الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(فَشَرْعِيٌّ) : أَيْ فَإِذَا لَمْ تُوجَدْ نِيَّةٌ وَلَا بِسَاطٌ وَلَا عُرْفٌ قَوْلِيٌّ، فَالْعُرْفُ الشَّرْعِيُّ إنْ كَانَ الْحَالِفُ مِنْ أَهْلِ الشَّرْعِ. فَمَنْ حَلَفَ: لَا يُصَلِّي فِي هَذَا الْوَقْتِ أَوْ لَا يَصُومُ أَوْ لَا يَتَوَضَّأُ أَوْ لَا يَتَطَهَّرُ أَوْ لَا يَتَيَمَّمُ حَنِثَ بِالشَّرْعِيِّ مِنْ ذَلِكَ دُونَ اللُّغَوِيِّ.
(وَإِلَّا) يُوجَدُ شَيْءٌ مِنْ الْأُمُورِ الْأَرْبَعَةِ (حَنِثَ) فِي صِيغَةِ الْحِنْثِ، وَهِيَ: لَأَفْعَلَنَّ، أَوْ: إنْ لَمْ أَفْعَلْ، (بِفَوَاتِ مَا حَلَفَ عَلَيْهِ) : أَيْ يَتَعَذَّرُ فِعْلُهُ نَحْوَ: وَاَللَّهِ لَأَدْخُلَنَّ الدَّارَ وَلَأَطَأَنَّ الزَّوْجَةَ وَلَأَلْبَسَنَّ الثَّوْبَ، وَنَحْوَ: إنْ لَمْ أَفْعَلْ مَا ذُكِرَ فَعَلَيَّ كَذَا، فَتَعَذَّرَ فِعْلُ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ (وَلَوْ لِمَانِعٍ شَرْعِيٍّ كَحَيْضٍ) لِمَنْ حَلَفَ لَيَطَأَنَّهَا اللَّيْلَةَ، (أَوْ) مَانِعٍ (عَادِيٍّ كَسَرِقَةٍ) لِثَوْبٍ حَلَفَ لَيَلْبِسَنَّهُ، أَوْ حَيَوَانٍ حَلَفَ لَأَذْبَحَنَّهُ، أَوْ طَعَامٍ حَلَفَ لَيَأْكُلَنَّهُ،
ــ
[حاشية الصاوي]
الْقَرَافِيُّ: لَا يُعْتَبَرُ تَخْصِيصُهُ، وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ بِاعْتِبَارِهِ كَمَا إذَا حَلَفَ لَا يَأْكُلُ خُبْزًا وَكَانَ بَلَدُ الْحَالِفِ لَا يَأْكُلُونَ إلَّا خُبْزَ الشَّعِيرِ فَأَكْلُ الشَّعِيرِ عِنْدَهُمْ عُرْفٌ فِعْلِيٌّ فَلَا يَحْنَثُ بِأَكْلِ خُبْزِ الْقَمْحِ عَلَى مَا لِابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ فَيَكُونُ مُقَدَّمًا عَلَى الْعُرْفِ الْقَوْلِيِّ.
[مِمَّا يُخَصِّصُ الْيَمِينَ العرف الشَّرْعِيّ]
قَوْلُهُ: [فَشَرْعِيٌّ] : أَيْ فَيُقَدَّمُ عَلَى الْمَقْصِدِ اللُّغَوِيِّ عَلَى الرَّاجِحِ كَمَا فِي نَقْلِ الْمَوَّاقِ عَنْ سَحْنُونَ، خِلَافًا لِخَلِيلٍ حَيْثُ قَدَّمَ اللُّغَوِيَّ عَلَيْهِ.
قَوْلُهُ: [دُونَ اللُّغَوِيِّ] : أَيْ فَلَا يَحْنَثُ بِالصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَلَا بِغُسْلِ الْيَدَيْنِ إلَى الْكُوعَيْنِ مَثَلًا.
[عِنْد فَقَدْ مَا يخصص الْيَمِين أَوْ يقيدها يحنث بِفَوَاتِ مَا حَلَفَ عَلَيْهِ]
قَوْلُهُ: [مِنْ الْأُمُورِ الْأَرْبَعَةِ] : أَيْ أَوْ الْخَمْسَةِ عَلَى اعْتِبَارِ الْفِعْلِيِّ وَلَمْ يَذْكُرْ اللُّغَوِيَّ؛ لِأَنَّهُ أَصْلُ وَضْعِ اللَّفْظِ، فَلَيْسَ فِيهِ تَخْصِيصٌ وَلَا تَعْمِيمٌ فَالْحَمْلُ عَلَيْهِ أَصْلٌ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ عَنْ الْمُخَصِّصَاتِ وَعَدَمِ الْقَرَائِنِ كَمَا تَقَدَّمَ.
قَوْلُهُ: [وَلَوْ لِمَانِعٍ شَرْعِيٍّ] : أَيْ هَذَا إذَا كَانَ الْفَوَاتُ لِغَيْرِ مَانِعٍ بِأَنْ تَرَكَهُ اخْتِيَارًا، بَلْ وَلَوْ لِمَانِعٍ شَرْعِيٍّ إلَخْ، وَرَدَّ (لَوْ) فِي الشَّرْعِيِّ عَلَى ابْنِ الْقَاسِمِ فِي مَسْأَلَةِ الْحَيْضِ، وَعَلَى سَحْنُونَ فِي مَسْأَلَةِ مَنْ حَلَفَ لَيَطَأَن أَمَتَهُ فَبَاعَهَا الْحَاكِمُ عَلَيْهِ لِفَلَسِهِ، وَفِي الْعَادِي عَلَى مَا نُقِلَ عَنْ أَشْهَبَ مِنْ عَدَمِ الْحِنْثِ.
وَالْمَوْضُوعُ أَنَّهُ لَا نِيَّةَ وَلَا بِسَاطَ.
(لَا) يَحْنَثُ بِمَانِعٍ (عَقْلِيٍّ: كَمَوْتٍ) لِحَيَوَانٍ (فِي) حَلِفِهِ: (لَيَذْبَحَنَّهُ)، وَخَرْقِ ثَوْبٍ فِي لَأَلْبَسَنَّهُ. وَمَحَلُّ عَدَمِ الْحِنْثِ فِي الْعَقْلِيِّ:(إنْ لَمْ يُفَرِّطْ) بِأَنْ بَادَرَ فَحَصَلَ الْمَانِعُ قَبْلَ الْإِمْكَانِ. فَإِنْ أَمْكَنَهُ الْفِعْلُ وَفَرَّطَ حَتَّى حَصَلَ الْمَانِعُ
ــ
[حاشية الصاوي]
قَوْلُهُ: [وَالْمَوْضُوعُ أَنَّهُ لَا نِيَّةَ وَلَا بِسَاطَ] : أَيْ وَلَا تَقْيِيدَ بِأَنْ أَطْلَقَ فِي يَمِينِهِ. وَلَمْ يُقَيِّدْ بِإِمْكَانِ الْفِعْلِ وَلَا بِعَدَمِهِ، وَأَوْلَى لَوْ قَالَ: لَأَفْعَلَنهُ قَدَرَتْ عَلَى الْفِعْلِ أَوْ لَا، أَمَّا إنْ قَيَّدَ بِإِمْكَانِ الْفِعْلِ فَلَا حِنْثَ بِفَوَاتِهِ فِي الْمَانِعِ الشَّرْعِيِّ وَالْعَادِيِّ اتِّفَاقًا.
قَوْلُهُ: [لَا يَحْنَثُ بِمَانِعٍ عَقْلِيٍّ] : مِنْ جُمْلَةِ أَمْثِلَتِهِ مَا إذَا حَلَفَ ضَيْفٌ عَلَى رَبِّ مَنْزِلٍ أَنَّهُ لَا يَذْبَحُ لَهُ فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ ذَبَحَ لَهُ، أَوْ حَلَفَ الرَّجُلُ لَيَفْتَضَّنَّ زَوْجَتَهُ بِذَكَرِهِ مَثَلًا فَوَجَدَ عُذْرَتَهَا سَقَطَتْ، فَلَا حِنْثَ؛ لِأَنَّ رَفْعَ الْوَاقِعِ وَتَحْصِيلَ الْحَاصِلِ مُحَالٌ عَقْلًا كَذَا فِي حَاشِيَةِ الْأَصْلِ.
قَوْلُهُ: [فَإِنْ أَمْكَنَهُ الْفِعْلُ] إلَخْ: الْحَاصِلُ أَنَّ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ إذَا فَاتَ بِمَانِعٍ عَقْلِيٍّ، إمَّا أَنْ يَكُونَ الْحَالِفُ عَيَّنَ وَقْتًا لِفِعْلِهِ أَوْ لَا، فَإِنْ كَانَ وَقَّتَ وَفَاتَ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ لَمْ يَحْنَثْ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ وَلَوْ فَرَّطَ وَإِنْ كَانَ لَمْ يُؤَقِّتْ فَلَا حِنْثَ إنْ حَصَلَ الْمَانِعُ عَقِبَهُ، أَوْ تَأَخَّرَ بِلَا تَفْرِيطٍ، فَإِنْ فَرَّطَ مَعَ التَّأْخِيرِ حَنِثَ وَقَدْ نَظَّمَ الْأُجْهُورِيُّ هَذَا الْمَبْحَثَ بِقَوْلِهِ:
إذَا فَاتَ مَحْلُوفٌ عَلَيْهِ
…
لِمَانِعٍ فَإِنْ كَانَ شَرْعِيًّا فَحِنْثُهُ مُطْلَقَا
كَعَقْلِيٍّ أَوْ عَادِيٍّ إنْ يَتَأَخَّرَا
…
وَفَرَّطَ حَتَّى فَاتَ دَامَ لَك الْبَقَا
وَإِنْ أَقَّتَ أَوْ كَانَ مِنْهُ تَبَادُرٌ
…
فَحِنْثُهُ بِالْعَادِيِّ لَا غَيْرُ مُطْلَقَا
وَإِنْ كَانَ كُلٌّ قَدْ تَقَدَّمَ مِنْهُمَا
…
فَلَا حِنْثَ فِي حَالٍ فَخُذْهُ مُحَقَّقَا
قَالَ فِي الْحَاشِيَةِ: وَحَاصِلُ مَا فِي الْمَقَامِ أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ صُورَةً، وَذَلِكَ أَنَّك تَقُولُ: يَحْنَثُ بِالْمَانِعِ الشَّرْعِيِّ تَقَدَّمَ أَوْ تَأَخَّرَ، أَقَّتَ أَمْ لَا، فَرَّطَ أَمْ لَا، فَهَذِهِ ثَمَانِيَةٌ وَلَا حِنْثَ بِالْمَانِعِ الْعَقْلِيِّ إذَا تَقَدَّمَ أَقَّتَ أَمْ لَا فَرَّطَ أَمْ لَا فَهَذِهِ أَرْبَعٌ، وَأَمَّا إذَا تَأَخَّرَ فَلَا حِنْثَ فِي ثَلَاثٍ: وَهِيَ مَا إذَا أَقَّتَ فَرَّطَ أَمْ لَا، أَوْ لَمْ يُؤَقِّتْ وَلَمْ يُفَرِّطْ، فَإِذَا لَمْ يُؤَقِّتْ وَفَرَّطَ فَيَحْنَثُ؛ وَأَمَّا الْمَانِعُ الْعَادِيُّ فَلَا حِنْثَ بِالْمُتَقَدِّمِ فَرَّطَ أَمْ لَا أَقَّتَ
حَنِثَ.
(وَ) حَنِثَ (بِالْعَزْمِ عَلَى الضِّدِّ) : أَيْ تَرَكَ مَا حَلَفَ عَلَيْهِ بِأَنْ عَزَمَ عَلَى عَدَمِ الدُّخُولِ أَوْ الْوَطْءِ أَوْ اللُّبْسِ فِي الْأَمْثِلَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ وَتَجِبُ الْكَفَّارَةُ فِي الْيَمِينِ بِاَللَّهِ، وَلَا يَنْفَعُهُ فِعْلُهُ وَيَلْزَمُهُ الْمُعَلَّقُ عَلَيْهِ مِنْ طَلَاقٍ وَنَحْوِهِ، وَلَا يَنْفَعُهُ الْفِعْلُ بَعْدَ الْعَزْمِ عَلَى التَّرْكِ؛ وَهَذَا فِي الْحِنْثِ الْمُطْلَقِ. وَأَمَّا الْمُقَيَّدُ بِزَمَنٍ نَحْوَ: لَأَدْخُلَنَّ الدَّارَ فِي هَذَا الشَّهْرِ، أَوْ: إنْ لَمْ أَدْخُلْهَا فِي شَهْرِ كَذَا فَهِيَ طَالِقٌ فَلَا يَحْنَثُ بِالْعَزْمِ عَلَى الضِّدِّ.
(وَ) حَنِثَ فِي صِيغَةِ الْبِرِّ نَحْوَ: لَا أَفْعَلُ كَذَا (بِالنِّسْيَانِ) أَيْ بِفِعْلِهِ نَاسِيًا لِحَلِفِهِ، (وَالْخَطَأِ) كَمَا لَوْ فَعَلَهُ مُعْتَقِدًا أَنَّهُ غَيْرُ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ فَيَحْنَثُ.
ــ
[حاشية الصاوي]
أَمْ لَا؛ فَهَذِهِ أَرْبَعٌ، وَيَحْنَثُ بِالْمُتَأَخِّرِ أَقَّتَ أَمْ لَا فَرَّطَ أَمْ لَا، وَلَا يَخْفَى مَا فِي هَذَا التَّقْسِيمِ مِنْ التَّسَامُحِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ إذَا كَانَ الْمَنْعُ مُتَقَدِّمًا عَلَى الْيَمِينِ فَلَا يَتَأَتَّى تَفْرِيطٌ (اهـ) .
قَوْلُهُ: [حَنِثَ] : ظَاهِرُهُ أَقَّتَ أَمْ لَا وَهُوَ وَجِيهٌ وَلَكِنْ تَقَدَّمَ عَنْ الْحَاشِيَةِ أَنَّهُ مَخْصُوصٌ بِمَا إذَا لَمْ يَكُنْ مُؤَقِّتًا.
قَوْلُهُ: [وَحَنِثَ بِالْعَزْمِ عَلَى الضِّدِّ] : ظَاهِرُهُ تَحَتُّمُ الْحِنْثِ بِذَلِكَ وَهُوَ طَرِيقَةُ ابْنِ الْمَوَّازِ وَابْنِ شَاسٍ وَابْنِ الْحَاجِبِ وَالْقَرَافِيِّ، وَقَالَ غَيْرُهُمْ: غَايَةُ مَا فِي الْمُدَوَّنَةِ أَنَّ الْحَالِفَ بِصِيغَةِ الْحِنْثِ الْمُطْلَقِ لَهُ تَحْنِيثُ نَفْسِهِ بِالْعَزْمِ عَلَى الضِّدِّ وَيُكَفِّرُ وَلَا يَتَحَتَّمُ الْحِنْثُ إلَّا بِفَوَاتِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ، فَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ لِحَلِفِهِ وَيُبْطِلَ الْعَزْمَ كَمَا إذَا قَالَ: إنْ لَمْ أَتَزَوَّجْ فَعَلَيَّ كَذَا، ثُمَّ عَزَمَ عَلَى تَرْكِ الزَّوَاجِ فَلَهُ الرُّجُوعُ لِلزَّوَاجِ وَإِبْطَالُ عَزْمِهِ وَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ مِمَّا حَلَفَ بِهِ، وَاخْتَارَ (ر) هَذِهِ الطَّرِيقَةَ نَقَلَهُ مُحَشِّي الْأَصْلِ، لَكِنَّ بْنَ رَدَّ قَوْلَ (ر) كَمَا ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ فِي تَقْرِيرِهِ.
قَوْلُهُ: [وَلَا يَنْفَعُهُ فِعْلُهُ بَعْدُ] : أَيْ خِلَافًا لِمَا اخْتَارَهُ (ر) كَمَا عَلِمْت.
قَوْلُهُ: [فَلَا يَحْنَثُ بِالْعَزْمِ عَلَى الضِّدِّ] : أَيْ وَإِنَّمَا يَحْنَثُ بِعَدَمِ فِعْلِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ إذَا فَاتَ الْأَجَلُ.
قَوْلُهُ: [بِالنِّسْيَانِ] : أَيْ عَلَى الْمُعْتَمَدِ خِلَافًا لِابْنِ الْعَرَبِيِّ وَالسُّيُورِيِّ وَجَمْعٍ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ حَيْثُ قَالُوا بِعَدَمِ الْحِنْثِ بِالنِّسْيَانِ وِفَاقًا لِلشَّافِعِيِّ.
قَوْلُهُ: [وَالْخَطَأُ كَمَا لَوْ فَعَلَهُ] إلَخْ: حَاصِلُهُ أَنَّهُ إذَا حَلَفَ لَا يَدْخُلُ دَارَ فُلَانٍ فَدَخَلَهَا مُعْتَقِدًا أَنَّهَا غَيْرُهَا، فَإِنَّهُ يَحْنَثُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ، وَمِنْ أَمْثِلَةِ الْخَطَأِ
وَهَذَا (إنْ أَطْلَقَ) فِي يَمِينِهِ وَلَمْ يُقَيِّدْ بِعَمْدٍ وَلَا تَذْكَارٍ.
فَإِنْ قَيَّدَ بِأَنْ قَالَ: لَا أَفْعَلُهُ مَا لَمْ أَنْسَ أَوْ عَامِدًا مُخْتَارًا أَوْ مُتَذَكِّرًا فَلَا حِنْثَ بِالنِّسْيَانِ أَوْ الْخَطَأِ، وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ لَا حِنْثَ فِي الْإِكْرَاهِ فِي الْبِرِّ.
(وَ) حَنِثَ فِي الْبِرِّ (بِالْبَعْضِ) أَيْ بِفِعْلِ بَعْضِ الْمَحْلُوفِ عَلَى تَرْكِهِ، فَمَنْ حَلَفَ لَا آكُلُ الرَّغِيفَ أَوْ هَذَا الطَّعَامَ فَأَكَلَ بَعْضَهُ وَلَوْ لُقْمَةً حَنِثَ. وَأَمَّا صِيغَةُ الْحِنْثِ نَحْوَ: وَاَللَّهِ لَآكُلَن هَذَا الطَّعَامَ أَوْ الرَّغِيفَ، أَوْ إنْ لَمْ آكُلْهُ فَهِيَ طَالِقٌ، فَلَا يَبَرُّ بِفِعْلِ الْبَعْضِ. وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ:(عَكْسُ الْبِرِّ)
ــ
[حاشية الصاوي]
أَيْضًا مَا إذَا حَلَفَ أَنَّهُ لَا يَتَنَاوَلُ مِنْهُ دَرَاهِمَ فَتَنَاوَلَ مِنْهُ ثَوْبًا: تَبَيَّنَ أَنَّ فِيهِ دَرَاهِمَ، فَإِنَّهُ يَحْنَثُ وَقِيلَ بِعَدَمِ الْحِنْثِ وَقِيلَ بِالْحِنْثِ إنْ كَانَ يَظُنُّ أَنَّ فِيهِ دَرَاهِمَ قِيَاسًا عَلَى السَّرِقَةِ وَإِلَّا فَلَا حِنْثَ، وَأَمَّا الْغَلَطُ اللِّسَانِيُّ فَالصَّوَابُ عَدَمُ الْحِنْثِ بِهِ كَحَلِفِهِ: لَا أَذْكُرُ فُلَانًا فَسَبَقَ لِسَانُهُ بِهِ، وَمَا وَقَعَ فِي كَلَامِهِمْ مِنْ الْحِنْثِ بِالْغَلَطِ فَالْمُرَادُ بِهِ الْغَلَطُ الْجَنَانِيُّ الَّذِي هُوَ الْخَطَأُ كَذَا فِي (بْنِ) .
قَوْلُهُ: [فَلَا حِنْثَ بِالنِّسْيَانِ وَالْخَطَأِ] : أَيْ اتِّفَاقًا وَأَمَّا لَوْ قَالَ لَا أَفْعَلُهُ عَمْدًا وَلَا نِسْيَانًا، فَإِنَّهُ يَحْنَثُ اتِّفَاقًا، فَإِذَا حَلَفَ أَنَّهُ لَا يَأْكُلُ فِي غَدٍ فَأَكَلَ فِيهِ نِسْيَانًا فَإِنَّهُ يَحْنَثُ عَلَى الْمُعْتَمَدِ، وَلَوْ حَلَفَ بِالطَّلَاقِ لَيَصُومَن غَدًا فَأَصْبَحَ صَائِمًا ثُمَّ أَكَلَ نَاسِيًا فَلَا حِنْثَ عَلَيْهِ كَمَا فِي سَمَاعِ عِيسَى، لِأَنَّهُ حَلَفَ عَلَى الصَّوْمِ وَقَدْ وُجِدَ وَاَلَّذِي فَعَلَهُ نِسْيَانًا هُوَ الْأَكْلُ، وَهَذَا الْأَكْلُ غَيْرُ مُبْطِلٍ لِصَوْمِهِ؛ لِأَنَّ الْأَكْلَ فِي التَّطَوُّعِ لَا يُبْطِلُهُ وَهَذَا الصَّوْمُ كَتَطَوُّعٍ بِحَسَبِ الْأَصْلِ، فَلَمَّا لَمْ يَبْطُلْ صَوْمُهُ لَمْ يَحْنَثْ (اهـ مِنْ حَاشِيَةِ الْأَصْلِ) .
قَوْلُهُ: [فَأَكَلَ بَعْضَهُ وَلَوْ لُقْمَةً حَنِثَ] : قَالَ فِي الْأَصْلِ وَلَوْ قَيَّدَ بِالْكُلِّ (اهـ.) أَيْ بِأَنْ قَالَ: لَا آكُلُ كُلَّ الرَّغِيفِ وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ قَالَ مُحَشِّيهِ: وَاسْتُشْكِلَ هَذَا بِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِمَا تَقَرَّرَ مِنْ أَنَّ إفَادَةَ كُلٍّ لِلْكُلِّيَّةِ مَحَلُّهُ مَا لَمْ تَقَعْ فِي حَيِّزِ النَّفْيِ، وَإِلَّا لَمْ يَسْتَغْرِقْ غَالِبًا بَلْ يَكُونُ الْمَقْصُودُ نَفْيَ الْهَيْئَةِ الِاجْتِمَاعِيَّةِ الصَّادِقَةِ بِالْبَعْضِ كَقَوْلِهِ:
مَا كُلُّ مَا يَتَمَنَّى الْمَرْءُ يُدْرِكُهُ
…
تَجْرِي الرِّيَاحُ بِمَا لَا تَشْتَهِي السُّفُنُ
وَمَا هُنَا مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ وَمِنْ غَيْرِ الْغَالِبِ اسْتِغْرَاقُهَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ} [الحديد: 23] فَتَأَمَّلْهُ إلَّا أَنْ يُقَالَ: رُوعِيَ فِي هَذَا الْقَوْلِ الْمَشْهُورِ الْوَجْهُ الْقَلِيلُ
أَيْ لَا يَبَرُّ بِالْبَعْضِ أَيْ فِي صِيغَةِ الْحِنْثِ،.
(وَ) حَنِثَ (بِالسَّوِيقِ أَوْ اللَّبَنِ) أَيْ بِشُرْبِهِمَا (فِي) حَلِفِهِ: (لَا آكُلُ) طَعَامًا لِأَنَّ شُرْبَهُمَا أَكْلٌ شَرْعًا وَلُغَةً، وَالْمَوْضُوعُ أَنَّهُ لَا نِيَّةَ وَلَا بِسَاطَ،.
(وَ) حَنِثَ (بِلَحْمِ حُوتٍ أَوْ) لَحْمِ (طَيْرٍ أَوْ) أَكْلِ (شَحْمٍ فِي: لَحْمٍ) أَيْ فِي حَلِفِهِ لَا آكُلُ لَحْمًا.
(وَ) حَنِثَ (بِوُجُودِ أَكْثَرَ) مِمَّا حَلَفَ عَلَيْهِ (فِي) حَلِفِهِ: (لَيْسَ مَعِي غَيْرُهُ) أَيْ غَيْرُ هَذَا الْقَدْرِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ (لِسَائِلٍ) سَأَلَهُ أَنْ يُسَلِّفَهُ أَوْ يَقْضِيَهُ حَقَّهُ أَوْ يَهَبَهُ.
ــ
[حاشية الصاوي]
حَيْثُ لَا نِيَّةَ وَلَا بِسَاطَ، لِأَنَّ الْحِنْثَ يَقَعُ بِأَدْنَى وَجْهٍ فَتَأَمَّلْ (اهـ) وَمِنْ أَمْثِلَةِ الْحِنْثِ بِالْبَعْضِ مَنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَلْبَسَ هَذَا الثَّوْبَ فَإِنَّهُ يَحْنَثُ بِإِدْخَالِ طَوْقِهِ فِي عُنُقِهِ وَمَنْ حَلَفَ لَا يُصَلِّي حَنِثَ بِالْإِحْرَامِ، وَمَنْ حَلَفَ لَا يَصُومُ حَنِثَ بِالْإِصْبَاحِ نَاوِيًا وَلَوْ أَفْسَدَ بَعْدَ ذَلِكَ فِيهِمَا، بَلْ فِي (ح) إنْ حَلَفَ لَا يَرْكَبُ حَنِثَ بِوَضْعِ رِجْلِهِ فِي الرِّكَابِ وَلَوْ لَمْ يَسْتَقِرَّ عَلَى الدَّابَّةِ حَيْثُ اسْتَقَلَّ عَنْ الْأَرْضِ، وَإِنْ عَلَّقَ يَمِينَهُ عَلَى وَضْعِ مَا فِي الْبَطْنِ فَوَضَعَتْ وَاحِدًا وَبَقِيَ وَاحِدٌ حَنِثَ بِوَضْعِ الْأَوَّلِ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يَطَؤُهَا حَنِثَ بِمَغِيبِ الْحَشَفَةِ، وَقِيلَ بِالْإِنْزَالِ، وَلَا يَحْنَثُ بِبَعْضِ الْحَشَفَةِ لِتَعْوِيلِ. الشَّارِعِ فِي أَحْكَامِ الْوَطْءِ عَلَى مَغِيبِ الْحَشَفَةِ، وَلَوْ حَلَفَ أَنْ لَا يَدْخُلَ الدَّارَ لَمْ يَحْنَثْ بِإِدْخَالِ رَأْسِهِ بِخِلَافِ رِجْلِهِ وَالْأَظْهَرُ إنْ اعْتَمَدَ عَلَيْهَا اُنْظُرْ الْبَدْرَ (اهـ. مِنْ حَاشِيَةِ الْأَصْلِ)
قَوْلُهُ: [أَيْ فِي صِيغَةِ الْحِنْثِ] : أَيْ إذَا كَانَتْ الصِّيغَةُ صِيغَةَ حِنْثٍ وَحَلَفَ عَلَى فِعْلِ شَيْءٍ ذِي أَجْزَاءٍ فَلَا يَبَرُّ بِفِعْلِ الْبَعْضِ؛ وَذَكَرَ شَيْخُ مَشَايِخِنَا الْعَدَوِيُّ أَنَّ مَنْ حَلَفَ عَلَيْهِ بِالْأَكْلِ، فَإِنْ كَانَ فِي آخِرِ الْأَكْلِ فَلَا يَبَرُّ الْحَالِفُ إلَّا بِأَكْلِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ ثَلَاثَ لُقَمٍ فَأَكْثَرَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ فِي آخِرِ الْأَكْلِ فَلَا يَبَرُّ إلَّا بِشِبَعٍ مِثْلُهُ.
قَوْلُهُ: [أَيْ بِشُرْبِهِمَا] : أَيْ لَا بِشُرْبِ الْمَاءِ وَلَوْ مَاءَ زَمْزَمَ فَلَا يَحْنَثُ إذْ هُوَ لَيْسَ بِطَعَامٍ عُرْفًا، وَإِنْ كَانَ مَاءُ زَمْزَمَ طَعَامًا شَرْعًا وَالْعُرْفُ مُقَدَّمٌ كَمَا تَقَدَّمَ، وَمَحَلُّ حِنْثِهِ بِشُرْبِ اللَّبَنِ وَالسَّوِيقِ إنْ قَصَدَ التَّضْيِيقَ عَلَى نَفْسِهِ بِأَنْ لَا يُدْخِلَ فِي بَطْنِهِ طَعَامًا إذْ هُمَا مِنْ الطَّعَامِ فَإِنْ قَصَدَ الْأَكْلَ دُونَ الشُّرْبِ فَلَا حِنْثَ وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ الشَّارِحِ وَالْمَوْضُوعُ أَنَّهُ لَا نِيَّةَ وَلَا بِسَاطَ.
قَوْلُهُ: [وَحَنِثَ بِلَحْمِ حُوتٍ] إلَخْ: أَيْ لِصِدْقِ اللَّحْمِ عَلَى هَذِهِ الْأَشْيَاءِ قَالَ
كَذَا فَحَلَفَ: لَيْسَ مَعِي إلَّا عَشَرَةٌ لَا غَيْرُ، فَإِذَا مَعَهُ أَكْثَرُ.
وَإِنَّمَا يَحْنَثُ (فِيمَا لَا لَغْوَ فِيهِ) مِنْ الْأَيْمَانِ كَالطَّلَاقِ وَالْعِتْقِ، وَأَمَّا مَا فِيهِ لَغْوٌ - وَهِيَ الْيَمِينُ بِاَللَّهِ - فَلَا حِنْثَ كَمَا تَقَدَّمَ. (لَا) بِوُجُودِ (أَقَلَّ) مِمَّا حَلَفَ عَلَيْهِ، فَلَا حِنْثَ لِظُهُورِ أَنَّ الْمُرَادَ: لَيْسَ مَعِي مَا يَزِيدُ عَلَى مَا حَلَفْت عَلَيْهِ، وَلَوْ كَانَ مَعِي أَزْيَدَ لَأَعْطَيْتُك مَا سَأَلْت فَمَقْصُودُهُ بِالْيَمِينِ نَفْيُ الْأَكْثَرِ لَا الْأَقَلِّ.
(وَ) حَنِثَ (بِدَوَامِ رُكُوبِهِ أَوْ) دَوَامِ (لُبْسِهِ فِي) حَلِفِهِ: (لَا أَرْكَبُ) هَذِهِ الدَّابَّةَ، (وَ) : لَا (أَلْبَسُ) هَذَا الثَّوْبَ؛ لِأَنَّ الدَّوَامَ كَالِابْتِدَاءِ، (وَ) حَنِثَ (بِدَابَّةٍ) أَيْ بِرُكُوبِ دَابَّةِ (عَبْدِهِ) : أَيْ عَبْدِ زَيْدٍ مَثَلًا (فِي) حَلِفِهِ عَلَى رُكُوبِ (دَابَّتِهِ) أَيْ زَيْدٍ؛ لِأَنَّ مَالَ الْعَبْدِ لِسَيِّدِهِ. وَالْمَوْضُوعُ - كَمَا تَقَدَّمَ - عَدَمُ النِّيَّةِ وَالْبِسَاطِ.
(وَ) حَنِثَ (بِجَمْعِ الْأَسْوَاطِ) الْعَشَرَةِ مَثَلًا (فِي) حَلِفِهِ:
ــ
[حاشية الصاوي]
تَعَالَى: {لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا} [النحل: 14] وَقَالَ تَعَالَى: {وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ} [الواقعة: 21] وَشُمُولُ اللَّحْمِ لِلشَّحْمِ ظَاهِرٌ وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ الْحِنْثِ بِلَحْمِ الْحُوتِ وَمَا بَعْدَهُ فِي حَلِفِهِ لَا آكُلُ لَحْمًا عُرْفٌ مَضَى، وَأَمَّا عُرْفُ زَمَانِنَا خُصُوصًا بِمِصْرَ فَلَا يَحْنَثُ بِمَا ذُكِرَ؛ لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى لَحْمًا عُرْفًا وَالْعُرْفُ الْقَوْلِيُّ مُقَدَّمٌ عَلَى الْمَقْصِدِ الشَّرْعِيِّ كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ.
قَوْلُهُ: [فِي حَلِفِهِ لَا أَرْكَبُ] إلَخْ: أَيْ وَأَمَّا لَوْ حَلَفَ لَأَرْكَبَن أَوْ أَلْبَسَن بَرَّ بِدَوَامِ الرُّكُوبِ، وَاللُّبْسِ فِي الْمُدَّةِ الَّتِي يَظُنُّ الرُّكُوبَ وَاللُّبْسَ فِيهَا، فَإِذَا كَانَ مُسَافِرًا مَسَافَةَ يَوْمَيْنِ وَقَالَ: وَاَللَّهِ لَأَرْكَبَن الدَّابَّةَ وَالْحَالُ أَنَّهُ رَاكِبٌ لَهَا فَلَا يَبَرُّ إلَّا إذَا رَكِبَهَا بَاقِي الْمَسَافَةِ وَلَا يَضُرُّ نُزُولُهُ فِي مُقْتَضَيَاتِ النُّزُولِ وَكَذَا يُقَالُ فِي حَلِفِهِ لَأَلْبَسَن.
قَوْلُهُ: [أَيْ بِرُكُوبِ دَابَّةِ عَبْدِهِ] : وَظَاهِرُهُ وَلَوْ كَانَ الْعَبْدُ مُكَاتَبًا، وَبِهِ قَالَ جَمَاعَةٌ نَظَرًا لِلُحُوقِ الْمِنَّةِ بِهَا كَلُحُوقِهَا بِدَابَّةِ سَيِّدِهِ، وَقَالَ الْبَدْرُ الْقَرَافِيُّ: لَا يَحْنَثُ بِدَابَّةِ مُكَاتَبِهِ فَهُمَا قَوْلَانِ، وَمَفْهُومُ (عَبْدِهِ) أَنْ لَا يَحْنَثَ بِدَابَّةِ وَلَدِهِ وَلَوْ كَانَ لَهُ
(لَأَضْرِبَنَّهُ كَذَا) أَيْ عَشَرَةَ أَسْوَاطٍ وَضَرَبَهُ بِالْعَشَرَةِ ضَرْبَةً وَاحِدَةً، وَالْمَعْنَى أَنَّهُ لَا يَبَرُّ وَالْيَمِينُ بَاقِيَةٌ عَلَيْهِ لِأَنَّ الضَّرْبَ بِهَا مَجْمُوعَةً لَا يُؤْلِمُهُ كَالْمُفَرَّقَةِ.
(وَ) حَنِثَ (بِفِرَارِ الْغَرِيمِ) مِنْهُ (فِي) حَلِفِهِ لِغَرِيمِهِ: (لَا فَارَقْتُك) أَيُّهَا الْغَرِيمُ (أَوْ لَا فَارَقْتنِي حَتَّى يَقْضِيَنِي حَقِّي) فَفَرَّ مِنْهُ، (وَلَوْ لَمْ يُفَرِّطْ) بِأَنْ انْفَلَتَ مِنْهُ كُرْهًا عَلَيْهِ (أَوْ) أَنَّ الْغَرِيمَ (أَحَالَهُ) : أَيْ أَحَالَ الْحَالِفَ عَلَى مَدِينٍ لَهُ فَرَضِيَ الْحَالِفُ بِالْحَوَالَةِ وَتَرَكَ سَبِيلَهُ فَيَحْنَثُ؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى: إلَّا أَنْ تَقْضِيَنِي بِنَفْسِك، إلَّا لِنِيَّةٍ أَوْ بِسَاطٍ.
(وَ) حَنِثَ (بِدُخُولِهِ عَلَيْهِ) : أَيْ عَلَى مَنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَدْخُلَ عَلَيْهِ بَيْتًا فَدَخَلَ عَلَيْهِ (مَيِّتًا) ، (أَوْ) دَخَلَ عَلَيْهِ
ــ
[حاشية الصاوي]
اعْتِصَارُهَا. وَرَجَّحَ بَعْضُهُمْ الْحِنْثَ بِدَابَّةِ وَلَدِهِ حَيْثُ كَانَ لَهُ اعْتِصَارُهَا لِتَحَقُّقِ الْمِنَّةِ بِهَا فَتَأَمَّلْ، لَكِنْ قَالَ فِي الْحَاشِيَةِ: إنَّ هَذَا التَّعْلِيلَ مَوْجُودٌ فِي دَابَّةِ الْوَلَدِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْأَبِ اعْتِصَارُهَا.
قَوْلُهُ: [وَالْمَعْنَى أَنَّهُ لَا يَبَرُّ] : أَيْ أَنَّ الصِّيغَةَ صِيغَةُ حِنْثٍ فَهُوَ مَأْمُورٌ بِالْفِعْلِ لَا بِالتَّرْكِ، وَلَا يَحْتَسِبُ بِالضَّرْبَةِ الْحَاصِلَةِ مِنْ جَمِيعِهَا حَيْثُ لَمْ يَحْصُلْ بِهَا إيلَامٌ كَالْمُنْفَرِدَةِ، وَإِلَّا حُسِبَتْ قَالَ فِي الْحَاشِيَةِ: وَيَنْبَغِي تَقْيِيدُهُ بِمَا إذَا لَمْ يَكُنْ كُلُّ وَاحِدٍ مُنْفَرِدًا عَنْ الْآخَرِ فِيمَا عَدَا مَحَلِّ مَسْكَنِهِ، وَيَحْصُلُ بِكُلِّ إيلَامٍ مُنْفَرِدٍ أَوْ قَرِيبٍ مِنْهُ، فَإِنَّهُ يَحْتَسِبُ بِذَلِكَ فَلَوْ ضَرَبَهُ الْعَدَدَ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ كَمِائَةِ سَوْطٍ بِسَوْطٍ لَهُ رَأْسَانِ خَمْسِينَ ضَرْبَةً، فَإِنَّهُ يَجْتَزِئُ بِذَلِكَ (اهـ.) .
قَوْلُهُ: [وَحَنِثَ بِفِرَارِ الْغَرِيمِ] : لَا يُقَالُ الْفِرَارُ إكْرَاهٌ وَهَذِهِ الصِّيغَةُ صِيغَةُ بِرٍّ؛ لِأَنَّنَا نَقُولُ: لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْفِرَارَ إكْرَاهٌ، سَلَّمْنَا أَنَّهُ إكْرَاهٌ فَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ الصِّيغَةَ صِيغَةُ بِرٍّ، بَلْ صِيغَةُ حِنْثٍ؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى لَأُلْزِمَنك - اُنْظُرْ التَّوْضِيحَ (اهـ. بْن مِنْ حَاشِيَةِ الْأَصْلِ) .
قَوْلُهُ: [أَوْ أَنَّ الْغَرِيمَ أَحَالَهُ] : أَيْ فَبِمُجَرَّدِ قَبُولِ الْحَوَالَةِ يَحْنَثُ وَلَوْ لَمْ يَحْصُلْ مُفَارَقَةٌ مِنْ الْغَرِيمِ؛ لِأَنَّهَا بِمَنْزِلَةِ الْمُفَارَقَةِ، وَلَوْ قَبَضَ الْحَقَّ بِحَضْرَةِ الْغَرِيمِ وَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ الْحِنْثِ بِالْحَوَالَةِ خِلَافُ عُرْفِ مِصْرَ الْآنَ مِنْ الِاكْتِفَاءِ بِهَا، وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْأَيْمَانَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْعُرْفِ.
قَوْلُهُ: [فَدَخَلَ عَلَيْهِ مَيِّتًا] : أَيْ قَبْلَ الدَّفْنِ، وَأَمَّا لَوْ دَخَلَ عَلَيْهِ بَيْتًا دُفِنَ فِيهِ فَلَا حِنْثَ.
(فِي بَيْتِ شَعْرٍ، أَوْ) دَخَلَ عَلَيْهِ فِي (سِجْنٍ بِحَقٍّ) كَأَنْ سُجِنَ لِدَيْنٍ أَوْ نَحْوِهِ، لِأَنَّ الْإِكْرَاهَ الشَّرْعِيَّ كَلَا إكْرَاهَ، بِخِلَافِ مَا لَوْ سُجِنَ ظُلْمًا فَلَا يَحْنَثُ لِأَنَّهُ إكْرَاهٌ، وَلَا حِنْثَ فِي الْإِكْرَاهِ كَمَا تَقَدَّمَ (فِي) حَلِفِهِ فِي الْجَمِيعِ:(لَا أَدْخُلُ عَلَيْهِ بَيْتًا. لَا) يَحْنَثُ (بِدُخُولِ مَحْلُوفٍ عَلَيْهِ) عَلَى الْحَالِفِ وَلَوْ اسْتَمَرَّ الْحَالِفُ جَالِسًا (إنْ لَمْ يَنْوِ) الْحَالِفُ بِقَوْلِهِ: لَا أَدْخُلُ عَلَيْهِ بَيْتًا (الْمُجَامَعَةَ) : أَيْ الِاجْتِمَاعَ مَعَهُ فِي مَكَان، وَإِلَّا حَنِثَ،.
(وَ) حَنِثَ (بِتَكْفِينِهِ) أَيْ إدْرَاجِهِ فِي الْكَفَنِ أَوْ تَغْسِيلِهِ (فِي) حَلِفِهِ: (لَا يَنْفَعُهُ حَيَاتَهُ) ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ تَعَلُّقَاتِ الْحَيَاةِ.
(وَ) حَنِثَ (بِالْكِتَابِ) الَّذِي كَتَبَهُ أَوْ أَمَرَ بِكَتْبِهِ (إنْ وَصَلَ) لِلْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ، سَوَاءٌ أَكَانَ عَازِمًا حِينَ كِتَابَتِهِ أَوْ إمْلَائِهِ أَوْ الْأَمْرِ بِكِتَابَتِهِ أَمْ لَا، لَا إنْ لَمْ يَصِلْ وَلَوْ كَانَ عَازِمًا عَلَيْهِ حِينَ الْكِتَابَةِ، بِخِلَافِ الطَّلَاقِ يَقَعُ بِمُجَرَّدِ
ــ
[حاشية الصاوي]
قَوْلُهُ: [فِي بَيْتِ شِعْرٍ] : الْعُرْفُ الْآنَ يَقْتَضِي عَدَمَ الْحِنْثِ فِيهِ إذْ لَا يُقَالُ لِلشِّعْرِ فِي الْعُرْفِ بَيْتٌ إلَّا إذَا كَانَ الْحَالِفُ مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ.
قَوْلُهُ: [وَلَوْ اسْتَمَرَّ الْحَالِفُ جَالِسًا] إلَخْ: أَيْ خِلَافًا لِمَا نَقَلَهُ ابْنُ يُونُسَ حَيْثُ قَالَ: قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا وَيَنْبَغِي عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ لَا يَجْلِسُ بَعْدَ دُخُولِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ، فَإِنْ جَلَسَ وَتَرَاخَى حَنِثَ وَيَصِيرُ كَابْتِدَاءِ دُخُولِهِ هُوَ عَلَيْهِ (اهـ) .
قَوْلُهُ: [وَإِلَّا حَنِثَ] : أَيْ بِاتِّفَاقٍ وَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ جُلُوسٌ.
قَوْلُهُ: [بِتَكْفِينِهِ] إلَخْ: أَيْ خِلَافًا لِمَا اسْتَظْهَرَهُ الْبَدْرُ الْقَرَافِيُّ مِنْ عَدَمِ الْحِنْثِ بِإِدْرَاجِهِ فِي الْكَفَنِ، وَأَوْلَى مِنْ الْإِدْرَاجِ فِي الْحِنْثِ شِرَاءُ الْكَفَنِ لَهُ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ الثَّمَنُ مِنْ عِنْدِهِ، لِأَنَّهُ نَفْعٌ فِي الْجُمْلَةِ.
قَوْلُهُ: [لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ تَعَلُّقَاتِ الْحَيَاةِ] : أَيْ فَيَشْمَلُ بَاقِي مُؤَنِ التَّجْهِيزِ فَيَحْنَثُ بِهَا عَلَى مَا اخْتَارَ بْن خِلَافًا لعب حَيْثُ قَالَ: لَا يَحْنَثُ: بِبَاقِي مُؤَنِ التَّجْهِيزِ قَوْلُهُ: [إنْ وَصَلَ] : أَيْ وَكَانَ الْوُصُولُ بِأَمْرِ الْحَالِفِ، وَأَمَّا لَوْ دَفَعَهُ الْحَالِفُ لِلرَّسُولِ ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ نَهَاهُ عَنْ إيصَالِهِ لِلْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ فَعَصَاهُ وَأَوْصَلَهُ فَلَا يَحْنَثُ الْحَالِفُ لَا بِإِيصَالِهِ وَلَا بِقِرَاءَتِهِ عَلَى الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ..
الْكِتَابَةِ عَازِمًا عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ يَسْتَقِلُّ بِهِ الزَّوْجُ بِلَا مُشَافَهَةٍ بِخِلَافِ الْكَلَامِ. (أَوْ) بِإِرْسَالِ (رَسُولٍ) بِكَلَامٍ إنْ بَلَغَ (فِي) حَلِفِهِ: (لَا أُكَلِّمُهُ وَقُبِلَتْ نِيَّتُهُ إنْ ادَّعَى) الْحَالِفُ (الْمُشَافَهَةَ)، بِأَنْ قَالَ: أَنَا نَوَيْت أَنْ لَا أُكَلِّمَهُ مُشَافَهَةً وَوُصُولُ الْكِتَابِ وَإِبْلَاغُ الرَّسُولِ لَيْسَ فِيهِمَا مُشَافَهَةٌ، فَتُقْبَلُ نِيَّتُهُ مُطْلَقًا فِي الْفَتْوَى وَالْقَضَاءِ، (إلَّا فِي) وُصُولِ (الْكِتَابِ فِي الطَّلَاقِ وَالْعِتْقِ الْمُعَيَّنِ) فِيمَا إذَا حَلَفَ: إنْ كَلَّمْته فَهِيَ طَالِقٌ، أَوْ: فَعَبْدِي فُلَانٌ حُرٌّ، فَأَرْسَلَ لَهُ كِتَابًا وَوَصَلَهُ فَادَّعَى الْمُشَافَهَةَ: لَمْ يُقْبَلْ عِنْدَ الْحَاكِمِ لِحَقِّ الْعَبْدِ وَالزَّوْجَةِ، وَلِتَشَوُّفِ الشَّارِعِ لِلْحُرِّيَّةِ فِي الْأَوَّلِ وَالِاحْتِيَاطِ فِي الْفُرُوجِ فِي الثَّانِي.
(وَ) حَنِثَ فِي حَلِفِهِ: لَا كَلَّمَهُ، (بِالْإِشَارَةِ) لَهُ (وَبِكَلَامٍ لَمْ يَسْمَعْهُ) الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ (لِنَوْمٍ أَوْ صَمَمٍ) أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ مِنْ كُلِّ مَانِعٍ لَوْ فُرِضَ عَدَمُهُ لَسَمِعَهُ عَادَةً، بِخِلَافِ مَا لَوْ كَلَّمَهُ مِنْ بُعْدٍ لَا يُمْكِنُ سَمَاعُهُ مِنْهُ عَادَةً فَلَا يَحْنَثُ.
(وَ) حَنِثَ (بِسَلَامٍ عَلَيْهِ مُعْتَقِدًا أَنَّهُ غَيْرُهُ، أَوْ) كَانَ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ (فِي
ــ
[حاشية الصاوي]
قَوْلُهُ: [يَسْتَقِلُّ بِهِ الزَّوْجُ] إلَخْ: أَيْ فَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى حُضُورِ الزَّوْجَةِ وَلَا عَلَى مُشَافَهَتِهَا بِخِلَافِ الْكَلَامِ فَيَتَوَقَّفُ عَلَى حُضُورِ الْمُخَاطَبِ وَمُشَافَهَتِهِ.
قَوْلُهُ: [إنْ بَلَغَ] : أَيْ وَأَمَّا مُجَرَّدُ وُصُولِ الرَّسُولِ مِنْ غَيْرِ تَبْلِيغٍ فَلَا يُوجِبُ الْحِنْثَ.
قَوْلُهُ: [إلَّا فِي وُصُولِ الْكِتَابِ] إلَخْ: وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْكِتَابِ وَالرَّسُولِ أَنَّ الْكِتَابَةَ يُقَالُ لَهَا كَلَامُ الْحَالِفِ لُغَةً بِخِلَافِ كَلَامِ الرَّسُولِ، فَإِنَّهُ لَيْسَ بِكَلَامٍ لِلْحَالِفِ لَا لُغَةً وَلَا عُرْفًا فَلِذَلِكَ قُبِلَتْ نِيَّتُهُ فِيهِ حَتَّى فِي الطَّلَاقِ وَالْعِتْقِ الْمُعَيَّنِ فَتَدَبَّرْ.
قَوْلُهُ: [بِالْإِشَارَةِ] إلَخْ: أَيْ سَوَاءٌ كَانَ سَمِيعًا أَوْ أَصَمَّ أَوْ أَخْرَسَ أَوْ نَائِمًا، لَكِنَّ الَّذِي فِي (ح) : أَنَّ الرَّاجِحَ عَدَمُ الْحِنْثِ بِهَا مُطْلَقًا وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَنَصَّ ابْنُ عَرَفَةَ وَفِي حِنْثِهِ بِالْإِشَارَةِ إلَيْهِ ثَالِثُهَا فِي الَّتِي يَفْهَمُ بِهَا عَنْهُ؛ الْأَوَّلُ لِابْنِ رُشْدٍ عَنْ أَصْبَغَ مَعَ ابْنِ الْمَاجِشُونِ، وَالثَّانِي لِسَمَاعِ عِيسَى بْنِ الْقَاسِمِ وَابْنِ رُشْدٍ مَعَ ظَاهِرِ إيلَائِهَا، وَالثَّالِثُ لِابْنِ عَبْدُوسٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ (اهـ بْن. مِنْ حَاشِيَةِ الْأَصْلِ) .
قَوْلُهُ: [لَمْ يَسْمَعْهُ] : أَيْ فَمِنْ بَابِ أَوْلَى لَوْ سَمِعَهُ.
قَوْلُهُ: [وَحَنِثَ بِسَلَامٍ عَلَيْهِ] : أَيْ فِي غَيْرِ صَلَاةٍ كَمَا يَأْتِي.
وَقَوْلُهُ: [مُعْتَقِدًا أَنَّهُ غَيْرُهُ] : أَيْ جَازِمًا أَنَّهُ غَيْرُهُ فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ هُوَ لَا يُقَالُ هَذَا
جَمَاعَةٍ) سَلَّمَ عَلَيْهِمْ فَإِنَّهُ يَحْنَثُ؛ (إلَّا أَنْ يُحَاشِيَهُ) : أَيْ يُخْرِجَهُ بِقَلْبِهِ مِنْهُمْ قَبْلَ نُطِقْهُ بِالسَّلَامِ، ثُمَّ يَقْصِدَ بِسَلَامِهِ عَلَيْهِمْ مَنْ سِوَاهُ فَلَا يَحْنَثُ (لَا) إنْ سَلَّمَ عَلَيْهِ (بِصَلَاةٍ) وَلَوْ كَانَ عَلَى يَسَارِهِ (أَوْ) وُصُولِ (كِتَابِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ لَهُ) أَيْ الْحَالِفِ (وَلَوْ قَرَأَهُ) الْحَالِفُ فَلَا يَحْنَثُ عَلَى الْأَصَحِّ، (وَ) حَنِثَ (بِفَتْحٍ عَلَيْهِ)، فِي قِرَاءَةٍ بِأَنْ وَقَفَ فِي الْقِرَاءَةِ أَوْ غَيْرِهِ فَأَرْشَدَهُ لِلصَّوَابِ لِأَنَّهُ فِي قُوَّةِ: قُلْ كَذَا،.
(وَ) حَنِثَ (بِخُرُوجِهَا بِلَا عِلْمِهَا بِإِذْنِهِ) لَهَا فِي الْخُرُوجِ
ــ
[حاشية الصاوي]
مِنْ اللَّغْوِ وَلَا يَحْنَثُ فِيمَا يَجْرِي فِيهِ اللَّغْوُ، لِأَنَّنَا نَقُولُ: اللَّغْوُ الْحَلِفُ عَلَى مَا يَعْتَقِدُهُ فَيَظْهَرُ نَفْيُهُ، وَالِاعْتِقَادُ هُنَا لَيْسَ مُتَعَلِّقًا بِالْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ حَتَّى يَكُونَ لَغْوًا بَلْ بِغَيْرِهِ بَلْ هَذَا مِنْ بَابِ الْخَطَأِ وَتَقَدَّمَ الْحِنْثُ بِهِ.
قَوْلُهُ: [إلَّا أَنْ يُحَاشِيَهُ] حَاصِلُ الْفِقْهِ أَنَّهُ إذَا أَخْرَجَهُ مِنْ الْجَمَاعَةِ قَبْلَ السَّلَامِ فَلَا حِنْثَ عَلَيْهِ، سَوَاءٌ كَانَ الْإِخْرَاجُ بِالنِّيَّةِ أَوْ بِاللَّفْظِ، فَإِنْ حَدَثَتْ الْمُحَاشَاةُ بَعْدَ السَّلَامِ أَوْ فِي أَثْنَائِهِ فَلَا يَنْفَعُهُ إلَّا الْإِخْرَاجُ بِاللَّفْظِ لَا بِالنِّيَّةِ هَكَذَا قِيلَ، وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّ الْإِخْرَاجَ بِالنِّيَّةِ حَالَ السَّلَامِ يَنْفَعُ.
قَوْلُهُ: [لَا إنْ سَلَّمَ عَلَيْهِ بِصَلَاةٍ] إلَخْ: أَيْ لِأَنَّهُ لَيْسَ كَلَامًا عُرْفًا، بِخِلَافِ السَّلَامِ خَارِجَ الصَّلَاةِ وَإِنْ كَانَ كُلٌّ مَطْلُوبًا.
قَوْلُهُ [فَلَا يَحْنَثُ عَلَى الْأَصَحِّ] : أَيْ عَلَى مَا صَوَّبَهُ ابْنُ الْمَوَّازِ وَاخْتَارَهُ اللَّخْمِيُّ مِنْ قَوْلَيْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَهُمَا الْحِنْثُ وَعَدَمُهُ.
قَوْلُهُ: [بِفَتْحٍ عَلَيْهِ] إلَخْ: ظَاهِرُهُ سَوَاءٌ كَانَ فِي غَيْرِ صَلَاةٍ أَوْ فِيهَا، وَظَاهِرُهُ وَلَوْ كَانَ الْفَتْحُ وَاجِبًا بِأَنْ كَانَ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ إمَامًا وَفَتَحَ عَلَيْهِ فِي الْفَاتِحَةِ. إنْ قُلْت: إذَا لَمْ يَحْنَثْ بِسَلَامِ الرَّدِّ فِي الصَّلَاةِ مَعَ أَنَّهُ مَطْلُوبُ اسْتِنَانًا فَأَوْلَى أَنْ لَا يَحْنَثَ بِالْفَتْحِ عَلَى إمَامِهِ إذَا وَجَبَ؟ أُجِيبُ: بِأَنَّ الْفَتْحَ فِي مَعْنَى الْمُكَالَمَةِ إذْ هُوَ فِي مَعْنَى: قُلْ كَذَا أَوْ اقْرَأْ كَذَا، بِخِلَافِ سَلَامِ الصَّلَاةِ وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ الْحِنْثِ بِالْفَتْحِ مُطْلَقًا هُوَ الْمُعْتَمَدُ. خِلَافًا لِمَنْ قَالَ: إنَّهُ يَحْنَثُ بِالْفَتْحِ فِي السُّورَةِ، وَلَا يَحْنَثُ بِالْفَتْحِ عَلَيْهِ بِالْفَاتِحَةِ وَالْفِقْهُ مُسَلَّمٌ وَإِلَّا فَقَدْ يُقَالُ: إنَّ الْفَتْحَ فِي الصَّلَاةِ لَيْسَ كَلَامًا عُرْفًا كَمَا قَالُوا فِي سَلَامِهَا.
قَوْلُهُ: [فِي الْقِرَاءَةِ أَوْ غَيْرِهِ] : هَكَذَا نُسْخَةُ الْمُؤَلِّفِ وَالْمُنَاسِبُ فِي الْفَاتِحَةِ أَوْ غَيْرِهَا.
(فِي) حَلِفِهِ عَلَى زَوْجَتِهِ: (لَا تَخْرُجِي إلَّا بِإِذْنِي) وَلَا يَنْفَعُهُ دَعْوَى أَنَّهُ قَدْ أَذِنَ لَهَا فِي الْخُرُوجِ وَإِنْ لَمْ تَعْلَمْ بِهِ، لِأَنَّ حَلِفَهُ أَنَّهَا لَا تَخْرُجُ إلَّا بِسَبَبِ إذْنِي وَخُرُوجُهَا لَمْ يَكُنْ بِسَبَبِ إذْنِهِ.
(وَ) حَنِثَ (بِالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ) عَلَى مَحْلُوفٍ عَلَيْهِ (فِي) حَلِفِهِ: (لَا أَعَارَهُ) شَيْئًا (وَبِالْعَكْسِ) كَأَنْ حَلَفَ لَا وَهَبَهُ شَيْئًا أَوْ لَا يَتَصَدَّقُ عَلَيْهِ فَأَعَارَهُ؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى لَا يَنْفَعُهُ بِشَيْءٍ وَفُهِمَ مِنْهُ أَنَّهُ إنْ حَلَفَ لَا يَتَصَدَّقُ عَلَيْهِ. فَوَهَبَهُ أَوْ عَكْسَهُ الْحِنْثُ بِالْأَوْلَى. (وَنَوَى) : أَيْ قُبِلَتْ نِيَّتُهُ فِي ذَلِكَ إنْ ادَّعَى نِيَّةً حَتَّى فِي طَلَاقٍ وَعِتْقٍ لَدَى حَاكِمٍ لِمُسَاوَاةِ نِيَّتِهِ لِظَاهِرِ لَفْظِهِ كَمَا تَقَدَّمَ.
(وَ) حَنِثَ (بِالْبَقَاءِ) فِي الدَّارِ (وَلَوْ لَيْلًا) وَلَا يُبْرِئُهُ إلَّا الِارْتِحَالُ بِأَثَرِ حَلِفِهِ
ــ
[حاشية الصاوي]
قَوْلُهُ: [فِي حَلِفِهِ عَلَى زَوْجَتِهِ] إلَخْ: صُورَتُهَا حَلَفَ رَجُلٌ عَلَى زَوْجَتِهِ بِالطَّلَاقِ أَوْ غَيْرِهِ أَنَّهَا لَا تَخْرُجُ إلَّا بِإِذْنِهِ، فَأَذِنَ لَهَا وَخَرَجَتْ بَعْدَ إذْنِهِ لَكِنْ قَبْلَ عِلْمِهَا بِالْإِذْنِ، فَإِنَّهُ يَحْنَثُ سَوَاءٌ أَذِنَ لَهَا وَهُوَ حَاضِرٌ أَوْ فِي حَالِ سَفَرِهِ أَشْهَدَ عَلَى الْإِذْنِ أَوْ لَا، بَقِيَ لَوْ أَذِنَ لَهَا وَعَلِمَتْ بِالْإِذْنِ ثُمَّ رَجَعَ فِي إذْنِهِ فَخَرَجَتْ فَمَذْهَبُ ابْنِ الْقَاسِمِ يَحْنَثُ وَقَالَ أَشْهَبُ لَا يَحْنَثُ.
قَوْلُهُ: [وَحَنِثَ بِالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ] إلَخْ: حَاصِلُ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ الصُّوَرَ سِتَّةٌ وَهِيَ مَا إذَا حَلَفَ لَا أَعَارَهُ فَوَهَبَ أَوْ تَصَدَّقَ وَبِالْعَكْسِ فَهَذِهِ أَرْبَعَةٌ، أَوْ حَلَفَ لَا يَهَبُ فَتَصَدَّقَ وَبِالْعَكْسِ فَهَاتَانِ صُورَتَانِ. وَظَاهِرُ شَارِحِنَا أَنَّهُ يَحْنَثُ فِي الْجَمِيعِ مَا لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ فَتُقْبَلُ حَتَّى عِنْدَ الْقَاضِي فِي الطَّلَاقِ وَالْعِتْقِ الْمُعَيَّنِ، وَهُوَ خِلَافُ مَا مَشَى عَلَيْهِ فِي الْأَصْلِ وَفِي الْمَجْمُوعِ مِنْ التَّفْصِيلِ. وَحَاصِلُهُ: أَنَّهُ إذَا حَلَفَ لَا أَعَارَهُ فَتَصَدَّقَ أَوْ وَهَبَ أَوْ حَلَفَ لَا يَهَبُ فَتَصَدَّقَ، فَإِنْ يَنْوِيَ عِنْدَ الْمُفْتِي مُطْلَقًا وَعِنْدَ الْقَاضِي فِي غَيْرِ الطَّلَاقِ وَالْعِتْقِ الْمُعَيَّنِ، وَأَمَّا لَوْ حَلَفَ لَا يَتَصَدَّقُ أَوْ لَا يَهَبُ فَأَعَارَ أَوْ حَلَفَ لَا يَتَصَدَّقُ فَوَهَبَ فَيَنْوِي مُطْلَقًا عِنْدَ الْمُفْتِي وَالْقَاضِي، حَتَّى فِي الطَّلَاقِ وَالْعِتْقِ الْمُعَيَّنِ.
قَوْلُهُ: [وَلَا يُبْرِئُهُ إلَّا الِارْتِحَالُ بِأَثَرِ حَلِفِهِ] إلَخْ: هَذَا هُوَ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ وَمُقَابِلُهُ قَوْلُ أَشْهَبَ لَا يَحْنَثُ حَتَّى يُكْمِلَ يَوْمًا وَلَيْلَةً، وَقَوْلُ أَصْبَغَ لَا يَحْنَثُ حَتَّى يَزِيدَ
(أَوْ بِإِبْقَاءِ شَيْءٍ) مِنْ مَتَاعِهِ فِيهَا، (إلَّا) مَا لَا بَالَ لَهُ عُرْفًا (كَمِسْمَارٍ) وَوَتَدٍ وَخِرْقَةٍ مِنْ كُلِّ مَا لَا تَلْتَفِتُ النَّفْسُ لَهُ (فِي) حَلِفِهِ:(لَا سَكَنْت) هَذِهِ الدَّارَ، إلَّا أَنْ يَخَافَ مِنْ ظَالِمٍ أَوْ لِصٍّ أَوْ سَبُعٍ إذَا ارْتَحَلَ بِاللَّيْلِ؛ وَلَا يَضُرُّهُ التَّعْزِيلُ فِي يَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ لِكَثْرَةِ مَتَاعِهِ. وَلَيْسَ مِنْ الْعُذْرِ وُجُودُ بَيْتٍ لَا يُنَاسِبُهُ أَوْ كَثِيرُ الْأُجْرَةِ بَلْ يَنْتَقِلُ وَلَوْ فِي بَيْتِ شَعْرٍ. ثُمَّ إذَا خَرَجَ لَا يَعُودُ وَإِلَّا يَحْنَثُ بِمُجَرَّدِ الْعَوْدِ، بِخِلَافِ: لَأَنْتَقِلَن (لَا) يَحْنَثُ (بِخَزْنٍ) فِيهَا بَعْدَ الِانْتِقَالِ، لِأَنَّهُ لَا يُعَدُّ سُكْنَى فِي الْعُرْفِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ أَبْقَى فِيهَا شَيْئًا مَخْزُونًا حِينَ الِانْتِقَالِ، (وَلَا) يَحْنَثُ بِالْبَقَاءِ فِيهَا (فِي) حَلِفِهِ:(لَأَنْتَقِلَن) مِنْ هَذِهِ الدَّارِ. وَيُمْنَعُ مِنْ وَطْءِ زَوْجَتِهِ إنْ كَانَ يَمِينُهُ بِالطَّلَاقِ، وَمِنْ بَيْعِ الْعَبْدِ إنْ كَانَ يَمِينُهُ بِالْعِتْقِ حَتَّى يَنْتَقِلَ بِالْفِعْلِ؛ لِأَنَّهَا يَمِينُ حِنْثٍ.
(إلَّا أَنْ يُقَيَّدَ بِزَمَنٍ) كَ: لَأَنْتَقِلَن فِي هَذَا الشَّهْرِ (فَبِمُضِيِّهِ) يَحْنَثُ إذَا
ــ
[حاشية الصاوي]
عَلَيْهِمَا، وَفِي الْأُجْهُورِيِّ أَنَّ هَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى مُرَاعَاةِ الْأَلْفَاظِ، وَمَنْ رَاعَى الْعُرْفَ وَالْعَادَةَ أَمْهَلَهُ حَتَّى يُصْبِحَ فَيَنْتَقِلَ لِمَا يَنْتَقِلُ إلَيْهِ مِثْلُهُ.
قَوْلُهُ: [أَوْ بِإِبْقَاءِ شَيْءٍ] : مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ بِالْبَقَاءِ مُسَلَّطٌ عَلَيْهِ حَنِثَ.
قَوْلُهُ: [إلَّا أَنْ يَخَافَ مِنْ ظَالِمٍ] إلَخْ: أَيْ فَلَا يَحْنَثُ بِبَقَائِهِ لِأَجْلِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ مُكْرَهٌ عَلَى الْبَقَاءِ وَيَمِينُهُ صِيغَةُ بِرٍّ وَلَا حِنْثَ فِيهَا بِالْإِكْرَاهِ كَمَا مَرَّ.
قَوْلُهُ: [بِخِلَافِ لَأَنْتَقِلَن] : أَيْ فَيَجُوزُ لَهُ الْعَوْدُ فِي الدَّارِ بَعْدَ الِانْتِقَالِ بِشَرْطِهِ الْآتِي، وَمِثْلُ: لَأَنْتَقِلَن لَا بَقِيت أَوْ: لَا أَقَمْت، عَلَى الْمُعْتَمَدِ وَقِيلَ: مِثْلُ: لَا سَكَنْت كَذَا فِي (بْن) فَعَلَى الْمُعْتَمَدِ يَجُوزُ لَهُ الرُّجُوعُ بَعْدَ نِصْفِ شَهْرٍ، إذَا حَلَفَ لَا بَقِيت فِي هَذِهِ الدَّارِ أَوْ لَا أَقَمْت فِيهَا.
قَوْلُهُ: [بِخِلَافِ مَا لَوْ أَبْقَى فِيهَا شَيْئًا] إلَخْ: أَيْ لَهُ بَالٌ يَحْمِلُهُ عَلَى الرُّجُوعِ.
قَوْلُهُ: [وَيُمْنَعُ مِنْ وَطْءِ زَوْجَتِهِ] : فَإِنْ لَمْ يَنْتَقِلْ وَرَافَعَتْهُ الزَّوْجَةُ ضَرَبَ لَهُ أَجَلَ الْإِيلَاءِ مِنْ يَوْمِ الرَّفْعِ.
قَوْلُهُ: [فَبِمُضِيِّهِ يَحْنَثُ] : أَيْ وَلَا يُمْنَعُ مِنْ وَطْءِ زَوْجَتِهِ قَبْلَ ذَلِكَ إلَّا إذَا ضَاقَ الْأَجَلُ.
لَمْ يَنْتَقِلْ فِيهِ، وَجَازَ لَهُ الْعَوْدُ بَعْدَ الِانْتِقَالِ لَكِنْ بَعْدَ مُدَّةٍ أَقَلُّهَا نِصْفُ شَهْرٍ، وَنُدِبَ لَهُ كَمَالِهِ وَإِلَّا لَمْ يَبَرَّ إذَا أَبْقَى مَا لَهُ بَالٌ لَا كَمِسْمَارٍ.
(وَ) حَنِثَ الْحَالِفُ (بِاسْتِحْقَاقِ بَعْضِ الدَّيْنِ) الَّذِي وَفَّاهُ لِغَرِيمِهِ الْمَحْلُوفِ لَهُ وَأَوْلَى اسْتِحْقَاقُ الْكُلِّ (أَوْ ظُهُورِ عَيْبِهِ) : أَيْ الدَّيْنِ (بَعْدَ) مُضِيِّ
ــ
[حاشية الصاوي]
قَوْلُهُ: [لَكِنْ بَعْدَ مُدَّةٍ] إلَخْ: أَيْ مَا لَمْ يُعَيِّنْ مُدَّةً أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ فَتُعْتَبَرُ.
تَنْبِيهٌ:
مَنْ حَلَفَ لَا سَاكَنَهُ فِي هَذِهِ الدَّارِ مَثَلًا كَفَى فِي بَرِّهِ أَنْ يَنْتَقِلَ عَنْ الْحَالَةِ الَّتِي كَانَا عَلَيْهَا، بِحَيْثُ يَزُولُ عَنْهُمَا اسْمُ الْمُسَاكَنَةِ عُرْفًا وَلَوْ بِضَرْبِ جِدَارٍ بَيْنَهُمَا، وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ وَثِيقًا بَلْ يَكْفِي وَلَوْ جَرِيدًا وَيَحْنَثُ بِالزِّيَارَةِ بَعْدَ ذَلِكَ إنْ قَصَدَ التَّنَحِّيَ.
وَأَمَّا إنْ كَانَ الْحَامِلُ لَهُ أُمُورُ الْعِيَالِ فَلَا يَحْنَثُ إلَّا أَنْ يُكْثِرَ الزِّيَارَةَ أَوْ يَبِيتَ بِغَيْرِ عُذْرٍ، بَقِيَ مَا لَوْ حَلَفَ عَلَى عَدَمِ الْمُسَاكَنَةِ وَكَانَا بِحَارَةٍ أَوْ بِحَارَتَيْنِ، أَوْ فِي قَرْيَةٍ أَوْ مَدِينَةٍ، وَالْحُكْمُ أَنَّهُمَا إذَا كَانَا بِحَارَةٍ فَلَا بُدَّ مِنْ الِانْتِقَالِ مِنْهَا، سَوَاءٌ كَانَتْ يَمِينُهُ لَا سَاكَنَهُ أَوْ فِي هَذِهِ الْحَارَّةِ وَإِنْ كَانَتْ يَمِينُهُ لَا سَاكَنَهُ بِبَلْدَةٍ، أَوْ فِي هَذَا الْبَلَدِ، فَيَلْزَمُهُ الِانْتِقَالُ لِبَلَدٍ لَا يَلْزَمُ أَهْلَهَا السَّعْيُ لِجُمُعَةِ الْأُخْرَى، بِأَنْ يَنْتَقِلَ لِبَلَدٍ عَلَى كَفَرْسَخٍ. وَإِنْ حَلَفَ لَأُسَاكِنُهُ وَالْحَالُ أَنَّهُمَا بِحَارَتَيْنِ لَزِمَهُ الِانْتِقَالُ لِبَلَدٍ آخَرَ عَلَى كَفَرْسَخٍ إنْ صَغُرَتْ الْبَلَدُ الَّتِي هُمَا بِهَا. وَإِنْ كَانَ الْبَلَدُ كَبِيرًا فَلَا يَلْزَمُهُ الِانْتِقَالُ وَيَلْزَمُهُ الْمُبَاعَدَةُ عَنْهُ، وَعَدَمُ سُكْنَاهُ مَعَهُ فَإِنْ سَكَنَ مَعَهُ حَنِثَ كَذَا قِيلَ وَاَلَّذِي فِي (ح) عَنْ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ انْتِقَالُهُ لِقَرْيَةٍ أُخْرَى، وَلَمْ يَفْصِلْ بَيْنَ كَبِيرَةٍ وَصَغِيرَةٍ. وَمَنْ حَلَفَ لَأُسَافِرَن فَلَا يَبَرُّ إلَّا بِمَسَافَةِ الْقَصْرِ حَمْلًا عَلَى الْقَصْدِ الشَّرْعِيِّ دُونَ اللُّغَوِيِّ، وَلَزِمَهُ مُكْثٌ فِي مُنْتَهَى سَفَرِهِ خَارِجًا عَنْ مَسَافَةِ الْقَصْرِ نِصْفَ شَهْرٍ فَلَا يَرْجِعُ لِمَكَانٍ دُونَ الْمَسَافَةِ قَبْلَهُ وَيَنْدُبُ لَهُ كَمَالُ الشَّهْرِ.
قَوْلُهُ: [بِاسْتِحْقَاقِ بَعْضِ الدَّيْنِ] إلَخْ: أَيْ وَقَامَ رَبُّ الدَّيْنِ بِهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ، فَالِاسْتِحْقَاقُ مِثْلُ ظُهُورِ الْعَيْبِ إذَا لَمْ يَقُمْ بِهِ صَاحِبُهُ لَمْ يَحْنَثْ الْحَالِفُ. وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يَحْنَثُ بِاسْتِحْقَاقِ الْبَعْضِ وَلَوْ كَانَ الْبَعْضُ الْبَاقِي يَفِي بِالدَّيْنِ لِأَنَّهُ مَا رَضِيَ فِي حَقِّهِ إلَّا بِالْكُلِّ، فَلَمَّا ذَهَبَ الْبَعْضُ انْتَقَضَ الرِّضَا، وَظَاهِرُهُ وَأَيْضًا الْحِنْثُ بِالِاسْتِحْقَاقِ وَلَوْ أَجَازَ الْمُسْتَحَقُّ أَخَذَ رَبُّ الْحَقِّ ذَلِكَ الشَّيْءَ الْمَقْضِيَّ بِهِ الدَّيْنُ الَّذِي اسْتَحَقَّهُ وَاخْتَارَ اتِّبَاعَ ذِمَّةِ الدَّافِعِ.
(الْأَجَلِ) الَّذِي حَلَفَ لِيَقْضِهِ فِيهِ أَيْ ظَهَرَ فِيهِ بَعْدَ الْأَجَلِ أَنَّ بِهِ عَيْبًا قَدِيمًا يُوجِبُ الرَّدَّ وَلَمْ يَرْضَ بِهِ وَاجِدُهُ، (وَ) حَنِثَ (بِهِبَتِهِ) أَيْ الدَّيْنِ (لَهُ) : أَيْ لِلْمَدِينِ الْحَالِفِ فَقَبِلَ، (أَوْ دَفْعِ قَرِيبٍ) مَثَلًا (عَنْهُ) : أَيْ عَنْ الْحَالِفِ بِلَا إذْنِهِ، (وَإِنْ) دَفَعَ الْقَرِيبُ مَثَلًا (مِنْ مَالِهِ) أَيْ مَالِ الْحَالِفِ فَلَا يَبَرُّ، (أَوْ شَهَادَةِ بَيِّنَةٍ) لِلْحَالِفِ (بِالْقَضَاءِ) بَعْدَ أَنْ حَلَفَ فَيَحْنَثُ، وَذَلِكَ كُلُّهُ (فِي) حَلِفِهِ لِرَبِّ الدَّيْنِ:(لَأَقْضِيَنك) حَقَّك (لِأَجَلِ كَذَا) : أَيْ فِي أَجَلِ كَذَا كَشَهْرِ رَمَضَانَ، فَلَمَّا قَضَاهُ دَيْنَهُ فِيهِ اُسْتُحِقَّ الدَّيْنَ مِنْ يَدِهِ كُلًّا أَوْ بَعْضًا أَوْ ظَهَرَ بِهِ عَيْبٌ يُوجِبُ الرَّدَّ أَوْ قَبْلَ أَنْ يَقْضِيَهُ لَهُ وَهَبَهُ رَبُّهُ لِلْمَدِينِ الْحَالِفِ وَقَبِلَ، فَبِمُجَرَّدِ الْقَبُولِ يَحْنَثُ وَلَا يَنْفَعُهُ إقْبَاضُهُ لَهُ بَعْدَ الْقَبُولِ، أَوْ وَفَّاهُ عَنْهُ قَرِيبٌ لَهُ أَوْ صَدِيقٌ وَأَوْلَى أَجْنَبِيٌّ أَوْ شَهِدَتْ لَهُ بَيِّنَةٌ بِالْقَضَاءِ وَلَا بُدَّ مِنْ الْقَضَاءِ،
ــ
[حاشية الصاوي]
قَوْلُهُ: [أَيْ ظَهَرَ فِيهِ بَعْدَ الْأَجَلِ] إلَخْ: فَعَلِمَ مِمَّا ذُكِرَ أَنَّ الْحِنْثَ فِي مَسْأَلَةِ الِاسْتِحْقَاقِ مُقَيَّدٌ بِقَيْدَيْنِ: أَنْ يَقُومَ رَبُّ الدَّيْنِ بِهِ، وَأَنْ يَكُونَ قِيَامُهُ بَعْدَ الْأَجَلِ وَفِي مَسْأَلَةِ ظُهُورِ الْعَيْبِ مُقَيَّدٌ بِقُيُودٍ ثَلَاثَةٍ هَذَانِ الْقَيْدَانِ، وَكَوْنُ الْعَيْبِ مُوجِبًا لِلرَّدِّ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُوجِبًا لِلرَّدِّ أَوْ لَمْ يَقُمْ رَبُّ الدَّيْنِ بِهِ، بَلْ سَامَحَ أَوْ قَامَ قَبْلَ الْأَجَلِ فَأَجَازَهُ أَوْ اسْتَوْفَى حَقَّهُ قَبْلَ مُضِيِّ الْأَجَلِ لَمْ يَحْنَثْ الْحَالِفُ.
قَوْلُهُ: [وَلَا بُدَّ مِنْ الْقَضَاءِ] إلَخْ: وَلَمْ يُعَوِّلُوا هُنَا عَلَى الْبِسَاطِ وَإِلَّا فَمُقْتَضَاهُ لَا حِنْثَ حِينَئِذٍ، وَحَيْثُ قُلْتُمْ، بِدَفْعِهِ ثُمَّ أَخْذِهِ فَإِنْ أَبَى الْمَحْلُوفُ لَهُ مِنْ الْأَخْذِ، وَقَالَ: لَا حَقَّ لِي لَمْ يُجْبَرْ عَلَى قَبْضِهِ، وَيَقَعُ الْحِنْثُ كَذَا قِيلَ وَلَكِنْ اسْتَظْهَرَ الْأُجْهُورِيُّ جَبْرَهُ عَلَى الْقَبُولِ إنْ أَبَى مِنْهُ لِأَجْلِ أَنْ يَبَرَّ الْحَالِفُ وَهُوَ وَجِيهٌ. تَنْبِيهٌ:
مَنْ حَلَفَ لَيَقْضِيَن فُلَانًا حَقَّهُ إلَى أَجَلِ كَذَا فَجُنَّ أَوْ أُسِرَ أَوْ حُبِسَ وَلَمْ يُمْكِنْهُ الدَّفْعُ، وَدَفَعَ الْحَاكِمُ عَنْهُ قَبْلَ مُضِيِّ الْأَجَلِ مِنْ مَالِهِ أَوْ مَالِ الْحَاكِمِ فَيَبَرُّ، وَإِنْ لَمْ يَدْفَعْ الْحَاكِمُ عَنْهُ قَبْلَ مُضِيِّ الْأَجَلِ بَلْ بَعْدَهُ فَقَوْلَانِ بِالْحِنْثِ وَعَدَمِهِ.
مَسْأَلَةٌ:
مَنْ حَلَفَ لَيَقْضِيَن فُلَانًا حَقَّهُ إلَى أَجَلِ كَذَا فَلَا يَبَرُّ بِبَيْعٍ فَاسِدٍ مُتَّفِقٍ عَلَى فَسَادِهِ قَاصَصَهُ بِثَمَنِهِ مِنْ حَقِّهِ حَيْثُ فَاتَ الْمَبِيعُ قَبْلَ الْأَجَلِ، وَلَمْ تَفِ الْقِيمَةُ بِالدَّيْنِ، فَإِنْ وَفَتْ الْقِيمَةُ بِالثَّمَنِ حِينَئِذٍ أَوْ كَمَّلَ لَهُ عَلَيْهَا قَبْلَ الْأَجَلِ بَرَّ، وَكَذَا إنْ فَاتَ بَعْدَهُ وَوَفَتْ الْقِيمَةُ عَلَى الْمُخْتَارِ كَمَا لَوْ كَانَ مُخْتَلِفًا فِي فَسَادِهِ لِمُضِيِّهِ بِالثَّمَنِ.
ثُمَّ يَأْخُذُهُ إنْ شَاءَ، نَعَمْ إنْ عَلِمَ الْحَالِفُ فِي مَسْأَلَةِ دَفْعِ الْقَرِيبِ عَنْهُ قَبْلَ مُضِيِّ الْأَجَلِ، وَرَضِيَ بِدَفْعِهِ عَنْهُ بَرَّ، لِأَنَّ عِلْمَهُ وَرِضَاهُ فَنَزَلَ مَنْزِلَةَ دَفْعِهِ،.
(وَ) حَنِثَ (بِعَدَمِ قَضَاءٍ، لِلدَّيْنِ فِي غَدٍ فِي) حَلِفِهِ: (لَأَقْضِيَنك) حَقَّك (غَدًا يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَ) الْحَالُ أَنَّهُ (لَيْسَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ) وَإِنَّمَا اعْتَقَدَ الْحَالِفُ أَنَّهُ يَوْمُ الْجُمُعَةِ غَلَطًا لِتَعَلُّقِ الْحِنْثِ بِالْغَدِ لَا بِتَسْمِيَتِهِ يَوْمَ جُمُعَةٍ.
(وَلَهُ) : أَيْ لِلْحَالِفِ (لَيْلَةٌ وَيَوْمٌ) مِنْ الشَّهْرِ يَقْضِي فِيهِ دَيْنَهُ، فَإِنْ أَخَّرَ عَنْ الْيَوْمِ بِغُرُوبِ الشَّمْسِ حَنِثَ (فِي) حَلِفِهِ: لَأَقْضِيَنك حَقَّك (فِي رَأْسِ الشَّهْرِ) الْفُلَانِيِّ،
ــ
[حاشية الصاوي]
قَوْلُهُ: [بِعَدَمِ قَضَاءٍ] إلَخْ: أَيْ وَأَمَّا إنْ قَضَاهُ قَبْلَهُ فَلَا حِنْثَ لِأَنَّ قَصْدَهُ عَدَمُ الْمَطْلِ إلَّا أَنْ يَقْصِدَ بِالتَّأْخِيرِ إلَى غَدٍ الْمَطْلَ، فَيَحْنَثُ بِالتَّعْجِيلِ وَهَذَا بِخِلَافِ حَلِفِهِ عَلَى أَكْلِهِ الطَّعَامَ، كَمَنْ حَلَفَ لَيَأْكُلَن الطَّعَامَ الْفُلَانِيَّ غَدًا فَأَكَلَهُ قَبْلَهُ فَيَحْنَثُ لِأَنَّ الطَّعَامَ قَدْ يُقْصَدُ بِهِ الْيَوْمَ.
مَسْأَلَةٌ:
مَنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ وَدَفَعَ فِي نَظِيرِهِ عَرَضًا بَرَّ وَلَوْ بِغَبْنٍ، كَمَا لَوْ دَفَعَ عَرَضًا يُسَاوِي عَشَرَةً فِي مِائَةٍ.
مَسْأَلَةٌ: أُخْرَى:
لَوْ غَابَ مَنْ لَهُ الدَّيْنُ بَرَّ الْحَالِفُ الَّذِي عَلَيْهِ الدَّيْنُ بِدَفْعٍ لِوَكِيلِ التَّقَاضِي أَوْ التَّفْوِيضِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ وَكِيلٌ لِلتَّقَاضِي أَوْ التَّفْوِيضِ فَالْحَاكِمُ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ حَاكِمٌ فَوَكِيلُ ضَيْعَةٍ وَقِيلَ هُوَ مَعَ الْحَاكِمِ فِي رُتْبَةٍ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ مِمَّا ذُكِرَ فَجَمَاعَةُ الْمُسْلِمِينَ يُشْهِدُهُمْ عَلَى إحْضَارِ الْحَقِّ وَعَدَدِهِ وَوَزْنِهِ وَصِفَتِهِ وَأَنَّهُ اجْتَهَدَ فِي الطَّلَبِ فَلَمْ يَجِدْهُ، ثُمَّ يَتْرُكُ الْمَالَ عِنْدَ عَدْلٍ مِنْهُمْ أَوْ يُبْقِيهِ عِنْدَ نَفْسِهِ حَتَّى يَأْتِيَ رَبُّهُ وَلَا يَبَرُّ بِلَا إشْهَادٍ، فَالدَّفْعُ لِأَحَدِ هَذِهِ الْأَرْبَعَةِ عَلَى هَذَا التَّرْتِيبِ مَانِعٌ مِنْ الْحِنْثِ وَبَرَاءَةُ ذِمَّتِهِ مِنْ الدَّيْنِ إنَّمَا تَكُونُ إذَا دَفَعَهُ لِوَكِيلِ التَّقَاضِي أَوْ التَّفْوِيضِ أَوْ الْحَاكِمِ إنْ لَمْ يَتَحَقَّقْ جَوْرُهُ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ الْأَصْلِ.
قَوْلُهُ: [لَيْلَةٌ وَيَوْمٌ] : أَيْ فَاللَّيْلَةُ مُقَدَّمَةٌ لِأَنَّ لَيْلَةَ كُلِّ يَوْمٍ مُقَدَّمَةٌ عَلَيْهِ.
قَوْلُهُ: [مِنْ الشَّهْرِ] : أَيْ الْمُسَمَّى فِي الْيَمِينِ كَرَمَضَانَ. فَحَاصِلُهُ أَنَّهُ إذَا قَالَ: لَأَقْضِيَنك حَقَّك فِي رَأْسِ رَمَضَانَ أَوْ عِنْدَ رَأْسِهِ أَوْ إذَا اسْتَهَلَّ أَوْ عِنْدَ انْسِلَاخِهِ، أَوْ إذَا انْسَلَخَ أَوْ لِاسْتِهْلَالِهِ فَلَا يَحْنَثُ إلَّا إذَا فَاتَهُ لَيْلَةٌ وَيَوْمٌ مِنْ رَمَضَانَ، وَلَمْ يَقْضِ الْحَقَّ بِخِلَافِ مَا لَوْ أَتَى بِإِلَى، فَيَحْنَثُ بِمُجَرَّدِ فَرَاغِ شَعْبَانَ وَكُلُّ هَذَا مَا لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ أَوْ بِسَاطٌ كَمَا تَقَدَّمَ.
(أَوْ عِنْدَ رَأْسِهِ أَوْ إذَا اسْتَهَلَّ أَوْ عِنْدَ انْسِلَاخِهِ أَوْ إذَا انْسَلَخَ أَوْ لِاسْتِهْلَالِهِ) بِجَرِّهِ بِاللَّامِ عَلَى الْأَرْجَحِ، وَجَعَلَهُ الشَّيْخُ مِثْلَ الْمَجْرُورِ بِ:" إلَى ". (وَ) لَوْ حَلَفَ لَهُ لَيَقْضِيَنَّهُ حَقَّهُ (إلَى رَمَضَانَ أَوْ إلَى اسْتِهْلَالِهِ) بِجَرِّهِ بِ: " إلَى "(فَشَعْبَانُ) فَقَطْ، وَلَيْسَ لَهُ لَيْلَةٌ وَيَوْمٌ مِنْ رَمَضَانَ، فَإِنْ غَرَبَتْ الشَّمْسُ مِنْ آخِرِ يَوْمٍ مِنْ شَعْبَانَ حَنِثَ.
(وَ) حَنِثَ (بِجَعْلِ الثَّوْبِ) الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ (قَبَاءً) بِالْمَدِّ: وَهُوَ الثَّوْبُ الْمُفْرَجُ (أَوْ عِمَامَةً أَوْ اتَّزَرَ بِهِ، أَوْ) ارْتَدَى بِهِ (عَلَى كَتِفِهِ فِي) حَلِفِهِ (لَا أَلْبَسُهُ) أَيْ الثَّوْبَ لِأَنَّ الْجَمِيعَ يُسَمَّى لُبْسًا عُرْفًا.
(وَ) حَنِثَ (بِدُخُولِهِ مِنْ بَابٍ غُيِّرَ) عَنْ حَالَتِهِ الْأُولَى بِتَوَسُّعٍ أَوْ عُلُوٍّ مَعَ بَقَائِهِ فِي مَكَانِهِ الْأَوَّلِ، (فِي) حَلِفِهِ:(لَا أَدْخُلُ مِنْهُ) أَيْ مِنْ هَذَا الْبَابِ، (إنْ لَمْ يُكْرَهْ ضِيقُهُ) أَيْ إذَا لَمْ يَكُنْ الْحَامِلُ لَهُ عَلَى الْيَمِينِ كَرَاهَةُ ضِيقِهِ وَإِلَّا لَمْ يَحْنَثْ إذَا وُسِّعَ.
ــ
[حاشية الصاوي]
قَوْلُهُ: [أَوْ عِنْدَ انْسِلَاخِهِ] إلَخْ: الْمُرَادُ بِالِانْسِلَاخِ الِانْكِشَافُ وَالظُّهُورُ، فَلِذَلِكَ كَانَ بِمَعْنَى الِاسْتِهْلَالِ؛ لِأَنَّ الِانْسِلَاخَ يُفَسَّرُ تَارَةً بِالظُّهُورِ وَالِانْكِشَافِ كَمَا هُنَا، وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ سَلَخْت الْجِلْدَ أَيْ كَشَفْته وَأَظْهَرْت بَاطِنَهُ، وَتَارَةً بِالْإِزَالَةِ وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى:{وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ} [يس: 37] بِدَلِيلِ قَوْلِهِ بَعْدَ ذَلِكَ: {فَإِذَا هُمْ مُظْلِمُونَ} [يس: 37]، وَلَوْ كَانَ مَعْنَاهُ الْكَشْفَ لَقَالَ: فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ أَهْلُ الْمَعَانِي. إذَا عَلِمْت ذَلِكَ فَلَوْ نَوَى الْحَالِفُ الْمَعْنَى الثَّانِيَ أَوْ غَلَبَ الْعُرْفُ بِهِ فَالْعِبْرَةُ بِفَرَاغِ الشَّهْرِ الَّذِي سَمَّاهُ، لَا بِيَوْمٍ وَلَيْلَةٍ مِنْ أَوَّلِهِ فَتَأَمَّلْ.
قَوْلُهُ: [وَحَنِثَ بِجَعْلِ الثَّوْبِ] إلَخْ: أَيْ مَا لَمْ يَكُنْ كَرِهَهُ لِضِيقِهِ فَجَعَلَهُ قَبَاءً أَوْ عِمَامَةً وَلَبِسَهُ، فَإِنَّهُ لَا يَحْنَثُ بِذَلِكَ وَهَذَا إذَا كَانَ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ مِثْلَ قَمِيصٍ. وَأَمَّا إنْ كَانَ مِمَّا لَا يُلْبَسُ بِوَجْهٍ مِثْلَ شُقَّةٍ، فَإِذَا حَلَفَ لَا يَلْبَسُهَا ثُمَّ قَطَعَهَا وَلَبِسَهَا فَإِنَّهُ يَحْنَثُ، وَلَا يُقْبَلُ مِنْهُ أَنَّهُ كَرِهَهَا لِضِيقِهَا.
قَوْلُهُ: [لِأَنَّ الْجَمِيعَ يُسَمَّى لُبْسًا عُرْفًا] : أَيْ بِخِلَافِ مَا إذَا وَضَعَهُ عَلَى فَرْجِهِ أَوْ كَتِفِهِ مَثَلًا مِنْ غَيْرِ لَفٍّ وَلَا إدَارَةٍ فَإِنَّهُ لَا يَحْنَثُ.
قَوْلُهُ: [كَرَاهَةُ ضِيقِهِ] : أَيْ أَوْ نَحْوَهُ كَمُرُورِهِ عَلَى مَنْ لَا يُحِبُّ الِاطِّلَاعَ عَلَيْهِ.