الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَابُ فِي الْعِدَّةِ وَأَحْكَامِهَا
(الْعِدَّةُ) لِلْمُطَلَّقَةِ أَوْ مَنْ تُوُفِّيَ عَنْهَا زَوْجُهَا: (مُدَّةٌ) مِنْ الزَّمَنِ (مُعِينَةٌ شَرْعًا) أَيْ عَيَّنَهَا الشَّارِعُ، (لِمَنْعِ الْمُطَلَّقَةِ الْمَدْخُولِ بِهَا) دُونَ غَيْرِهَا، (وَ) لِمَنْعِ (الْمُتَوَفَّى عَنْهَا) أَيْ مَنْ مَاتَ زَوْجُهَا (مِنْ النِّكَاحِ) : مُتَعَلِّقٌ بِمَنْعٍ، أَيْ لِأَجْلِ مَنْعِهَا مِنْ نِكَاحِ غَيْرِهِ؛ فَسَبَبُهَا طَلَاقٌ أَوْ مَوْتٌ.
وَأَنْوَاعُهَا ثَلَاثَةٍ: وَضْعُ حَمْلٍ، وَأَقْرَاءٌ، وَأَشْهُرٌ. بَيَّنَهَا فِي قَوْلِهِ:
(وَهِيَ) : أَيْ الْعِدَّةُ (لِلْحَامِلِ مُطْلَقًا) : مُطَلَّقَةً أَوْ مُتَوَفًّى عَنْهَا، (وَضْعُ حَمْلِهَا كُلِّهِ) فَإِنْ كَانَ مُتَعَدِّدًا فَبِانْفِصَالِ الْأَخِيرِ عَنْهَا، وَإِنْ كَانَ وَاحِدًا
ــ
[حاشية الصاوي]
[بَابُ فِي الْعِدَّةِ وَأَحْكَامِهَا]
[تَعْرِيف الْعِدَّة وأنواعها]
بَابٌ لَمَّا أَنْهَى الْكَلَامَ عَلَى النِّكَاحِ وَعَلَى مُحَلِّلَاته مِنْ طَلَاقٍ وَفَسْخٍ، شَرَعَ فِي الْكَلَامِ عَلَى تَوَابِعِهِ مِنْ عِدَّةٍ وَاسْتِبْرَاءٍ وَنَفَقَةٍ وَسُكْنَى وَغَيْرِهَا، وَبَدَأَ بِالْكَلَامِ عَلَى الْعِدَّةِ الْمَأْخُوذَةِ مِنْ الْعَدَدِ بِفَتْحِ الْعَيْنِ، لِأَنَّهَا آكَدُ تَوَابِعِ النِّكَاحِ.
قَوْلُهُ: [الْمَدْخُولُ بِهَا] : أَيْ حَيْثُ كَانَتْ مُطِيقَةً وَالزَّوْجُ بَالِغٌ كَمَا يَأْتِي.
قَوْلُهُ: [وَلِمَنْعِ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا] : أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَدْخُولًا بِهَا، بَلْ وَإِنْ كَانَ الزَّوْجُ صَبِيًّا.
قَوْلُهُ: [وَأَنْوَاعُهَا ثَلَاثَةٌ] : أَيْ وَأَمَّا أَصْحَابُهَا فَمُعْتَادَةٌ وَآيِسَةٌ وَصَغِيرَةٌ وَمُرْتَابَةٌ لِغَيْرِ سَبَبٍ. أَوْ بِهِ مِنْ رَضَاعٍ أَوْ مَرَضٍ أَوْ اسْتِحَاضَةٍ.
قَوْلُهُ: [وَضْعُ حَمْلِهَا كُلِّهِ] : أَيْ لَا بَعْضِهِ وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ الْبَعْضُ ثُلُثَيْهِ، خِلَافًا لِابْنِ وَهْبٍ الْقَائِلِ: إنَّهَا تَحِلُّ بِوَضْعِ ثُلُثَيْ الْحَمْلِ بِنَاءً عَلَى تَبَعِيَّةِ الْأَقَلِّ لِلْأَكْثَرِ، وَخُولِفَتْ قَاعِدَةُ تَبَعِيَّةِ الْأَقَلِّ لِلْأَكْثَرِ عَلَى مَشْهُورِ الْمَذْهَبِ لِلِاحْتِيَاطِ وَتَظْهَرُ فَائِدَةُ الْخِلَافِ فِيمَا لَوْ مَاتَ الْوَلَدُ بَعْدَ خُرُوجِ بَعْضِهِ وَقُطِعَ ذَلِكَ الْبَعْضُ الْخَارِجُ، فَعَلَى الْمُعْتَمَدِ عِدَّتُهَا بَاقِيَةٌ مَا دَامَ فِيهَا عُضْوٌ مِنْهُ، وَعِنْدَ ابْنِ وَهْبٍ تَحِلُّ
فَبِانْفِصَالِهِ. وَلِزَوْجِهَا مُرَاجَعَتُهَا بَعْدَ بُرُوزِهِ، وَقَبْلَ انْفِصَالِهِ عَنْهَا. فَإِذَا وَضَعَتْهُ حَلَّتْ لِلْأَزْوَاجِ وَلَوْ بَعْدَ لَحْظَةٍ بَعْدَ الْمَوْتِ، أَوْ الطَّلَاقِ، بِخِلَافِ مَا إذَا وَضَعَتْ قَبْلَهُمَا وَلَوْ بِلَحْظَةٍ، وَهَذَا إذَا كَانَ الْوَلَدُ لَاحِقًا بِالزَّوْجِ، فَإِنْ تَحَقَّقَ أَنَّهُ مِنْ زِنًا فَأَقْصَى الْأَجَلَيْنِ الْأَشْهُرُ أَوْ الْأَقْرَاءُ أَوْ وَضْعُ الْحَمْلِ، وَتَحْتَسِبُ بِالْأَشْهُرِ مِنْ يَوْمِ الْوَفَاةِ وَبِالْأَقْرَاءِ مِنْ يَوْمِ الطَّلَاقِ، فَلَوْ حَاضَتْ حَالَ حَمْلِهَا فَلَا تَعْتَدُّ بِهِ.
(وَلَوْ) وَضَعَتْ (عَلَقَةً) وَهُوَ دَمٌ اُجْتُمِعَ، وَعَلَامَةُ أَنَّهُ عَلَقَةٌ أَنَّهُ لَوْ صُبَّ عَلَيْهِ مَاءٌ حَارٌّ لَا يَذُوبُ.
(وَإِلَّا) تَكُنْ حَامِلًا فَلَا يَخْلُو، إمَّا أَنْ تَكُونَ مُطَلَّقَةً أَوْ مُتَوَفًّى عَنْهَا مِنْ ذَوَاتِ الْحِيَضِ أَوْ لَا، حُرَّةً أَوْ أَمَةً.
وَقَدْ أَشَارَ لِبَيَانِ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: (فَلِلْمُطَلَّقَةِ الْآيِسَةِ) مِنْ الْحَيْضِ كَبِنْتِ سَبْعِينَ سَنَةٍ (أَوْ الَّتِي لَمْ تَرَ الْحَيْضَ)
ــ
[حاشية الصاوي]
إذَا كَانَ الْبَاقِي أَقَلَّ مِنْ الْخَارِجِ.
قَوْلُهُ: [وَهَذَا إذَا كَانَ الْوَلَدُ لَاحِقًا بِالزَّوْجِ] : أَيْ لَاحِقًا بِالْفِعْلِ.
أَوْ يَصِحُّ اسْتِلْحَاقُهُ كَالْمَنْفِيِّ بِلِعَانٍ، فَتَحِلُّ بِوَضْعِهِ وَإِنْ لَمْ يَسْتَلْحِقْهُ.
قَوْلُهُ: [فَإِنْ تَحَقَّقَ أَنَّهُ مِنْ زِنًا] إلَخْ: أَيْ كَمَا لَوْ اسْتَبْرَأَهَا زَوْجُهَا مِنْ وَطْئِهِ بِحَيْضَةٍ ثُمَّ زَنَتْ وَظَهَرَ بِهَا حَمْلٌ وَمَاتَ زَوْجُهَا أَوْ طَلَّقَهَا، وَوَضَعَتْ، ذَلِكَ الْحَمْلَ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَطْءِ الزِّنَا.
قَوْلُهُ: [الْأَشْهُرُ] : أَيْ فِي الْمُطَلَّقَةِ الْآيِسَةِ أَوْ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا، وَقَوْلُهُ: أَوْ الْأَقْرَاءُ، أَيْ فِي الْمُطَلَّقَةِ فَقَطْ، وَقَوْلُهُ: أَوْ وَضْعُ الْحَمْلِ، أَيْ فِي الْمُطَلَّقَةِ وَالْمُتَوَفَّى عَنْهَا.
قَوْلُهُ: [مِنْ يَوْمِ الطَّلَاقِ] : الَّذِي قَالَهُ فِي الْأَصْلِ أَنَّهَا تَعْتَبِرُ الْأَقْرَاءَ مِنْ يَوْمِ الْوَضْعِ، وَيُؤَيِّدُهُ تَفْرِيعُهُ هُنَا بِقَوْلِهِ: فَلَوْ حَاضَتْ إلَخْ، وَتَحْسِبُ الْوَضْعَ قُرْءًا أَوْ كَمَا قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ، وَكُلُّ هَذَا إذَا كَانَ الْحَمْلُ مِنْ زِنًا أَوْ غَصْبٍ، وَأَمَّا مِنْ شُبْهَةٍ فَيَهْدِمُ أَثَرَ نَفْسِهِ وَأَثَرُ الطَّلَاقِ كَمَا يَأْتِي فِي آخِرِ بَابِ تَدَاخُلِ الْعِدَدِ.
قَوْلُهُ: [كَبِنْتِ سَبْعِينَ سَنَةً] : أَيْ وَسُئِلَ النِّسَاءُ فِيمَا بَيْنَ الْخَمْسِينَ وَالسَّبْعِينَ فِي الدَّمِ النَّازِلِ، فَإِنْ قُلْنَ لَيْسَ بِحَيْضٍ اعْتَدَّتْ بِالْأَشْهُرِ، وَأَمَّا مَنْ انْقَطَعَ
أَصْلًا لِصِغَرِهَا، أَوْ لِكَوْنِ عَادَتِهَا عَدَمَ الْحَيْضِ، وَتُسَمَّى فِي عُرْفِ بَعْضِ النِّسَاءِ بِالْبَغْلَةِ (ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ، وَلَوْ) كَانَتْ (رَقِيقًا. وَتُمِّمَ الْكَسْرُ مِنْ) الشَّهْرِ (الرَّابِعِ، وَأُلْغِيَ يَوْمُ الطَّلَاقِ) فَلَا يُحْسَبُ مِنْ الْعِدَّةِ؛ فَإِنْ طَلَّقَهَا بَعْدَ الْفَجْرِ لَمْ يُحْسَبْ بِخِلَافِ مَا لَوْ طَلَّقَهَا قَبْلَهُ، فَإِنْ كَانَ مَبْدَأُ الْعِدَّةِ أَوَّلَ شَهْرٍ فَالثَّلَاثَةُ الْأَشْهُرُ، سَوَاءٌ كَانَتْ كَامِلَةً أَوْ نَاقِصَةً، أَوْ بَعْضُهَا وَإِنْ كَانَ مَبْدَؤُهَا لَيْسَ أَوَّلَ الشَّهْرِ، فَالشَّهْرَانِ بَعْدَهُ عَلَى مَا هُمَا عَلَيْهِ مِنْ نَقْصٍ أَوْ كَمَالٍ، وَاَلَّذِي طَلُقَتْ فِيهِ إنْ جَاءَ كَامِلًا فَظَاهِرٌ، وَإِنْ جَاءَ نَاقِصًا زَادَتْ يَوْمًا مِنْ الرَّابِعِ.
(وَلِذَاتِ الْحَيْضِ) الْمُطَلَّقَةِ (ثَلَاثَةُ قُرُوءٍ أَطْهَارٌ) أَقَلُّهُ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا، وَهُوَ بَيَانٌ لِلْقُرُوءِ، وَالْقَرْءُ - بِفَتْحِ الْقَافِ وَقَدْ تُضَمُّ - يُطْلَقُ عَلَى الْحَيْضِ وَعَلَى الطُّهْرِ، (إنْ كَانَتْ) الْمُطَلَّقَةُ (حُرَّةً، وَإِلَّا) تَكُنْ حُرَّةً بِأَنْ كَانَتْ أَمَةً وَلَوْ بِشَائِبَةٍ (فَقَرْءَانِ) بِفَتْحِ الْقَافِ وَجَازَ ضَمُّهَا.
ــ
[حاشية الصاوي]
حَيْضُهَا بَعْدَ الْخَمْسِينَ فَلَا عِدَّةَ لَهَا إلَّا بِالْأَشْهُرِ اتِّفَاقًا.
قَوْلُهُ: [لِصِغَرِهَا] : أَيْ وَالْمَوْضُوعُ أَنَّهَا مُطِيقَةٌ لِأَنَّ غَيْرَ الْمُطِيقَةِ لَا عِدَّةَ إلَّا فِي الْوَفَاةِ.
قَوْلُهُ: [وَتُسَمَّى فِي عُرْفِ بَعْضِ النِّسَاءِ بِالْبَغْلَةِ] : يُكَنُّونَ بِذَلِكَ عَنْ عَدَمِ وِلَادَتِهَا، لِأَنَّ الْغَالِبَ عَلَى مَنْ لَا تَحِيضَ عَدَمُ الْوِلَادَةِ فَلَهَا شَبَهٌ بِالْبَغْلَةِ مِنْ حَيْثُ عَدَمِ الْوِلَادَةِ غَالِبًا.
قَوْلُهُ: [ثَلَاثَةُ قُرُوءٍ] : أَيْ سَوَاءٌ كَانَ النِّكَاحُ الَّذِي اعْتَدَّتْ مِنْ طَلَاقِهِ صَحِيحًا أَوْ فَاسِدًا، مُخْتَلِفًا فِي فَسَادِهِ أَوْ مُجْمَعًا عَلَى فَسَادِهِ، وَكَانَ يَدْرَأُ الْحَدَّ كَمَا لَوْ تَزَوَّجَ أُخْته غَيْرَ عَالِمٍ بِذَلِكَ وَفَسَخَ نِكَاحَهَا، وَإِلَّا كَانَ الْوَاجِبُ فِيهِ يُسَمَّى اسْتِبْرَاءٌ لَا عِدَّةٌ.
قَوْلُهُ: [أَطْهَارٌ] : اعْلَمْ أَنَّ كَوْنَ الْأَقْرَاءِ هِيَ الْأَطْهَارُ مَذْهَبُ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ، خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ وَمُوَافِقِيهِ فِي أَنَّ الْأَقْرَاءَ هِيَ الْحَيْضُ، وَاسْتَدَلَّ الثَّلَاثَةُ أَنَّ وُجُودَ التَّاءِ فِي قَوْله تَعَالَى {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة: 228] يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمَعْدُودَ مُذَكَّرٌ وَهُوَ الطُّهْرُ. وَأَخْذُ أَبِي حَنِيفَةَ بِأَنَّ الَّذِي بِهِ بَرَاءَةُ رَحِمِهَا حَقِيقَةٌ إنَّمَا هُوَ الْحَيْضُ لَا الطُّهْرُ، وَالْأَطْهَارُ بَدَلٌ أَوْ بَيَانٌ