الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَصْلٌ فِي الْإِيلَاءِ وَأَحْكَامِهَ
ا (الْإِيلَاءُ) شَرْعًا الْمُشَارُ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ} [البقرة: 226] الْآيَةَ: (حَلِفُ الزَّوْجِ) لَا السَّيِّدِ (الْمُسْلِمِ) لَا الْكَافِرِ (الْمُكَلَّفِ) لَا الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ (الْمُمْكِنِ وَطْؤُهُ)، خَرَجَ الْمَجْبُوبُ وَالْخَصِيُّ: أَيْ مَقْطُوعُ الذَّكَرِ، وَالشَّيْخُ الْفَانِي، فَلَا يَنْعَقِدُ لَهُمْ إيلَاءٌ، وَدَخَلَ فِي الزَّوْجِ الْمَذْكُورِ الْعَبْدُ وَالْمَرِيضُ الَّذِي لَهُ قُدْرَةٌ عَلَى الْوِقَاعِ وَالسَّكْرَانُ (بِمَا) : مُتَعَلِّقٌ (بِحَلِفُ) أَيْ حَلِفُهُ بِكُلِّ مَا (يَدُلُّ عَلَى تَرْكِ وَطْءِ زَوْجَتِهِ) الْحُرَّةِ أَوْ الْأَمَةِ،
ــ
[حاشية الصاوي]
[فَصْلٌ فِي الْإِيلَاءِ وَأَحْكَامِهِ]
[تَعْرِيف الْإِيلَاء وَمَا يَنْعَقِد بِهِ]
فَصْلٌ هِيَ لُغَةً الِامْتِنَاعُ ثُمَّ اُسْتُعْمِلَتْ فِيمَا كَانَ الِامْتِنَاعُ مِنْهُ بِيَمِينٍ، وَشَرْعًا عَرَّفَهُ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ: حَلِفُ الزَّوْجِ إلَخْ.
قَوْلُهُ: [حَلِفُ الزَّوْجِ] : أَيْ بِأَيِّ يَمِينٍ كَانَتْ كَمَا يَأْتِي.
قَوْلُهُ: [لَا الْكَافِرِ] : وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَنْعَقِدُ الْإِيلَاءُ مِنْ الْكَافِرِ لِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى: {لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ} [البقرة: 226] الْآيَةَ فَإِنَّ الْمَوْصُولَ مِنْ صِيَغِ الْعُمُومِ، وَجَوَابَهُ مَنْعُ بَقَاءِ الْمَوْصُولِ عَلَى عُمُومِهِ بِدَلِيلِ:{فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [البقرة: 226] فَإِنَّ الْكَافِرَ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ ذَلِكَ.
قَوْلُهُ: [وَالْمَرِيضُ الَّذِي لَهُ قُدْرَةُ] إلَخْ: أَيْ فَإِنْ مَنَعَهُ فَلَا إيلَاءَ كَمَا فِي عب، وَفِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّ مَذْهَبَ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ أَنَّهُ كَالصَّحِيحِ مُطْلَقًا، لِأَنَّهُ إنْ لَمْ يُمْكِنْ وِقَاعُهُ حَالًا يُمْكِنُ مَآلًا كَمَا نَقَلَهُ فِي التَّوْضِيحِ، وَمَحَلُّ هَذَا مَا لَمْ يُقَيَّدْ بِمُدَّةِ مَرَضِهِ وَإِلَّا فَلَا إيلَاءَ عَلَيْهِ، سَوَاءً كَانَ الْمَرَضُ مَانِعًا مِنْ الْوَطْءِ أَوْ لَا، وَلَوْ طَالَ الْمَرِيضُ إلَّا أَنْ يَقْصِدَ الضَّرَرَ فَيُطَلَّقُ عَلَيْهِ حَالًا لِأَجْلِ قَصْدِ الضَّرَرِ كَذَا فِي حَاشِيَةِ الْأَصْلِ.
قَوْلُهُ: [وَالسَّكْرَانُ] : أَيْ بِحَرَامٍ، وَأَمَّا بِحَلَالٍ فَلَا إيلَاءَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ كَالْمَجْنُونِ.
سَوَاءً كَانَ حَلِفُهُ بِاَللَّهِ أَوْ بِصِفَةٍ مِنْ صِفَاتِهِ، أَوْ بِالطَّلَاقِ أَوْ بِالْعِتْقِ، أَوْ بِمَشْيٍ لِمَكَّةَ أَوْ بِالْتِزَامِ قُرْبَةٍ، (غَيْرِ الْمُرْضِعِ) فَلَا إيلَاءَ فِي مُرْضِعٍ لِمَا فِي تَرْكِ وَطْئِهَا مِنْ إصْلَاحِ الْوَلَدِ، (أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ) لِلْحُرِّ، (أَوْ) أَكْثَرَ مِنْ (شَهْرَيْنِ لِلْعَبْدِ) وَلَوْ بِشَائِبَةٍ، وَلَا يَنْتَقِلُ لِأَجَلِ الْحُرِّ إنْ عَتَقَ فِي الْأَجَلِ، (تَصْرِيحًا) بِالْأَكْثَرِ (أَوْ احْتِمَالًا) لَهُ وَلِلْأَقَلِّ؛ (قَيَّدَ) بِشَيْءٍ فِي يَمِينِهِ، نَحْوَ: لَا أَطَؤُك فِي هَذِهِ الدَّارِ أَوْ حَتَّى تَسْأَلِينِي، (أَوْ أَطْلَقَ) كَ: وَاَللَّهِ
ــ
[حاشية الصاوي]
قَوْلُهُ: [فَلَا إيلَاءَ فِي مُرْضِعٍ] : أَيْ فَإِذَا حَلَفَ لَا يَطَأُ زَوْجَتَهُ مَا دَامَتْ تُرْضِعُ، أَوْ حَتَّى تَفْطِمَ وَلَدَهَا، أَوْ مُدَّةَ الرَّضَاعِ فَلَا إيلَاءَ عَلَيْهِ عِنْدَ مَالِكٍ، وَقَالَ أَصْبَغُ: يَكُونُ مُولِيًا، قَالَ اللَّخْمِيُّ: وَقَوْلُ أَصْبَغَ أَوْفَقُ بِالْقِيَاسِ، لَكِنَّ الْمُعْتَمَدَ قَوْلُ مَالِكٍ وَهُوَ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا قَصَدَ بِالْحَلِفِ عَلَى تَرْكِ الْوَطْءِ إصْلَاحَ الْوَلَدِ، أَوْ لَمْ يَقْصِدْ شَيْئًا وَإِلَّا فَمُولٍ اتِّفَاقًا.
قَوْلُهُ: [أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ] : وَأَمَّا لَوْ حَلَفَ عَلَى تَرْكِ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَقَطْ، فَلَا يَكُونُ مُولِيًا، وَرَوَى عَبْدُ الْمَلِكِ أَنَّهُ مُولٍ بِذَلِكَ وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُنْشَأُ الْخِلَافِ الِاخْتِلَافُ فِي فَهْمِ قَوْله تَعَالَى {لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [البقرة: 226] هَلْ الْفَيْئَةُ مَطْلُوبَةٌ خَارِجَ الْأَرْبَعَةِ الْأَشْهُرِ أَوْ فِيهَا، فَعَلَى الْمَشْهُورِ لَا يُطْلَبُ بِالْفَيْئَةِ إلَّا بَعْدَ الْأَرْبَعَةِ الْأَشْهُرِ، وَلَا يَقَعُ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ إلَّا بَعْدَهَا، وَحَيْثُ كَانَتْ الْفَيْئَةُ مَطْلُوبَةً بَعْدَ الْأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ، فَلَا يَكُونُ مُولِيًا، بِالْحَلِفِ بِهَا، وَعَلَى مُقَابِلِهِ يُطْلَبُ بِالْفَيْئَةِ فِيهَا، وَيُطَلَّقُ عَلَيْهِ بِمُجَرَّدِ مُرُورِهَا، وَتَمَسَّكَ مَنْ قَالَ بِالْمَشْهُورِ بِمَا تُعْطِيهِ الْفَاءُ مِنْ قَوْله تَعَالَى:{فَإِنْ فَاءُوا} [البقرة: 226] ، فَإِنَّهَا تَسْتَلْزِمُ تَأَخُّرَ مَا بَعْدَهَا عَمَّا قَبْلَهَا؛ فَتَكُونُ الْفَيْئَةُ مَطْلُوبَةً بَعْدَ الْأَرْبَعَةِ الْأَشْهُرِ، وَلِأَنَّ إنْ الشَّرْطِيَّةَ يَصِيرُ الْمَاضِي بَعْدَهَا مُسْتَقْبِلًا، فَلَوْ كَانَتْ مَطْلُوبَةً فِي الْأَرْبَعَةِ لَبَقِيَ مَعْنَى الْمَاضِي بَعْدَهَا عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ قَبْلَ دُخُولِهَا وَهُوَ بَاطِلٌ تَأَمَّلْهُ.
قَوْلُهُ: [أَوْ أَكْثَرَ مِنْ شَهْرَيْنِ لِلْعَبْدِ] : أَيْ لِأَنَّهُ عَلَى النِّصْفِ مِنْ الْحُرِّ فِي الْحُدُودِ وَهَذَا مِنْهَا.
قَوْله: [فِي هَذِهِ الدَّارِ] : أَيْ فَذِكْرُهُ الدَّارَ قَيْدٌ لِلْحَلِفِ عَلَى عَدَمِ الْوَطْءِ،
لَا يَطَؤُهَا، (وَإِنْ تَعْلِيقًا) كَمَا يَكُونُ تَنْجِيزًا، وَمَثَّلَ لِلتَّعْلِيقِ بِقَوْلِهِ:(كَ: إنْ وَطِئْتُهَا فَعَلَيَّ صَوْمٌ) أَوْ صَوْمُ يَوْمٍ أَوْ شَهْرٍ، أَوْ عِتْقُ عَبْدٍ أَوْ عَبْدَيْ فُلَانٍ وَمِثَالُ التَّصْرِيحِ بِالْأَكْثَرِ: وَاَللَّهِ لَا أَطَؤُك حَتَّى تَمْضِيَ خَمْسَةُ أَشْهُرٍ، أَوْ فِي هَذِهِ السَّنَةِ، وَمِثَالُ الْمُحْتَمِلِ لِلْأَكْثَرِ: لَا أَطَؤُك حَتَّى يَقْدَمَ زَيْدٌ مِنْ سَفَرِهِ
(أَوْ) قَالَ: (وَاَللَّهِ لَا أَطَؤُك حَتَّى تَسْأَلِينِي) وَطْأَكِ هَذَا مِمَّا يَدُلُّ عَلَى تَرْكِ الْوَطْءِ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ لُزُومًا عُرْفِيًّا إذْ شَأْنُ النِّسَاءِ لَا يَسْأَلْنَ الْأَزْوَاجَ الْوَطْءَ لِمَعَرَّةِ ذَلِكَ عَلَيْهِنَّ، وَمَشَقَّتِهِ عَلَيْهِنَّ، وَفِيهِ تَقْيِيدُ التَّرْكِ بِسُؤَالِهَا،
(أَوْ) قَالَ: وَاَللَّهِ (لَا أَلْتَقِي مَعَهَا أَوْ لَا أَغْتَسِلُ مِنْ جَنَابَةٍ) هَذَا يَدُلُّ عَلَى تَرْكِ الْوَطْءِ لُزُومًا عَقْلِيًّا فِي الْأَوَّلِ،
ــ
[حاشية الصاوي]
وَقَوْلُهُ أَوْ حَتَّى تَسْأَلِينِي سُؤَالُهَا قَيْدٌ.
قَوْلُهُ: [وَإِنْ تَعْلِيقًا] : مُبَالَغَةٌ فِي قَوْلِهِ حَلِفُ الزَّوْجِ، وَيَصِحُّ أَنْ يَكُونَ مُبَالَغَةً فِي زَوْجَتِهِ أَوْ فِي تَرْكِ الْوَطْءِ، لِأَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي لُزُومِ الْإِيلَاءِ بَيْنَ كَوْنِ الْيَمِينِ مُنْجِزَةً أَوْ مُعَلِّقَةً، وَلَا بَيْنَ كَوْنِ تَرْكِ الْوَطْءِ مُنْجَزًا أَوْ مُعَلَّقًا.
قَوْلُهُ: [أَوْ قَالَ: وَاَللَّهِ لَا أَطَؤُكِ حَتَّى تَسْأَلِينِي] : حَاصِلُهُ أَنَّهُ إذَا قَالَ لَهَا: وَاَللَّهِ لَا أَطَؤُك حَتَّى تَسْأَلِينِي الْوَطْءَ، أَوْ حَتَّى تَسْأَلِينِي لِلْوَطْءِ، فَإِنَّهُ يَكُونُ مُولِيًا وَيُضْرَبُ لَهُ أَجَلُ الْإِيلَاءِ مِنْ يَوْمِ الْحَلِفِ، فَإِنْ فَاءَ فِي الْأَجَلِ أَوْ بَعْدَهُ بِدُونِ سُؤَالٍ فَالْأَمْرُ ظَاهِرٌ وَإِلَّا طَلُقَتْ عَلَيْهِ، وَمَحَلُّ كَوْنِهِ مُولِيًا مَا لَمْ يَقَعْ مِنْهَا سُؤَالٌ لِلْوَطْءِ، وَإِلَّا فَتَنْحَلُّ الْإِيلَاءُ بِمُجَرَّدِ سُؤَالِهَا إيَّاهُ، سَوَاءً كَانَ سُؤَالُهَا فِي الْأَجَلِ أَوْ بَعْدَهُ، وَمَا مَشَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ مِنْ كَوْنِ مُولِيًا بِحَلِفِهِ أَنْ لَا يَطَأَهَا حَتَّى تَسْأَلَهُ، هُوَ قَوْلُ ابْنِ سَحْنُونَ وَمُقَابِلُهُ قَوْلُ وَالِدِهِ بِمُولٍ، وَعَابَ قَوْلَ وَلَدِهِ حِينَ عَرَضَهُ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا دَرَجَ الْمُصَنِّفُ عَلَى الْأَوَّلِ لِأَنَّ ابْنَ رُشْدٍ قَالَ لَا وَجْهَ لِقَوْلِ سَحْنُونَ، وَاسْتَصْوَبَ مَا قَالَهُ وَلَدُهُ نَظَرًا لِمَشَقَّةِ سُؤَالِ الْوَطْءِ عَلَى النِّسَاءِ كَمَا قَالَ الشَّارِحُ.
قَوْلُهُ: [أَوْ قَالَ وَاَللَّهِ لَا أَلْتَقِي مَعَهَا] : أَيْ مَا لَمْ يَقْصِدْ نَفْيَ الِالْتِقَاءِ فِي مَكَان مُعَيَّنٍ، فَلَيْسَ بِمُولٍ وَيُقْبَلُ مِنْهُ ذَلِكَ مُطْلَقًا، سَوَاءً رَفَعَتْهُ الْبَيِّنَةُ أَوْ لَا كَمَا قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ
قَوْلُهُ: [أَوْ لَا أَغْتَسِلُ مِنْ جَنَابَةٍ] : اعْلَمْ أَنَّهُ إذَا قَالَ: وَاَللَّهِ لَا أَغْتَسِلُ مِنْهَا مِنْ جَنَابَةٍ إنْ قَصَدَ مَعْنَاهُ الصَّرِيحَ فَلَا يَحْنَثُ إلَّا بِالْغُسْلِ، وَإِذَا امْتَنَعَ مِنْ الْوَطْءِ
وَشَرْعِيًّا فِي الثَّانِي،
(أَوْ) قَالَ: (إنْ وَطِئْتُكِ فَأَنْتِ طَالِقٌ) فَهُوَ مُولٍ، وَيَحْنَثُ بِمُجَرَّدِ مَغِيبِ الْحَشَفَةِ، أَيْ يَلْزَمُهُ طَلَاقُهَا بِهِ فَالنَّزْعُ حَرَامٌ (وَ) الْمُخَلِّصُ لَهُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ إنْ غَيَّبَهَا (نَوَى بِبَقِيَّةِ وَطْئِهِ الرَّجْعَةَ، وَإِنْ) كَانَتْ (غَيْرَ مَدْخُولٍ بِهَا) لِأَنَّهُ بِمُجَرَّدِ مَغِيبِ الْحَشَفَةِ صَارَتْ مَدْخُولًا بِهَا فَتَصِحُّ رَجْعَتُهَا بِمَا ذَكَرَ فَلَوْ كَانَتْ الْأَدَاةُ تَقْتَضِي التَّكْرَارَ نَحْو: كُلَّمَا وَطِئْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَلَا يُمَكَّنُ مِنْ وَطْئِهَا، وَكَذَا لَوْ كَانَ الثَّلَاثُ أَوْ أَلْبَتَّةَ نَحْوَ: إنْ وَطِئْتُكِ فَأَنْتِ طَالِقٌ بِالثَّلَاثِ أَوْ أَلْبَتَّةَ، وَهَلْ يَكُونُ مُولِيًا فَيُضْرَبُ لَهُ أَجَلُ الْإِيلَاءِ - فَلَعَلَّهَا أَنْ تَرْضَى بِالْمَقَامِ مَعَهُ بِلَا وَطْءٍ - أَوْ يُنْجِزُ عَلَيْهِ الطَّلَاقَ حَيْثُ قَامَتْ بِحَقِّهَا فِي الْوَطْءِ؟ قَالَ
ــ
[حاشية الصاوي]
خَوْفًا مِنْ الْغُسْلِ الْمُوجِبِ لِحِنْثِهِ كَانَ مُولِيًا وَضُرِبَ لَهُ أَجَلُ الْإِيلَاءِ مِنْ يَوْمِ الرَّفْعِ وَالْحُكْمِ، لَا مِنْ يَوْمِ الْحَلِفِ، وَإِنْ أَرَادَ مَعْنَاهُ اللَّازِمَ وَهُوَ عَدَمُ وَطْئِهَا فَالْحِنْثُ بِالْوَطْءِ، وَيَكُونُ مُولِيًا وَيُضْرَبُ لَهُ أَجَلٌ مِنْ يَوْمِ الْحَلِفِ، لِأَنَّ هَذَا مِنْ الْيَمِينِ الصَّرِيحَةِ فِي تَرْكِ الْوَطْءِ، وَأَمَّا إنْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا فَهَلْ يُحْمَلُ عَلَى الصَّرِيحِ أَوْ عَلَى الِالْتِزَامِ؟ احْتِمَالَانِ، وَاسْتَصْوَبَ ابْنُ عَرَفَةَ الثَّانِيَ مِنْهُمَا كَذَا فِي حَاشِيَةِ الْأَصْلِ.
قَوْلُهُ: [أَوْ قَالَ إنْ وَطِئْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ] : حَاصِلُهُ أَنَّهُ إذَا قَالَ لَهَا إنْ وَطِئْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً أَوْ اثْنَتَيْنِ وَامْتَنَعَ مِنْ وَطْئِهَا خَوْفًا مِنْ وُقُوعِ الطَّلَاقِ الْمُعَلَّقِ، فَإِنَّهُ يَكُونُ مُولِيًا وَيُضْرَبُ لَهُ الْأَجَلُ مِنْ يَوْمِ الْحَلِفِ، وَيُمَكَّنُ مِنْ وَطْئِهَا، فَإِنْ اسْتَمَرَّ عَلَى الِامْتِنَاعِ مِنْ وَطْئِهَا حَتَّى انْقَضَى الْأَجَلُ طَلُقَتْ عَلَيْهِ بِمُقْتَضَى الْإِيلَاءِ، وَإِنْ وَطِئَهَا طَلُقَتْ عَلَيْهِ بِمُقْتَضَى التَّعْلِيقِ بِأَوَّلِ الْمُلَاقَاةِ، وَحِينَئِذٍ فَالنَّزْعُ حَرَامٌ وَالِاسْتِمْرَارُ حَرَامٌ، فَالْمُخَلِّصُ لَهُ أَنْ يَنْوِيَ الرَّجْعَةَ بِبَقِيَّةِ وَطْئِهَا، وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْمَدْخُولِ بِهَا وَغَيْرِهَا كَمَا قَالَ الشَّارِحُ وَمَحَلُّ تَمْكِينِهِ مِنْ وَطْئِهَا إنْ نَوَى بِبَقِيَّةِ وَطْئِهِ الرَّجْعَةَ، وَإِلَّا فَلَا يُمَكَّنُ ابْتِدَاءً مِنْ وَطْئِهَا، لِأَنَّ نَزْعَهُ حَرَامٌ وَالْوَسِيلَةُ لِلْحَرَامِ حَرَامٌ كَمَا قَالَ بْن خِلَافًا لِتَعْمِيمِ عب.
قَوْلُهُ: [وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ مَدْخُولٍ بِهَا] : قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ قِيلٌ مَشْهُورٌ مَبْنِيٌّ عَلَى ضَعِيفٍ مِنْ عَدَمِ الْحِنْثِ بِالْبَعْضِ، وَإِلَّا بَانَتْ لِأَنَّ الدُّخُولَ بِجَمِيعِ مَغِيبِ الْحَشَفَةِ.
قَوْلُهُ: [وَكَذَا لَوْ كَانَ الثَّلَاثُ] إلَخْ: لَا مَفْهُومَ لَهُ، بَلْ الْمَدَارُ عَلَى كَوْنِهِ بَائِنًا.
الْمُصَنِّفُ: وَهُوَ الْأَحْسَنُ، قَوْلَانِ، (وَكَإِنْ) أَيْ وَكَقَوْلِهِ: إنْ (لَمْ أَدْخُلْ) الدَّارَ (فَأَنْتِ طَالِقٌ) فَامْتَنَعَ مِنْ وَطْئِهَا لِيَبَرَّ فَإِنَّهُ يَكُونُ مُولِيًا
(لَا) يَكُونُ مُولِيًا (فِي) قَوْلِهِ: (إنْ لَمْ أَطَأْك) ، فَأَنْتِ طَالِقٌ، لِأَنَّ بِرَّهُ فِي وَطْئِهَا، فَإِنْ امْتَنَعَ وَعَزَمَ عَلَى الضِّدِّ طَلُقَتْ وَإِلَيْهِ رَجَعَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَصُوِّبَ، وَكَانَ أَوَّلًا لَا يَقُولُ بِأَنَّهُ مُولٍ حَيْثُ وَقَفَ عَنْهَا وَهُوَ الَّذِي مَشَى عَلَيْهِ الشَّيْخُ وَضُعِّفَ بِأَنَّ يَمِينَهُ لَيْسَتْ مَانِعَةً لَهُ مِنْ الْوَطْءِ، وَإِنَّمَا امْتَنَعَ مِنْ نَفْسِهِ ضَرَرًا
(وَلَا) إيلَاءَ (فِي) قَوْلِهِ: (لَأَهْجُرَنَّهَا أَوْ لَا كَلَّمْتهَا) لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ الْهَجْرِ وَلَا مِنْ عَدَمِ الْكَلَامِ تَرْكُ الْوَطْءِ، إذْ يَطَؤُهَا وَلَا يُكَلِّمُهَا وَيَطَؤُهَا مَعَ الْهَجْرِ فِي مَضْجَعِهَا وَالْمُكُوثِ مَعَهَا، قَالَ اللَّخْمِيُّ: وَلَكِنَّهُ مِنْ الضَّرَرِ الَّذِي لَهَا الْقِيَامُ بِهِ وَالتَّطْلِيقُ عَلَيْهِ بِلَا أَجَلٍ،
(وَلَا) إيلَاءَ (فِي) حَلِفِهِ (لَأَعْزِلَنَّ) عَنْهَا بِأَنْ يُمْنِي خَارِجَ الْفَرْجِ،
(أَوْ) حَلِفِهِ (لَا أَبِيتُ مَعَهَا) فَلَا يُضْرَبُ لَهُ أَجَلُ الْإِيلَاءِ، (وَطُلِّقَ عَلَيْهِ) لِأَجْلِ الضَّرَرِ بِذَلِكَ (بِالِاجْتِهَادِ) مِنْ الْحَاكِمِ (بِلَا أَجَلٍ) ، يُضْرَبُ حَيْثُ قَامَتْ بِحَقِّهَا وَشَكَتْ ضَرَرَ الْعَزْلِ أَوْ الْبَيَاتِ مَعَهَا، (كَمَا) يَجْتَهِدُ وَيُطَلِّقُ عَلَيْهِ (لَوْ تَرَكَ الْوَطْءَ) هَذَا إنْ كَانَ حَاضِرًا، بَلْ (وَإِنْ) كَانَ (غَائِبًا) وَيَكْتُبُ لَهُ: إمَّا أَنْ يَحْضُرَ وَإِمَّا أَنْ يُطَلِّقَ، فَإِنْ لَمْ يَحْضُرْ وَلَمْ يُطَلِّقْ طَلَّقَ عَلَيْهِ الْحَاكِمُ إلَّا أَنْ تَرْضَى بِذَلِكَ كَمَا قَالَ أَصْبَغُ، وَمَعْنَى الِاجْتِهَادِ بِلَا أَجَلٍ: أَنْ يُطَلِّقَ عَلَيْهِ فَوْرًا إنْ عَلِمَ الْحَاكِمُ مِنْهُ الْعِنَادَ وَالضَّرَرَ، أَوْ يَتَلَوَّمُ لَهُ إنْ رَجَا مِنْهُ تَرْكَ مَا هُوَ عَلَيْهِ بِقَدْرِ مَا يَرَاهُ
(أَوْ سَرْمَدَ الْعِبَادَةَ) : أَيْ دَاوَمَهَا
ــ
[حاشية الصاوي]
قَوْلُهُ: [قَالَ الْمُصَنِّفُ وَهُوَ الْأَحْسَنُ] : أَيْ لِقَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَمَالِكٍ يُنْجَزُ عَلَيْهِ الثَّلَاثُ مِنْ يَوْمِ الرَّفْعِ، وَلَا يُضْرَبُ لَهُ أَجَلُ الْإِيلَاءِ، وَاسْتَحْسَنَهُ سَحْنُونَ وَغَيْرُهُ لِأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِي ضَرْبِ الْأَجَلِ لِحِنْثِهِ بِمُجَرَّدِ الْمُلَاقَاةِ وَبَاقِي الْوَطْءِ حَرَامٌ.
قَوْلُهُ: [أَوْ الْبَيَاتِ مَعَهَا] : الْكَلَامُ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ أَيْ عَدَمَ الْبَيَاتِ قَوْلُهُ: [بِقَدْرِ مَا يَرَاهُ] : أَيْ وَلَوْ زَادَ عَلَى أَجَلِ الْإِيلَاءِ. تَنْبِيهٌ:
لَا يَلْزَمُ الرَّجُلَ إيلَاءٌ إنْ لَمْ يُلْزِمُهُ بِيَمِينِهِ حُكْمٌ كَقَوْلِهِ: كُلُّ مَمْلُوكٍ أَمْلِكُهُ حُرٌّ إنْ وَطِئْتُكِ، أَوْ كُلُّ دِرْهَمٍ أَمْلِكُهُ صَدَقَةً، أَوْ خَصَّ بَلَدًا قُبِلَ مِلْكُهُ مِنْهَا كَقَوْلِهِ: كُلُّ مَمْلُوكٍ أَمْلِكُهُ مِنْ الْبَلَدِ الْفُلَانِيِّ حُرٌّ إنْ وَطِئْتُك، وَلَا يَكُونُ مُولِيًا
بِقِيَامِ اللَّيْلِ وَصَوْمِ النَّهَارِ، وَتَرْكِ زَوْجَتِهِ بِلَا وَطْءٍ فَيُقَالُ لَهُ: إمَّا أَنْ تَأْتِيَهَا أَوْ تُطَلِّقَهَا، أَوْ يُطَلَّقُ عَلَيْك بِلَا ضَرْبِ أَجَلِ إيلَاءٍ،
ثُمَّ إنْ ضَرَبَ الْأَجَلَ لِلْمُولِي حَيْثُ قَامَتْ الْمَرْأَةُ بِحَقِّهَا فِي تَرْكِ الْوَطْءِ وَرَفَعَتْهُ لِلْحَاكِمِ
(فَإِنْ قَامَتْ عَلَيْهِ) : أَيْ عَلَى زَوْجِهَا وَرَفَعَتْهُ (تُرُبِّصَ لَهُ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ) إنْ كَانَ حُرًّا، (أَوْ شَهْرَيْنِ) إنْ كَانَ عَبْدًا وَهَذَا هُوَ الْأَجَلُ. فَالْيَمِينُ عَلَى تَرْكِ الْوَطْءِ الَّذِي يُضْرَبُ لَهَا الْأَجَلُ لَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ بِتَرْكِهِ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ، وَلَوْ بِقَلِيلٍ فِي الْحُرِّ أَوْ أَكْثَرَ مِنْ شَهْرَيْنِ فِي الْعَبْدِ، وَالْأَجَلُ الْمَضْرُوبُ أَرْبَعَةٌ فَقَطْ فِي الْأَوَّلِ وَشَهْرَانِ فَقَطْ فِي الثَّانِي.
(وَالْأَجَلُ) الْمَذْكُورُ ابْتِدَاؤُهُ (مِنْ يَوْمِ الْيَمِينِ إنْ دَلَّتْ) يَمِينُهُ (عَلَى تَرْكِ الْوَطْءِ) صَرِيحًا إنْ كَانَتْ صَرِيحَةً فِي الْمُدَّةِ الْمَذْكُورَةِ نَحْوَ: وَاَللَّهِ لَا أَطَؤُهَا أَكْثَرَ
ــ
[حاشية الصاوي]
فِي هَذَا الْأَخِيرِ إلَّا إذَا مَلَكَ مِنْ هَذَا الْبَلَدِ بِالْفِعْلِ قَبْلَ الْوَطْءِ، وَإِلَّا فَبِالْوَطْءِ يَنْحَلُّ الْإِيلَاءُ، وَيَعْتِقُ عَلَيْهِ مَا مَلَكَهُ مِنْهَا، أَوْ حَلَفَ لَا أَطَؤُك فِي هَذِهِ السَّنَةِ إلَّا مَرَّتَيْنِ فَلَا يَلْزَمُهُ إيلَاءٌ، لِأَنَّهُ يَتْرُكُ وَطْأَهَا أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ، ثُمَّ يَتْرُكُ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ، ثُمَّ يَطَأُ فَلَمْ يَبْقَ إلَّا أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَهِيَ دُونَ أَجَلِ الْإِيلَاءِ، أَوْ حَلَفَ لَا يَطَأُ فِي هَذِهِ السَّنَةِ إلَّا مَرَّةً فَلَا يَلْزَمُهُ إيلَاءٌ حَتَّى يَطَأَ، وَتَبْقَى مُدَّةً أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ لِلْحُرِّ وَشَهْرَيْنِ لِلْعَبْدِ كَذَا فِي الْأَصْلِ
قَوْلُهُ: [ثُمَّ إنْ ضَرَبَ الْأَجَلَ] إلَخْ: هَذَا دُخُولٌ عَلَى الْمُصَنِّفِ، وَلَكِنَّهُ نَاقِصٌ فَكَانَ حَقُّهُ أَنْ يَقُولَ بَعْدَ قَوْلِهِ وَرَفَعَتْهُ لِلْحَاكِمِ، وَإِلَى ذَلِكَ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: فَإِنْ قَامَتْ إلَخْ.
قَوْلُهُ: [وَهَذَا هُوَ الْأَجَلُ] : أَيْ الْمَأْخُوذُ مِنْ الْآيَةِ بِطَرِيقِ النَّصِّ وَالْقِيَاسِ، فَالنَّصُّ: الْأَرْبَعَةُ الْأَشْهُرُ لِلْحُرِّ، وَالْقِيَاسُ: الشَّهْرَانِ لِلْعَبْدِ.
قَوْلُهُ: [ابْتِدَاؤُهُ مِنْ يَوْمِ الْيَمِينِ] : هَذَا فِي الْمَدْخُولِ بِهَا مُطِيقَةً، وَأَمَّا غَيْرُ الْمُطِيقَةِ فَالْأَجَلُ فِيهَا مِنْ يَوْمِ الْإِطَاقَةِ.
قَوْلُهُ: [إنْ دَلَّتْ يَمِينُهُ عَلَى تَرْكِ الْوَطْءِ صَرِيحًا] : مِنْ هَذَا إلَى قَوْلِهِ وَلَمْ تَحْتَمِلْ أَقَلَّ، وَلَمْ تَكُنْ عَلَى حِنْثٍ هُوَ الْقَسَمُ الْأَوَّلُ مِنْ الْأَقْسَامِ الْأَرْبَعَةِ الْآتِيَةِ، وَتَحْتَهُ صُورَتَانِ: الصَّرَاحَةُ وَالِالْتِزَامُ، وَقَوْلُهُ وَإِنْ احْتَمَلَتْ يَمِينُهُ أَقَلَّ هَذَا هُوَ الْقَسَمُ
مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ، أَوْ مُدَّةَ خَمْسَةِ أَشْهُرٍ، أَوْ لَا أَطَؤُهَا أَبَدًا أَوْ حَتَّى أَمُوتَ أَوْ تَمُوتِي، أَوْ أَطْلَقَ كَ: وَاَللَّهِ لَا أَطَؤُك أَيْ لِأَنَّ الْأَبَدِيَّةَ تُلْزِمُهُ الْأَكْثَرِيَّةَ، أَوْ الْتِزَامًا كَ: لَا أَلْتَقِي مَعَهَا أَوْ لَا أَغْتَسِلُ مِنْ جَنَابَةٍ، وَلَمْ تَحْتَمِلْ أَقَلَّ وَلَمْ تَكُنْ عَلَى حِنْثٍ، بَلْ (وَإِنْ احْتَمَلَتْ) (أَقَلَّ) مِنْ الْمُدَّةِ الْمَذْكُورَةِ وَأَكْثَرَ نَحْوَ: وَاَللَّهِ لَا يَطَؤُهَا حَتَّى يَقْدَمَ زَيْدٌ مِنْ سَفَرِهِ وَلَا يُعْلَمُ وَقْتُ قُدُومِهِ، أَوْ حَتَّى يَمُوتَ زَيْدٌ فَإِنَّهَا مُحْتَمِلَةٌ لِلْأَقَلِّ وَالْأَكْثَرِ، فَالْأَجَلُ وَقْتُ الْيَمِينِ (أَوْ كَانَتْ عَلَى حِنْثٍ) نَحْوَ: وَاَللَّهِ لَا يَطَؤُهَا إنْ لَمْ أَدْخُلْ الدَّارَ. فَإِنْ لَمْ تَدُلَّ عَلَى تَرْكِ الْوَطْءِ، وَإِنَّمَا اسْتَلْزَمَتْهُ، وَذَلِكَ فِي يَمِينِ الْحِنْثِ، فَالْأَجَلُ مِنْ يَوْمِ حُكْمِ الْحَاكِمِ وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ:
(إلَّا أَنْ تَسْتَلْزِمَهُ) : أَيْ لَكِنْ إنْ اسْتَلْزَمَتْ يَمِينُهُ تَرْكَ الْوَطْءِ، (وَهِيَ) أَيْ يَمِينُهُ مُنْعَقِدَةٌ (عَلَى حِنْثٍ، فَمِنْ) يَوْمِ (الْحُكْمِ) عَلَيْهِ بِأَنَّهُ مُولٍ يُضْرَبُ لَهُ الْأَجَلُ أَيْ الْأَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ لِلْحُرِّ، أَوْ الشَّهْرَانِ لِلْعَبْدِ وَمَثَّلَهُ بِقَوْلِهِ:(كَ: إنْ لَمْ أَفْعَلْ) كَذَا نَحْوَ إنْ لَمْ أَدْخُلْ الدَّارَ (فَأَنْتِ طَالِقٌ) فَهَذِهِ يَمِينُ حِنْثٍ لَيْسَ فِيهَا ذِكْرُ تَرْكِ الْوَطْءِ، بَلْ عَلَّقَ فِيهَا الطَّلَاقَ عَلَى عَدَمِ الدُّخُولِ، (فَامْتَنَعَ عَنْهَا) أَيْ عَنْ زَوْجَتِهِ أَيْ عَنْ وَطْئِهَا (حَتَّى يَفْعَلَ) الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ، بِأَنْ يَدْخُلَ الدَّارَ لِيَبَرَّ فَرَفَعَتْهُ لِلْحَاكِمِ فَأَمَرَهُ لِيَبَرَّ فَلَمْ يُعَجِّلْ الدُّخُولَ، فَيُضْرَبُ لَهُ الْأَجَلُ مِنْ يَوْمِ الْحُكْمِ عَلَيْهِ، بِأَنَّهُ إنْ لَمْ يَدْخُلْ يَكُونُ مُولِيًا، وَفَائِدَةُ كَوْنِ ضَرْبِ الْأَجَلِ فِي الصَّرِيحِ مِنْ وَقْتِ الْيَمِينِ، وَفِي الْمُسْتَلْزِمَةِ مِنْ يَوْمِ الْحُكْمِ، أَنَّهَا إنْ رَفَعَتْهُ فِي
ــ
[حاشية الصاوي]
الثَّانِي مِنْ الْأَقْسَامِ الْأَرْبَعَةِ، وَتَحْتَهُ صُورَتَانِ أَيْضًا: وَهُوَ كَوْنُ الْيَمِينِ صَرِيحَةً فِي تَرْكِ الْوَطْءِ، أَوْ مُسْتَلْزِمَةً وَقَوْلُهُ: أَوْ كَانَتْ عَلَى حِنْثٍ هَذَا هُوَ الْقَسَمُ الثَّالِثُ، وَقَوْلُهُ إلَّا أَنْ تَسْتَلْزِمَهُ وَهِيَ عَلَى حِنْثٍ هَذَا هُوَ الْقَسَمُ الرَّابِعُ وَسَيَأْتِي إيضَاحُ ذَلِكَ.
قَوْلُهُ: [بَلْ وَإِنْ احْتَمَلَتْ يَمِينُهُ أَقَلَّ] : رَدٌّ بِالْمُبَالَغَةِ عَلَى مَنْ يَقُولُ إنَّ الْأَجَلَ فِي هَذِهِ مِنْ يَوْمِ الْحُكْمِ، فَأَفَادَ أَنَّ الْمُعْتَمَدَ أَنَّ الْأَجَلَ فِيهَا مِنْ يَوْمِ الْحَلِفِ كَمَا هُوَ نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ
قَوْلُهُ: [أَوْ كَانَتْ عَلَى حِنْثٍ] : أَيْ وَالْمَوْضُوعُ أَنَّهَا صَرِيحَةٌ فِي تَرْكِ الْوَطْءِ بِدَلِيلِ مَا يَأْتِي.
قَوْلُهُ: [وَفَائِدَةُ كَوْنِ ضَرْبِ الْأَجَلِ فِي الصَّرِيحِ] : أَيْ وَمَا أُلْحِقَ بِهِ وَقَوْلُهُ وَفِي
الدَّالَّةِ عَلَى التَّرْكِ صَرِيحًا أَوْ الْتِزَامًا بَعْدَ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ أَوْ شَهْرَيْنِ لِلْعَبْدِ، لَمْ يَضْرِبْ لَهُ الْأَجَلَ وَإِنَّمَا يَأْمُرُهُ بِالْفَيْئَةِ، أَوْ يُطَلِّقُ عَلَيْهِ وَإِنْ رَفَعَتْهُ بَعْدَ شَهْرَيْنِ لِلْحُرِّ أَوْ شَهْرٍ لِلْعَبْدِ ضَرَبَ لَهُ شَهْرَيْنِ، فِي الْحُرِّ وَشَهْرًا لِلْعَبْدِ وَهَكَذَا، وَإِنْ رَفَعَتْهُ فِي الْمُسْتَلْزِمَةِ فَمِنْ يَوْمِ الرَّفْعِ وَلَوْ تَقَدَّمَ لَهُ مِنْ وَقْتِ التَّعْلِيقِ زَمَنٌ كَثِيرٌ. وَالْحَاصِلُ: أَنَّ الْحَالِفَ عَلَى تَرْكِ الْوَطْءِ يُسَمَّى مُولِيًا مِنْ وَقْتِ يَمِينِهِ، وَالْحَلِفُ عَلَى شَيْءٍ اقْتَضَى التَّرْكَ، فَإِنَّمَا يَكُونُ مُولِيًا مِنْ وَقْتِ الرَّفْعِ أَيْ الْحُكْمِ، وَمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ الْأَقْسَامِ الْأَرْبَعَةِ هُوَ الْمَنْقُولُ الْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ فِي الْمَذْهَبِ، وَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الشَّيْخِ لَا يُعَوَّلُ عَلَيْهِ.
ــ
[حاشية الصاوي]
الْمُسْتَلْزِمَةِ الَّتِي عَلَى حِنْثٍ.
قَوْلُهُ: [وَالْحَلِفُ عَلَى شَيْءٍ اقْتَضَى التَّرْكَ] : أَيْ فِي مَوْضُوعِ صِيغَةِ الْحِنْثِ.
قَوْلُهُ: [وَمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ الْأَقْسَامِ الْأَرْبَعَةِ] : أَيْ الَّتِي أَفَادَهَا مِنْ قَوْلِهِ وَالْأَجَلُ مِنْ يَوْمِ الْيَمِينِ إلَى هُنَا، فَالْقِسْمُ الْأَوَّلُ: هُوَ الْحَلِفُ عَلَى تَرْكِ الْوَطْءِ صَرِيحًا أَوْ الْتِزَامًا، وَالْمُدَّةُ أَكْثَرُ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ صَرَاحَةً. وَالْقِسْمُ الثَّانِي: هُوَ الْحَلِفُ عَلَى تَرْكِ الْوَطْءِ صَرِيحًا أَوْ الْتِزَامًا، وَالْمُدَّةُ مُحْتَمِلَةٌ لِلْأَكْثَرِ وَالْأَقَلِّ مَوْضُوعُ هَذَيْنِ الْقِسْمَيْنِ الْبِرُّ، بِخِلَافِ الْأَخِيرَيْنِ فَمَوْضُوعُهُمَا الْحِنْثُ. وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ: أَنْ تَكُونَ يَمِينُهُ عَلَى حِنْثٍ وَهِيَ صَرِيحَةٌ فِي تَرْكِ الْوَطْءِ. وَالْقِسْمُ الرَّابِعُ وَكَوْنُهَا عَلَى حِنْثٍ وَلَمْ تَكُنْ صَرِيحَةً فِي تَرْكِ الْوَطْءِ، وَإِنَّمَا اسْتَلْزَمَتْهُ فَأَفَادَك أَنَّ الْأَقْسَامَ الثَّلَاثَةَ الْأَجَلُ فِيهَا مِنْ يَوْمِ الْيَمِينِ، وَفِي الْقِسْمِ الرَّابِعِ مِنْ يَوْمِ حَكَمَ الْحَاكِمُ، وَإِذَا تَأَمَّلْت تَجِدَ الْأَقْسَامَ الْأَرْبَعَةَ تَرْجِعُ إلَى صُوَرٍ سِتٍّ، لِأَنَّ الْقِسْمَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ مُشْتَمِلَانِ عَلَى صُوَرٍ أَرْبَعٍ، لِأَنَّ الْيَمِينَ إمَّا صَرِيحَةً فِي تَرْكِ الْوَطْءِ أَوْ مُسْتَلْزِمَةً، وَفِي كُلٍّ إمَّا أَنْ تَكُونَ الْمُدَّةُ الْمَحْلُوفُ عَلَى تَرْكِ الْوَطْءِ فِيهَا أَكْثَرُ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ صَرَاحَةً أَوْ احْتِمَالًا، وَيُضَمُّ لِتِلْكَ الْأَرْبَعِ الْحِنْثُ بِقِسْمَيْهِ فَتَأَمَّلْ.
قَوْلُهُ: [وَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الشَّيْخِ] : أَيْ لِقَوْلِهِ: " لَا إنْ احْتَمَلَتْ مُدَّةُ يَمِينِهِ أَقَلَّ " فَإِنَّهُ جَعَلَ الْمُحْتَمِلَةَ الْمُدَّةُ الْيَمِينُ فِيهَا مِنْ يَوْمِ الْحُكْمِ مُطْلَقًا، وَلَمْ يَفْصِلْ فِيهَا بَيْنَ بِرٍّ وَحِنْثٍ وَقَدْ عَلِمْت التَّفْصِيلَ فِيهَا
وَبَقِيَ مَنْ ظَاهَرَ مِنْ زَوْجَتِهِ بِأَنْ قَالَ لَهَا: أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي، فَامْتَنَعَ مِنْ وَطْئِهَا حَتَّى يُكَفِّرَ، فَرَفَعَتْهُ، هَلْ يُضْرَبُ لَهُ الْأَجَلُ مِنْ يَوْمِ الْيَمِينِ أَيْ الظِّهَارِ؟ وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ الْأَرْجَحُ وَعَلَيْهِ اقْتَصَرَتْ الْمُدَوَّنَةُ كَمَا قَالَ الشَّيْخُ، وَلِذَا اقْتَصَرْنَا عَلَيْهِ بِقَوْلِنَا:
(وَالْمُظَاهِرُ - إنْ قَدَرَ عَلَى التَّكْفِيرِ وَامْتَنَعَ) مِنْهُ فَلَمْ يُكَفِّرْ (كَالْأَوَّلِ) : أَيْ كَاَلَّذِي يَمِينُهُ صَرِيحَةٌ فِي تَرْكِ الْوَطْءِ يُضْرَبُ لَهُ الْأَجَلُ مِنْ وَقْتِ الظِّهَارِ أَوْ كَانَ الثَّانِي يُضْرَبُ لَهُ الْأَجَلُ مِنْ يَوْمِ الْحُكْمِ أَوْ مِنْ يَوْمِ تَبَيَّنَ ضَرَرُهُ وَهُوَ يَوْمُ الِامْتِنَاعِ مِنْ التَّكْفِيرِ، وَعَلَيْهِ تُؤُوِّلَتْ أَقْوَالٌ، وَقَوْلُهُ:" إنْ قَدَرَ " إلَخْ مَفْهُومُهُ إنْ عَجَزَ عَنْ التَّكْفِيرِ لَا يَكُونُ مُولِيًا وَهُوَ كَذَلِكَ لِعُذْرِهِ بِالْعَجْزِ، فَيُطَلَّقُ عَلَيْهِ إنْ أَرَادَتْ لِلضَّرَرِ بِلَا ضَرْبِ أَجَلٍ بَلْ الِاجْتِهَادِ.
(كَالْعَبْدِ) يُظَاهِرُ مِنْ زَوْجَتِهِ، وَكَفَّارَتِهِ بِالصَّوْمِ فَقَطْ (أَبَى) : أَيْ امْتَنَعَ مِنْ (أَنْ يَصُومَ) وَهُوَ قَادِرٌ عَلَيْهِ، (أَوْ مُنِعَ مِنْهُ) : أَيْ مَنَعَهُ السَّيِّدُ مِنْ الصَّوْمِ (بِوَجْهٍ جَائِزٍ) ، بِأَنْ كَانَ صَوْمُهُ يَضُرُّ بِسَيِّدِهِ فِي خِدْمَتِهِ أَوْ خَرَاجِهِ، قَالَ فِي التَّوْضِيحِ
ــ
[حاشية الصاوي]
قَوْلُهُ: [أَقْوَالٌ] : أَيْ ثَلَاثَةٌ مَحَلُّهَا مَا لَمْ يُعَلِّقْ ظِهَارَهُ عَلَى وَطْئِهَا، وَأَمَّا لَوْ عَلَّقَ ظِهَارَهُ عَلَى وَطْئِهَا بِأَنْ قَالَ لَهَا: إنْ وَطِئْتُك فَأَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي، فَإِنَّهُ يَكُونُ مُولِيًا وَالْأَجَلُ مِنْ يَوْمِ الْيَمِينِ قَوْلًا وَاحِدًا، وَإِذَا تَمَّ الْأَجَلُ فَلَا تُطَالِبُهُ بِالْفَيْئَةِ وَإِنَّمَا يُطْلَبُ مِنْهُ الطَّلَاقُ، أَوْ تَبْقَى بِلَا وَطْءٍ، فَإِنْ تَجَرَّأَ وَوَطِئَ انْحَلَّتْ عَنْهُ الْإِيلَاءُ وَلَزِمَهُ الظِّهَارُ.
قَوْلُهُ: [لَا يَكُونُ مُولِيًا] : قَيَّدَهُ اللَّخْمِيُّ بِمَا إذَا طَرَأَ عَلَيْهِ الْعَجْزُ بَعْدَ عَقْدِ الظِّهَارِ، أَمَّا إنْ عَقَدَهُ عَلَى نَفْسِهِ مَعَ عِلْمِهِ بِالْعَجْزِ فَاخْتُلِفَ، هَلْ يُطَلَّقُ عَلَيْهِ حَالًا لِقَصْدِ الضَّرَرِ بِالظِّهَارِ، أَوْ بَعْدَ ضَرْبِ أَجَلِ الْإِيلَاءِ وَانْقِضَائِهِ رَجَاءَ أَنْ يُحْدِثَ اللَّهُ لَهُ قُدْرَةً عَلَى التَّكْفِيرِ، أَوْ يُحْدِثَ لَهَا رَأْيًا بِالْإِقَامَةِ مَعَهُ بِلَا وَطْءٍ.
قَوْلُهُ: [أَيْ امْتَنَعَ مِنْ أَنْ يَصُومَ] إلَخْ: فَإِنْ عَجَزَ عَنْ الصَّوْمِ فَكَالْحُرِّ لَا يَدْخُلُهُ إيلَاءٌ وَلَا حُجَّةَ لِزَوْجَتِهِ.
قَوْلُهُ: [بِوَجْهٍ جَائِزٍ] إلَخْ: مَفْهُومُهُ لَوْ مَعَهُ بِوَجْهٍ غَيْرِ جَائِزٍ فَإِنَّ الْحَاكِمَ يَرُدُّهُ عَنْهُ.