الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(وَضَمِنَ) الصَّيْدَ لِرَبِّهِ: أَيْ ضَمِنَ قِيمَتَهُ مَجْرُوحًا شَخْصٌ (مَارٌّ) عَلَيْهِ حَيًّا (أَمْكَنَتْهُ ذَكَاتُهُ وَتَرَكَ) ذَكَاتَهُ حَتَّى مَاتَ. وَإِمْكَانُهَا بِالْقُدْرَةِ عَلَيْهَا بِوُجُودِ آلَةٍ وَهُوَ مِمَّنْ تَصِحُّ ذَكَاتُهُ، بِأَنْ كَانَ مُمَيِّزًا وَلَوْ كِتَابِيًّا أَوْ صَبِيًّا لِتَقْوِيَتِهِ عَلَى رَبِّهِ.
ــ
[حاشية الصاوي]
[تَنْبِيه ذكاة غَيْر الرَّاعِي]
قَوْلُهُ: [وَضَمِنَ الصَّيْدَ] إلَخْ: أَيْ تَعَلَّقَ الضَّمَانُ بِهِ بِالشَّرْطِ الْآتِي، وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ الْمَذْهَبِ، بِنَاءً عَلَى أَنَّ التَّرْكَ فِعْلٌ. وَقِيلَ: لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ التَّرْكَ لَيْسَ بِفِعْلٍ وَعَلَى نَفْيِ الضَّمَانِ فَيَأْكُلُهُ رَبُّهُ، وَلَيْسَ بِمَيْتَةٍ، وَعَلَى الْمَشْهُورِ: لَا يَأْكُلُهُ رَبُّهُ وَهُوَ مَيْتَةٌ وَلَا يَنْتَفِي الضَّمَانُ عَنْ الْمَارِّ، وَلَوْ أَكَلَهُ رَبُّهُ غَفْلَةً عَنْ كَوْنِهِ مَيْتَةً أَوْ عَمْدًا أَوْ ضِيَافَةً لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَأَوَّلٍ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا لَوْ أَكَلَ إنْسَانٌ مَا لَهُ الْمَغْصُوبُ مِنْهُ ضِيَافَةً، لَا يَضْمَنُهُ الْغَاصِبُ كَمَا اسْتَظْهَرَهُ الْأُجْهُورِيُّ. وَاسْتَظْهَرَ بَعْضُ مَشَايِخِ الشَّيْخِ أَحْمَدَ الزَّرْقَانِيُّ عَدَمَ ضَمَانِ الْمَارِّ إذَا أَكَلَهُ رَبُّهُ، وَاعْتَمَدَ الْأَوَّلَ اللَّقَانِيُّ - كَذَا فِي حَاشِيَةِ الْأَصْلِ.
قَوْلُهُ: [أَمْكَنَتْهُ ذَكَاتُهُ] : أَنَّثَ الْفِعْلَ وَجَعَلَ الْفَاعِلَ الذَّكَاةَ، وَضَمِيرَ الْمَارِّ مَفْعُولًا لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّهُ إذَا دَارَ الْأَمْرُ بَيْنَ الْإِسْنَادِ لِلْمَعْنَى وَلِلذَّاتِ فَالْإِسْنَادُ لِلْمَعْنَى أَوْلَى، فَيُقَالُ أَمْكَنَنِي السَّفَرُ دُونَ أَمْكَنْت السَّفَرَ كَمَا ذَكَرَهُ الْأُشْمُونِيُّ. تَنْبِيهٌ: غَيْرُ الرَّاعِي إنْ ذَكَّى غَيْرَ الصَّيْدِ فَلَا يُصَدَّقُ أَنَّهُ خَافَ مَوْتَهُ، بَلْ يَتْرُكُهُ وَلَا يَضْمَنُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ أَوْ قَرِينَةٍ فَيُصَدَّقُ، وَيَأْتِي تَصْدِيقُ الرَّاعِي فِي الْإِجَارَةِ - كَذَا فِي الْمَجْمُوعِ.
قَوْلُهُ: [بِوُجُودِ آلَةٍ] : فَإِنْ لَمْ يَجِدْ مَعَهُ إلَّا السِّنَّ أَوْ الظُّفْرَ، وَأَمْكَنَهُ بِذَلِكَ وَتَرَكَ، ضَمِنَ اتِّفَاقًا وَلَوْ عَلَى الْقَوْلِ بِعَدَمِ جَوَازِ التَّذْكِيَةِ بِهِمَا.
قَوْلُهُ: [وَلَوْ كِتَابِيًّا] : أَيْ فَالْكِتَابِيُّ كَالْمُسْلِمِ فِي وُجُوبِ ذَكَاةِ مَا ذَكَرَ، لِأَنَّهَا ذَكَاةٌ لَا عَقْرٌ وَلَا يَتَأَتَّى الْخِلَافُ الْمُتَقَدِّمُ فِي ذَبْحِ الْكِتَابِيِّ لِلْمُسْلِمِ، لِأَنَّ هَذَا مِنْ بَابِ حِفْظِ مَالِ الْغَيْرِ وَهُوَ وَاجِبٌ عَلَيْهِ يَضْمَنُهُ بِتَفْوِيتِهِ عَلَى رَبِّهِ.
قَوْلُهُ: [أَوْ صَبِيًّا] : أَيْ لِأَنَّ الضَّمَانَ مِنْ خِطَابِ الْوَضْعِ لِأَنَّ الشَّارِعَ جَعَلَ التَّرْكَ سَبَبًا فِي الضَّمَانِ، فَيَتَنَاوَلُ الْبَالِغَ وَغَيْرَهُ.
وَشَبَّهَ فِي الضَّمَانِ قَوْلَهُ: (كَتَرْكِ تَخْلِيصِ) شَيْءٍ (مُسْتَهْلَكٍ مِنْ نَفْسٍ أَوْ مَالٍ) قَدَرَ عَلَى تَخْلِيصِهِ بِيَدِهِ أَوْ جَاهِهِ أَوْ مَالِهِ. وَيَغْرَمُ فِي النَّفْسِ الدِّيَةَ، وَفِي الْمَالِ الْقِيمَةَ أَوْ الْمِثْلَ، وَأَوْلَى فِي الضَّمَانِ: لَوْ تَسَبَّبَ فِي الْإِتْلَافِ؛ كَدَالٍّ سَارِقٍ أَوْ ظَالِمٍ، وَحَافِرِ حُفْرَةٍ، وَوَاضِعِ مَزْلَقٍ لِوُقُوعِ آدَمِيٍّ أَوْ غَيْرِهِ، وَانْظُرْ تَفْصِيلَ الْمَسْأَلَةِ فِي كَلَامِ الشَّيْخِ وَشُرَّاحِهِ.
ــ
[حاشية الصاوي]
قَوْلُهُ: [مُسْتَهْلَكٌ] : أَيْ مُتَوَقَّعٌ هَلَاكُهُ، وَلَوْ كَانَ التَّارِكُ لِلتَّخْلِيصِ صَبِيًّا لِأَنَّ الضَّمَانَ مِنْ بَابِ خِطَابِ الْوَضْعِ كَمَا عَلِمْت. وَاعْلَمْ أَنَّهُ يَجِبُ تَخْلِيصُ الْمُسْتَهْلَكِ مِنْ نَفْسٍ أَوْ مَالٍ لِمَنْ قَدَرَ عَلَيْهِ وَلَوْ بِدَفْعِ مَالٍ مِنْ عِنْدِهِ، وَيَرْجِعُ بِهِ عَلَى رَبِّهِ حَيْثُ تَوَقَّفَ الْخَلَاصُ عَلَى دَفْعِ الْمَالِ، وَلَوْ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ رَبُّهُ فِي الدَّفْعِ وَهُوَ مِنْ إفْرَادِ قَوْلِ خَلِيلٍ الْآتِي. وَالْأَحْسَنُ فِي الْمُفْدِي مِنْ لِصٍّ أَخَذَهُ بِالْفِدَاءِ، وَقَدْ عَلِمَ أَنَّ مَنْ دَفَعَ غَرَامَةً عَنْ إنْسَانٍ بِغَيْرِ إذْنِهِ كَانَ لِلدَّافِعِ الرُّجُوعُ بِمَا دَفَعَهُ عَنْهُ إنْ حَمَى بِتِلْكَ الْغَرَامَةِ مَالَ الْمَدْفُوعِ عَنْهُ أَوْ نَفْسَهُ - كَذَا يُؤْخَذُ مِنْ الْحَاشِيَةِ.
قَوْلُهُ: [وَيَغْرَمُ فِي النَّفْسِ الدِّيَةَ] : أَيْ إذَا تَرَكَ تَخْلِيصَ النَّفْسِ حَتَّى قُتِلَتْ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ الدِّيَةَ فِي مَالِهِ إنْ كَانَ التَّرْكُ عَمْدًا بِغَيْرِ تَأْوِيلٍ، وَعَلَى عَاقِلَتِهِ إنْ كَانَ مُتَأَوِّلًا. وَلَا يُقْتَلُ بِهِ وَلَوْ تَرَكَ التَّخْلِيصَ عَمْدًا عَلَى مَذْهَبِ الْمُدَوَّنَةِ، وَحَكَى عِيَاضٌ عَنْ مَالِكٍ: أَنَّهُ يُقْتَلُ بِهِ فِي الْعَمْدِ وَفِي التَّوْضِيحِ عَنْ اللَّخْمِيِّ: أَنَّهُ خَرَّجَ ذَلِكَ عَلَى الْخِلَافِ فِيمَنْ تَعَمَّدَ شَهَادَةَ الزُّورِ حَتَّى قَتَلَ بِهَا الْمَشْهُودَ عَلَيْهِ، قَالَ: فَقَدْ قِيلَ: يُقْتَلُ الشَّاهِدُ. وَمَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ لَا قَتْلَ عَلَيْهِ. تَنْبِيهٌ:
يَضْمَنُ أَيْضًا مَنْ أَمْسَكَ وَثِيقَةً أَوْ قَطَعَهَا حَيْثُ كَانَ شَاهِدُهَا لَا يَشْهَدُ إلَّا بِهَا وَلَزِمَ عَلَى إمْسَاكِهَا ضَيَاعُ الْحَقِّ، وَهَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا سِجِلٌّ يَتَيَسَّرُ إخْرَاجُ نَظِيرِهَا مِنْهُ. وَإِلَّا فَيَضْمَنُ مَا يَخْرُجُ بِهِ مِنْ السِّجِلِّ فَقَطْ. وَأَمَّا مَنْ قَتَلَ شَاهِدَيْ حَقٍّ عَمْدًا أَوْ خَطَأً وَضَاعَ الْحَقُّ فَفِي ضَمَانِهِ لِذَلِكَ الْحَقِّ تَرَدُّدٌ إذَا لَمْ يَقْصِدْ بِقَتْلِهِمَا ضَيَاعَ الْحَقِّ، وَإِلَّا ضَمِنَهُ قَطْعًا، قَالَ فِي الْأَصْلِ: وَالْأَظْهَرُ مِنْ التَّرَدُّدِ ضَمَانُ الْمَالِ، وَمِثْلُ قَتْلِهِمَا قَتْلُ مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ عِنْدَ ابْنِ مُحْرِزٍ.
قَوْلُهُ: [وَانْظُرْ تَفْصِيلَ الْمَسْأَلَةِ] إلَخْ: مِنْ تَفَاصِيلِ تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ مَا قَدَّمْنَاهُ لَك فِي أَثْنَاءِ الْحَلِّ وَمِنْهَا تَرْكُ مُوَاسَاةٍ بِخَيْطٍ أَوْ دَوَاءٍ لِجُرْحٍ، وَتَرْكُ زَائِدِ طَعَامٍ وَشَرَابٍ