُفْرَدٌ مُضَافٌ يَعُمُّ، وَأَرَادَ بِالِاسْمِ مَا دَلَّ عَلَى الذَّاتِ الْعَلِيَّةِ سَوَاءٌ دَلَّ عَلَيْهَا وَحْدَهَا كَالْجَلَالَةِ، أَوْ مَعَ صِفَةٍ كَالْخَلْقِ وَالْقَادِرِ وَالرَّازِقِ، وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُ النَّاسِ. وَالِاسْمُ الْأَعْظَمُ: وَاسْمُ اللَّهِ، إلَّا أَنْ يَنْوِيَ بِالْأَوَّلِ غَيْرَهُ، وَأَمَّا قَوْلُهُمْ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ فَلَيْسَ يَمِينًا لِأَنَّهُمْ يَقْصِدُونَ بِهِ شَبَهَ الشَّفَاعَةِ وَلَا بُدَّ مِنْ الْهَاءِ. وَالْمَدُّ قَبْلَهَا طَبِيعِيًّا، وَفِي اشْتِرَاطِ الْعَرَبِيَّةِ خِلَافٌ كَذَا فِي (المج) .
قَوْلُهُ: [أَيْ الْقَائِمَةِ بِذَاتِهِ] : أَيْ كَالْعِلْمِ وَالْقُدْرَةِ وَالْإِرَادَةِ وَبَاقِي صِفَاتِ الْمَعَانِي.
قَوْلُهُ: [أَوْ السَّلْبِيَّةِ] : أَيْ كَالْقِدَمِ وَالْبَقَاءِ وَالْوَحْدَانِيَّةِ وَبَاقِي صِفَاتِ السُّلُوبِ كَمَا اسْتَظْهَرَهُ فِي الْحَاشِيَةِ، قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَظَاهِرُهُ وَلَوْ بِمُخَالَفَتِهِ لِلْحَوَادِثِ لَا مُخَالَفَةِ الْحَوَادِثِ لَهُ عَلَى الظَّاهِرِ وَإِنْ تَلَازَمَا، وَيَشْمَلُ أَيْضًا الْمَعْنَوِيَّةَ وَهِيَ كَوْنُهُ قَادِرًا وَمُرِيدًا إلَى آخِرِهَا وَالنَّفْسِيَّةُ كَمَا يَأْتِي فِي الْأَمْثِلَةِ بِخِلَافِ الِاسْمِ الدَّالِّ عَلَيْهَا كَالْوُجُودِ، وَيَدْخُلُ الصِّفَةُ الْجَامِعَةُ كَجَلَالِ اللَّهِ وَعَظَمَتِهِ كَمَا يَأْتِي، قَالَ فِي الْحَاشِيَةِ: وَذَكَرَ بَعْضُ شُيُوخِنَا أَنَّهُ لَوْ قَالَ: وَالْعِلْمِ الشَّرِيفِ - وَيُرِيدُ عِلْمَ الشَّرِيعَةِ - فَلَيْسَ بِيَمِينٍ، وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ: صَوْمُ الْعَامِ يَلْزَمُنِي، بِخِلَافِ: إنْ كَلَّمْته فَعَلَيَّ صَوْمُ الْعَامِ، فَإِنَّهُ الْتِزَامٌ وَهُوَ يَمِينٌ (اهـ) .
قَوْلُهُ: [لَا الْفِعْلِيَّةِ] : أَيْ عَلَى مَذْهَبِ الْأَشَاعِرَةِ، وَأَمَّا عَلَى مَذْهَبِ الْمَاتُرِيدِيَّةِ فَيَنْعَقِدُ بِهَا الْيَمِينُ أَيْضًا؛ لِأَنَّهَا قَدِيمَةٌ عِنْدَهُمْ، وَيُسَمُّونَهَا بِالتَّكْوِينِ.
(وَهِيَ الَّتِي تُكَفَّرُ) إذَا حَنِثَ أَوْ قَصَدَ الْحِنْثَ إذَا لَمْ تَكُنْ غَمُوسًا وَلَا لَغْوًا (كَ بِاَللَّهِ وَتَاللَّهِ) لَا أَفْعَلُ كَذَا أَوْ لَأَفْعَلَنَّهُ، (وَهَا لِلَّهِ) بِإِقَامَةِ هَا التَّنْبِيهِ مَقَامَ حَرْفِ الْقَسَمِ.
وَالْأَصْلُ فِي حُرُوفِ الْقَسَمِ الْوَاوُ لِدُخُولِهَا عَلَى جَمِيعِ الْمُقْسَمِ بِهِ بِخِلَافِ التَّاءِ الْمُثَنَّاةِ مِنْ فَوْقُ فَإِنَّهَا خَاصَّةٌ بِاَللَّهِ، وَقَدْ تَدْخُلُ عَلَى الرَّحْمَنِ قَلِيلًا. وَكَذَا الْبَاءُ الْمُوَحَّدَةُ دُخُولُهَا عَلَى غَيْرِ اللَّهِ قَلِيلٌ وَنَحْوَ:(وَالرَّحْمَنِ وَأَيْمُنِ اللَّهِ)
ــ
[حاشية الصاوي]
قَوْلُهُ: [إذَا حَنِثَ] : أَيْ فِيمَا إذَا كَانَتْ الصِّيغَةُ صِيغَةَ بِرٍّ.
وَقَوْلُهُ: [أَوْ قَصَدَ الْحِنْثَ] : أَيْ فِيمَا إذَا كَانَتْ صِيغَةَ حِنْثٍ.
قَوْلُهُ: [إذَا لَمْ تَكُنْ غَمُوسًا وَلَا لَغْوًا] : أَيْ وَأَمَّا الْغَمُوسُ وَاللَّغْوُ فَلَيْسَ الْكَلَامُ فِيهِمَا، بَلْ يَأْتِي حُكْمُهُمَا.
قَوْلُهُ: [كَ بِاَللَّهِ وَتَاللَّهِ] : وَأَوْلَى الْإِتْيَانُ بِالْوَاوِ، وَقَالَ الْخَرَشِيُّ: وَمِثْلُهُ الِاسْمُ الْمُجَرَّدُ مِنْ حَرْفِ الْقَسَمِ، قَالَ فِي الْحَاشِيَةِ: كَذَا فِي التَّلْقِينِ وَالْجَوَاهِرِ، لَكِنْ لَمْ يَعْلَمْ مِنْهُ هَلْ هُوَ مَجْرُورٌ أَوْ مَنْصُوبٌ أَوْ مَرْفُوعٌ؟ أَمَّا الْجَرُّ وَالنَّصْبُ بِنَزْعِ الْخَافِضِ فَظَاهِرَانِ، وَأَمَّا الرَّفْعُ فَلَحْنٌ كَمَا قَالَ بَعْضُ الشُّيُوخِ. وَلَعَلَّ الْحُكْمَ فِيهِ كَالْحُكْمِ فِي الَّذِي قَبْلَهُ، فَإِذَا قَالَ الْحَالِفُ: اللَّهَ لَأَفْعَلَنَّ نَصْبًا أَوْ جَرًّا انْعَقَدَتْ الْيَمِينُ، وَقَالَ التُّونُسِيُّ إنْ نَوَى حَرْفَ الْقَسَمِ وَنَصَبَهُ بِحَذْفِهِ كَ بِاَللَّهِ لَأَفْعَلَن فَيَمِينٌ، وَإِنْ كَانَ خَبَرًا فَلَا، إلَّا أَنْ يَنْوِيَ الْيَمِينَ (اهـ) .
قَوْلُهُ: [مَقَامَ حَرْفِ الْقَسَمِ] : وَالْمُرَادُ بِحَرْفِ الْقَسَمِ الَّتِي قَامَتْ مَقَامَهُ هُوَ الْوَاوُ، لِأَنَّهَا الْأَصْلُ فِي حُرُوفِ الْقَسَمِ.
قَوْلُهُ: [وَكَذَا الْبَاءُ الْمُوَحَّدَةُ] إلَخْ: فَقِلَّتُهَا فِي غَيْرِ اللَّهِ بِالنِّسْبَةِ لِاسْتِعْمَالِ الْقَسَمِ.
قَوْلُهُ: [وَأَيْمُنِ اللَّهِ] : قَالَ الْأُشْمُونِيُّ: وَأَمَّا أَيْمُنُ الْمَخْصُوصُ بِالْقَسَمِ فَأَلِفُهُ بِالْوَصْلِ عِنْدَ الْبَصْرِيِّينَ، وَالْقَطْعِ عِنْدَ الْكُوفِيِّينَ، لِأَنَّهُ عِنْدَهُمْ جَمْعُ يَمِينٍ، وَعِنْدَ سِيبَوَيْهِ اسْمٌ مُفْرَدٌ مِنْ الْيَمِينِ وَهُوَ الْبَرَكَةُ، فَلَمَّا حُذِفَتْ نُونُهُ فَقِيلَ: أَيْمُ اللَّهِ أَعَاضُوهُ الْهَمْزَةَ فِي أَوَّلِهِ وَلَمْ يَحْذِفُوهَا لَمَّا أَعَادُوا النُّونَ، لِأَنَّهَا بِصَدَدِ الْحَذْفِ كَمَا قُلْنَا فِي امْرِئٍ. وَفِيهِ اثْنَتَا عَشْرَةَ لُغَةً جَمَعَهَا النَّاظِمُ فِي هَذَيْنِ الْبَيْتَيْنِ بِقَوْلِهِ:
هَمْزُ آيُمَّ أَيْمُنُ فَافْتَحْ وَاكْسِرَا وَأَمْ قُلْ
…
أَوْ قُلْ م أَوْ مِنْ بِالتَّثْلِيثِ قَدْ شَكَلَا
أَيْ بَرَكَتِهِ، وَقَدْ تُحْذَفُ نُونُهُ فَيُقَالُ: وَأَيْمُ اللَّهِ (وَرَبِّ الْكَعْبَةِ) أَوْ الْبَيْتِ أَوْ الْعَالَمِينَ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ، (وَالْخَالِقِ وَالْعَزِيزِ) وَالرَّازِقِ مِنْ كُلِّ مَا يَدُلُّ عَلَى صِفَةِ فِعْلٍ، فَأَوْلَى مَا يَدُلُّ عَلَى صِفَةِ ذَاتٍ كَالْقَادِرِ، (وَحَقِّهِ) أَيْ اللَّهُ وَمَرْجِعُهُ لِلْعَظَمَةِ وَالْأُلُوهِيَّةِ. فَإِنْ قَصَدَ الْحَالِفُ بِهِ الْحَقَّ الَّذِي عَلَى الْعِبَادِ مِنْ التَّكَالِيفِ وَالْعِبَادَةِ فَلَيْسَ بِيَمِينٍ شَرْعًا، (وَوُجُودِهِ) صِفَةٌ نَفْسِيَّةٌ، (وَعَظَمَتِهِ وَجَلَالِهِ) وَكِبْرِيَائِهِ، وَيَرْجِعَانِ لِلْعَظَمَةِ الرَّاجِعَةِ لِلْأُلُوهِيَّةِ، وَأَمَّا الْجَمَالُ فَمَرْجِعُهُ لِلتَّقْدِيسِ عَنْ النَّقَائِصِ مِنْ صِفَاتِ الْمَخْلُوقَاتِ، (وَقِدَمِهِ وَبَقَائِهِ وَوَحْدَانِيِّتِهِ) صِفَاتٌ سَلْبِيَّةٌ، (وَعِلْمِهِ وَقُدْرَتِهِ) مِنْ صِفَاتِ الْمَعَانِي فَكَذَا بَقِيَّتُهَا، (وَالْقُرْآنِ وَالْمُصْحَفِ) لِأَنَّهُ كَلَامُهُ
ــ
[حاشية الصاوي]
وَأَيْمُنِ اخْتِمْ بِهِ وَاَللَّهِ كَلَا أَضِفْ
…
إلَيْهِ فِي قَسَمٍ تَسْتَوْفِ مَا نَقَلَا
وَاعْلَمْ أَنَّ أَيْمُنَ اللَّهِ قَسَمٌ مُطْلَقًا سَوَاءٌ ذُكِرَ مَعَهُ حَرْفُ الْقَسَمِ وَهُوَ الْوَاوُ أَوْ لَا، بِخِلَافِ حَقِّ اللَّهِ وَمَا أَشْبَهَهُ فَلَا يَكُونُ يَمِينًا إلَّا إذَا ذُكِرَ مَعَهُ حَرْفُ الْقَسَمِ، لِأَنَّ أَيْمُنَ اللَّهِ تُعُورِفَ فِي الْيَمِينِ، بِخِلَافِ حَقِّ اللَّهِ قَالَهُ بَعْضُهُمْ: وَلَكِنْ اسْتَظْهَرَ (بْن) أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ حَقِّ اللَّهِ وَأَيْمُنِ اللَّهِ فِي جَوَازِ إثْبَاتِ الْوَاوِ وَحَذْفِهَا فَتَكُونُ مُقَدَّرَةً.
قَوْلُهُ: [أَيْ بَرَكَتِهِ] : أَرَادَ بِالْبَرَكَةِ الْمَعْنَى الْقَدِيمَ الْمُقْتَضِيَ لِتَعْظِيمِ الْمَوْصُوفِ كَأَوْصَافِهِ تَعَالَى الثُّبُوتِيَّةِ أَوْ السَّلْبِيَّةِ، فَإِنْ أَرَادَ الْمَعْنَى الْحَادِثَ كَنُمُوِّ الرِّزْقِ وَاتِّسَاعِهِ، لَمْ يَكُنْ يَمِينًا. وَانْظُرْ: إذَا لَمْ يُرِدْ وَاحِدًا مِنْهُمَا؟ وَفِي كَلَامِ الْأَبِيِّ مَا يُفِيدُ انْعِقَادَ الْيَمِينِ حَمْلًا عَلَى الْمَعْنَى الْقَدِيمِ.
قَوْلُهُ: [مِنْ كُلِّ مَا يَدُلُّ عَلَى صِفَةِ فِعْلٍ] : أَيْ مِنْ كُلِّ اسْمٍ دَالٍّ عَلَى صِفَةِ الْفِعْلِ، بِخِلَافِ صِفَةِ الْفِعْلِ فَلَا يَنْعَقِدُ بِهَا الْيَمِينُ.
قَوْلُهُ: [وَالْأُلُوهِيَّةُ] : أَيْ اسْتِحْقَاقُهُ لَهَا أَيْ كَوْنُهُ لَهَا مَعْبُودًا بِحَقٍّ، قَالَ فِي الْحَاشِيَةِ: ثُمَّ لَا يَخْفَى الِاسْتِحْقَاقُ وَصْفَ اعْتِبَارِيٍّ أَزَلِيٍّ إلَّا أَنَّ مَرْجِعَهُ الصِّفَاتُ الْجَامِعَةُ فَهُوَ كَجَلَالِ اللَّهِ وَعَظَمَتِهِ.
قَوْلُهُ: [فَإِنْ قَصَدَ الْحَالِفُ] إلَخْ: وَأَمَّا إنْ لَمْ يَقْصِدْ شَيْئًا فَيُحْمَلُ عَلَى الْمَعْنَى الْقَدِيمِ وَيَنْعَقِدُ بِهِ الْيَمِينُ.
قَوْلُهُ: [فَكَذَا بَقِيَّتُهَا] : أَيْ بَقِيَّةُ صِفَاتِ الْمَعَانِي وَمِثْلُهَا الْمَعْنَوِيَّةُ وَكَذَلِكَ بَاقِي السَّلْبِيَّةِ كَمَا عُلِمَ مِمَّا تَقَدَّمَ.
الْقَدِيمُ وَهُوَ صِفَةٌ مَعْنَى مَا لَمْ يُرِدْ بِالْمُصْحَفِ النُّقُوشَ وَالْوَرَقَ، (وَسُورَةِ الْبَقَرَةِ) ، مَثَلًا، (وَآيَةِ الْكُرْسِيِّ) مَثَلًا (وَالتَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالزَّبُورِ) لِأَنَّ الْكُلَّ يَرْجِعُ لِكَلَامِهِ الَّذِي هُوَ صِفَةُ ذَاتِهِ، (وَكَعِزَّةِ اللَّهِ) لَا أَفْعَلُ كَذَا (وَأَمَانَتِهِ وَعَهْدِهِ وَمِيثَاقِهِ وَعَلَيَّ عَهْدُ اللَّهِ) لَأَفْعَلَنَّ (إلَّا أَنْ يُرِيدَ) بِشَيْءٍ مِمَّا بَعْدَ الْكَافِ (الْمَخْلُوقَ) كَالْعِزَّةِ الَّتِي فِي الْمُلُوكِ وَنَحْوِهِمْ الْمُشَارِ إلَيْهَا بِقَوْلِهِ:[سُبْحَانَ رَبِّك رَبِّ الْعِزَّةِ] وَالْأَمَانَةُ التَّكَالِيفُ أَيْ الْمُكَلَّفُ بِهَا كَالْإِيمَانِ وَالصَّلَاةِ، وَكَذَا الْعَهْدُ وَالْمِيثَاقُ، وَمَعْنَاهُمَا وَاحِدٌ بِأَنْ يُرِيدَ الَّذِي وَاثَقَنَا اللَّهُ بِهِ مِنْ التَّكَالِيفِ بِالْمَعْنَى الْمَذْكُورِ، فَلَا يَنْعَقِدُ بِهَا حِينَئِذٍ يَمِينٌ، بِخِلَافِ مَا لَوْ أَطْلَقَ فَإِنَّهَا تَرْجِعُ لِكَلَامِهِ الْقَدِيمِ كَالْإِيجَابِ وَالتَّحْرِيمِ. (وَكَأَحْلِفُ) مَا فَعَلْت كَذَا أَوْ لَأَفْعَلَنَّ، (وَأُقْسِمُ وَأُشْهِدُ) بِضَمِّ
ــ
[حاشية الصاوي]
قَوْلُهُ: [مَا لَمْ يُرِدْ بِالْمُصْحَفِ النُّقُوشَ] إلَخْ: أَيْ بِأَنْ أَرَادَ الْمَعْنَى الْقَدِيمَ أَوْ لَمْ يُرِدْ شَيْئًا، وَإِنَّمَا انْعَقَدَ بِهِ الْيَمِينُ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْ الْقَدِيمِ وَالْحَادِثِ يُسَمَّى قُرْآنًا. وَكَلَامُ اللَّهِ عَلَى التَّحْقِيقِ، فَلِذَلِكَ يُحْمَلُ عَلَى الْمَعْنَى عِنْدَ الْإِطْلَاقِ.
قَوْلُهُ: [وَآيَةِ الْكُرْسِيِّ] : أَيْ بَلْ أَيُّ كَلِمَةٍ مِنْ الْقُرْآنِ مِثْلُهُ.
قَوْلُهُ: [وَالتَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ] إلَخْ: أَيْ مَا لَمْ يَقْصِدْ الْمَعْنَى الْحَادِثَ كَمَا تَقَدَّمَ
قَوْلُهُ: [كَالْعِزَّةِ الَّتِي فِي الْمُلُوكِ] : أَيْ الْهَيْبَةِ وَالْمَنْعَةِ وَالْقُوَّةِ الَّتِي خَلَقَهَا اللَّهُ فِي السَّلَاطِينِ وَالْجَبَابِرَةِ، أَوْ يُرَادُ بِالْعِزَّةِ حَيَّةٌ عَظِيمَةٌ مُحِيطَةٌ بِالْعَرْشِ أَوْ بِجَبَلِ قَافٍ فَلَا يَنْعَقِدُ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ يَمِينٌ.
قَوْلُهُ: [التَّكَالِيفُ] : أَيْ الْمُشَارُ لَهَا بِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ} [الأحزاب: 72] الْآيَةَ فَإِنَّهُمْ فَسَرُّوا الْأَمَانَةَ بِالتَّكَالِيفِ الشَّرْعِيَّةِ فَإِنْ أُرِيدَ الْإِلْزَامَاتِ نَحْوَ الْإِيجَابِ وَالتَّحْرِيمِ؛ فَإِنَّهَا تَرْجِعُ لِكَلَامِهِ الْقَدِيمِ فَيَنْعَقِدُ بِهَا الْيَمِينُ، وَإِنْ أُرِيدَ نَفْسَ أَفْعَالِ الْعِبَادِ أَوْ الشَّهْوَةِ كَمَا هُوَ أَحَدُ التَّفَاسِيرِ فَلَا يَنْعَقِدُ بِهَا الْيَمِينُ.
قَوْلُهُ: [بِالْمَعْنَى الْمَذْكُورِ] : أَيْ وَهُوَ الْمُكَلَّفُ بِهَا الَّذِي هُوَ أَفْعَالُ الْعِبَادِ الِاخْتِيَارِيَّةُ.
الْهَمْزَةِ فِيهِمَا (إنْ نَوَى بِاَللَّهِ) وَأَوْلَى إنْ تَلَفَّظَ بِهِ فِي الثَّلَاثَةِ، (وَأَعْزِمُ إنْ قَالَ) أَيْ لَفَظَ (بِاَللَّهِ) بِأَنْ قَالَ: أَعْزِمُ بِاَللَّهِ لَأَفْعَلَنَّ كَذَا، فَيَمِينٌ لَا إنْ لَمْ يَقُلْ بِاَللَّهِ فَلَيْسَ بِيَمِينٍ، وَلَوْ نَوَى بِاَللَّهِ؛ لِأَنَّ مَعْنَاهُ أَقْصِدُ وَأَهْتَمُّ، فَإِذَا قَالَ بِاَللَّهِ اقْتَضَى أَنَّ الْمَعْنَى أُقْسِمُ.
(لَا) يَكُونُ لِيَمِينٍ (بِنَحْوِ الْإِحْيَاءِ وَالْإِمَاتَةِ) مِنْ كُلِّ صِفَةِ فِعْلٍ كَمَا تَقَدَّمَ لِأَنَّهَا أُمُورٌ اعْتِبَارِيَّةٌ تَتَجَدَّدُ بِتَجَدُّدِ الْمَقْدُورِ وَلِذَا قَالَ الْأَشَاعِرَةُ: صِفَاتُ الْأَفْعَالِ حَادِثَةٌ، (وَلَا بِأُعَاهِدُ اللَّهَ) مَا فَعَلْت كَذَا أَوْ لَأَفْعَلَنَّ، فَلَيْسَ بِيَمِينٍ عَلَى الْأَصَحِّ، لِأَنَّ مُعَاهَدَتَهُ تَعَالَى لَيْسَتْ بِصِفَةٍ مِنْ صِفَاتِهِ، (أَوْ لَك عَلَيَّ عَهْدٌ أَوْ أُعْطِيَك عَهْدًا) لَأَفْعَلَنَّ فَلَيْسَ بِيَمِينٍ، (أَوْ عَزَمْت عَلَيْك بِاَللَّهِ) لَتَفْعَلَنَّ كَذَا فَلَيْسَ بِيَمِينٍ، بِخِلَافِ عَزَمْت بِاَللَّهِ أَوْ أَعْزِمُ بِاَللَّهِ لَأَفْعَلَنَّ
ــ
[حاشية الصاوي]
قَوْلُهُ: [إنْ نَوَى بِاَللَّهِ] : الْمُرَادُ بِالنِّيَّةِ التَّقْدِيرُ وَالْمُلَاحَظَةُ، وَأَمَّا إذَا لَمْ يُلَاحِظْ فَلَا يَمِينَ عَلَيْهِ.
قَوْلُهُ: [لِأَنَّ مَعْنَاهُ أَقْصِدُ وَأَهْتَمُّ] : تَعْلِيلٌ لِلْفَرْقِ بَيْنَ قَوْلِهِ: أَعْزِمُ وَمَا قَبْلَهُ. حَاصِلُهُ: أَنَّ أَعْزِمَ لَمَّا كَانَ مَعْنَاهُ أَقْصِدُ وَأَهْتَمُّ كَانَ غَيْرَ مَوْضُوعٍ لِلْقَسَمِ فَاحْتَاجَ إلَى التَّصْرِيحِ بِلَفْظِ الْجَلَالَةِ، بِخِلَافِ مَا قَبْلَهُ فَإِنَّهُ لَمَّا كَانَ مَوْضُوعًا لِلْقَسَمِ كَانَتْ الْمُلَاحَظَةُ كَافِيَةً.
قَوْلُهُ: [وَلِذَا قَالَ الْأَشَاعِرَةُ] إلَخْ: أَيْ مِنْ أَجْلِ تَجَدُّدِهَا قَالُوا: إنَّهَا حَادِثَةٌ، لِأَنَّ كُلَّ مُتَجَدِّدٍ حَادِثٌ. خِلَافًا لِلْمَاتُرِيدِيَّةِ فَإِنَّهُمْ يَقُولُونَ: صِفَةُ الْفِعْلِ وَاحِدَةٌ وَهِيَ قَدِيمَةٌ يُسَمُّونَهَا التَّكْوِينَ كَمَا تَقَدَّمَ، فَهُوَ مَعْنًى قَائِمٌ بِذَاتِهِ تَعَالَى، وَسُبْحَانَ مَنْ لَا يَعْلَمُ قَدْرَهُ غَيْرُهُ وَلَا يَبْلُغُ الْوَاصِفُونَ صِفَتَهُ.
قَوْلُهُ: [لَيْسَتْ بِصِفَةٍ مِنْ صِفَاتِهِ] : أَيْ بَلْ هِيَ مِنْ صِفَاتِ الْعَبْدِ.
قَوْلُهُ: [بِخِلَافِ عَزَمْت بِاَللَّهِ] إلَخْ: الْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ عَزَمْت عَلَيْك بِاَللَّهِ التَّصْرِيحُ بِعَلَيْك وَعَدَمُهُ، فَالْإِتْيَانُ بِعَلَيْك صَيَّرَهُ غَيْرَ يَمِينٍ، وَمِثْلُهُ فِي عَدَمِ الْيَمِينِ قَوْلُ الشَّخْصِ يَعْلَمُ اللَّهُ فَلَيْسَ بِيَمِينٍ، وَإِنْ كَانَ كَاذِبًا يَلْزَمُهُ إثْمُ الْكَذِبِ، وَقَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَقَوْلُ الْعَامَّةِ: مَنْ أَشْهَدَ اللَّهَ بَاطِلًا كَفَرَ لَا صِحَّةَ لَهُ إلَّا أَنْ يَقْصِدَ أَنَّهُ يَخْفَى عَلَيْهِ الْوَاقِعُ، وَأَوْلَى فِي عَدَمِ لُزُومِ الْيَمِينِ اللَّهُ رَاعٍ أَوْ حَفِيظٌ وَمَعَاذَ اللَّهَ، وَحَاشَى لِلَّهِ