الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
-
الغسل يوم الجمعة:
579 -
قال أبو داود: حدثنا عبدُ الله بن مسلمة، حدثنا عبد العزيز -يعني: ابن محمد-، عن عمرو بن أبي عمرو، عن عكرمة: "أنَّ أُناسًا من أهلِ العراق جاؤوا فقالوا: يا ابن عباس؛ أترى الغسلَ يوم الجمعة واجبًا؟
قال: "لا؛ ولكنَّهُ أطهر، وخيرٌ لمن اغتسل، ومن لم يغتسِلْ فليس عليه بواجب. وسأخبركم كيف بَدَأَ الغُسلُ: كانَ الناسُ مجهودين؛ يلبسون الصُّوفَ، ويعملونَ على ظهورهم، وكان مسجدُهم ضَيِّقا مُقارب السَّقْفِ، إنما هو عريش، فخرجَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم في يوم حارٍ، وعَرِقَ الناسُ في ذلك الصُّوفِ، حتى ثارت منهم رياحٌ آذى بذلك بعضهم بعضًا، فلما وجَدَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم تلك الرِّيح، قال: "أيها الناسُ؛ إذا كان هذا اليوم فَاغْتَسِلُوا، وَلِيَمَسَّ أحدُكم أفضل ما يجد من دُهنِه وطِيبِه".
قال ابنُ عباس: "ثم جاء الله بالخيرِ، ولبسوا الصُّوفَ، وكُفُوا العملَ، ووُسِّعَ مسجدُهم، وذهبَ بعض الذي كان يؤذي بعضهم بعضًا من العَرَقِ".
حسن. أخرجه أبو داود (353)، وأحمد (1/ 268 - 269) أو رقم:(2419 - شاكر)، وعبد بن حميد في "المنتخب" (رقم: 588)، وابن خزيمة في "صحيحه" (رقم: 1755)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" (1/ 116 - 117/ رقم: 757)، والحاكم في "المستدرك"(1/ 280 - 281) و (4/ 189)، والطبراني في "المعجم الكبير" (11/ رقم: 11548)، والبيهقي في "السنن الكبير"(1/ 295).
من طريق: عمرو بن أبي عمرو به.
ورواه عن عمرو: سليمان بن بلال، وعبد العزيز بن محمد الدراوردي.
وحسَّن إسناده الحافظ ابن حجر في "فتح الباري"(2/ 362)، وقبله النووي في "المجموع"(4/ 536).
وصحَّحه الحاكم على شرط البخاري، ووافقه الذهبي.
وصحَّح إسناده الشيخ المحدّث أحمد شاكر رحمه الله في تحقيقه على
"المسند" بتوثيقه عمرو بن أبي عمرو.
والصواب: أن الإسناد لا يرتقي إلى الصحة، إنما هو حسن فقط؛ لحال عمرو بن أبي عمرو -فهو وإن كان قد احتُجَّ به في "الصحيحين"؛ لكنه تكلم فيه غير واحد من قِبَلِ حِقظِهِ؛ فقد قال ابن معين رحمه الله:"في حديثه ضعف؛ ليس بالقوي".
وقال أبو زرعة: "ثقة".
وقال أبو حاتم: "لا بأس به".
وقال النسائي: "ليس القوي".
وقال ابن عدي: "لا بأس به".
وقال ابن حبان في "الثقات": "ربما أخطأ".
قال الشيخ الألباني رحمه الله: "فيتلخَّص من أقوالهم هذه: أنه في نفسه ثقة، وأن في حفظه ضعفًا.
ولذلك قال الحافظ في "التقريب": "ثقة، ربما وهم".
فمثله لا ينزل حديثه عن رتبة الحسن إذا لم يظهر خطؤه، ولذلك حسِّنَ النوويُّ والحافظُ حديثَه هذا -كما سبق-.
وقال الذهبي في ترجمته من "الميزان " -بعد أن ذكر بعض الأقوال المتقدمة فيه-: "حديثه صالح حسن، مُنْحَطٌّ عن الدرجة العُليا من الصحيح"!
قال الحافظ: "كذا قال! وحقّ العبارة: أن يحذف (العُليا) " اهـ.
انظر: "صحيح أبي داود"(2/ 182 - 184/ رقم: 380).
* * *
580 -
قال البخاري: حدثنا عبدُ الله بن محمد بن أسماء، قال: أخبرنا جُوَيْرِيَةُ، عن مالك، عن الزهري، عن سالم بن عبد الله بن عمر، عن ابنِ عمر رضي الله عنهما: "أنَّ عمر بن الخطاب بينما هو قائمٌ في الخُطبة يومَ
الجمعة؛ إِذْ دَخَلَ رجلٌ من المهاجرين الأوَّلينَ من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فناداه عمر:"أَيَّةُ ساعةٍ هذه"؟
قال: "إني شُغِلْتُ؛ فلم أنقلِبْ إلى أهلي حتَى سمعتُ التأذينَ، فلم أَزِدْ أن توضأْتُ".
فقال: "والوضوء أيضًا! وقد عَلِمْتَ أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم كان يأمرُ بالغُسْلِ! ".
أخرجه البخاري (878)، ومسلم (844/ 3) من طريق: الزهري به.
وأخرجه البخاري (882) -مختصرًا- ومسلم (845) من طريق: أبي سَلَمَة بن عبد الرحمن، حدثني أبو هريرة، قال: "بينما عمر بن الخطاب يخطبُ الناسَ يومَ الجمعة؛ إِذْ دَخَلَ عثمان بن عفان، فعرَّضَ به عمر، فقال: ما بالُ رجالِ يتأخرونَ بعد النداء؟!.
فقال عثمان: يا أمير المؤمنين؛ ما زدتُ حين سمعتُ النداءَ أَنْ توضأْتُ، ثم أقبلتُ.
فقال عمر: والوضوءَ أيضا! ألم تسمعوا رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إذا جاء أحدُكم إلى الجمعة؛ فليغتسل".
فقه الأثرين:
قال شيخُنا العلّامة عبد الله بن صالح العُبيلان - حفظه الله تعالى - في كتابه الماتع "النكت العلميَّة على الروضة الندية"(ص 95 - 92):
"المتأمّل للنصوص يرى أنَّ سببَ أَمْرِهِ صلى الله عليه وآله وسلم بالغُسلِ ليوم الجمعة ما رواه البخاري (1) عن عائشة، قالت: "كان الناسُ ينتابونَ الجمعةَ من منازلهم والعَوَالي، فياتونَ في الغُبَارِ، فيصيبهُم الغُبَارُ والعَرَقُ، فأتى رسولَ الله صلى الله عليه وآله وسلم إنسان منهم -وهو عندي-، فقال صلى الله عليه وآله وسلم:"لو أنكم تَطَهَّرتُم ليومِكم هذا"! وفي رواية: "لو اغتسلتُم".
(1) برقم (902).
ثم إنَّه صلى الله عليه وآله وسلم عزَمَ عليهم، فقال -فيما رواه الشيخان (1) -:"غُسْلُ الجمعةِ واجبٌ على كلِّ مُحْتَلِمٍ".
فكان لأهل العلمِ -نحوَ هذه النصوص- ثلاثةُ مسالك:
المسلك الأول: الوجوبُ مطلقًا؛ أخذًا بظاهر حديث أبي سعيد، وابن عباس.
المسلك الثاني: الإستحبابُ مطلقًا؛ أخذًا بظاهر حديث عائشة، وحديث الحسن عن سَمُرة.
المسلك الثالث: التفصيلُ في ذلك؛ وهذا الذي أفتى به ابنُ عباس، فقد روى أبو داود عنه -بسند حسن- عن عكرمة .. " [ثم ذكر - حفظه الله - الأثر المذكور في الباب].
ثم قال - سلَّمه الله -: "وروى مسلمٌ من قصة معاتبة عمر لعثمان رضي الله عنهما وقوله له: "والوضوءَ أيضًا! وقد علمتَ أن رسولَ الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يأمر بالغسلِ".
قال الإمامُ الشافعيُّ -فيما نقله عنه الترمذيُّ-: "ومما يدلُّ على أنَّ أَمْرَ النبى صلى الله عليه وآله وسلم بالغُسْلِ يومَ الجمعةِ؛ أنه على الإختيار لا على الوجوب. حديث عمر؛ حيث قال لعثمان: "والوضوءَ أيضًا! وقد علمتَ أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أَمَرَ بالغُسْلِ يومَ الجمعةِ"، فلو عَلِمَا أنَّ أمرَه على الوجوب لا على الاختيار؛ لم يتركْ عمرُ عثمانَ حتى يردَّه ويقول له: ارجِعْ فاغْتَسِلْ، ولما خَفِيَ على عثمان ذلك مع علمه. ولكن دلَّ في هذا الحديث أن الغُسْلَ يوم الجمعة فيه فضل من غير وجوب يجب على المرء في ذلك"(2).
وفيه نُكتةٌ عزيزة: وهو أن غُسْلَ يومِ الجمعةِ مُستحبٌّ بإجماع الصحابة -بِقَيْدِهِ-، وهذا هو اختيار أبي العبَّاس؛ حيث أفتى بالاستحباب ما لمِ يكن به عَرَق، أو ريحٌ تؤذي غيرَه؛ فيجب، وفي هذا جَمْعٌ بين النصوص، وأخْذ بفقه السَّلَفِ.
(1) البخاري (879)، ومسلم (846) من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.
(2)
"السنن"(497).
وأمَّا ما رواه مسلم (1) عن أبي هريرة مرفوعًا: "حقٌّ لله على كلِّ مسلمٍ أن يغتسَل في كلِّ سبعة أيام، يغسل رأسَه وجسده".
فقد قال أبو العباس: "وهذا في أحَدِ قولَي العلماء هو غُسلٌ راتبٌ مسنون، للنظافة في كل أسبوع، وإن لم يشهد الجمعة؛ بحيث يفعَلُه من لا جمعة عليه" اهـ.
قلت: وانظر: "فتح الباري"(2/ 417 - وما بعدها)، و"شرح معاني الآثار"(1/ 117 - 120)، و"صحيح أبي داود"(2/ 192 - ط. غراس) وغيرهما.
* * *
- المجنونةُ إذا أصَابَتْ حَدًّا:
582 -
قال الإمام أبو داود السجستاني: حدثنا عثمان بن أبي شيبة، حدثنا جرير، عن الأعمش، عن أبي ظَبْيَان، عن ابنِ عباس رضي الله عنه، قال: "أُتِيَ عمرُ بمجنونةِ قد زَنَتْ، فاسْتَشَارَ فيها أُناسًا، فأَمَرَ بها عمرُ أَنْ تُرْجَمَ، فَمُرَّ بها عَلَى عَليِّ بن أبي طالبٍ - رضوان الله عليه -، فقال: ما شَأْنُ هذه؟!.
قالوا: مجنونةُ بني فلان زَنَتْ، فأَمَرَ بها عمرُ أَنْ تُرْجَمَ.
قال: فقال: ارْجِعُوا بها.
ثم أتاه، فقال: يا أميرَ المؤمنين؛ أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ القَلَمَ قد رُفِعَ عن ثلاثةٍ: عن المجنونِ حتى يبرَأَ، وعن النَّائم حتى يستيقِظَ، وعن الصَّبيِّ حتى يعقلَ؟
قال: بلى.
قال: فما بال هذه تُرْجَمُ؟!
قال: لا شيء.
(1) رقم (1963).
قال: فَأَرْسِلْهَا.
قال: فأرسَلَهَا، قال: فجَعَلَ عمرُ يُكَبِّرُ".
صحيح. أخرجه أبو داود في "السنن"(4399)، والنسائي في "الكبرى" (4/ 323/ رقم: 7343 - العلمية)، وابن خزيمة (1003، 3048)، والدارقطني في "السنن"(3/ 138 - 139)، وابن حبان في "صحيحه"(143)، والحاكم في "المستدرك"(1/ 258) و (2/ 59) و (4/ 389)، والبيهقي في "السنن الكبير"(8/ 264).
من طرق؛ عن جرير بن حازم به.
قال الحاكم: "صحيح على شرط الشيخين"، ووافقه الذهبي.
قال العلامة الألباني في "الإرواء"(2/ 6): "وهو كما قالا، ولا يضرُّه إيقاف من أوقفه، لأمرين:
الأول: أن من رفعه ثقة، والرفع زيادة يجب قبولها.
الثاني: أن رواية الوقف في حكم الرفع، لقول عليّ لعمر:"أما علِمتَ".
وكذلك لا يضرُّه رواية من أسقط من الإسناد ابن عباس = مثل رواية عطاء بن السائب، عن أبي ظبيانْ الجنبي، قال: أتي عمر بامرأة قد فجرت، فأمر برجمها، فمرّ عليّ رضي الله عنه
…
الحديث .. " اهـ.
قلت: رواية أبي ظبيان هذه أخرجها: أحمد في "المسند"(1/ 154 - 155) أو رقم (1327 - شاكر) و (1/ 158) أو رقم (1362) - مختصرًا في الموضع الثاني دون القصة - وأبو داود (4402)، والنسائي في "الكبرى" (4/ 323/ رقم: 7344)، وأبو يعلى في "مسنده" (2/ 440/ رقم: 587)، والبيهقي (8/ 264 - 265).
من طرق؛ عن عطاء بن السائب، عن أبي ظبيان، قال: أُتي عمر بامرأة ....
ورواه عن عطاء جرير بن جازم، وحماد بن سلمة، وغيرهما؛ ولم يذكر فيه عطاء ابنَ عباس رضي الله عنهما.
وأخرجه النسائي في "الكبرى"(4/ 323 - 324/ رقم: 7345) من طريق:
إسرائيل، عن أبي حصين، عن أبي ظبيان، عن عليّ، قال:"رفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظَ، وعن المعتوه، وعن الصبي".
قال الإمام النسائي رحمه الله: "وهذا أولى بالصواب، وأبو حصين أثبت من عطاء بن السائب، وما حدّث جرير بن حازم به فليس بذاك، وحديثه عن يحيى بن أيوب أيضًا؛ فليس بذاك".
قلت: لكن الدارقطني رحمه الله صوَّبَ رواية الأعمش، عن أبي ظبيان، عن ابن عباس؛ فقال (1): "هو حديث يرويه أبو ظَبْيَان حصين بن جندب.
واختلف عنه؛ فرواه سليمان الأعمش.
واختلف عنه؛ فقال جرير بن حازم: عن الأعمش، عن أبي ظبيان، عن ابن عباس، عن عليّ، ورفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم عن عليّ وعن عمر.
تفرَّد بذلك عبدُ الله بن وهب عن جرير بن حازم.
وخالفه ابنُ فضيل ووكيع؛ فروياه عن الأعمش، عن أبي ظبيان، عن ابن عباس، عن عليّ وعمر موقوفًا.
ورواه عمار بن رُزَيْقِ عن الأعمش، عن أبي ظَبْيَان، عن عليّ وعمر موقوفًا، ولم يذكر ابن عباس.
وكذلك رواه سعد بن عبيدة عن أبي ظبيان موقوفًا، ولم يذكر ابن عباس.
ورواه أبو حصين عن أبي ظبيان، عن ابن عباس، عن عليّ وعمر موقوفًا.
واخْتُلِفَ عنه؛ فقيل: عن أبي ظبيان، عن عليّ موقوفًا. = قاله أبو بكر بن عياش وشريك، عن أبي حَصين.
ورواه عطاء بن السَّائب عن أبي ظبيان، عن عليّ وعمر مرفوعًا؛ حدّث به عنه حماد بن سلمة، وأبو الأحوص، وجرير بن عبد الحميد، وعبد العزيز بن عبد الصمد العمي، وغيرهم.
(1) انظر: "العلل"(3/ 72 - 74/ س: 291).
وقول وكيع وابن فضيل أشبه بالصواب، والله أعلم.
قيل: لقي أبو ظبيان عليًّا وعمر رضي الله عنهما؟
قال: نعم" اهـ.
فقه الأثر:
قال الخطابي في-"معالم السنن "(3/ 310): "لم يأمر عمر رضي الله عنه برجم مجنونة مطبق عليها في الجنون، ولا يجوز أن يخفى هذا عليه، ولا على أحدِ ممَّن بحضرته، ولكن هذه امرأة كانت تُجَنُّ مرَّة وتفيق أخرى، فرأى عمر رضي الله عنه أن لا يسقط عنها الحدّ لما يصيبها من الجنون؛ إذْ كان الزِّنى منها في حال الإفاقة، ورأى عليّ - كرَّم الله وجهه - أنَّ الجنونَ شُبهة يُدْرَأُ بها الحدُّ عمّن يُبتلى به، والحدودُ تُدْرَأُ بالشُّبهات، فلعلَّها قد أصابت وهي في بقية من بلائها، فوافق اجتهادُ عمر رضي الله عنه اجتهادَه في ذلك، فدرأ عنها الحد، والله أعلم بالصواب" اهـ.
قلت: وفيه بى جوع عمر رضي الله عنه للصواب والحق لمَّا بيَّن له عليٌّ رضي الله عنه، وهذا حال أصحابِ النبيّ صلى الله عليه وسلم.
* * *
583 -
قال عبد الرزاق الصنعاني الحافظ: عن معمر، عن عبد الله بن طاوس، عن أبيه، قال: سمعت ابنَ عباس رضي الله عنهما يقرأ: {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ} [آل عمران: 7]
صحيح. أخرجه عبد الرزاق في "تفسيره"(1/ 116)، وابن المنذر في "تفسيره" (1/ 130 - 131/ رقم: 254)، وابن جرير الطبري في تفسيره "جامع البيان" (6/ 252/ رقم: 6627 - شاكر)، والحاكم في "المستدرك"(2/ 289).
من طريق: معمر به.
وصححه الحاكم على شرط الشيخين، ووافقه الذهبي.