الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَقَالَتْ لَهُ هِيَ أَوْ غَيْرُهَا: أَطْلِقْنِي، فَقَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ، وَنَحْوُ ذَلِكَ مِمَّا يَقْتَضِيهِ الْحَالُ.
وَحَاصِلُ الْقَوْلِ فِي الْكِنَايَةِ أَنَّهَا قِسْمَانِ: ظَاهِرَةٌ وَهِيَ مَا شَأْنُهَا أَنْ تُسْتَعْمَلَ فِي الطَّلَاقِ وَحَلِّ الْعِصْمَةِ، وَخَفِيَّةٌ وَهِيَ مَا شَأْنُهَا أَنْ تُسْتَعْمَلَ فِي غَيْرِهِ. وَالضَّابِطُ فِي الظَّاهِرَةِ عَلَى مَا يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِهِمْ فِي غَيْرِ وَاحِدَةٍ بَائِنَةٍ أَنَّ اللَّفْظَ إنْ دَلَّ عَلَى قَطْعِ الْعِصْمَةِ بِالْمَرَّةِ لَزِمَ فِيهِ الطَّلَاقُ الثَّلَاثُ فِي الْمَدْخُولِ بِهَا وَغَيْرِهَا، وَلَا يُنَوَّى، وَذَلِكَ كَ: بَتَّةٌ، وَ: حَبْلُك عَلَى غَارِبِك، وَمِثْلُهُمَا: قَطَعْت الْعِصْمَةَ بَيْنِي وَبَيْنَك، وَ: عِصْمَتُك عَلَى كَتِفِك أَوْ عَلَى رَأْسِ جَبَلٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَإِنْ لَمْ يَدُلَّ عَلَى ذَلِكَ بَلْ دَلَّ عَلَى الْبَيْنُونَةِ. وَالْبَيْنُونَةُ لِغَيْرِ خُلْعٍ ثَلَاثٌ فِي الْمَدْخُولِ بِهَا، وَصَادِقَةٌ بِوَاحِدَةٍ فِي غَيْرِهَا. فَإِنْ كَانَ ظَاهِرًا فِيهَا ظُهُورًا رَاجِحًا فَثَلَاثٌ فِي الْمَدْخُولِ بِهَا جَزْمًا كَغَيْرِهَا مَا لَمْ يَنْوِ الْأَقَلَّ، كَ: حَرَامٌ، وَ: مَيْتَةٌ، وَ: خَلِيَّةٌ، وَ: بَرِّيَّةٌ، وَ: وَهَبْتُك لِأَهْلِك وَمَا ذُكِرَ مَعَهَا، وَإِنْ كَانَ اللَّفْظُ ظَاهِرًا فِي الْبَيْنُونَةِ ظُهُورًا مُسَاوِيًا فَثَلَاثٌ مُطْلَقًا إلَّا لِنِيَّةِ أَقَلَّ، كَ: خَلَّيْت سَبِيلَك وَإِنْ كَانَ مَرْجُوحًا لَزِمَهُ الْوَاحِدَةُ مَا لَمْ يَنْوِ أَكْثَرَ كَ: فَارَقْتُك. وَأَمَّا: سَائِبَةٌ، أَوْ: لَيْسَ بَيْنِي وَبَيْنَك حَرَامٌ وَلَا حَلَالٌ، فَهَذَا مِنْ قَبِيلِ: وَجْهِي مِنْ وَجْهِك حَرَامٌ، وَ: مَا أَنْقَلِبُ إلَيْهِ مِنْ أَهْلٍ حَرَامٌ وَهُوَ ثَلَاثٌ فِي الْمَدْخُولِ بِهَا، وَيُنَوَّى فِي غَيْرِهَا، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ فَهَلْ يُحْمَلُ عَلَى الثَّلَاثِ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ فِي الْبَيْنُونَةِ؟ فَيَكُونُ مِنْ قَبِيلِ: كَالْمَيْتَةِ وَأَنْتِ حَرَامٌ وَبَائِنٌ فَلَا يُحْمَلُ فِي غَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا عَلَى الْأَقَلِّ إلَّا إذَا نَوَاهُ وَهُوَ ظَاهِرُ مَا لِأَصْبَغَ، أَوْ يُحْمَلُ عَلَى الْوَاحِدَةِ إلَّا لِنِيَّةِ أَكْثَرَ؟ وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ هَذَا كُلُّهُ فِي الْكِنَايَةِ الظَّاهِرَةِ.
وَأَمَّا الْكِنَايَةُ الْخَفِيَّةُ فَأَشَارَ لَهَا بِقَوْلِهِ:
(وَ) نُوِّيَ (فِيهِ) : أَيْ فِي أَصْلِ الطَّلَاقِ، (وَفِي عَدَدِهِ فِي) كُلِّ
ــ
[حاشية الصاوي]
[الْكِنَايَةُ الْخَفِيَّةُ فِي الطَّلَاق]
قَوْلُهُ: [وَهِيَ مَا شَأْنُهَا أَنْ تُسْتَعْمَلَ] : أَيْ عُرْفًا.
قَوْلُهُ: [وَذَلِكَ كَبَتَّةٍ] إلَخْ: أَيْ عَلَى حَسَبِ الْعُرْفِ الْمَاضِي.
قَوْلُهُ: [وَأَمَّا الْكِنَايَةُ الْخَفِيَّةُ] : أَيْ وَهِيَ مَا شَأْنُهَا أَنْ تُسْتَعْمَلَ فِي غَيْرِهِ كَمَا تَقَدَّمَ.
كِنَايَةٍ خَفِيَّةٍ تُوهِمُ قَصْدَ الطَّلَاقِ نَحْوُ: (اذْهَبِي وَانْصَرِفِي) وَانْطَلِقِي، (أَوْ) أَنَا (لَمْ أَتَزَوَّجْ، أَوْ قِيلَ لَهُ: أَلَكَ امْرَأَةٌ؟ فَقَالَ لَا، أَوْ) قَالَ لَهَا: (أَنْتِ حُرَّةٌ أَوْ: مُعْتَقَةٌ أَوْ: الْحَقِي بِأَهْلِك) ، فَإِنْ ادَّعَى عَدَمَ الطَّلَاقِ صُدِّقَ، وَإِنْ ادَّعَى عَدَدًا وَاحِدَةً أَوْ أَكْثَرَ صُدِّقَ، فَإِنْ ادَّعَى أَنَّهُ نَوَى الطَّلَاقَ وَلَمْ يَنْوِ عَدَدًا لَزِمَهُ الثَّلَاثُ فِي الْمَدْخُولِ بِهَا وَغَيْرِهَا.
(وَعُوقِبَ) الْآتِي بِهَذِهِ الْأَلْفَاظِ الْمُوجِبَةِ لِلتَّلْبِيسِ عَلَى نَفْسِهِ وَعَلَى النَّاسِ. (وَإِنْ قَصَدَهُ بِكَلِمَةٍ) كَاسْقِنِي (أَوْ صَوْتٍ) سَاذَجٍ (لَزِمَ) وَهَذَا مِنْ الْكِنَايَةِ الْخَفِيَّةِ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ، وَإِنْ لَمْ يُسْتَعْمَلْ فِي لَازِمِ مَعْنَاهُ.
(لَا) يَلْزَمُ (إنْ قَصَدَ التَّلَفُّظَ بِهِ) : أَيْ بِالطَّلَاقِ، (فَعَدَلَ لِغَيْرِهِ غَلَطًا) كَمَا لَوْ أَرَادَ أَنْ يَقُولَ: أَنْتِ طَالِقٌ، فَالْتَفَتَ لِسَانُهُ بِقَوْلِهِ: أَنْتِ قَائِمَةٌ، قَالَ مَالِكٌ: مَنْ أَرَادَ أَنْ يَقُولَ: أَنْتِ طَالِقٌ، فَقَالَ: كُلِي أَوْ اشْرَبِي فَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ أَيْ لِعَدَمِ وُجُودِ رُكْنِهِ وَهُوَ اللَّفْظُ الدَّالُّ عَلَيْهِ أَوْ غَيْرُهُ مَعَ نِيَّتِهِ، بَلْ أَرَادَ إيقَاعَهُ بِلَفْظِهِ، فَوَقَعَ فِي غَيْرِهِ.
(أَوْ أَرَادَ أَنْ يَنْطِقَ بِالثَّلَاثِ فَقَالَ أَنْتِ طَالِقٌ، وَسَكَتَ) عَنْ التَّلَفُّظِ بِالثَّلَاثِ، فَلَا يَلْزَمُهُ مَا زَادَ عَلَى الْوَاحِدَةِ، لِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ الثَّلَاثَ: بِقَوْلِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ، وَإِنَّمَا أَرَادَ أَنْ يَنْطِقَ بِالثَّلَاثِ فَبَدَا لَهُ عَدَمُ الثَّلَاثِ فَسَكَتَ عَنْ النُّطْقِ بِهِ.
وَلَمَّا قَدَّمَ أَنَّ مِنْ أَرْكَانِهِ اللَّفْظُ، أَفَادَ هُنَا أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ خُصُوصَ اللَّفْظِ لَا غَيْرُ،
ــ
[حاشية الصاوي]
قَوْلُهُ: [عِنْدَ الْفُقَهَاءِ] : أَيْ كَمَا قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ، وَقَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَابْنُ شَاسٍ إنَّهُ لَيْسَ بِكِنَايَةٍ وَلَا صَرِيحٍ وَمُقْتَضَى كَلَامِهِمَا عَدَمُ لُزُومِ الطَّلَاقِ بِهَذِهِ الْأَلْفَاظِ، وَلَوْ نَوَى بِهِ الطَّلَاقَ، وَالْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ الْأَوَّلُ، فَيَلْزَمُ إذَا نَوَاهُ بِالصَّوْتِ السَّاذَجِ أَوْ الْمِزْمَارِ، وَأَمَّا الصَّوْتُ الضَّرْبُ بِالْيَدِ فَمِنْ الْفِعْلِ الَّذِي يَحْتَاجُ لِلْعُرْفِ أَوْ الْقَرَائِنِ كَمَا فِي الْحَاشِيَةِ.
قَوْلُهُ: [أَوْ أَرَادَ يَنْطِقُ بِالثَّلَاثِ] إلَخْ: أَيْ وَأَمَّا لَوْ أَرَادَ أَنْ يُنَجِّزَ وَاحِدَةً، فَقَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا، فَقِيلَ يَلْزَمُهُ الثَّلَاثُ فِي الْفَتْوَى وَالْقَضَاءِ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَسَحْنُونٍ، وَأَمَّا لَوْ أَرَادَ أَنْ يُعَلِّقَ الثَّلَاثَ، فَقَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا، وَسَكَتَ وَلَمْ يَأْتِ بِالشَّرْطِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ كَمَا فِي الْمَوَّاقِ عَنْ الْمُتَيْطِيِّ.