الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَصْلٌ فِي الرَّجْعَةِ
وَلَمَّا كَانَتْ الرَّجْعَةُ مِنْ تَوَابِعِ الطَّلَاقِ، وَيَتَعَلَّقُ بِهَا أَحْكَامٌ بَيْنَ حَقِيقَتِهَا وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا مِنْ الْأَحْكَامِ عَقِبَهُ بِقَوْلِهِ:
(الرَّجْعَةُ) بِفَتْحِ الرَّاءِ وَقَدْ تُكْسَرُ: (عَوْدُ الزَّوْجَةِ) : أَيْ إعَادَتُهَا (الْمُطَلَّقَةِ) طَلَاقًا (غَيْرَ بَائِنٍ) بِخُلْعٍ أَوْ بَتٍّ، أَوْ بِكَوْنِهِ قَبْلَ الدُّخُولِ، فَإِنْ كَانَ بَائِنًا فَلَا رَجْعَةَ (لِلْعِصْمَةِ) : أَيْ لِعِصْمَةِ زَوْجِهَا (بِلَا تَجْدِيدِ عَقْدٍ) : بَلْ بِقَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ أَوْ نِيَّةٍ كَمَا يَأْتِي
وَالْأَصْلُ فِيهَا الْجَوَازُ كَمَا أَشَارَ لَهُ بِقَوْلِهِ:
ــ
[حاشية الصاوي]
[فَصْلٌ فِي الرَّجْعَةِ]
[تَعْرِيف الرَّجْعَةِ وَشُرُوطهَا]
فَصْلٌ فَصْلٌ لَمَّا أَنْهَى الْكَلَامَ عَلَى الطَّلَاقِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ، وَقَسَّمَهُ إلَى وَاقِعٍ مِنْ الزَّوْجِ، وَمِنْ مُفَوَّضٍ إلَيْهِ ذَكَرَ مَا قَدْ يَكُونُ بَعْدَ ثُبُوتِهِ وَهُوَ الرَّجْعَةُ، وَهُوَ لُغَةً الْمَرَّةُ مِنْ الرُّجُوعِ وَشَرْعًا مَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ.
قَوْلُهُ: [بَيْنَ حَقِيقَتِهَا] : أَيْ تَعْرِيفِهَا.
قَوْلُهُ: [طَلَاقًا أَيْ غَيْرَ بَائِنٍ] : يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّ عَوْدَ الْبَائِنِ لِلْعِصْمَةِ لَا يُسَمَّى رَجْعَةً وَهُوَ كَذَلِكَ، بَلْ يُسَمَّى مُرَاجَعَةً لِتَوَقُّفِ ذَلِكَ عَلَى رِضَا الزَّوْجَيْنِ، لِأَنَّ الْمُفَاعَلَةَ تَقْتَضِي الْحُصُولَ مِنْ الْجَانِبَيْنِ، وَالْمُعْتَبَرُ تَحَقُّقُ الطَّلَاقِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ لَا فِي اعْتِقَادِ الْمُرْتَجِعِ، فَمَنْ ارْتَجَعَ زَوْجَتَهُ مُعْتَقِدًا أَنَّهُ أَوْقَعَ عَلَيْهَا الطَّلَاقَ لِشَكِّهِ هَلْ طَلَّقَ أَمْ لَا؟ فَإِنَّ رَجْعَتَهُ غَيْرُ مُعْتَدٍ بِهَا، فَإِذَا تَبَيَّنَ لَهُ بَعْدَ الرَّجْعَةِ وُقُوعُ الطَّلَاقِ فَلَا بُدَّ مِنْ رَجْعَةٍ غَيْرِ الَّتِي وَقَعَتْ مِنْهُ، لِأَنَّهَا مُسْتَنِدَةٌ لِاعْتِقَادِهِ أَنَّهُ لَزِمَهُ الطَّلَاقُ بِالشَّكِّ وَهُوَ غَيْرُ لَازِمٍ لَهُ، وَلَيْسَتْ مُسْتَنِدَةً لِلطَّلَاقِ الَّذِي تَبَيَّنَ أَنَّهُ وَقَعَ مِنْهُ، هَكَذَا يَنْبَغِي كَمَا فِي شب انْتَهَى مِنْ الْحَاشِيَة
قَوْلُهُ: [بِخُلْعٍ] إلَخْ: تَفْصِيلٌ لِلْبَائِنِ، وَقَوْلُهُ لِلْعِصْمَةِ مُتَعَلِّقٌ بِعَوْدٍ وَبِلَا تَجْدِيدِ عَقْدٍ حَالٌ مِنْ عَوْدٍ.
قَوْلُهُ: [وَالْأَصْلُ فِيهَا الْجَوَازُ] : الْمُنَاسِبُ النَّدْبُ فَإِنَّ أَحْكَامَ النِّكَاحِ
(وَلِلْمُكَلَّفِ) : أَيْ الْبَالِغِ الْعَاقِلِ (وَلَوْ) كَانَ (مُحْرِمًا) بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ، (أَوْ مَرِيضًا أَوْ) عَبْدًا أَوْ سَفِيهًا (لَمْ يَأْذَنْ لَهُ) فِي الرَّجْعَةِ (وَلِيُّ) السَّيِّدِ فِي الْعَبْدِ أَوْ الْأَبُ وَالْوَصِيُّ وَالْحَاكِمُ فِي السَّفِيهِ، (ارْتِجَاعُهَا) أَيْ الْمُطَلَّقَةُ غَيْرُ الْبَائِنِ (فِي عِدَّةِ نِكَاحٍ صَحِيحٍ) لَا إنْ خَرَجَتْ مِنْ الْعِدَّةِ، وَلَا إنْ كَانَتْ الْعِدَّةُ مِنْ نِكَاحٍ فَاسِدٍ يُفْسَخُ بَعْدَ الدُّخُولِ، وَسَوَاءٌ فَسَخَ بَعْدَهُ أَوْ طَلَّقَ فَلَا رَجْعَةَ كَخَامِسَةٍ وَجَمْعٍ كَأُخْتٍ مَعَ أُخْتِهَا، وَلَوْ مَاتَتْ الْأُولَى أَوْ طَلُقَتْ لِعَدَمِ صِحَّةِ النِّكَاحِ (حَلَّ وَطْؤُهُ) : احْتَرَزَ بِهِ عَنْ صَحِيحٍ وَطِئَ فِيهِ وَطْئًا حَرَامًا، إمَّا لِعَدَمِ لُزُومِهِ؛ كَوَطْءِ عَبْدٍ تَزَوَّجَ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ؛ وَإِمَّا لِعُرُوضِ حُرْمَتِهِ كَحَائِضٍ وَمُحْرِمَةٍ بِحَجٍّ فَلَا تَصِحُّ الرَّجْعَةُ فِي عِدَّةِ مَنْ ذَكَرَ
(بِقَوْلٍ) مُتَعَلِّقٌ " بِارْتِجَاعِهَا ": أَيْ إمَّا بِقَوْلِ وَلَوْ لَمْ يَطَأْ، صَرِيحٌ (كَ رَجَعْتُ) لِزَوْجَتِي، (وَارْتَجَعْتُ) زَوْجَتِي، وَحَذْفُ الْمَعْمُولِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْمَدَارَ عَلَى نِيَّتِهِ ذَكَرَهُ أَوْ حَذَفَهُ، وَيَكُونُ مَعَ النِّيَّةِ رَجْعَةٌ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا، بِخِلَافِ الْهَزْلِ فَإِنَّهُ رَجْعَةٌ فِي الظَّاهِرِ فَقَطْ كَمَا يَأْتِي، وَكَذَا رَاجَعْتُهَا وَرَدَدْتُهَا لِعِصْمَتِي أَوْ لِنِكَاحِي. أَوْ غَيْرُ
ــ
[حاشية الصاوي]
تَعْتَرِيهَا كَمَا وَجَدَهُ الْبَدْرُ الْقَرَافِيُّ بِخَطِّ بَعْضِ أَقَارِبِهِ اسْتِظْهَارًا كَمَا فِي الَأُجْهُورِيُّ كَذَا فِي الْمَجْمُوعِ
قَوْلُهُ: [وَلِلْمُكَلَّفِ] : خَبَرٌ مُقَدَّمٌ وَارْتِجَاعُهَا مُبْتَدَأٌ مُؤَخَّرٌ وَمَا بَيْنَهُمَا اعْتِرَاضٌ قُصِدَ بِهِ الْمُبَالَغَةُ وَالرَّدُّ عَلَى الْمُخَالِفِ. وَالْمُكَلَّفُ مَنْ فِيهِ أَهْلِيَّةُ الطَّلَاقِ فَيَخْرُجُ الصَّبِيُّ وَالْمَجْنُونُ، وَيَدْخُلُ الْمُحْرِمُ وَالْمَرِيضُ، فَالْمَجْنُونُ يَرْتَجِعُ لَهُ وَلِيُّهُ أَوْ الْحَاكِمُ، وَالصَّبِيُّ لَا يَتَأَتَّى فِيهِ رَجْعَةٌ، لِأَنَّ طَلَاقَ وَلِيِّهِ عَنْهُ بِعِوَضٍ أَوْ بِدُونِهِ بَائِنٌ، لِأَنَّ وَطْأَهُ كَلَا وَطْءٍ.
قَوْلُهُ: [فَلَا يَصِحُّ الرَّجْعَةُ فِي عِدَّةِ مَنْ ذَكَرَ] : أَيْ لِأَنَّ الْمَعْدُومَ شَرْعًا كَالْمَعْدُومِ حِسًّا قَوْلُهُ: [كَمَا يَأْتِي] : أَيْ مِنْ أَنَّ الْحَاكِمَ يُلْزِمُهُ بِالنَّفَقَةِ وَسَائِرِ الْحُقُوقِ لَا الْبَاطِن فَلَا يَحِلُّ لَهُ الِاسْتِمْتَاعُ بِهَا وَلَا مُعَاشَرَتُهَا مُعَاشَرَةَ الْأَزْوَاجِ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ.
قَوْلُهُ: [وَرَدَدْتهَا لِعِصْمَتِي أَوْ لِنِكَاحِي] : أَيْ فَلَا يَكُونُ صَرِيحًا إلَّا بِذِكْرِ الْمُتَعَلِّقِ الَّذِي هُوَ قَوْلُهُ لِعِصْمَتِي أَوْ لِنِكَاحِي، كَمَا يُشِيرُ لَهُ الشَّارِحُ وَإِلَّا كَانَ
صَرِيحٍ كَمَسَكْتُهَا (وَأَمْسَكْتُهَا) إذْ يَحْتَمِلُ أَمْسَكْتُهَا تَعْذِيبًا، (أَوْ بِفِعْلٍ) كَوَطْءٍ وَمُقَدِّمَاتِهِ (مَعَ نِيَّةٍ) ، أَيْ قَصَدَ لِرَجْعَتِهَا (فِيهِمَا) أَيْ فِي الْقَوْلِ وَالْفِعْلِ لِتَكُونَ رَجْعَةً حَقِيقِيَّةً أَيْ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا، فَإِنْ تَجَرَّدَا عَنْ النِّيَّةِ فَفِي صَرِيحِ الْقَوْلِ رَجْعَةٌ فِي الظَّاهِرِ فَقَطْ، وَفِي مُحْتَمِلِهِ وَفِي الْفِعْلِ لَيْسَ بِرَجْعَةٍ أَصْلًا كَمَا سَيُصَرِّحُ بِالْجَمِيعِ. (أَوْ بِنِيَّةٍ فَقَطْ) الْمُرَادُ بِهَا حَدِيثُ النَّفْسِ أَيْ قَوْلُهُ فِي نَفْسِهِ: رَاجَعْتُهَا. وَأَمَّا مُجَرَّدُ قَصْدِ أَنْ يُرَاجِعَهَا فَلَا يَكُونُ رَجْعَةً اتِّفَاقًا، وَهِيَ بِالْمَعْنَى الْمُرَادِ: رَجْعَةٌ فِي الْبَاطِنِ فَقَطْ، يَجُوزُ الِاسْتِمْتَاعُ بِهَا وَتَلْزَمُهُ نَفَقَتُهَا لَا فِي الظَّاهِرِ، أَيْ عِنْدَ الْحَاكِمِ إذَا رَفَعَ لِيُمْنَعَ مِنْهَا فَادَّعَى بَعْدَ الْعِدَّةِ أَنَّهُ كَانَ رَاجَعَهَا بِالنِّيَّةِ فَلَا يُحْكَمُ بِالرَّجْعَةِ، لِخَفَاءِ النِّيَّةِ فَلَا يُمْكِنُ إثْبَاتُهَا وَلَا يُصَدَّقُ، فِي دَعْوَاهُ (عَلَى الْأَظْهَرِ) عِنْدَ ابْنِ رُشْدٍ وَاللَّخْمِيِّ؛ قَاسَاهُ عَلَى اعْتِبَارِ لُزُومِ الطَّلَاقِ بِالنِّيَّةِ عَلَى الْقَوْلِ بِلُزُومِهِ بِهَا، وَفِي الْمَوَّازِيَّةِ: أَنَّهُ لَا رَجْعَةَ بِالنِّيَّةِ؛ وَصَحَّحَهُ ابْنُ بَشِيرٍ وَلِذَا قَالَ الشَّيْخُ: " وَصَحَّحَ خِلَافَهُ ".
(أَوْ بِقَوْلٍ صَرِيحٍ وَلَوْ هَزْلًا) لِأَنَّ الرَّجْعَةَ هَزْلُهَا جَدٌّ، لَكِنَّ الْهَزْلَ رَجْعَةٌ (فِي الظَّاهِرِ فَقَطْ) ، لِعَدَمِ النِّيَّةِ فَيُلْزِمُهُ الْحَاكِمُ بِالنَّفَقَةِ وَسَائِرِ الْحُقُوقِ، فَلَا يَحِلُّ لَهُ الِاسْتِمْتَاعُ بِهَا.
ــ
[حاشية الصاوي]
مِنْ الْمُحْتَمَلِ.
قَوْلُهُ: [أَيْ قَصْدٍ لِرَجْعَتِهَا] : أَيْ لَيْسَ الْمُرَادُ مِنْ النِّيَّةِ حَدِيثُ النَّفْسِ الْآتِي لِأَنَّهُ يَكْفِي وَحْدَهُ عَلَى الْأَظْهَرِ كَمَا يَأْتِي.
قَوْلُهُ: [فَلَا يَكُونُ رَجْعَةً اتِّفَاقًا] : أَيْ بِاتِّفَاقِ ابْنِ رُشْدٍ وَغَيْرِهِ مَا لَمْ يَصْحَبْهَا قَوْلٌ كَرَاجَعْتُ أَوْ فِعْلٌ كَوَطْءٍ.
قَوْلُهُ: [وَلِذَا قَالَ الشَّيْخُ وَصَحَّحَ خِلَافَهُ] : قَالَ بَعْضُهُمْ هَذَا هُوَ الْمَنْصُوصُ فِي الْمَوَّازِيَّةِ، وَالْأَوَّلُ صَحَّحَهُ فِي الْمُقَدِّمَاتِ وَهُوَ مُخَرَّجٌ عِنْدَ ابْنِ رُشْدٍ وَاللَّخْمِيِّ عَلَى أَحَدِ قَوْلَيْ مَالِكٍ بِلُزُومِ الطَّلَاقِ وَالْيَمِينِ بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ وَرَدَّهُ ابْنُ بَشِيرٍ
قَوْلُهُ: [فَلَا يَحِلُّ لَهُ الِاسْتِمْتَاعُ بِهَا] : أَيْ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ، وَلَا يَحِلُّ لَهُ أَيْضًا أَخْذُ شَيْءٍ مِنْ مِيرَاثِهَا، وَالْفَرْقُ بَيْنَ النِّكَاحِ وَالرَّجْعَةِ حَيْثُ قُلْتُمْ إنَّ النِّكَاحَ
(لَا) تَصِحُّ لَهُ الرَّجْعَةُ (بِمُحْتَمَلٍ) مِنْ الْقَوْلِ (بِلَا نِيَّةٍ) أَيْ قَصْدٍ لَا فِي الظَّاهِرِ وَلَا فِي الْبَاطِنِ، (كَ أَعَدْتُ الْحِلَّ وَرَفَعْتُ التَّحْرِيمَ) ، إذْ يَحْتَمِلُ الْأَوَّلُ لِي وَلِغَيْرِي، وَيَحْتَمِلُ الثَّانِي عَنِّي وَعَنْ غَيْرِي (أَوْ فَعَلَ) بِلَا نِيَّةٍ لَا تَصِحُّ بِهِ الرَّجْعَةُ،. (كَوَطْءٍ) وَأَوْلَى غَيْرُهُ.
(وَلَا صَدَاقَ فِيهِ) : أَيْ فِي هَذَا الْوَطْءِ الْخَالِي عَنْ نِيَّةِ الرَّجْعَةِ، لِأَنَّهَا زَوْجَةٌ مَا دَامَتْ فِي الْعِدَّةِ.
(إنْ عُلِمَ دُخُولٌ) شَرْطٌ فِي قَوْلِهِ: " وَلِلْمُكَلَّفِ ارْتِجَاعُهَا "
ــ
[حاشية الصاوي]
يَصِحُّ بِالْهَزْلِ ظَاهِرًا أَوْ بَاطِنًا، وَالرَّجْعَةُ تَصِحُّ ظَاهِرًا لَا بَاطِنًا أَنَّ النِّكَاحَ لَهُ صِيغَةٌ مِنْ الطَّرَفَيْنِ، فَكَانَ الْهَزْلُ فِيهِ كَالْعَدَمِ، وَلَمَّا ضَعُفَ أَمْرُ الرَّجْعَةِ لِكَوْنِ صِيغَتِهَا مِنْ جَانِبِ الزَّوْجِ فَقَطْ أَثَّرَ هَزْلُهُ فِيهَا فِي الْبَاطِنِ فَتَدَبَّرْ.
قَوْلُهُ: [بِمُحْتَمَلٍ مِنْ الْقَوْلِ] : أَيْ وَإِمَّا بِقَوْلٍ غَيْرِ مُحْتَمَلٍ لَهَا أَصْلًا مَعَ نِيَّةٍ كَاسْقِنِي الْمَاءَ وَشِبْهِهِ، فَهَلْ تَحْصُلُ الرَّجْعَةُ أَوْ لَا؟ تَرَدَّدَ فِيهِ الْأُجْهُورِيُّ وَغَيْرُهُ وَالظَّاهِرُ الثَّانِي كَمَا يُفِيدُهُ ابْنُ عَرَفَةَ، لِأَنَّ إلْحَاقَ الرَّجْعَةِ بِالنِّكَاحِ أَوْلَى مِنْ إلْحَاقِهَا بِالطَّلَاقِ، لِأَنَّ الطَّلَاقَ يُحَرِّمُ وَالرَّجْعَةُ تُحَلِّلُ كَذَا فِي الْحَاشِيَةِ.
قَوْلُهُ: [أَوْ فِعْلٍ بِلَا نِيَّةٍ] : حَاصِلُ الْفِقْهِ أَنَّ الْفِعْلَ مَعَ النِّيَّةِ تَحْصُلُ بِهِ الرَّجْعَةُ، وَكَذَا الْقَوْلُ مَعَ النِّيَّةِ، سَوَاءً كَانَ الْقَوْلُ صَرِيحًا أَوْ مُحْتَمَلًا، وَأَمَّا الْفِعْلُ وَحْدَهُ أَوْ الْقَوْلُ الْمُحْتَمِلُ وَحْدَهُ فَلَا تَحْصُلُ بِهِمَا رَجْعَةٌ أَصْلًا، وَالْقَوْلُ الصَّرِيحُ وَحْدَهُ تَحْصُلُ بِهِ الرَّجْعَةُ فِي الظَّاهِرِ لَا الْبَاطِنِ، وَأَمَّا النِّيَّةُ وَحْدَهَا فَإِنْ كَانَتْ بِمَعْنَى الْقَصْدِ فَلَا تَحْصُلُ بِهَا رَجْعَةٌ اتِّفَاقًا وَإِنْ كَانَتْ بِمَعْنَى الْكَلَامِ النَّفْسِيِّ فَقِيلَ تَحْصُلُ بِهَا الرَّجْعَةُ فِي الْبَاطِنِ لَا الظَّاهِرِ، وَقِيلَ لَا تَحْصُلُ بِهَا مُطْلَقًا.
قَوْلُهُ: [وَلَا صَدَاقَ فِيهِ] : أَيْ وَإِنْ كَانَ وَطْؤُهَا مِنْ غَيْرِ نِيَّةِ رَجْعَةٍ حَرَامًا، وَيَلْحَقُ بِهِ الْوَلَدُ وَلَا حَدَّ وَيَسْتَبْرِئُهَا مِنْ ذَلِكَ الْوَطْءِ إذَا ارْتَجَعَهَا وَلَا يَرْتَجِعُهَا فِي زَمَنِ الِاسْتِبْرَاءِ بِالْوَطْءِ بَلْ بِغَيْرِهِ، وَمَحَلُّ ارْتِجَاعِهَا فِي زَمَنِ الِاسْتِبْرَاءِ بِغَيْرِ الْوَطْءِ إذَا كَانَتْ الْعِدَّةُ الْأُولَى بَاقِيَةً، فَإِنْ انْقَضَتْ الْعِدَّةُ الْأُولَى فَلَا يَنْكِحُهَا هُوَ أَوْ غَيْرُهُ بِالْعَقْدِ إلَّا بَعْدَ انْقِضَاءِ الِاسْتِبْرَاءِ، فَإِنْ عَقَدَ عَلَيْهَا قَبْلَ انْقِضَاءِ الِاسْتِبْرَاءِ فُسِخَ وَلَا يَتَأَبَّدُ تَحْرِيمُهَا عَلَيْهِ بِالْوَطْءِ الْحَاصِلِ فِي زَمَنِ الِاسْتِبْرَاءِ لِلُحُوقِ الْوَلَدِ بِهِ، وَإِنْ كَانَ فَاسِدًا، وَإِنْ طَلَّقَهَا ثَانِيَةً بَعْدَ خُرُوجِهَا مِنْ الْعِدَّةِ لَحِقَهَا طَلَاقُهُ نَظَرًا
(وَلَوْ بِامْرَأَتَيْنِ، وَإِلَّا) يُعْلَمُ الدُّخُولُ بِأَنْ عُلِمَ عَدَمُ الدُّخُولِ، أَوْ لَمْ يُعْلَمْ شَيْءٌ (فَلَا) تَصِحُّ الرَّجْعَةُ، (وَلَوْ تَصَادَقَا عَلَى الْوَطْءِ قَبْلَ الطَّلَاقِ) فَأَوْلَى عَدَمُ الصِّحَّةِ إنْ لَمْ يَتَصَادَقَا أَوْ تَصَادَقَا بَعْدَهُ (إلَّا أَنْ يَظْهَرَ بِهَا حَمْلٌ لَمْ يَنْفِهِ) بِلِعَانٍ فَلَهُ مُرَاجَعَتُهَا مَا دَامَتْ حَامِلًا.
(وَأُخِذَا) : أَيْ الزَّوْجَانِ الْمُتَصَادِقَانِ عَلَى الْوَطْءِ قَبْلَ الطَّلَاقِ (بِإِقْرَارِهِمَا) : أَيْ أُخِذَ كُلٌّ مِنْهُمَا بِمُقْتَضَى إقْرَارِهِ بِالنِّسْبَةِ لِغَيْرِ الِارْتِجَاعِ، فَيَلْزَمُهُ النَّفَقَةُ،
ــ
[حاشية الصاوي]
لِقَوْلِ ابْنِ وَهْبٍ: إنَّ الْوَطْءَ مُجَرَّدًا عَنْ نِيَّةِ رَجْعَةٍ، فَهُوَ كَمَنْ طَلَّقَ فِي مُخْتَلِفٍ فِيهِ كَمَا فِي عب، قَالَ: وَهَلْ هُوَ رَجْعِيٌّ وَإِنْ لَمْ تَثْبُتْ لَهُ رَجْعَةٌ؟ وَفَائِدَةُ لُزُومِ الطَّلَاقِ بَعْدَهُ وَتَأْتَنِفُ لَهُ عِدَّةً، فَيَلْغُزُ بِهَا مِنْ وَجْهَيْنِ: رَجْعِيٌّ يُؤْتَنَفُ لَهُ عِدَّةٌ وَلَا رَجْعَةَ مَعَهُ، أَوْ بَائِنٌ انْتَهَى وَجَزَمَ (بْن) بِالثَّانِي كَذَا فِي الْمَجْمُوعِ
قَوْلُهُ: [وَإِلَّا يُعْلَمُ الدُّخُولُ] : حَاصِلُهُ أَنَّ الرَّجْعَةَ لَا تَصِحُّ إلَّا إذَا ثَبَتَ النِّكَاحُ بِشَاهِدَيْنِ، وَثَبَتَتْ الْخَلْوَةُ وَلَوْ بِامْرَأَتَيْنِ، وَتَقَارَرَ الزَّوْجَانِ بِالْإِصَابَةِ، فَإِذَا طَلَّقَ الزَّوْجُ زَوْجَتَهُ وَلَمْ تُعْلَمْ الْخَلْوَةُ بَيْنَهُمَا وَأَرَادَ رَجْعَتَهَا فَلَا يُمْكِنُ مِنْهَا لِعَدَمِ صِحَّةِ الرَّجْعَةِ، لِأَنَّ مِنْ شَرْطِ صِحَّةِ الرَّجْعَةِ وُقُوعُ الطَّلَاقِ بَعْدَ الْوَطْءِ لِلزَّوْجَةِ، وَإِذَا لَمْ تُعْلَمْ الْخَلْوَةُ فَلَا وَطْءَ وَلَا رَجْعَةَ، وَلَوْ تَصَادَقَ كُلٌّ مِنْ الزَّوْجَيْنِ عَلَى الْوَطْءِ قَبْلَ الطَّلَاقِ وَأَوْلَى إذَا تَصَادَقَا بَعْدَهُ، وَإِنَّمَا شَرْطٌ فِي صِحَّةِ الرَّجْعَةِ الْوَطْءُ قَبْلَ الطَّلَاقِ، لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَحْصُلْ وَطْءٌ كَانَ الطَّلَاقُ بَائِنًا فَلَوْ ارْتَجَعَهَا لَأَدَّى إلَى ابْتِدَاءِ نِكَاحٍ بِلَا عَقْدٍ وَلَا وَلِيَّ وَلَا صَدَاقَ.
قَوْلُهُ: [بِأَنْ عُلِمَ عَدَمُ الدُّخُولِ] : أَيْ كَمَا إذَا عَقَدَ عَلَى امْرَأَةٍ فِي بَلَدٍ بَعِيدٍ وَطَلَّقَهَا، وَعُلِمَ عَدَمُ دُخُولِهِ بِهَا لِكَوْنِهَا لَمْ تَأْتِ بَلَدَهُ وَلَمْ يَذْهَبْ هُوَ لِبَلَدِهَا
قَوْلُهُ: [أَوْ لَمْ يُعْلَمْ شَيْءٌ] : أَيْ كَمَا إذَا عَقَدَ عَلَى امْرَأَةٍ فِي بَلَدِهَا، وَطَلَّقَهَا وَلَمْ يُعْلَمْ هَلْ دَخَلَ بِهَا أَمْ لَا
قَوْلُهُ: [وَأُخِذَا] إلَخْ: يَعْنِي إذَا قُلْنَا بِعَدَمِ تَصْدِيقِهِمَا فِي دَعْوَى الْوَطْءِ قَبْلَ الطَّلَاقِ أَوْ بَعْدَهُ، فَإِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ يُؤَاخَذُ بِمُقْتَضَى إقْرَارِهِ بِالْوَطْءِ، وَسَوَاءٌ إقْرَارُهُمَا بِالْوَطْءِ قَبْلَ الطَّلَاقِ أَوْ بَعْدَهُ
قَوْلُهُ: [فَيَلْزَمُهُ النَّفَقَةُ] إلَخْ: هَذَا مُرَتَّبٌ عَلَى إقْرَارِهِ، وَقَوْلُهُ: وَيَلْزَمُهَا الْعِدَّةُ
وَالْكِسْوَةُ، وَالسُّكْنَى مَا دَامَتْ فِي الْعِدَّةِ، وَتَكْمِيلُ الصَّدَاقِ، وَيَلْزَمُهَا الْعِدَّةُ وَعَدَمُ حِلِّهَا لِغَيْرِهِ، وَلَا يَتَزَوَّجُ بِأُخْتِهَا، وَلَا بِخَامِسَةٍ بِالنِّسْبَةِ لَهَا مَا دَامَتْ فِي الْعِدَّةِ وَشَبَّهَ فِي الْحُكْمَيْنِ - أَيْ عَدَمَ صِحَّةِ الرَّجْعَةِ وَالْأَخْذَ بِالْإِقْرَارِ - قَوْلَهُ:
(كَدَعْوَاهُ) أَيْ الزَّوْجِ (لَهَا) أَيْ لِلرَّجْعَةِ (بَعْدَهَا) أَيْ الْعِدَّةِ، أَيْ ادَّعَى بَعْدَ الْعِدَّةِ أَنَّهُ قَدْ كَانَ رَاجَعَهَا فِيهَا، فَلَا تَصِحُّ الرَّجْعَةُ بِمَعْنَى أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ، وَلَا يُمَكَّنُ مِنْهَا، وَأُخِذَا بِإِقْرَارِهِمَا فَيَلْزَمُهُ مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ دَائِمًا، (إنْ تَمَادَيَا عَلَى التَّصْدِيقِ) : شَرْطٌ فِي الْأَخْذِ بِالْإِقْرَارِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ، فَإِنْ رَجَعَا أَوْ أَحَدُهُمَا عَنْ الْإِقْرَارِ سَقَطَ مُؤَاخَذَةُ الرَّاجِعِ.
ــ
[حاشية الصاوي]
إلَخْ مُرَتَّبٌ عَلَى إقْرَارِهَا، وَالْمُرَادُ أَنَّ مَنْ أَقَرَّ مِنْهَا بِالْوَطْءِ أُخِذَ بِمُقْتَضَى إقْرَارِهِ، سَوَاءً صَدَّقَهُ الْآخَرُ أَوْ لَا.
قَوْلُهُ: [كَدَعْوَاهُ] إلَخْ: حَاصِلُهُ أَنَّ الزَّوْجَ إذَا ادَّعَى بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ أَنَّهُ كَانَ رَاجَعَ زَوْجَتَهُ فِي الْعِدَّةِ مِنْ غَيْرِ بَيِّنَةٍ وَلَا مُصَدِّقٍ مِمَّا يَأْتِي، فَإِنَّهُ لَا يُصَدَّقُ فِي ذَلِكَ وَقَدْ بَانَتْ مِنْهُ، وَلَوْ كَانَتْ الزَّوْجَةُ صَدَّقَتْهُ عَلَى ذَلِكَ، وَالْمَوْضُوعُ أَنَّ الْخَلْوَةَ عُلِمَتْ بَيْنَهُمَا لَكِنْ يُؤَاخَذُ بِمُقْتَضَى دَعْوَاهُ، وَهِيَ أَنَّهَا زَوْجَةٌ عَلَى الدَّوَامِ فَيَجِبُ لَهَا مَا يَجِبُ لِلزَّوْجَةِ، وَكَذَا تُؤَاخَذُ بِمُقْتَضَى إقْرَارِهَا إنْ صَدَّقَتْهُ، وَلَا يُمَكَّنُ وَاحِدٌ مِنْهَا مِنْ صَاحِبِهِ، فَإِنْ لَمْ تُصَدِّقْهُ فَلَا يَجِبُ لَهَا عَلَيْهِ شَيْءٌ لِأَنَّ لُزُومَ مَا يَجِبُ لَهَا عَلَيْهِ بِإِقْرَارِهِ مَشْرُوطٌ بِتَصْدِيقِهَا كَمَا يَأْتِي، فَإِنْ كَذَّبَتْهُ لَمْ يُؤَاخَذْ بِذَلِكَ لِإِقْرَارِهَا بِسُقُوطِ ذَلِكَ عَنْهُ، وَأَمَّا زَوَاجُ رَابِعَةٍ بَدَلَهَا أَوْ كَأُخْتِهَا فَلَا يَجُوزُ مَا دَامَ مُقِرًّا وَإِنْ كَذَّبَتْهُ
قَوْلُهُ: [شَرْطٌ فِي الْأَخْذِ بِالْإِقْرَارِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ] : الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: إذَا لَمْ تُعْلَمْ بَيْنَهُمَا خَلْوَةٌ وَتَصَادَقَا عَلَى الْوَطْءِ قَبْلَ الطَّلَاقِ، وَالْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ مَا إذَا ادَّعَى بَعْدَ الْعِدَّةِ الرَّجْعَةَ فِيهَا وَحَاصِلُ فِقْهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى يُؤَاخَذَانِ بِإِقْرَارِهِمَا عِنْدَ الْأُجْهُورِيِّ تَمَادَيَا عَلَى التَّصْدِيقِ أَوْ لَا إنْ اسْتَمَرَّتْ الْعِدَّةُ، فَإِنْ انْقَضَتْ فَلَا يُؤَاخَذَانِ بِإِقْرَارِهِمَا إلَّا إذَا تَمَادَيَا، وَفِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ يُؤَاخَذَانِ بِإِقْرَارِهِمَا أَبَدًا إذَا تَمَادَيَا عَلَى الْإِقْرَارِ، فَإِنْ رَجَعَا أَوْ أَحَدُهُمَا سَقَطَتْ مُؤَاخَذَةُ الرَّاجِعِ، وَقَالَ الطِّخِّيخِيُّ وَالشَّيْخُ سَالِمٌ: إنَّ التَّمَادِيَ شَرْطٌ فِيهِمَا.
(وَلَهُ) أَيْ لِلزَّوْجِ الْمُقِرِّ بِالرَّجْعَةِ (جَبْرُهَا) : أَيْ جَبْرُ الْمُصَدَّقَةِ لَهُ، أَوْ جَبْرُ وَلِيِّهَا إنْ كَانَتْ غَيْرَ رَشِيدَةٍ (عَلَى تَجْدِيدِ عَقْدٍ بِرُبُعِ دِينَارٍ) : أَوْ ثَلَاثَةِ دَرَاهِمَ، أَوْ مُقَوَّمٍ بِهِمَا لِتَعُودَ لَهُ، لِأَنَّهَا بِاعْتِبَارِ دَعْوَاهُمَا فِي عِصْمَتِهِ يَلْزَمُهُ نَفَقَتُهَا، وَيَلْزَمُهَا عَدَمُ الزَّوَاجِ بِغَيْرِهِ، وَإِنَّمَا مَنَعْنَاهُ مِنْهَا وَمَنَعْنَاهَا مِنْهُ لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى فِي الظَّاهِرِ.
(وَلَمْ تُنْكِرْ الْوَطْءَ) : عَطْفٌ عَلَى " عُلِمَ الدُّخُولُ ": أَيْ شَرْطُ صِحَّةِ ارْتِجَاعِهَا: عِلْمُ الدُّخُولِ وَعَدَمُ إنْكَارِ الْوَطْءِ، فَإِنْ أَنْكَرَتْهُ لَمْ تَصِحَّ الرَّجْعَةُ وَظَاهِرُهُ، سَوَاءً اخْتَلَى بِهَا فِي زِيَارَةٍ أَوْ خَلْوَةِ اهْتِدَاءٍ وَهُوَ أَحَدُ أَقْوَالٍ. الثَّانِي: أَنَّ ذَلِكَ فِي خَلْوَةِ الزِّيَارَةِ، أَمَّا خَلْوَةُ الِاهْتِدَاءِ فَلَا عِبْرَةَ بِإِنْكَارِهَا وَتَصِحُّ الرَّجْعَةُ، وَهُوَ الَّذِي مَشَى عَلَيْهِ الشَّيْخُ بِقَوْلِهِ:" وَلَا إنْ أَقَرَّ بِهِ فَقَطْ فِي زِيَارَةٍ بِخِلَافِ الْبِنَاءِ ". الثَّالِثُ: أَنَّهَا إنْ كَانَتْ الزَّائِرَةُ صُدِّقَ فِي دَعْوَاهُ الْوَطْءَ فَتَصِحُّ الرَّجْعَةُ كَخَلْوَةِ الْبِنَاءِ، وَإِنْ كَانَ هُوَ الزَّائِرُ فَلَا يُصَدَّقُ وَلَا تَصِحُّ رَجْعَتُهُ. (وَصَحَّتْ رَجْعَتُهُ) : أَيْ الْمُطَلِّقِ بَعْدَ الْبِنَاءِ (إنْ قَامَتْ لَهُ بَيِّنَةٌ بَعْدَهَا) : أَيْ
ــ
[حاشية الصاوي]
وَحَاصِلُ كَلَامِهِمَا أَنَّهُمَا لَا يُؤَاخَذَانِ بِإِقْرَارِهِمَا فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ إلَّا مُدَّةَ دَوَامِهَا عَلَى التَّصْدِيقِ، وَكَذَلِكَ فِي الْأُولَى كَانَ الْإِقْرَارُ فِي الْعِدَّةِ أَوْ بَعْدَهَا، فَإِنْ رَجَعَا أَوْ أَحَدُهُمَا سَقَطَتْ مُؤَاخَذَةُ الرَّاجِعِ، وَفِي الشَّيْخِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْأُجْهُورِيِّ وَالشَّيْخِ أَحْمَدَ الزَّرْقَانِيِّ: إنَّهُمَا فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى يُؤَاخَذَانِ بِإِقْرَارِهِمَا فِي الْعِدَّةِ مُطْلَقًا تَمَادَيَا عَلَى التَّصْدِيقِ أَوْ لَا، وَأَمَّا فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ فَلَا يُؤَاخَذَانِ بِإِقْرَارِهِمَا إلَّا مُدَّةَ دَوَامِهِمَا عَلَى التَّصْدِيقِ، فَإِنْ حَصَلَ رُجُوعٌ مِنْهُمَا أَوْ مِنْ أَحَدِهِمَا سَقَطَتْ مُؤَاخَذَةُ الرَّاجِعِ، وَهَذِهِ الطَّرِيقَةُ هِيَ الْمُوَافِقَةُ لِلنَّقْلِ كَمَا فِي الْحَاشِيَةِ، وَلَكِنَّ الْمُتَبَادِرَ مِنْ عِبَارَةِ شَارِحِنَا كَلَامُ الطِّخِّيخِيِّ وَالشَّيْخِ سَالِمٍ.
قَوْلُهُ: [أَيْ جَبْرُ الصَّدَقَةِ لَهُ] : أَيْ عَلَى الْوَطْءِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى، أَوْ عَلَى الرَّجْعَةِ فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ
قَوْلُهُ: [أَوْ جَبْرُ وَلِيِّهَا] : فَإِنْ أَبَى الْوَلِيُّ عَقَدَ الْحَاكِمُ وَإِنْ لَمْ تَرْضَ، وَانْظُرْ هَلْ لَهَا جَبْرُهُ عَلَى تَجْدِيدِ عَقْدٍ أَخْذًا مِنْ حَدِيثِ:«لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ» أَوْ لَا؟ تَأَمَّلْ (اهـ مِنْ حَاشِيَةِ الْأَصْلِ) .
قَوْلُهُ: [وَهُوَ أَحَدُ أَقْوَالٍ] : أَيْ ثَلَاثَةٍ، وَذَكَرَ فِي الشَّامِلِ أَنَّ الْقَوْلَ بِعَدَمِ التَّفْرِقَةِ بَيْنَ الْخَلْوَتَيْنِ هُوَ الْمَشْهُورُ وَبِذَلِكَ صَدَّرَ بِهِ شَارِحُنَا.
1 -
بَعْدَ الْعِدَّةِ، (عَلَى إقْرَارِهِ) أَيْ بِالْوَطْءِ فِي الْعِدَّةِ أَوْ بِمُقَدِّمَاتِهِ وَادَّعَى أَنَّهُ كَانَ نَوَى بِهِ الرَّجْعَةَ فَيُصَدَّقُ فِي ذَلِكَ وَتَصِحُّ رَجْعَتُهُ، (أَوْ) قَامَتْ لَهُ الْبَيِّنَةَ عَلَى مُعَايَنَةِ (تَصَرُّفِهِ) أَيْ الزَّوْجِ (لَهَا) فِي الْعِدَّةِ؛ بِالدُّخُولِ وَالْخُرُوجِ وَالْإِتْيَانِ بِحَاجَةِ الْمَنْزِلِ، (أَوْ) أَشْهَدَتْ عَلَى (مَبِيتِهِ عِنْدَهَا) أَيْ الزَّوْجَةِ وَادَّعَى رَجْعَتَهَا (فِيهَا) أَيْ فِي الْعِدَّةِ مُتَعَلِّقٌ بِكُلٍّ مِنْ إقْرَارِهِ وَتَصَرُّفِهِ وَمَبِيتِهِ. وَالْحَاصِلُ: أَنَّهُ إنْ ادَّعَى بَعْدَهَا مُرَاجَعَتَهَا فِي الْعِدَّةِ وَأَقَامَ بَيِّنَةً عَلَى أَنَّهُ أَقَرَّ فِي الْعِدَّةِ بِوَطْئِهَا أَوْ عَلَى أَنَّهُ كَانَ يَتَصَرَّفُ لَهَا التَّصَرُّفَ الْخَاصَّ، أَوْ أَنَّهُ كَانَ يَبِيتُ عِنْدَهَا فِي الْعِدَّةِ فَإِنَّهُ يُصَدَّقُ وَيُحْكَمُ لَهُ بِصِحَّةِ الرَّجْعَةِ.
(أَوْ قَالَ) : أَيْ وَصَحَّتْ رَجْعَتُهُ إنْ قَالَ لَهَا: (ارْتَجَعْتُك) إنْشَاءً لَا إخْبَارًا، (فَقَالَتْ) لَهُ: قَدْ (انْقَضَتْ الْعِدَّةُ) بِرُؤْيَتِي الْحَيْضَةَ الثَّالِثَةَ، أَيْ فَلَمْ تُصَادِفْ رَجْعَتَك مَحَلًّا، (فَأَقَامَ بَيِّنَةً عَلَى مَا) : أَيْ عَلَى قَوْلٍ مِنْهَا قَبْلَ ذَلِكَ (يُكَذِّبُهَا) فِي قَوْلِهَا انْقَضَتْ الْعِدَّةُ، بِأَنْ أَقَامَ بَيِّنَةً تَشْهَدُ أَنَّهَا قَالَتْ قَبْلَ ذَلِكَ بِنَحْوِ يَوْمَيْنِ أَوْ عَشْرَةِ أَيَّامٍ أَنَّهَا لَمْ تَرَ إلَّا حَيْضَةً فَقَطْ أَوْ حَيْضَتَيْنِ، وَلَمْ يَمْضِ زَمَنٌ يُمْكِنُ فِيهِ رُؤْيَةُ الثَّالِثَةِ، (أَوْ) أَنَّهُ لَمَّا رَاجَعَهَا (سَكَتَتْ) زَمَنًا (طَوِيلًا) كَالْيَوْمِ أَوْ بَعْضِهِ (ثُمَّ قَالَتْ: كَانَتْ انْقَضَتْ) الْعِدَّةُ قَبْلَ الْمُرَاجَعَةِ فَلَا يُفِيدُهَا، وَصَحَّتْ الرَّجْعَةُ وَيُعَدُّ ذَلِكَ مِنْهَا نَدَمًا وَمَفْهُومُ:" سَكَتَتْ "، أَنَّهَا لَوْ بَادَرَتْ لَأَفَادَهَا
ــ
[حاشية الصاوي]
قَوْلُهُ: [إنْ قَامَتْ لَهُ بَيِّنَةٌ بَعْدَهَا] حَاصِلُ فِقْهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ الرَّجُلَ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ ادَّعَى أَنَّهُ رَاجَعَ زَوْجَتَهُ فِيهَا، وَأَقَامَ بَيِّنَةً تَشْهَدُ أَنَّهُ أَقَرَّ بِالْوَطْءِ أَوْ التَّلَذُّذِ بِهَا فِي الْعِدَّةِ، وَادَّعَى أَنَّهُ نَوَى بِهِ الرَّجْعَةَ فَإِنَّهُ يُصَدَّقُ فِي دَعْوَاهُ وَتَصِحُّ رَجْعَتُهُ، وَالْمَوْضُوعُ أَنَّ الْخَلْوَةَ بِهَا قَبْلَ الطَّلَاقِ قَدْ عُلِمَتْ وَلَوْ بِامْرَأَتَيْنِ، وَحَيْثُ كَانَ تَصِحُّ الرَّجْعَةُ بِإِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ عَلَى إقْرَارِهِ بِالْوَطْءِ، فِي الْعِدَّةِ مَعَ دَعْوَاهُ أَنَّهُ نَوَى بِهِ الرَّجْعَةَ، فَلَوْ دَخَلَ عَلَى مُطَلَّقَةٍ وَبَاتَ عِنْدَهَا فِي الْعِدَّةِ، ثُمَّ مَاتَ بَعْدَ الْعِدَّةِ وَلَمْ يَذْكُرْ أَنَّهُ ارْتَجَعَهَا فَلَا تَثْبُتُ بِذَلِكَ الرَّجْعَةُ، وَلَا تَرِثُهُ وَلَا يَلْزَمُهَا عِدَّةُ وَفَاةٍ فَتَدَبَّرْ.
قَوْلُهُ: [فَأَقَامَ بَيِّنَةً] : أَيْ مِنْ الرِّجَالِ لَا مِنْ النِّسَاءِ لِأَنَّ شَهَادَتَهَا عَلَى إقْرَارِهَا بِعَدَمِ الْحَيْضِ لَا عَلَى رُؤْيَةِ الدَّمِ الَّتِي يَكْفِي فِيهَا النِّسَاءُ.
وَلَمْ تَصِحَّ الرَّجْعَةُ، وَهُوَ كَذَلِكَ. أَيْ إذَا لَمْ تُقِمْ بَيِّنَةً بِمَا. يُكَذِّبُهَا كَمَا تَقَدَّمَ.
(لَا) تَصِحُّ الرَّجْعَةُ (إنْ قَالَ مَنْ يَغِيبُ) : أَيْ مَنْ أَرَادَ الْغَيْبَةَ أَيْ السَّفَرَ، وَكَانَ عَلَّقَ طَلَاقَهَا عَلَى شَيْءٍ كَمَا لَوْ قَالَ: إنْ دَخَلْتِ الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ، وَخَافَ أَنْ تَدْخُلَهَا فِي غَيْبَتِهِ فَيَحْنَثُ فَقَالَ:(إنْ حَنَّثَتْنِي) بِدُخُولِ الدَّارِ فِي سَفَرِي (فَقَدْ ارْتَجَعْتهَا) وَلَا يُفِيدُهُ هَذَا التَّعْلِيقُ، لِأَنَّ الرَّجْعَةَ تَحْتَاجُ لِنِيَّةٍ بَعْدَ الطَّلَاقِ، (كَأَنْ) قَالَ: إنْ (جَاءَ الْغَدُ فَقَدْ ارْتَجَعْتهَا) فَلَا يُفِيدُهُ، وَلَا تَصِحُّ رَجْعَتُهُ لِأَنَّ الرَّجْعَةَ ضَرْبٌ مِنْ النِّكَاحِ، فَلَا تَكُونُ لَأَجَلٍ وَلِأَنَّهَا تَحْتَاجُ لِمُقَارَنَةِ نِيَّةٍ. نَعَمْ إنْ وَطِئَهَا فِي الْعِدَّةِ بَعْدَ الْغَدِ، مُعْتَمِدًا عَلَى تَعْلِيقِهِ الْمُتَقَدِّمِ، صَحَّتْ رَجْعَتُهُ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ فِعْلٌ قَارَنَهُ نِيَّةٌ لَا بِالتَّعْلِيقِ الْمُتَقَدِّمِ.
ــ
[حاشية الصاوي]
قَوْلُهُ: [فَلَا تَكُونُ لِأَجَلٍ] : أَيْ فَكَمَا لَا يَجُوزُ التَّأْجِيلُ فِي النِّكَاحِ كَأَنْ يَقُولَ أَعْقِدُ لَك عَلَى ابْنَتِي الْآنَ عَلَى أَنَّهَا لَا تَحِلُّ لَك إلَّا فِي الْغَدِ، لَا يَجُوزُ التَّأْجِيلُ فِي الرَّجْعَةِ.
قَوْلُهُ: [بَعْدَ الْغَدِ] : لَا مَفْهُومَ لَهُ (بْن) كَذَلِكَ، لَوْ وَطِئَهَا قَبْلَهُ تَصِحُّ رَجْعَتُهُ إنْ قَارَنَ الْوَطْءَ نِيَّتُهُ وَإِلَّا فَلَا، وَالْفَرْقُ بَيْنَ صِحَّةِ الطَّلَاقِ قَبْلَ النِّكَاحِ كَمَا إذَا قَالَ إنْ تَزَوَّجْتُ فُلَانَةَ فَهِيَ طَالِقٌ، وَبَيْنَ عَدَمِ صِحَّةِ الرَّجْعَةِ قَبْلَ الطَّلَاقِ فِي مَسْأَلَةِ مَنْ أَرَادَ السَّفَرَ أَنَّ الطَّلَاقَ حَقٌّ عَلَى الرَّجُلِ يُحْكَمُ بِهِ عَلَيْهِ، وَالرَّجْعَةُ حَقٌّ لَهُ وَلِحَقِّ الَّذِي عَلَيْهِ يَلْزَمُ بِالْتِزَامِهِ، وَالْحَقُّ الَّذِي لَهُ لَيْسَ لَهُ أَخْذُهُ قَبْلَ أَنْ يَجِبَ وَلَوْ أَشْهَدَ بِهِ فَتَأَمَّلْ. تَنْبِيهٌ:
مِثْلُ قَوْلِ: " مَنْ يُغَيِّبُ الْمَذْكُورَ: اخْتِيَارُ الْأَمَةِ الْمُتَزَوِّجَةِ بِعَبْدِ نَفْسِهَا، أَوْ زَوْجِهَا بِتَقْدِيرِ عِتْقِهَا كَأَنْ تَقُولَ: إنْ عَتَقْتُ فَقَدْ اخْتَرْت نَفْسِي أَوْ اخْتَرْتُ زَوْجِي فَإِنَّهُ لَغْوٌ وَلَوْ أَشْهَدَتْ عَلَى ذَلِكَ وَلَهَا اخْتِيَارُ خِلَافِهِ إنْ عَتَقَتْ، بِخِلَافِ الزَّوْجَةِ الَّتِي شَرَطَ لَهَا الزَّوْجُ عِنْدَ الْعَقْدِ أَنَّ أَمْرَهَا بِيَدِهَا إنْ تَزَوَّجَ عَلَيْهَا أَوْ تَسَرَّى أَوْ أَخْرَجَهَا مِنْ بَلَدِهَا أَوْ بَيْتِ أَبِيهَا، تَقُولُ قَبْلَ حُصُولِ مَا ذُكِرَ: إنْ فَعَلَهُ زَوْجِي فَقَدْ فَارَقْتُهُ، فَإِنَّهُ يَلْزَمُهَا وَلَيْسَ لَهَا الِانْتِقَالُ إلَى غَيْرِهِ لِأَنَّ الزَّوْجَ أَقَامَهَا مَقَامَهُ فِي تَمْلِيكِهِ إيَّاهَا مَا يَمْلِكُهُ، وَهُوَ يَلْزَمُهُ مَا الْتَزَمَهُ، نَحْوَ: إنْ دَخَلْتِ الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ. فَكَذَلِكَ هِيَ وَهَذَا يُفِيدُ كَمَا قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ لُزُومُ مَا أَوْقَعَهُ مِنْ الطَّلَاقِ
(وَصُدِّقَتْ) الْمُطَلَّقَةُ (فِي انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ بِلَا يَمِينٍ مَا أَمْكَنَ) الِانْقِضَاءُ، كَثَلَاثِينَ يَوْمًا: أَيْ مُدَّةِ الْإِمْكَانِ، وَلَوْ خَالَفَتْ عَادَتَهَا أَوْ خَالَفَهَا الزَّوْجُ، وَشَمَلَ كَلَامُهُ انْقِضَاءَهَا بِالْأَقْرَاءِ أَوْ الْوَضْعِ فَلَا تَصِحُّ رَجْعَتُهَا وَقَدْ حَلَّتْ لِلْأَزْوَاجِ، (وَ) صُدِّقَتْ (فِي أَنَّهَا رَأَتْ أَوَّلَ الدَّمِ) مِنْ الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ، (وَانْقَطَعَ) قَبْلَ اسْتِمْرَارِهِ الْمُعْتَبَرِ وَهُوَ يَوْمٌ أَوْ بَعْضُهُ، فَهِيَ فِي عِدَّتِهَا لَمْ تَخْرُجْ، وَقَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: لَا يُفِيدُهَا ذَلِكَ وَلَا تُصَدَّقُ، وَقَدْ حَلَّتْ لِلْأَزْوَاجِ وَتَبِعَهُ الشَّيْخُ، قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: الْمَذْهَبُ كُلُّهُ عَلَى قَبُولِ قَوْلِهَا أَيْ خِلَافًا لِابْنِ الْحَاجِبِ، ثُمَّ اخْتَلَفُوا بَعْدَ أَنْ قَالُوا
ــ
[حاشية الصاوي]
لَا مَا أَوْقَعَتْهُ بِاخْتِيَارِ زَوْجِهَا، وَقِيلَ إنَّ الْمَسْأَلَتَيْنِ مُسْتَوِيَتَانِ فِي لُزُومِ مَا أَوْقَعَتَاهُ قَبْلَ حُصُولِ سَبَبِ خِيَارِهِمَا، وَهُوَ لِابْنِ حَارِثٍ عَنْ أَصْبَغَ مَعَ رِوَايَةِ ابْنِ نَافِعٍ، وَقِيلَ: مُسْتَوِيَتَانِ فِي عَدَمِ لُزُومِ مَا أَوْقَعَتَاهُ وَهُوَ لِلْبَاجِيِّ، وَلَكِنَّ الْمُعْتَمَدَ الْأَوَّلُ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ هِيَ الَّتِي تُحْكَى عَنْ ابْنِ الْمَاجِشُونِ أَنَّهُ سَأَلَ مَالِكًا عَنْ الْفَرْقِ بَيْنَ الْحُرَّةِ ذَاتِ الشَّرْطِ وَالْأَمَةِ؟ فَقَالَ لَهُ الْفَرْقُ دَارٌ قُدَامَةَ وَكَانَتْ دَارًا يَلْعَبُ فِيهَا الْأَحْدَاثُ بِالْحَمَّامِ مُعَرِّضًا لَهُ بِقِلَّةِ التَّحْصِيلِ، فِيمَا سَأَلَهُ عَنْهُ وَتَوْبِيخًا لَهُ عَلَى تَرْكِ إعْمَالِ النَّظَرِ فِي ذَلِكَ حَتَّى إنَّهُ سَأَلَ عَنْ أَمْرٍ غَيْرِ مُشْكِلٍ (اهـ) . وَحَاصِلُ الْفَرْقِ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ أَنَّ اخْتِيَارَ الْأَمَةِ قَبْلَ الْعِتْقِ فِعْلٌ لِلشَّيْءِ قَبْلَ وُجُوبِهِ لَهَا بِالشَّرْعِ، وَأَمَّا ذَاتُ الشَّرْطِ فَاخْتِيَارُهَا فِعْلٌ لِلشَّيْءِ بَعْدَ وُجُوبِهِ لَهَا بِالتَّمْلِيكِ فَتَأَمَّلْ.
قَوْلُهُ: [بِلَا يَمِينٍ] : وَقِيلَ بِيَمِينٍ.
قَوْلُهُ: [انْقِضَاءَهَا بِالْأَقْرَاءِ] : أَيْ فَإِنْ شَهِدَتْ لَهَا النِّسَاءُ أَنَّهَا تَحِيضُ لِمِثْلِ هَذَا فَإِنَّهَا تُصَدَّقُ، وَوَجْهُ تَصْدِيقِهَا فِي كَالشَّهْرِ جَوَازُ أَنْ يُطَلِّقَهَا أَوَّلَ لَيْلَةٍ مِنْ الشَّهْرِ وَهِيَ طَاهِرٌ فَيَأْتِيهَا الْحَيْضُ وَيَنْقَطِعُ قَبْلَ الْفَجْرِ، ثُمَّ يَأْتِيهَا لَيْلَةَ السَّادِسَ عَشَرَ وَيَنْقَطِعُ قَبْلَ الْفَجْرِ أَيْضًا، ثُمَّ يَأْتِيهَا آخِرُ يَوْمٍ مِنْ الشَّهْرِ بَعْدَ الْغُرُوبِ، لِأَنَّ الْعِبْرَةَ بِالطُّهْرِ فِي الْأَيَّامِ. وَلَك أَنْ تُلْغِزَ فَتَقُولَ: مَا امْرَأَةٌ مَدْخُولٌ بِهَا غَيْرُ حَامِلٍ طَلُقَتْ أَوَّلَ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ، فَحَلَّتْ لِلْأَزْوَاجِ مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ مِنْ شَوَّالٍ وَلَمْ يَفُتْهَا صَوْمٌ وَلَا صَلَاةٌ مِنْهُ وَقَدْ تَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ عَلَى هَذَا اللُّغْزِ فِي بَابِ الْحَيْضِ.
قَوْلُهُ: [ثُمَّ اخْتَلَفُوا] إلَخْ: وَنَصِّ أَبِي الْحَسَنِ عِيَاضٍ وَاخْتَلَفُوا إذَا رَاجَعَهَا عِنْدَ
بِتَصْدِيقِهَا فِيمَا لَوْ رَاجَعَهَا بَعْدَ قَوْلِهَا: قَدْ انْقَطَعَ فَعَاوَدَهَا الدَّمُ عَنْ قُرْبٍ قَبْلَ تَمَامِ طُهْرٍ، حَتَّى لَفَّقَتْ عَادَتَهَا، هَلْ هَذِهِ الرَّجْعَةُ فَاسِدَةٌ؟ لِأَنَّهُ قَدْ تَبَيَّنَ أَنَّهَا حَيْضَةٌ ثَالِثَةٌ صَحِيحَةٌ وَقَعَتْ فِيهَا الرَّجْعَةُ فَتَكُونُ بَاطِلَةً وَهُوَ الصَّحِيحُ أَوْ لَيْسَتْ بِفَاسِدَةٍ بَلْ صَحِيحَةٍ؟ وَعَلَى الْقَوْلِ الصَّحِيحِ حَمَلَ بَعْضُهُمْ كَلَامَ ابْنِ الْحَاجِبِ وَالشَّيْخِ، أَيْ فَقَوْلُهُمَا لَا يُفِيدُهَا قَوْلُهَا قَدْ انْقَطَعَ أَيْ فِي صِحَّةِ الرَّجْعَةِ، أَيْ إنَّا وَإِنْ صَدَّقْنَاهَا فَرَاجَعَهَا فَعَاوَدَهَا الدَّمُ حَتَّى لَفَّقَتْ عَادَتَهَا إلَّا أَنَّهُ لَا يُفِيدُ فِي صِحَّةِ الرَّجْعَةِ، بَلْ الرَّجْعَةُ فَاسِدَةٌ.
(وَلَا يُلْتَفَتُ لِتَكْذِيبِهَا نَفْسَهَا) حَيْثُ قَالَتْ: كَذَبْتُ فِي قَوْلِي قَدْ انْقَضَتْ عِدَّتِي فَلَا تَحِلُّ لِمُطَلِّقِهَا إلَّا بِعَقْدٍ جَدِيدٍ، وَلَا تَوَارُثَ بَيْنَهُمَا (وَلَوْ صَدَّقَهَا النِّسَاءُ) فِي تَكْذِيبِهَا نَفْسَهَا؛ بِأَنْ قُلْنَ: نَظَرْنَاهَا حِينَ قَالَتْ قَدْ انْقَضَتْ الْعِدَّةُ بِنُزُولِ الْحَيْضِ أَوْ الْوَضْعِ فَلَمْ نَرَ بِهَا أَثَرَ حَيْضٍ وَلَا وَضْعٍ، فَلَا يُلْتَفَتُ لِذَلِكَ وَقَدْ بَانَتْ بِقَوْلِهَا: قَدْ انْقَضَتْ. حَيْثُ أَمْكَنَ الِانْقِضَاءُ.
(وَ) الزَّوْجَةُ (الرَّجْعِيَّةُ) أَيْ الْمُطَلَّقَةُ طَلَاقًا رَجْعِيًّا (كَالزَّوْجَةِ) الَّتِي فِي الْعِصْمَةِ فِي لُزُومِ النَّفَقَةِ وَالْكِسْوَةِ وَالسُّكْنَى وَلُحُوقِ الطَّلَاقِ وَالظِّهَارِ، (إلَّا فِي الِاسْتِمْتَاعِ وَالْخَلْوَةِ) بِهَا، (وَالْأَكْلِ مَعَهَا) بِلَا نِيَّةِ مُرَاجَعَتِهَا بِذَلِكَ فَلَا يَجُوزُ،
ــ
[حاشية الصاوي]
انْقِطَاعِ هَذَا الدَّمِ وَعَدَمِ تَمَادِيهِ، ثُمَّ رَجَعَ هَذَا الدَّمُ بِقُرْبٍ هَلْ هِيَ رَجْعَةٌ فَاسِدَةٌ لِأَنَّهُ قَدْ اسْتَبَانَ أَنَّهَا حَيْضَةٌ ثَالِثَةٌ صَحِيحَةٌ وَقَعَتْ الرَّجْعَةُ فِيهَا فَتَبْطُلُ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَقِيلَ لَا تَبْطُلُ رَجَعَ الدَّمُ عَنْ قُرْبٍ أَوْ بُعْدٍ (اهـ) ، ثُمَّ ذَكَرَ أَبُو الْحَسَنِ عَنْ عَبْدِ الْحَقِّ فِي النُّكَتِ أَنَّهُ حَكَى الْقَوْلَيْنِ، وَقَالَ بَعْدَهُمَا وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ يَعْنِي التَّفْصِيلَ عِنْدِي أَصْوَبُ (اهـ) ، وَالْقُرْبُ أَنْ لَا يَكُونَ بَيْنَ الدَّمَيْنِ طُهْرٌ تَامٌّ فَتَأَمَّلْ.
قَوْلُهُ: [وَلَا يُلْتَفَتُ لِتَكْذِيبِهَا نَفْسَهَا] : الْفَرْقُ بَيْنَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَاَلَّتِي قَبْلَهَا حَيْثُ قُلْتُمْ الْمَذْهَبُ قَبُولُ قَبُولِهَا فِي الْمَسْأَلَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ دُونَ هَذِهِ أَنَّهَا فِي هَذِهِ صَرَّحَتْ بِتَكْذِيبِ نَفْسِهَا وَلَمْ تَسْتَنِدْ لِمَا تَعَذَّرَ بِهِ بِخِلَافِ الَّتِي قَبْلَهَا.