الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
36 -
الفتن
1 - باب ذكْرِ الفِتَنِ وَدَلائِلِها
4240 -
حَدَّثَنا عُثْمانُ بْنُ أَبي شَيْبَةَ، حَدَّثَنا جَرِيرٌ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبي وائِلٍ، عَنْ حُذَيْفَةَ قالَ: قامَ فِينا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قائِمًا فَما تَرَكَ شَيْئًا يَكُونُ في مَقامِهِ ذَلِكَ إِلَى قِيامِ السّاعَةِ إِلَّا حَدَّثَهُ حَفِظَهُ مَنْ حَفِظَهُ وَنَسِيَهُ مَنْ نَسِيَهُ قَدْ عَلِمَهُ أَصْحابُهُ هؤلاء، وَإِنَّهُ لَيَكُونُ مِنْهُ الشَّيء، فَأَذْكُرُهُ كَما يَذْكرُ الرَّجُلُ وَجْهَ الرَّجُلِ إِذا غابَ عَنْهُ ثُمَّ إِذا رَآهُ عَرَفَهُ (1).
4241 -
حَدَّثَنا هارُونُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنا أَبُو داوُدَ الحَفَري، عَنْ بَدْرِ بْنِ عُثْمانَ، عَنْ عامِرٍ، عَنْ رَجُلٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ النَّبي صلى الله عليه وسلم قالَ:"يَكُونُ في هذِه الأُمَّةِ أَرْبَعُ فِتَنٍ في آخِرِها الفَناءُ"(2).
4242 -
حَدَّثَنا يَحْيَى بْن عُثْمانَ بْنِ سَعِيدٍ الحِمْصي، حَدَّثَنا أَبُو المُغِيرَةِ، حَدَّثَني
(1) رواه البخاري (6604)، ومسلم (2891).
(2)
رواه ابن أبي شيبة 21/ 254 (38723).
وضعفه الألباني في "الضعيفة"(4831).
عَبْدُ اللَّهِ بْن سالِمٍ حَدَّثَني العَلاءُ بْن عُتْبَةَ، عَنْ عُمَيْرِ بْنِ هانِئٍ العَنْسي قالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ يَقولُ: كُنّا قُعُودًا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَذَكَرَ الفِتَنَ فَأَكْثَرَ في ذِكْرِها حَتَّى ذَكَرَ فِتْنَةَ الأَحْلاسِ فَقالَ قائِلٌ: يا رَسُولَ اللَّهِ وَما فِتْنَةُ الأَحْلاسِ؟
قالَ: "هي هَرَبٌ وَحَرْبٌ ثُمَّ فِتْنَةُ السَّرّاءِ دَخَنُها مِنْ تَحْتِ قَدَمَي رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ بَيْتي يَزْعُمُ أَنَّهُ مِنّي وَلَيْسَ مِنّي وَإِنَّما أَوْلِيائي المُتَّقُونَ ثُمَّ يَصْطَلِحُ النّاسُ عَلَى رَجُلٍ كَوَرِكٍ عَلَى ضِلَعٍ، ثُمَّ فِتْنَةُ الدُّهَيْماءِ لا تَدَعُ أَحَدًا مِنْ هذِه الأُمَّةِ إِلَّا لَطَمَتْهُ لَطْمَةً فَإِذا قِيلَ انقَضَتْ تَمادَتْ يُصْبِحُ الرَّجُلُ فِيها مُؤْمِنًا وَيُمْسي كافِرًا حَتَّى يَصِيرَ النّاسُ إِلَى فُسْطاطَيْنِ فُسْطاطِ إِيمانٍ لا نِفاقَ فِيهِ، وَفُسْطاطِ نِفاقٍ لا إِيمانَ فِيهِ فَإِذا كانَ ذاكُمْ فانْتَظِرُوا الدَّجّالَ مِنْ يَوْمِهِ أَوْ مِنْ غَدِهِ"(1).
4243 -
حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ فارِسٍ، حَدَّثَنا ابن أَبِي مَرْيَمَ، أَخْبَرَنا ابن فَرُّوخَ أَخْبَرَني أُسامَةُ بْن زَيْدٍ أَخْبَرَني ابن لِقَبِيصَةَ بْنِ ذُؤَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ قالَ: قالَ حُذَيْفَةُ ابْنُ اليَمانِ واللَّه ما أَدْري أَنَسي أَصْحابي أَمْ تَناسَوْا، واللَّه ما تَرَكَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ قائِدِ فِتْنَةٍ إِلَى أَنْ تَنْقَضي الدُّنْيا يَبْلُغُ مَنْ مَعَهُ ثَلاثَمِائَةٍ فَصاعِدًا إِلَّا قَدْ سَمّاهُ لَنا بِاسْمِهِ واسْمِ أَبِيهِ واسْمِ قَبِيلَتِهِ (2).
4244 -
حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا أَبُو عَوانَةَ، عَنْ قَتادَةَ، عَنْ نَصْرِ بْنِ عاصِمٍ، عَنْ سُبَيْعِ بْنِ خالِدٍ قالَ: أَتَيْتُ الكُوفَةَ في زَمَنِ فُتِحَتْ تُسْتَرُ أَجْلُبُ مِنْها بِغالًا فَدَخَلْتُ المَسْجِدَ فَإِذا صَدْعٌ مِنَ الرِّجالِ، وَإِذا رَجُلٌ جالِسٌ تَعْرِفُ إِذا رَأَيْتَهُ أَنَّهُ مِنْ رِجالِ أَهْلِ الحِجازِ، قالَ: قُلْتُ: مَنْ هذا؟ فَتَجَهَّمَني القَوْمُ وَقالُوا: أَما تَعْرِفُ هذا هذا حُذَيْفَةُ بْنُ اليَمانِ صاحِبُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؟
فَقالَ حُذَيْفَةُ: إِنَّ النّاسَ كانُوا يَسْأَلُونَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنِ الخَيْرِ وَكُنْتُ أَسْأَلُهُ عَنِ
(1) رواه أحمد 2/ 133.
وصححه الألباني في "الصحيحة"(974).
(2)
ضعفه الألباني في "المشكاة"(5393).
الشَّرِّ فَأَحْدَقَهُ القَوْمُ بِأَبْصارِهِمْ، فَقالَ: إِنّي قَدْ أَرى الذي تُنْكِرُونَ إِنّي قُلْتُ: يا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ هذا الخَيْرَ الذي أَعْطانا اللَّه أَيَكُونُ بَعْدَهُ شَرٌّ كَما كانَ قَبْلَهُ؟ قالَ: "نَعَمْ". قُلْتُ فَما العِصْمَةُ مِنْ ذَلِكَ قالَ: "السَّيْفُ". فلْت: يا رَسُولَ اللَّهِ ثُمَّ ماذا يَكُونُ قالَ: "إِنْ كانَ للَّه خَلِيفَةٌ في الأَرْضِ فَضَرَبَ ظَهْرَكَ وَأَخَذَ مالَكَ فَأَطِعْهُ وَإِلَّا فَمُتْ وَأَنْتَ عاضٌّ بِجِذْلِ شَجَرَةٍ". قُلْتُ: ثُمَّ ماذا؟ قالَ: "ثُمَّ يَخْرُجُ الدَّجّالُ مَعَهُ نَهْرٌ وَنارٌ، فَمَنْ وَقَعَ في نارِهِ وَجَبَ أَجْرُهُ وَحُطَّ وِزْرُهُ، وَمَنْ وَقَعَ في نَهْرِهِ وَجَبَ وِزْرُهُ وَحُطَّ أَجْرُهُ". قالَ: قُلْت: ثُمَّ ماذا؟ قالَ: "ثُمَّ هي قِيامُ السّاعَةِ"(1).
4245 -
حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْن يَحْيَى بْنِ فارِسٍ، حَدَّثَنا عَبْدُ الرَّزّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتادَةَ، عَنْ نَصْرِ بْنِ عاصِمٍ، عَنْ خالِدِ بْنِ خالِدٍ اليَشْكُري بهذا الحَدِيثِ، قالَ: قُلْتُ: بَعْدَ السَّيْفِ؟ قالَ: "بَقِيَّةٌ عَلَى أَقْذاءٍ وَهُدْنَةٌ عَلَى دَخَنٍ". ثُمَّ ساقَ الحَدِيثَ قالَ: كانَ قَتادَةُ يَضَعُهُ عَلَى الرِّدَّةِ التي في زَمَنِ أَبِي بَكْرٍ: "عَلَى أَقْذاءٍ". يَقُولُ قَذى. وَهُدْنَةٌ". يَقُولُ صُلْحٌ: "عَلَى دَخَنٍ". عَلَى ضَغائِنَ (2).
4246 -
حَدَّثَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ القَعْنَبي، حَدَّثَنا سُلَيْمانُ -يَعْني: ابن المُغِيرَةِ- عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ نَصْرِ بْنِ عاصِمٍ اللَّيْثي قالَ: أَتَيْنا اليَشْكُري في رَهْطٍ مِنْ بَني لَيْثٍ فَقالَ مَنِ القَوْمُ فَقُلْنا بَنُو لَيْثٍ أَتَيْناكَ نَسْأَلُكَ، عَنْ حَدِيثِ حُذَيْفَةَ فَذَكَرَ الحَدِيثَ قالَ: قُلْتُ: يا رَسُولَ اللَّهِ هَلْ بَعْدَ هذا الخَيْرِ شَرٌّ قالَ: "فِتْنَةٌ وَشَرٌّ". قالَ: قُلْتُ: يا رَسُولَ اللَّهِ؟ هَلْ بَعْدَ هذا الشَّرِّ خَيْرٌ؟ قالَ: "يا حُذَيْفَةُ تَعَلَّمْ كِتابَ اللَّهِ واتَّبعْ ما فِيهِ". ثَلاثَ مِرارٍ.
قالَ: قُلْتُ: يا رَسُولَ اللَّهِ، هَلْ بَعْدَ هذا الشَّرِّ خَيْرٌ؟ قالَ: "هُدْنَةٌ عَلَى دَخَنٍ
(1) رواه أحمد 5/ 403. ورواه بنحوه البخاري (3606)، ومسلم (1847).
وروى قصة الدجال البخاري (3450)، ومسلم (2934).
(2)
رواه معمر في "جامعه" 11/ 341 - 343 (20711)، وأحمد 5/ 403 مطولا. وانظر السابق وتالييه.
وَجَماعَةٌ عَلَى أَقْذاءٍ فِيها أَوْ فِيهِمْ". قُلْتُ: يا رَسُولَ اللَّهِ الهُدْنَةُ عَلَى الدَّخَنِ ما هي قالَ: "لا تَرْجِعُ قُلُوبُ أَقْوامٍ عَلَى الذي كانَتْ عَلَيْهِ".
قالَ: قُلْتُ: يا رَسُولَ اللَّهِ أَبَعْدَ هذا الخَيْرِ شَرٌّ قالَ: "فِتْنَةٌ عَمْياءُ صَمّاءُ عَلَيْها دُعاةٌ عَلَى أَبْوابِ النّارِ فَإنْ تَمُتْ يا حُذَيْفَةُ وَأَنْتَ عاضٌّ عَلَى جِذْلٍ خَيْرٌ لَكَ مِنْ أَنْ تَتَّبعَ أَحَدًا مِنْهُمْ"(1).
4247 -
حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا عَبْدُ الوارِثِ، حَدَّثَنا أَبُو التّيّاحِ، عَنْ صَخْرِ بْنِ بَدْرٍ العِجْلي، عَنْ سُبَيْعِ بْنِ خالِدٍ بهذا الحَدِيثِ عَنْ حُذَيْفَةَ، عَنِ النَّبي صلى الله عليه وسلم قالَ:"فَإِنْ لَمْ تَجِدْ يَوْمَئِذٍ خَلِيفَةً فاهْرَبْ حَتَّى تَمُوتَ فَإِنْ تَمُتْ وَأَنْتَ عاضٌّ". وقالَ: في آخِرِهِ قالَ: قُلْتُ: فَما يَكونُ بَعْدَ ذَلِكَ؟ قالَ: "لَوْ أَنَّ رَجُلًا نَتَجَ فَرَسًا لَمْ تُنْتَجْ حَتَّى تَقُومَ السّاعَةُ"(2).
4248 -
حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا عِيسَى بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنا الأَعْمَشُ، عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ رَبِّ الكَعْبَةِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّ النَّبي صلى الله عليه وسلم قالَ:"مَنْ بايَعَ إِمامًا فَأَعْطاهُ صَفْقَةَ يَدِهِ وَثَمَرَةَ قَلْبِهِ فَلْيُطِعْهُ ما اسْتَطاعَ فَإِنْ جاءَ آخَرُ يُنازِعُهُ فاضْرِبُوا رَقَبَةَ الآخَرِ".
قُلْتُ: أَنْتَ سَمِعْتَ هذا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قالَ: سَمِعَتْهُ أُذُناي وَوَعاهُ قَلْبَي. قُلْتُ: هذا ابن عَمِّكَ مُعاوِيَةُ يَأْمُرُنا أَنْ نَفْعَلَ وَنَفْعَلَ. قالَ أَطِعْهُ في طاعَةِ اللَّهِ واعْصِهِ في مَعْصِيَةِ اللَّهِ (3).
4249 -
حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْن يَحْيَى بْنِ فارِسٍ، حَدَّثَنا عُبَيْدُ اللَّهِ بْن مُوسَى عَنْ
(1) رواه أحمد 5/ 386. وانظر ما قبله.
وحسن إسناده الألباني في "صحيح سنن أبي داود".
(2)
رواه أحمد 5/ 403.
ضعف إسناده الألباني في "الصحيحة"(1791).
(3)
رواه مسلم (1844).
شَيْبانَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبي صالِحٍ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبي صلى الله عليه وسلم قالَ:"وَيْلٌ لِلْعَرَبِ مِنْ شَرٍّ قَدِ اقْتَرَبَ أَفْلَحَ مَنْ كَفَّ يَدَهُ"(1).
4250 -
قالَ أَبُو داوُدَ: حُدِّثْتُ، عَنِ ابن وَهْبٍ قالَ: حَدَّثَنا جَرِيرٌ بْن حازِمٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ نافِعٍ، عَنِ ابن عُمَرَ قالَ: قالَ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "يُوشِكُ المُسْلِمُونَ أَنْ يُحاصَرُوا إِلَى المَدِينَةِ حَتَّى يَكُونَ أَبْعَدُ مَسالِحِهِمْ سَلاحَ"(2).
4251 -
حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ صالِحٍ، عَنْ عَنْبَسَةَ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ الزُّهْري قالَ: وَسَلاحُ قَرِيبٌ مِنْ خَيْبَرَ.
4252 -
حَدَّثَنا سُلَيْمانُ بْنُ حَرْبٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى قالا: حَدَّثَنا حَمّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ أيُّوبَ، عَنْ أَبي قِلابَةَ، عَنْ أَبي أَسْماءَ، عَنْ ثَوْبانَ قالَ: قالَ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ اللَّهَ زَوى لي الأَرْضَ".
أَوْ قالَ: "إِنَّ رَبّي زَوى لي الأَرْضَ فَرَأَيْتُ مَشارِقَها وَمَغارِبَها، وَإِنَّ مُلْكَ أُمَّتي سَيَبْلُغُ ما زُوي لي مِنْها، وَأُعْطِيتُ الكَنْزَيْنِ الأَحْمَرَ والأَبْيَضَ، وَإِنّي سَأَلْتُ رَبّي لأُمَّتي أَنْ لا يُهْلِكَها بِسَنَةٍ بِعامَّةٍ، وَلا يُسَلِّطَ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِنْ سِوى أَنْفُسِهِمْ فَيَسْتَبِيحَ بَيْضَتَهُمْ، وَإِنَّ رَبّي قالَ لي: يا مُحَمَّدُ إِنّي إِذا قَضَيْتُ قَضاءً فَإنَّهُ لا يُرَدُّ وَلا أُهْلِكُهُمْ بِسَنَةٍ بِعامَّةٍ، وَلا أُسَلِّطُ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِنْ سِوى أَنفُسِهِمْ فَيَسْتَبِيحَ، بَيْضَتَهُمْ وَلَوِ اجْتَمَعَ عَلَيْهِمْ مَنْ بَيْنَ أَقْطارِها أَوْ قالَ: بِأَقْطارِها حَتَّى يَكُونَ بَعْضُهُمْ يُهْلِكُ بَعْضًا، وَحَتَّى يَكُونَ بَعْضُهُمْ يَسْبي بَعْضًا وَإِنَّما أَخافُ عَلَى أُمَّتي الأَئِمَّةَ المُضِلِّينَ، وَإِذا وُضِعَ السَّيْفُ في أُمَّتي لَمْ
(1) رواه أحمد 2/ 441.
وصححه الألباني في "المشكاة"(5404).
(2)
رواه ابن حبان 15/ 174 (6771)، والطبراني في "الأوسط" 6/ 286 (6432)، والحاكم 4/ 511.
وصححه الألباني في "صحيح الجامع"(8181).
يُرْفَعْ عَنْها إِلَى يَوْمِ القِيامَةِ وَلا تَقُومُ السّاعَةُ حَتَّى تَلْحَقَ قَبائِلُ مِنْ أُمَّتي بِالمُشْرِكِينَ وَحَتَّى تَعْبُدَ قَبائِلُ مِنْ أُمَّتي الأَوْثانَ وَإِنَّهُ سَيَكُونُ في أُمَّتي كَذّابُونَ ثَلاثُونَ كُلُّهُمْ يَزْعُمُ أَنَّهُ نَبي وَأَنا خاتَمُ النَّبِيِّينَ لا نَبي بَعْدي وَلا تَزالُ طائِفَةٌ مِنْ أُمَّتي عَلَى الحَقِّ". قالَ ابن عِيسَى: "ظاهِرِينَ". ثمَّ اتَّفَقا: "لا يَضُرُّهُمْ مَنْ خالَفَهُمْ حَتَّى يَأْتي أَمْرُ اللَّهِ" (1).
4253 -
حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْن عَوْفٍ الطّائي، حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْن إِسْماعِيلَ حَدَّثَني أَبِي -قالَ ابن عَوْفٍ: وَقَرَأْتُ في أَصْلِ إِسْماعِيلَ-، قالَ: حَدَّثَني ضَمْضَمٌ عَنْ شُرَيْحٍ، عَنْ أَبِي مالِكٍ -يَعْني: الأَشْعَري- قالَ: قالَ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ اللَّهَ أَجارَكُمْ مِنْ ثَلاثِ خِلالٍ أَنْ لا يَدْعُوَ عَلَيْكُمْ نَبِيُّكُمْ فَتَهْلِكُوا جَمِيعًا وَأَنْ لا يَظْهَرَ أَهْلُ الباطِلِ عَلَى أَهْلِ الحَقِّ وَأَنْ لا تَجْتَمِعُوا عَلَى ضَلالَةٍ"(2).
4254 -
حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْن سُلَيْمانَ الأَنْباري، حَدَّثَنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، عَنْ سُفْيانَ، عَنْ مَنْصْورٍ، عَنْ رِبْعي بْنِ حِراشٍ، عَنِ البَراءِ بْنِ ناجِيَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، عَنِ النَّبي صلى الله عليه وسلم قالَ:"تَدُورُ رَحَى الإِسْلامِ لِخَمْسٍ وَثَلاثِينَ أَوْ سِتٍّ وَثَلاثِينَ أَوْ سَبْعٍ وَثَلاثِينَ، فَإِنْ يَهْلِكُوا فَسَبِيلُ مَنْ هَلَكَ وَإِنْ يَقُمْ لَهُمْ دِينُهُمْ يَقُمْ لَهُمْ سَبْعِينَ عامًا". قالَ: قُلْتُ: أَمِمّا بَقي أَوْ مِمّا مَضَى؟ قالَ: "مِمّا مَضَى". قالَ أَبُو داوُدَ: مَنْ قالَ: (خِراشٍ): فَقَدْ أَخْطَأَ (3).
4255 -
حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ صالِحٍ، حَدَّثَنا عَنْبَسَةُ، حَدَّثَني يُونُسُ، عَنِ ابن شِهابٍ، قالَ: حَدَّثَني حُمَيْدُ بْن عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ أَبا هُرَيْرَةَ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "يَتَقارَبُ
(1) رواه مسلم (2889).
(2)
رواه الطبراني 3/ 292 (3440).
وضعفه الألباني في "ضعيف الجامع"(1532).
(3)
رواه أحمد 1/ 393. بجواب النبي بلفظ: "مما بقي" بدل "مما مضى".
وصححه الألباني في "المشكاة"(5407).
الزَّمانُ وَيَنْقُصُ العِلْمُ وَتَظْهَرُ الفِتَنُ وَيُلْقَى الشُّحُّ وَيَكْثُرُ الهَرْجُ".
قِيلَ: يا رَسُولَ اللَّهِ أَيَّةُ هُوَ؟ قالَ: "القَتْلُ القَتْلُ"(1).
* * *
بسم الله الرحمن الرحيم
أول كتاب الفتن
باب ذكر الفتن ودلائلها
[4240]
(ثنا عثمان بن أبي شيبة، ثنا جرير)(2) بن عبد الحميد الضبي (عن الأعمش، عن أبي (3) وائل) شقيق بن سلمة الأسدي (عن حذيفة) بن اليمان رضي الله عنه (قال: قام فينا) أوضح هذِه الرواية الترمذي بلفظ: صلى بنا (4)(رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم) يومًا صلاة العصر بنهار، ثم قام خطيبًا فلم يدع شيئًا يكون إلى قيام الساعة إلا أخبرنا به (5) (قائمًا فما ترك شيئًا يكون في مقامه) بفتح الميم (ذلك إلى قيام الساعة إلا حدثه) قال القرطبي: هذا المجرور الذي في مقامه يجوز أن يتعلق بـ (ترك)، والأليق أن يكون متعلقًا بـ (حدت) لأن الظاهر من الكلام أنه أراد أنه ما ترك شيئًا يكون إلى قيام الساعة إلا حدث به في ذلك المقام (6).
(1) رواه البخاري (7061)، ومسلم إثر حديث (2672)، وإثر حديث (2888).
(2)
فوقها في (ل): (ع).
(3)
فوقها في (ل): (ع).
(4)
"سنن الترمذي"(2191) من حديث أبي سعيد الخدري.
(5)
السابق.
(6)
"المفهم" 7/ 220.
وظاهر رواية الترمذي المذكورة أن هذا المقام كان من بعد صلاة العصر لا قبل ذلك، ويجوز أن يكون كانت الخطبة بعد صلاة الصبح إلى غروب الشمس، كما في حديث عمرو بن أخطب (1)، وفيه بعد، وعلى كل تقدير فعمومات هذِه الأحاديث يريد بها الخصوص؛ إذ لا يمكن أن يحدث في يوم ولا أيام، بل ولا في أعوام بجميع ما يحدث بعد النبي صلى الله عليه وسلم تفصيلًا، وإنما مقصود هذِه العمومات: الإخبار عن رؤوس الفتن والمحن ورؤسائها.
(حفظه من حفظه) بكسر الفاء فيهما (ونسيه من نسيه) ممن سمعه (قد علمه أصحابه)(2) وهو لفظ مسلم: قد علمه أصحابي (3)(هؤلاء) وهو الظاهر، فإن أصحابه الحاضرين هم الذين قد علموا (وإنه ليكون) أي: ليحدث (منه الشيء) قد نسيته، فيقع كما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم (فأذكره كما يذكر الرجل وجه الرجل إذا غاب عنه) قال عبد الحق الإشبيلي: كذا وقع، قال: ووجه الكلام: كما ينسى الرجل وجه الرجل إذا غاب عنه (ثم إذا رآه) يذكر ما رأى و (عرفه) وهذا من شواهد نبوته صلى الله عليه وسلم أن يقع الشيء كما أخبر به.
[4241]
(ثنا هارون بن عبد اللَّه) بن مروان البغدادي، شيخ مسلم (ثنا أبو داود) عمر بن سعد (الحفري) بفتح المهملة والفاء نسبة إلى الحفر، موضع بالكوفة، أخرج له مسلم في مواضع (عن بدر بن عثمان) مولى
(1) رواه مسلم (2892).
(2)
بعدها في (ل)، (م): رواية: أصحابي.
(3)
مسلم (2891/ 23).
عثمان بن عفان، أخرج له مسلم (عن عامر) بن شراحيل الشعبي (عن رجل، عن عبد اللَّه) بن مسعود رضي الله عنه (عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يكون في الأمة أربع فتن) يشبه أن تكون الفتن التي بعد هذا الحديث تفسير لهذِه الأربع (في آخرها) أي في الفتنة الرابعة يكون (الفناء) بفتح الفاء والمد. يعني: الموت.
[4242]
(ثنا يحيى بن عثمان بن سعيد الحمصي) أخو عمرو، وهو ثقة عابد من الأبدال (ثنا أبو (1) المغيرة) عبد القدوس بن الحجاج الخولاني الحمصي (حدثني عبد اللَّه بن سالم) الأشعري الحمصي، قال النسائي: ليس به بأس. وقال يحيى بن حسان التنيسي: ما رأيت بالشام مثله (2)! (حدثني العلاء بن عتبة) اليحصبي بفتح الياء والصاد، الحمصي، صدوق، وقال أبو حاتم: صالح (3). (عن عمير (4) بن هانئ العنسي) بسكون النون الداراني.
(قال: سمعت عبد اللَّه بن عمر رضي الله عنهما يقول: كنا قعودًا عند رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم) فيه أن الأدب مع العالم الكبير الجلوس بين يديه دون قيام؛ فإنه غير معروف عندهم، ولو كان مشروعًا لكان أحق بالقيام بين يديه (فذكر الفتن، فأكثر من ذكرها، حتى ذكر فتنة الأحلاس) بالحاء والسين المهملتين، والأحلاس جمع حلس بكسر الحاء، كحمل
(1) فوقها في (ل): (ع).
(2)
انظر: "تهذيب الكمال" 14/ 549 (3285).
(3)
"الجرح والتعديل" 6/ 358.
(4)
فوقها في (ل): (ع).
وأحمال، وهو في الأصل: الكساء الذي على ظهر البعير تحت القتب، وأضيفت الفتنة إلى الأحلاس؛ لدوامها وطول لبثها وملازمتها، وكل من لازم شيئًا سمي حليسه، ومنه حديث أبي بكر:"كن حلس بيتك حتى تأتيك يد خاطئة أو منية قاضية"(1). ويقال للرجل إذا كان يلازم بيته لا يبرح (2) منه: هو حلس بيته. قال الخطابي: ويحتمل أن تسمى هذِه الفتنة بالأحلاس؛ لسوادها وظلمتها، والحرب ذهاب الأهل والمال (3).
(فقال قائل: يا رسول اللَّه وما فتنة الأحلاس؟ قال: هي هرب وحرب) بفتح الحاء المهملة والراء، وهو نهب مال الإنسان وذهاب ماله، قال في "النهاية": الحرب بالتحريك: نهب مال الإنسان وتركه لا شيء له (4). ومنه حديث عيينة بن حصن: حتى أدخل على نسائه من الحرب والحزن ما أدخل على نسائي (5).
ومنه حديث الزبرقان: آخره: حرب (6).
وروي بالسكون. أي: النزاع، ومن هذا المعنى أخذ لفظ: الحرب؛
(1) رواه الطبراني في "الكبير" 6/ 32 (5424)، وفي "الأوسط" 3/ 30 (2375)، والحاكم في "المستدرك" 13/ 117 - 118 بنحوه من حديث سعد بن زيد الأشهلي مرفوعًا. ونسبه هكذا لأبي بكر الزمخشري في "الفائق في غريب الحديث" 1/ 305، وابن الأثير في "النهاية في غريب الحديث" 1/ 423 وغيرهما.
(2)
في (ح): يخرج.
(3)
"معالم السنن" 4/ 310.
(4)
"النهاية في غريب الحديث والأثر" 1/ 358.
(5)
يأتي برقم (4503).
(6)
رواه مالك في "الموطأ" 2/ 770، والبيهقي في "السنن الكبرى" 6/ 49، وفي "السنن الصغرى" 2/ 294 من قول عمر بن الخطاب. وانظر:"الإرواء"(1436).
لأن فيه ذهاب النفوس والأموال.
(ثم فتنة السراء) السراء بفتح السين المهملة والراء المشددة مع المد، قال ابن الأثير والزمخشري في "الفائق": هي البطحاء (1). سميت بذلك، لأنها تسر العدو. وقال بعضهم: هي التي تدخل الباطن وتزلزله. قال: ولا أدري ما وجهه. وقال غيره: هو داء يأخذ الناقة في سرتها، يقال: ناقة سراء. أي: بها داء السرر. ومعناه: هي الفتنة التي يصل ضررها إلى صدور الناس لما يلحقهم من الحزن.
(دخنها) بفتح الدال والخاء المعجمة ثم نون (من تحت قدمي) بفتح الميم وسكون ياء التثنية (رجل من أهل بيتي) قال في "النهاية": يعني بالدخن ظهورها وإثارتها من الأرض التي تحت أقدامهم، لا من السماء، مبدؤها من تحت قدمي رجل من أهل بيته، فشبهها بالدخان المرتفع (2). والدخن بالتحريك مصدر: دخنت النار بكسر الخاء تدخن دخنًا إذا ألقي عليها حطب رطب فكثر دخانها. وقيل: أصل الدخن أن يكون في لون الدابة كدورة إلى سواد، ومنه الحديث:"هدنة على دخن"(3) أي: على فساد واختلاف، تشبهًا بدخان الحطب الرطب؛ لما في ذلك من الفساد الباطن.
(1)"الفائق في غريب الحديث" 1/ 305، "النهاية في غريب الحديث والأثر" 2/ 361.
(2)
"النهاية في غريب الحديث" 2/ 109.
(3)
يأتي قريبًا (4245، 4246) من حديث حذيفة.
ورواه أحمد 5/ 386، 403، والنسائي في "الكبرى" 5/ 17 - 18. وصححه ابن حبان 13/ 298 - 299 (5963)، والحاكم 4/ 431 - 432، والألباني في "الصحيحة" (1791، 2739).
(يزعم أنه مني) ومن أهل بيتي (وليس مني) يعني أن ظهور هذِه الفتنة بواسطة رجل يدعي أنه من أهل بيتي وليس من أهلي، لأنه لو كان من أهلي لم يهيج الفتنة بين أهل ملتي، فهو وإن كان نسبه من أهل بيتي لكنه في فعله هذا ليس مني (وإنما أوليائي المتقون) أي: ليس ولي من أهل بيتي إلا من اتقى اللَّه تعالى وامتثل أمره واجتنب نواهيه.
(ثم يصطلح الناس) بعد ذلك (على) تولية (رجل) مثله (كورك) بفتح الواو وكسر الراء، وهو ما فوق الفخذ (على ضلع) بكسر الضاد وفتح اللام المخففة، وهو عظم الجنب، والمراد بالورك والضلع هاهنا المثل، فهذا الرجل غير جدير للملك؛ لقلة علمه وخفة رأيه ولا مستقل به، فهو لا يثبت ملكه ولا يستقيم كما لا يقوم الضلع بالورك ولا يحمله، وإنما يقال في باب البلاغة والموافقة: هو ككف على ساعد. وكساعد في ذراع، ونحو ذلك.
قال في "النهاية": أي: يصطلحون على أمرٍ واهٍ لا نظام له ولا استقامة؛ لأن الورك لا يستقيم على الضلع ولا يتركب عليه؛ لاختلاف ما بينهما وبعده (1).
(ثم) ذكر (فتنة الدهيماء) بضم الدال وفتح الهاء، تصغير دهماء بالمد، على معنى المذمة لها والتعظيم لأمرها، كما قال لبيد:
وكل أناس سوف يحدث بينهم
…
دويهية تصفر منها الأنامل
(1)"النهاية في غريب الحديث والأثر" 5/ 176.
وحديث حذيفة: أتتكم الدهيماء ترمي بالرضف (1). يريد: الفتنة المظلمة. وقيل: أراد بالدهيماء الداهية؛ فإن من أسماء الداهية: الدهيم، زعموا أن الدهيم في الأصل اسم ناقة كان غزا عليها سبعة إخوة، فقتلوا عن آخرهم وحملوا عليها حتى رجعت بهم، فصارت مثلًا في كل داهية (لا تدع أحذا من هذِه الأمة إلا لطمته لطمة) أي تصل إلى كل واحد من هذِه (2) الأمة حصته من تلك الفتنة، فهي كاللطمة، وهي الضربة التي تصل إليه ببطن الكف [منها.
(فإذا قيل: انقضت) الفتنة وذهبت (تمادت) تفاعل من المدى، أي، (3)، تطاولت وتواصلت وتأخرت، ومنه حديث كعب بن مالك: فلم يزل ذلك يتمادى بي (4) و (يصبح الرجل فيها) أي في تلك الفتنة، يعني: يصبح محرمًا لدم أخيه وعرضه، ويمسي مستحلًّا لهما (مؤمنًا، ويمسي) وقد صار (كافرًا) من عظم تلك الفتنة (حتى يصير الناس إلى فسطاطين) بضم الفاء.
والفسطاط: الخيمة التي يجتمع الناس تحتها. أي: يصير أهل ذلك الزمان إلى فرقتين مجتمعتين: مسلم خالص، وكافر صرف، أحدهما:(فسطاط إيمان) خالص (لا نفاق فيه) أي: لا نفاق في قلب رجل من
(1) رواه الحاكم في "المستدرك" 4/ 464، وأبو نعيم في "الحلية" 1/ 273: أتتكم الفتنة ترمي بالرضف. وذكره بلفظ المصنف ابن الأثير في "النهاية" 2/ 146.
(2)
ساقطة من (ل).
(3)
ما بين المعقوفتين ساقط من (م).
(4)
رواه البخاري (4418)، ومسلم (2769).
أهل تلك الفسطاط (و) الثاني (فسطاط) أهل (نفاق) في قلوبهم وألسنتهم (لا إيمان فيه) أي: لا إيمان في قلب رجل منهم (1)(فإذا كان ذلكم) الزمان الذي ذكر ووجد فيكم (فانتظروا) ظهور (الدجال) سريعًا (في يومه) أي: في يوم ذلك الوقت، لم يتأخر أو وعده أن يتأخر عن ذلك اليوم، فنسأل اللَّه تعالى العافية من ذلك الزمان.
[4243]
(ثنا محمد بن يحيى) بن عبد اللَّه بن خالد (بن فارس) الذهلي، شيخ البخاري (ثنا) سعيد بن الحكم (ابن (2) أبي مريم) المصري (ثنا) عبد اللَّه (ابن (3) فروخ) الخراساني، قال ابن أبي مريم: هو أرضى أهل الأرض عندي (4).
(أبنا أسامة (5) بن زيد) الليثي (أخبرني ابن) قيل: هو: إسحاق القبيصة (6) بن ذؤيب) الخزاعي، كان عالمًا ربانيًّا (عن أبيه) قبيصة (قال حذيفة بن اليمان رضي الله عنهما: واللَّه ما أدري) فيه جوازُ الحلف من غير استحلاف، تأكيدٌ لليمين (أنسي أصحابي) ما سمعوه معي (أم تناسوا؟ ) أي: أروا من أنفسهم أنهم نسوا أو تناسوا (7).
(1) ساقطة من (م).
(2)
فوقها في (ل): (ع).
(3)
فوقها في (ل): (د).
(4)
انظر: "تهذيب الكمال" 15/ 428 (3481).
(5)
فوقها في (ل): (ع).
(6)
فوقها في (ل): (ع).
(7)
في (ل)، (م): وتنسوا. ولعل المثبت هو الصواب.
(واللَّه ما ترك رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم من قائد فتنة) أي: طالبها وآت بها يقودها، كما يقاد الجمل، يكون بعد النبي صلى الله عليه وسلم. قائد الفتنة: من يحدث بدعة أو ضلالة ويدعو إليها، لا سيما العالم بالكلام إذا حسن ارتكاب بدعة (إلى أن تنقضي الدنيا، يبلغ) عدد (من معه) أي: مع قائد الفتنة، وهو جملة صفة و (قائد) والمعنى -واللَّه أعلم- أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ذكر لنا كل قائد فتنة يبلغ أتباعه ثلاثمائة فما فوق ذلك يكون إلى يوم القيامة (ثلاثمائة) رجل (فصاعدًا إلا وقد سماه) النبي صلى الله عليه وسلم (لنا باسمه واسم أبيه واسم قبيلته) التي هو منها.
قال القرطبي: دلت أحاديث هذا الباب على أن الصحابة رضي الله عنهم كان عندهم من علم الكوائن إلى يوم القيامة العلم الكبير، وأسماء قوائد الكوائن وأسماء قبائلهم، كما صرح به في الحديث لكن لم يشيعوها كلها ويشهروها؛ إذ ليست من أحاديث الأحكام، وما كان فيه شيء من ذلك حدثوا به وتقصوا عنه (1). ويدل على ذلك حديث أبي هريرة في الصحيحين: حفظت من رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وعاءين أما أحدهما فبثثته، وأما الآخر فلو بثثته لقطع هذا البلعوم (2).
[4244]
(حدثنا مسدد، ثنا أبو عوانة) الوضاح بن عبد اللَّه الحافظ (عن قتادة، عن نصر بن عاصم) الليثي النحوي، أخرج له مسلم (عن سبيع بن خالد) ويقال: خالد بن سبيع اليشكري البصري، مقبول.
(قال: أتيت الكوفة في زمن فتحت تستر) بضم التاء الأولى، وفتح
(1)"المفهم" 7/ 221 وفيه: حدثوا به ونقضوا عن عهدته.
(2)
رواه البخاري (120).
الثانية، بلدة من كور الأهواز من خزستان، وفتحت تستر سنة عشرين في أيام عمر رضي الله عنه، ونال الصحابة رضي الله عنهم شديد في فتحها؛ لأنه كانت من البلاد الحصينة، وهي المسماة بتستر، بها قبر البراء بن مالك الأنصاري، أخو أنس بن مالك، وكان البراء شهد أحدًا وما بعدها، وروى، ورد بحديث أنس: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "رب أشعث أغبر لو أقسم على اللَّه لأبره" منهم البراء بن مالك. فقال المسلمون يوم تستر: أقسم على ربك. فقال: أقسم عليك يا رب لما منحتنا أكتافهم، وألحقني بنبيك. فحمل وحمل الناس معه فانهزم الفرس وقتل البراء (1). وقد قتل مائة، مبارزة.
أريد أن (أجلب منها بغالًا) جمع بغل، وهو المتولد بين الفرس والحمار (فدخلت المسجد) الذي فيها (فإذا صدع) بفتح الصاد والدال ثم عين، مهملات، هو الشاب المعتدل، أي رجل بين الرجلين، قال بعضهم: رجل صدع. بالتسكين. وقد تحرك، قال المنذري: وهو الصواب (من الرجال) زاد في "شرح السنة": حسن الثغر (2). أي: ليس بعظيم اللحم ولا خفيفه، وكذلك الصدع: الوعل ليس بالعظيم ولا الصغير؛ وإنما يوصف بذلك لاجتماع القوة فيه والخفة، شبهه في نهضه إلى صعاب الأمور وخفته في الحروب حين يفضي الأمر إليه
(1) رواه الحاكم 3/ 291 - 292 - وصححه- وأبو نعيم في "الحلية" 1/ 6، 350، وفي "معرفة الصحابة" 1/ 381 (1077)، والبيهقي في "شعب الإيمان" 7/ 331 (10483)، وفي "الاعتقاد"(ص 315)، والضياء في "المختارة" 7/ 217 - 218 (2659).
(2)
"شرح السنة" للبغوي 15/ 9.
بالوعل؛ لتوعله في رؤوس الجبال.
(فإذا رجل جالس تعرف)(1) بالمثناة فوق (إذا رأيته أنه من رجال أهل الحجاز) في هيئاتهم التي يظهر منها أثر الجهد وشدة المعيشة (قال: قلت: ) لبعض الحاضرين (من هذا؟ ) الرجل (فتجهمني القوم) أي: استقبلوني بالغلظة والوجه الكريه، ومنه حديث الدعاء:"إلى من تكلني، إلى عدوٍّ يتجهمني؟ "(2) وفي رواية لغير المصنف: فقالوا لي: أبصريٌّ أنت؟ ولو كنت كوفيًّا لمَ تسأل عن هذا (3)؟ يعني: هيئته الظاهرة تغني عن السؤال عنه عند ذي النظر الصحيح.
(وقالوا: أما تعرف من هذا؟ ) استفهام إنكار (هذا حذيفة بن اليمان) اسم أبيه حسيل. وقيل: حسل بن جابر بن عمرو العبسي، وقيل: اليمان لقب جدهم جروة بن الحارث. قال الكلبي: لأنه أصاب دمًا في قومه فهرب إلى المدينة، وحالف عبد الأشهل فسماه قومه: اليمان (صاحب) سر (رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم) زاد في "شرح السنة": فقعدت في حدث القوم (4).
(فقال حذيفة رضي الله عنه: إن الناس كانوا يسألون رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم عن) أفعال
(1) ساقطة من (م).
(2)
رواه الطبراني 13/ 73 (181)، 14/ 139 (14764)، والضياء في "المختارة" 9/ 179 - 180 (162) من حديث عبد اللَّه بن جعفر. وضعفه الألباني في "الضعيفة"(2933).
(3)
رواه أحمد 5/ 386، والنسائي في "الكبرى" 5/ 17، وابن حبان في "صحيحه" 13/ 298 (5963).
(4)
"شرح السنة" 15/ 9 وفيه: فقعدت، وحدَّث القوم.
(الخير) ليفعلوه (وكنت أسأله عن الشر) لأجتنبه وأحذر وقوعه (فأحدقه القوم بأبصارهم) رواية البغوي: فأنكر ذلك القوم عليه (1). أي: رمقوه بحدقهم، والتحديق: شدة النظر إلى الشيء.
(فقال: إني) واللَّه (قد أرى)(قد) هذِه للتوقيع المستقبل، كقولك: قد يقدم الغائب اليوم. إذا كنت تتوقع قدومه، والمراد هنا -واللَّه أعلم-: إني واللَّه أعلم لأتوقع رؤية (الذي (2) تنكرون) وقوعه قريبًا.
(إني قلت: يا رسول اللَّه أرأيت هذا الخير الذي أعطانا اللَّه) تعالى على يديك (أيكون بعده شر كما كان قبله؟ قال: نعم) بعد هذا، الشرُّ هو الفتن التي وقعت بعده.
(قلت: فما العصمة) أي: ما طريق النجاة (من ذلك؟ ) الشر، أي: ما الذي يمنع من هذا الشر ومن الوقوع فيه؟ (قال: السيف) يحتمل أن يكون منصوبًا على التحذير، بمعنى: أحذر السيف، كقوله تعالى:{فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ نَاقَةَ اللَّهِ} (3) وأجاز الفراء الرفع في: (ناقة اللَّه) وعلى هذا فيجوز رفع السيف، ويدل على هذا الاحتمال الأحاديث في الباب بعده، كحديث مسلم بن أبي بكرة: فليغمد سيفه فليضربه بحده على حده. كما سيأتي، وقيل: معنى قوله: (قال: السيف) أي: تحصل العصمة باستعمال السيف. ومعنى قوله: (السيف). كما قال قتادة: هو ما وقع على أهل الردة كما كان في زمن الصديق رضي الله عنه كما يأتي،
(1)"شرح السنة" 15/ 9.
(2)
بعدها في (ل)، (م): نسخة: ما.
(3)
الشمس: 13.
وحديث سعد: "كن كابن آدم"(1) وتلا: {لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ} وحديث أبي موسى: "واضربوا بسيوفكم الحجارة"(2) وحديث أبي ذر: أفلا آخذ سيفي فأضعه على عاتقه. قال: "شاركت القوم إذا"(3).
(قلت: يا رسول اللَّه ماذا) أي: أي شيء أفعل في ذلك الوقت إن عشت فيه؟ (قال: إن كان) للَّه (خليفة) بالرفع (في الأرض فضرب ظهرك) أو غيره (وأخذ مالك) كله أو بعضه أو أكرهك على أن تعطيه إياه (فأعطه)(4) إياه، واحتسبه عند اللَّه تعالى [طالبًا ثوابه وأجره من اللَّه تعالى](5) من غير كراهة ولا تسخط.
(وإلا) أي: وإن لم يكن للَّه خليفة في الأرض (فمت) لفظ مسلم: قال: "تلزم جماعة المسلمين وإمامهم" قلت: فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام؟ قال: "فاعتزل تلك الفرق كلها حتى يدركك الموت وأنت على ذلك"(6) وفي رواية له: قلت: كيف أصنع يا رسول اللَّه إن أدركت ذلك؟ قال: "تسمع وتطيع للأمير وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك فاسمع وأطع"(7) فإن لم تطعه مع ضرب ظهرك ثارت الفتنة
(1) رواه الترمذي (2194)، وأحمد 1/ 185، والضياء في "المختارة" 3/ 140 (938)، وصححه الألباني في "الإرواء" 8/ 104.
(2)
رواه ابن ماجه (3961)، وأحمد 4/ 416، وصححه ابن حبان 13/ 297 (5962).
(3)
رواه الحاكم 2/ 158 - وصححه- 4/ 424، والبيهقي 8/ 191.
(4)
بعدها في (ل): خـ: فأطعه.
(5)
ما بين المعقوفتين ساقط من (م).
(6)
مسلم (1847/ 51) وهو أيضًا عند البخاري (3606، 7084).
(7)
مسلم (1847/ 52).
وانتشرت، وفيه دليل لوجوب طاعة المتولين للإمامة بالقهر من غير إجماع ولا عهد، بل تولى الإمامة بالشوكة (وأنت عاض) بتشديد الضاد المعجمة.
(بجذل) بفتح الجيم وكسرها، توضحه رواية مسلم:"ولو أن تعض على أصل شجرة"(1) بالباء في رواية المصنف: (بجذل) بمعنى: على، كقوله تعالى:{وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ} (2) أي: على قنطار، والجذل: الأصل، فإن الروايات يبين بعضها بعضًا، وفي الحديث:"يبصر أحدكم القذاة في عين أخيه، ولا يبصر الجذل في عينه"(3) وهو أصل الشجر الذي يقطع، ومنه حديث التوبة:"ثم مرت بجذل شجرة فتعلق به زمامها"(4).
[ومنه: "جذيلها المحكك" (5)](6)(قلت: ثم ماذا؟ ) يكون بعد ذلك (قال: يخرج) المسيح (الدجال معه نهر) بفتح الهاء (ونار) فيه الإيمان بالدجال وخروجه حق، وهو مذهب أهل السنة، وأنه يخرج معه واديان أحدهما جنة والَاخر نار، فناره جنة وجنته نار (فمن وقع في
(1) مسلم (1847/ 51).
(2)
آل عمران: 75، ووردت في الأصول:{وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ} .
(3)
رواه ابن حبان 13/ 73 (5761)، والقضاعي في "مسنده" 1/ 356 (610)، وأبو نعيم في "الحلية" 4/ 99 من حديث أبي هريرة مرفوعًا. ورواه البخاري في "الأدب المفرد"(592) من حديثه موقوفًا. والحديث صححه الألباني في "الصحيحة"(33).
(4)
رواه مسلم (2746) من حديث البراء بن عازب.
(5)
جزء من حديث رواه البخاري (6830).
(6)
ما بين المعقوفتين ساقط من (م).
ناره) فبما يبدو للناس (وجب أجره) على اللَّه تعالى (وحط) عنه (وزره، ومن وقع في نهره) الذي يظهر للناس أنه جنته ونعيمه (وجب وزره، وحط) أي: سقط ثواب (أجره) الذي كان عمله (قال: قلت: ثم ماذا؟ ) يكون بعد ذلك (قال: هي قيام الساعة) كما سيأتي.
[4245]
(ثنا محمد بن يحيى) بن عبد اللَّه بن خالد (بن فارس) الذهلي (حدثنا عبد الرزاق، عن معمر، عن قتادة، عن نصر بن عاصم) الليثي النحوي، نقط المصاحف، أخرج له مسلم.
(عن خالد بن خالد) الصحيح أنه سبيع بن خالد، ويحتمل أن يكون اسمه خالدًا، ولقبه سبيعًا، فذكره المصنف قبل هذا بلقبه، وذكره في هذِه الرواية باسمه، وهو بصري، روى عنه جماعة، وهو مقبول كما تقدم في سبيع (اليشكري) بفتح المثناة تحت وسكون المعجمة وضم الكاف، نسبة إلى يشكر بن وائل، وهو أخو بكر وتغلب ابني وائل (بهذا الحديث) المذكور.
وزاد: (قال: قلت: بعد) أن ذكر (السيف) ثم ماذا؟ (قال: تقية) أي يتقي بعضهم بعضًا ويظهرون الصلح وباطنهم خلافه، وفي رواية لغير المصنف: قلت: يا رسول اللَّه، وهل للسيف من تقية؟ قال:"نعم، تقية"(على أقذاء) بسكون القاف وتخفيف الذال المعجمة، والتقاة والتقية بمعنى، يريد أنهم يتقون بعضهم بعضًا، ويظهر الصلح والاتفاق، وباطنهم بخلاف ذلك.
قال القرطبي في "التذكرة": الأقذاء جمع القذى، والقذى جمع قذاة، وهي ما يقع في العين من الأذى، وفي الشراب والطعام من
تراب أو تبن أو غير ذلك. قال: والمراد به في الحديث: الفساد الذي يكون في القلوب [يعني: أنهم يتقون بعضهم بعضا، ويظهرون خلاف ذلك (1) (وهدنة) بضم الهاء وسكون الدال، أي: صلح (على دخن) بفتح الدال والخاء المعجمة، أي: على بقايا في القلوب](2) من الضغائن والحقد ونحو ذلك كما سيأتي.
(ثم ساق الحديث) المذكور و (قال) في هذِه الرواية (كان قتادة) أحد رواة الحديث (يضعه) أي: يحمل الدخن (على الردة التي) وقعت (في زمن أبي بكر) الصديق، يعني لما توفي رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وارتد ناس، فكانوا صنفين: صنف ارتدوا عن الدين ونابذوا الملة، وصنف ارتدوا عن الدين وأنكروا الشرائع وتركوا الصلاة والزكاة وغيرهما من أمور الدين، وعادوا إلى ما كانوا عليه في الجاهلية، وصنف فرقوا بين الصلاة والزكاة، فأقروا بالصلاة وأنكروا الزكاة ووجوب أدائها إلى الإمام، وهؤلاء في الحقيقة أهل بغي، وفي أمر هؤلاء وقع الخلاف ووقعت الشبهة لهؤلاء الذين ذكر الدخن فيهم، ثم فسر الراوي قوله:(على أقذاء) جمع قذى (يقول: ) معناه على (قذى) جمع قذاة، وهو ما يقع في العين والماء والشراب من تراب أو تبن، والمعنى أن اجتماعهم يقع على فساد في قلوبهم.
قذى مقصور، وأصله الوسخ يقع في العين أو غيرها (وهدنة) وأصله السكون عن القتال بكلام أو إعطاء عهد ونحوه، من هدنت الصبي:
(1)"التذكرة بأحوال الموتى وأمور الآخرة"(ص 1103).
(2)
ما بين المعقوفتين ساقط من (م).
سكنته بكلام (يقول: دخن) أي (على ضغائن) وحقد باقية في قلوبهم.
[4246]
(ثنا عبد اللَّه بن مسلمة) القعنبي (ثنا سليمان (1) بن المغيرة) البصري الجليل (عن حميد) بن هلال العبدي البصري.
(عن نصر بن عاصم الليثي قال: أتينا) سبيعًا -خالد بن خالد- (اليشكري رضي الله عنه في رهط من بني ليث) بن كنانة، أو ليث بن بكر بن عبد مناة (فقال: من القوم؟ فقلنا: أتيناك نسألك عن حديث حذيفة) بن اليمان في الفتنة، فذكر الحديث كما تقدم ثم (قال: قلت: يا رسول هل بعد هذا الخير) من (شر؟ قال) نعم (فتنة وشر) يجتمعان.
(قلت: يا رسول اللَّه هل بعد هذا الشر) من (خير؟ ) يعقبه (قال: تعلم كتاب اللَّه) تعالى، أي: تعلم ألفاظه وأحكامه واتبع ما فيه، هو موافق لقوله تعالى:{اتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ} (2)، {الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ} (3) والمعنى: اجعله إماما لك تقتدي به وتهتدي به، قال الحسن: يا ابن آدم أمرت باتباع كتاب اللَّه، واللَّه ما أنزلت آية إلا ويجب أن تعلم فيما أنزلت وما معناها.
وفيه دليل على تعلم كتاب اللَّه تعالى عند فساد الزمان والتمسك بما فيه وتفهم معانيه للعمل به، ومن لم يعلم فليسأل أهل العلم عما لم يفهمه (ثلاث مرات) فيه إعادة الكلمة ثلاث مرات على المتعلم ليحفظها.
(قال: قلت: يا رسول اللَّه بعد هذا الشر خير؟ قال: هدنة) أي: صلح
(1) فوقها في (ل): (ع).
(2)
الأنعام: 106.
(3)
الزمر: 18.
على بقايا من الضغن (على دخن) لأن الهدنة: الصلح، والدخان أثر من النار، يدل على بقايا من الضغن فيها (وجماعة) يصطلحون (على أقذاء) جمع قذى، كما تقدم (فيها، أو) قال (فيهم) شك من الراوي، صلح ضغن (قلت: يا رسول اللَّه الهدنة على الدخن ما هي؟ قال: لا ترجع قلوب أقوام على) أي إلى الهدى والخير (الذي كانت عليه) قبل ذلك؛ لعدم وجود من يهتدى به من المرشدين الذين مضوا من السلف الصالح (قال: قلت: يا رسول اللَّه، هل بعد الخير) من (شر؟ قال) نعم، تقع بعد ذلك (فتنة عمياء صماء) بالمد فيهما تأنيث الأعمى والأصم، وقيل: هي التي لا يبصر فيها الحق ولا يسمع، وقيل: من الحية العمياء الصماء التي لا تقبل الدعاء (1)(عليها (2) دعاة على أبواب النار) زاد مسلم ولفظه: "دعاة على أبواب جهنم من أجابهم إليها قذفوه فيها"(3). قال العلماء: هؤلاء من كان من الأمراء يدعو إلى بدعة أو ضلال آخر، كالخوارج والقرامطة وأصحاب المحنة.
(فإن مت يا حذيفة وأنت عاض على جذل) شجرة تمتصها فهو (خير لك من أن تتبع) بالتشديد والتخفيف لغتان، والجذل بفتح الجيم وكسرها: أصل الشجرة إذا قطعت أغصانها، ففيه العزلة والصبر على نغص الزمان وتحمل مشاقه [(أحدًا منهم)](4) فيفتنك في دينك، فنسأل
(1) في "النهاية" لابن الأثير 3/ 54: الرقى.
(2)
ساقطة من النسخ.
(3)
مسلم (1847) وهو أيضًا عند البخاري (7084).
(4)
ساقطة من النسخ.
اللَّه العافية.
[4247]
(ثنا مسدد، ثنا عبد الوارث، ثنا أبو التياح) يزيد بن حميد (عن صخر بن بدر العجلي) بكسر العين وسكون الجيم، نسبة إلى عجل بن لجيم بن نزار، ذكره ابن حبان في "الثقات"(1).
(عن سبيع بن خالد) اليشكري (بهذا الحديث) المذكور (عن حذيفة) ابن اليمان رضي الله عنه.
(عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: فإن لم تجد يومئذ خليفة فاهرب) توضحه رواية مسلم: "فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام فاعتزل تلك الفرق كلها"(2).
(حتى تموت وأنت عاض) على جذل شجرة حتى يدركك الموت (وقال في آخره: قال: قلت: يا رسول اللَّه فما يكون بعد ذلك؟ ) أي: ثم ما يحدث بعد ذلك الذي ذكرته؟
(قال: لو أن رجلًا نتج) بفتح النون والمثناة المخففة (3)(فرسًا) أي: تولى ولادتها عند الوضع، والناتج للإبل والخيل كالقابلة للنساء عند الطلق (لم تنتج) بفتح أوله وكسر ثالثه، أي: لم تلد ولدها، لفظ رواية الحاكم:"لم تنتج المهر فلا يركب حتى تقوم الساعة"، والمهر: ولد الفرس، فلا ترتكب بكسر الكاف من: اركب المهر يرتكب، بكسر الكاف: حان (4) وقت ولادته.
(1)"الثقات" 6/ 473.
(2)
مسلم (1847) وهو أيضًا عند البخاري (3606، 7084).
(3)
بعدها في (ل)، (م): ش: المشددة.
(4)
في (م): جاء.
وقيل: المراد به نزول عيسى عليه السلام، ووقوع عدله، فلا يركب المهر؛ لضيق الزمان عن المحاربة.
(حتى تقوم الساعة) فإذا ولي الإنسان (1) فرسًا أو ناقة أو شاة ماخضًا حتى تضع، قيل: نتجها ينتجها نتجًا، مثل: ضرب يضرب ضربًا.
[4248]
(ثنا مسدد، ثنا عيسى بن يونس) ابن أبي إسحاق، أحد الأعلام (ثنا الأعمش، عن زيد بن وهب) الجهني، هاجر ففاتته رؤية رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بأيام (عن عبد الرحمن بن عبد رب الكعبة) الصائدي، أخرج له مسلم في الصلاة وغيرها (عن عبد اللَّه بن عمرو) بن العاص رضي الله عنهما.
(أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: من بايع إمامًا) على الإنفاذ له. هذا بعض حديث ذكره مسلم وغيره، ولفظه: عن عبد الرحمن بن عبد رب الكعبة قال: دخلت المسجد فإذا عبد اللَّه بن عمرو بن العاص جالس في ظل الكعبة والناس مجتمعون عليه، فأتيته فجلست إليه، فقال: كنا مع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم في سفر فنزلنا منزلًا، فمنا من يصلح خباءه، ومنا من ينتضل، ومنا من هو في جَشَرِه، إذ نادى منادي رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: الصلاة جامعة. فاجتمعنا إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فقال: "إنه لم يكن نبي قبلُ إلا كان حقًّا عليه أن يدل أمته على خير ما يعلمه لهم، وينذرهم شر ما يعلمه لهم، وإن أمتكم هذِه جعل عافيتها في أولها، وسيصيب آخرها بلاء وأمور تنكرونها، وتجيء فتنة فيرقق بعضها (2) بعضًا،
(1) ساقطة من (م).
(2)
في جميع النسخ: (بعضهم)، والمثبت من "الصحيح".
وتجيء فتنة فيقول المؤمن: هذِه تهلكني. ثم تنكشف، وتجيء الفتنة، فيقول المؤمن: هذِه هذِه. فمن أحب أن يزحزح عن النار ويدخل الجنة فلتأته منيته وهو يؤمن باللَّه واليوم الآخر، وليأت إلى الناس ما يحب أن يؤتى إليه، ومن بايع إمامًا" (1).
(فأعطاه صفقة يده وثمرة قلبه) قال القرطبي: يدل على أن البيعة لا يكتفى فيها بمجرد عقد اللسان فقط، بل لا بد من الضرب باليد، كما قال تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ} (2) ولكن ذلك للرجال فقط كما سيأتي إن شاء اللَّه تعالى، ولا بد من التزام البيعة بالقلب وترك الغش والخديعة؛ فإنها من أعظم العبادات، ولا بد فيها من النية والنصيحة، والصفقة أصلها الضرب بالكف على الكف، أو بأصبعين على الكف، وهو الكف (3) كما تقدم في الصلاة (4).
(فليطعه ما استطاع) أي: على قدر استطاعته وطاقته (فإن جاء) إمام (آخر ينازعه فاضربوا رقبة) لفظ مسلم: "فاضربوا عنق"(5)(الآخر) قال النووي: معناه: ادفعوا الثاني فإنه خارج على الإمام، فإن لم يندفع إلا بحرب وقتال فقاتلوه، فإن دعت المقاتلة إلى قتله جاز قتله ولا ضمان فيه؛ فإنه ظالم متعد في قتاله (6).
(1) مسلم (1844).
(2)
الفتح: 10.
(3)
هكذا في النسخ، وفي "المفهم": التصفيق.
(4)
"المفهم" 4/ 52 - 53.
(5)
مسلم (1844).
(6)
"مسلم بشرح النووي" 12/ 234.
(قلت) أ (أنت) لفظ مسلم: فقلت: أنشدك اللَّه أأنت (1)(سمعت هذا من رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم؛ قال: سمعته أذناي ووعاه قلبي) استحلاف عبد الرحمن له زيادة في الاستيثاق لا أنه كذبه ولا اتهمه.
(قلت) له (ابن عمك معاوية) ووجهه أن عبد اللَّه بن عمرو قرشي سهمي، ومعاوية بن أبي سفيان قرشي أموي، فلهذا قال (ابن عمك)(يأمرنا أن نفعل ونفعل) أوضحه في رواية مسلم، ولفظه: يأمرنا أن نأكل أموالنا بيننا بالباطل ونقتل أنفسنا، واللَّه يقول:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا (29)} (2) فسكت ساعة ثم (3)(قال: أطعه في طاعة اللَّه واعصه في معصية اللَّه) هذا كقوله صلى الله عليه وسلم: "فإن أمر بمعصية اللَّه فلا سمع ولا طاعة"(4) وهذا فيه دليل على طاعة المتولين بالقهر من غير إجماع ولا عهد، والأحاديث الصحيحة فيها حجة على منع الخروج على أمراء الجور ولزوم طاعتهم كما سيأتي.
[4249]
(ثنا محمد بن يحيى) بن عبد اللَّه (بن فارس) الذهلي (ثنا عبيد (5) اللَّه) بالتصغير (ابن موسى) العنسي أحد الأعلام (عن شيبان، عن الأعمش، عن أبي صالح) السمان.
(1) مسلم (1844).
(2)
النساء: 29.
(3)
مسلم (1844).
(4)
رواه البخاري (2955، 7144)، ومسلم (1839) من حديث ابن عمر.
(5)
فوقها في (ل): (ع).
(عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ويل للعرب) زاد مسلم: فقال: خرج رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يومًا فزعًا محمرًّا وجهه يقول: "لا إله إلا اللَّه، ويل للعرب"(1)(من شر قد اقترب) هذا سنة على الاختلاف في الفتن والهرج الواقع في العرب، وأول ذلك قتل عثمان؛ ولذلك أخبر عنه بالعرب، وقد (أفلح من كف يده) عن القتال ولسانه عن الكلام في الفتن؛ لكثرة خطر ذلك، ووقوع نكاله في اختلاف الفرق، لأن قتل المسلمين غير جائز (2).
[4252]
(ثنا سليمان (3) بن حرب) الواشحي البصري، قاضي مكة (ومحمد بن عيسى) الطباع (4) (قالا: ثنا حماد بن زيد، عن أيوب، عن أبي قلابة) الجرمي، واسمه: عبد اللَّه بن زيد (عن أبي أسماء)(5) عمرو ابن مرثد (6) الرحبي (عن ثوبان) مولى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم.
(قال رسول اللَّه: إن اللَّه تعالى زوى) بفتح الزاي والواو المخففة (لي الأرض -أو قال)(7) شك من الراوي.
(إن ربي زوى لي الأرض فرأيت مشارقها ومغاربها) أي: جمعها لي
(1) مسلم (2/ 2880)، وهو أيضًا عند البخاري (7135).
(2)
الحديثان رقم (4255، 4251) سيأتي شرحهما ص 519 - 521.
(3)
فوقها في (ل): (ع).
(4)
في (ل)، (م): سورة. وهو خطأ. فابن سورة هو الإمام الترمذي لم يرو عنه أبو داود إنما الثابت عكس ذلك، والمثبت من ترجمة الإمام أبي داود.
(5)
فوقها في (ل): (ع).
(6)
ساقطة من (م).
(7)
من هنا يبدأ سقط في (م) سنشير إليه عند نهايته.
حتى أبصرت ما تملكه أمتي من أقصى المشارق والمغارب منها، وظاهر هذا اللفظ يقتضي أن اللَّه تعالى قوى إدراك بصره، ورفع عنه الموانع المعتادة، فأدرك البعيد من موضعه الذي هو فيه كما أدرك بيت المقدس من مكة، وجعل يخبرهم عن آياته وهو ينظر إليه، ويحتمل أن يكون قربها اللَّه له فرآها، قال القرطبي: والأول أولى.
(وإن ملك) بضم الميم (أمتي سيبلغ ما زوي) أي: جمع (لي منها) هذا الخبر قد وجد مخبره كما قال، وكان ذلك من دلائل نبوته، وذلك أن ملك أمته اتسع إلى أن بلغ أقصى بحر طنجة الذي هو منتهى عمارة المغرب إلى أقصى المشرق وما وراء خراسان والنهر وكثير من بلاد السند والهند ولم يتسع ذلك الاتساع من جهة الجنوب والشمال، ولذلك لم يذكر عليه السلام أنه أريه، ولا أخبر أن ملك أمته سيبلغه.
(وأعطيت الكنزين الأحمر والأبيض) يعني بهما: كنز كسرى وقيصر ملكي العراق والشام، وقصورهما وبلادهما، والمراد بالأحمر الذهب، وبالأبيض الفضة، وعبر بالأحمر عن كنز قيصر ملك الروم؛ لأن الغالب كان عندهم الذهب، وبالأبيض عن كنز كسرى؛ لأن الغالب كان عندهم الفضة والجوهر، وقد وجد ذلك في زمن الفتوح في خلافة عمر، فإنه سيق إليه تاج كسرى وحليته وما كان في بيوت أمواله وما حوته مملكته مع سعتها وعظمها، وكذلك فعل اللَّه بقيصر لما فتح بلاده.
(وإني سألت ربي لأمتي أن لا يهلكها بسنة بعامة) الباء زائدة والتقدير بسنة عامة كما في مسلم. قال القرطبي: صحت الرواية في مسلم "بعامة"
قال: وكأنها زائدة؛ لأن "عامة" صفة لـ "سنة" فكأنه قال: سنة عامة. ويعني بالسنة الجدب العام الذي يكون به الهلاك العام ويكون قد أبدل عامة من سنة بإعادة العامل، تقول: مررت بأخيك بعمرو، ومنه قوله تعالى:{قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ} (1) ويسمى الجدب والقحط سنة، ويجمع سنين كما قال تعالى:{وَلَقَدْ أَخَذْنَا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ} (2) أي: بالجدب المتوالي (3).
والمعنى: لا تهلك أمتي بقحط عام، بل إن وقع قحط فيكون في ناحية يسيرة بالنسبة إلى باقي بلاد الإسلام لتمتاز بلاد الجدب من بلاد الخصب.
(وأن لا يسلط عليهم عدوًّا من سوى أنفسهم فيستبيح بيضتهم) وبيضة المسلمين جماعتهم ومعظمهم، وبيضة القوم ساحتهم، وعلى هذا فيكون معنى الحديث أن اللَّه تعالى لا يسلط العدو على كافة المسلمين حتى يستبيح جميع ما عندهم وما حازوه من البلاد والأرض ولو اجتمع عليهم كل من بين أقطار الأرض وجوانبها.
(وإن ربي) رحمهم و (قال لي: يا محمد) لعمرك (إني إذا قضيت) في سابق علمي (قضاء) حكمت فيه بوعد أو وعيد ([فإنه] (4) لا يرد) قضاؤه ولا يخلف وعده (ولا أسلط عليهم عدوا من سوى أنفسهم) أي: من
(1) الأعراف: 75.
(2)
الأعراف: 135.
(3)
"المفهم" 7/ 217.
(4)
ما بين المعقوفتين ساقط من (ل)، والمثبت من "السنن".
غيرهم (فيستبيح بيضتهم ولو اجتمع عليهم من) بفتح الميم، أي: جميع الذين (بين أقطارها، أو قال) شك الراوي، اجتمع عليهم (بأقطارها) أي: جوانب الأرض ونواحيها من البلاد والأماكن (حتى يكون بعضهم يهلك) بضم الياء (بعضا، وحتى يكون بعضهم يسبي) بفتح أوله (بعضا).
قال القرطبي: ظاهر (حتى) الغاية، فيقتضي ظاهر هذا الكلام أنه لا يسلط عليهم عدوهم فيستبيحهم إلا إذا كان منهم إهلاك بعضهم لبعض، وسبي بعضهم لبعض، وحاصل هذا أنه إذا كان من المسلمين ذلك تفرقت جماعتهم واشتغل بعضهم ببعض عن جهاد العدو، فقويت شوكة العدو واستولى كما شاهدنا في زماننا هذا في المشرق والمغرب، وذلك أنه لما اختلفت ملوك المشرق وتجادلوا استولى كفار الترك على جميع عراق المعجم، ولما اختلفت ملوك المغرب وتجادلوا استولت الإفرنج على جميع بلاد الأندلس والجزر القريبة منها، وها هم قد طمعوا في بلاد الإسلام، فنسأل اللَّه أن يدرك المسلمين باللطف والنصر.
ولا يصح أن تكون (حتى) بمعنى (كي) لفساد المعنى، فتدبره (1).
(وإنما أخاف على أمتي) من (الأئمة) الأئمة جمع إمام، وهو الذي يدعو الناس إلى ضلالة بالقول أو الفعل أو اعتقاد يعتقده (المضلين) الذين تولوا الولايات بغير علم، فحكموا بغير علم فضلوا وأضلوا، فهم ضالون عن الحق [مضلون](2) لغيرهم، وقد يدخل فيهم العلماء الذين لا يعملون بعلمهم، وجهلاء الصوفية الذين صاروا مشايخ يقتدى
(1)"المفهم" 7/ 218.
(2)
في (ل): مضلين. والمثبت هو الصواب.
بهم، فيلعب بهم الشيطان وبمن يقتدي بهم، إلا من وفقه اللَّه تعالى (فإذا وضع) بضم الواو وكسر الضاد (السيف في أمتي) بالقتل (لم يرفع عنها) لفظ ابن ماجه:"عنهم"(1).
(إلى يوم القيامة) هل يتسلسل فيهم وإن قل؟ أو كان في بعض الجهات دون بعض لم ينقطع؟ (ولا تقوم الساعة حتى تلحق قبائل من أمتي) لفظ ابن ماجه: "ستلحق قبائل من أمتي"(2) وواحد القبائل قبيلة، وهم بنو أب أو جد وإن علا (بالمشركين) أي: ينزلون بهم فيصيرون منهم بالردة ونحوها (وحتى تعبد قبائل من أمتي الأوثان) كما كانت تعبدها في الجاهلية، وقد ارتد قبائل في خلافة أبي بكر، حتى لم يكن يسجد للَّه تعالى في بسيط الأرض إلا في ثلاثة مساجد: مسجد مكة، ومسجد المدينة، ومسجد عبد القيس في البحرين.
(وإنه سيكون في أمتي) لفظ ابن ماجه: "وإن بين يدي الساعة دجالين"(3)(كذابون ثلاثون) لفظ ابن ماجه: "قريب من ثلاثين"(4)(كلهم يزعم أنه نبي) مرسل، قال القرطبي: وقد جاء عددهم معينا في حديث حذيفة: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم "يكون في أمتي كذابون دجالون سبع وعشرون، منهم أربع نسوة" أخرجه الحافظ أبو نعيم، وقال: هذا حديث غريب تفرد به معاوية بن هشام (5).
(1) ابن ماجه (3952).
(2)
السابق.
(3)
في "ل": دجالون، والمثبت من "سنن ابن ماجه"(3952).
(4)
ابن ماجه (3952).
(5)
"التذكرة بأحوال الموتى وأمور الآخرة"(ص 1226)، "حلية الأولياء" 4/ 179.
قال القاضي عياض: عد من تنبأ من زمن النبي صلى الله عليه وسلم إلى الآن ممن استشهر بذلك وعرف، واتبعه جماعة على ضلالته فوجد هذا العدد فيهم، ومن طالع كتب الأخبار والتواريخ عرف صحة هذا (1).
(وأنا خاتم النبيين) أي: آخر الأنبياء (لا نبي بعدي) وإنما ينزل عيسى عليه السلام في آخر الزمان داعيًا إلى شريعة محمد صلى الله عليه وسلم، والإجماع على ذلك، ولم يخالف إلا من لا يعتد بقوله من الزنادقة والفلاسفة، وأما ما رواه ابن جرير الطبري في "تهذيب الآثار":"غير إنه لا نبي بعدي إن شاء اللَّه". فهذِه الزيادة قال الحاكم في "الإكليل": وضعها محمد بن سعيد المصلوب، ولو صحت فهي محمولة على عيسى عليه السلام. وتأولها ابن عبد البر على الرؤيا؛ لأنه لم يبق بعده من أجزاء النبوة غيرها. من هنا إلى آخره في "صحيح مسلم" (ولا تزال طائفة من أمتي) الطائفة: الجماعة، وهم العصابة كما في الحديث الآخر (على الحق. قال) محمد (ابن عيسى) في رواية (ظاهرين) على الحق. (ثم اتفقا) بعد ذلك (لا يضرهم من خالفهم حتى يأتي أمر اللَّه) وهم الذين قال اللَّه فيهم:{وَمِمَّنْ خَلَقْنَا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ (181)} (2) ومعنى (ظاهرين) منصورين غالبين لمن خالفهم، وأمر اللَّه: قيام الساعة، وقد اختلف: فيمن هذِه الطائفة؟ وأين هم؟ فقال علي بن المديني: هم الغرب. استدل برواية من روى: هم أهل المغرب، وشبه الغرب بالدلو العظيمة.
وروى الدارقطني في "فوائده" حديث سعد بن أبي وقاص وقال فيه: "لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق في المغرب حتى تقوم
(1)"إكمال المعلم" 8/ 232.
(2)
الأعراف: 181.
الساعة ويأتي أمر اللَّه" ورواه الطبري وقال: هم أهل بيت المقدس.
قال القرطبي: في هذا الحديث دلالة على صحة الإجماع؛ لأن الأمة إذا اجتمعت فقد دخلت فيهم العصابة، ولا تعارض بين هذا الحديث وبين قوله صلى الله عليه وسلم:"لا تقوم الساعة إلا على شرار الخلق"(1) وبين قوله: "لا تقوم الساعة وفي الأرض من يقول: اللَّه"(2) كما في حديث عقبة بن عامر (3).
[4253]
(ثنا محمد بن عوف الطائي) الحمصي، ثقة حافظ (ثنا محمد ابن إسماعيل) بن عياش بالتحتانية، ثم المعجمة، العنسي، عابوا عليه أنه حدث عن أبيه بغير سماع (حدثني أبي) إسماعيل بن عياش، عالم الشاميين، قال البخاري: إذا حدث عن أهل حمص فصحيح (4)، وهنا حدث (عن ضمضم) الحمصي (قال) محمد (ابن عوف: ) في روايته.
(وقرأت في أصل إسماعيل) بن عيالش (حدثني ضمضم بن زرعة) الحمصي. قال عثمان بن سعيد الدارمي، عن يحيى بن معين: ثقة (5). وذكره ابن حبان في "الثقات"(6). (عن شريح) بن عبيد الحضرمي بحمص، صدوق (عن أبي مالك الأشعري)[سعد بن طارق](7) رضي الله عنه.
(1) رواه مسلم (1924) عن عبد اللَّه بن عمرو بن العاص موقوفًا.
(2)
رواه مسلم (148) من حديث أنس.
(3)
"المفهم" 3/ 764.
(4)
"التاريخ الكبير" 1/ 369.
(5)
"تاريخ ابن معين" رواية الدارمي (ص 135)(443).
(6)
"الثقات" 6/ 485.
(7)
كذا في الأصول، وهو خطأ؛ وإنما أبو مالك الأشعري، مختلف في اسمه فقيل: الحارث بن الحارث، وقيل: عبيد، وقيل: عبيد اللَّه، وقيل: عمرو. وغير ذلك، =
(قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: إن اللَّه تعالى أجاركم من ثلاث خلال) أي: خصال (لا يدعو عليكم نبيكم صلى الله عليه وسلم) دعوة (فتهلكوا) بكسر اللام (جميعًا) كما دعا نوح على قومه فهلكوا جميعهم، بل كان كثير الدعاء لهم، واختبأ دعوته المستجابة لأمته يوم القيامة، ونهى عن الدعاء فقال:"لا تدعوا على أهاليكم"(1).
(وأن لا يظهر) بضم أوله، وكسر ثالثه، أي: لا يعلي (أهل) دين (الباطل) وهو الكفر (على) دين (أهل الحق) يعني: أهل الإسلام بالغلبة والقهر، بل يعلي دين الإسلام على جميع الأديان. قيل: ذلك عند نزول عيسى عليه السلام، فلا يبقى أهل دين إلا دخل في الإسلام. وقال السدي: ذلك عند خروج المهدي، لا يبقى أحد إلا دخل في الإسلام، إما بعز عزيز أو بذل ذليل. وقيل: المراد بإظهار أهل الحق بالحجج الواضحة والبراهين اللائحة؛ لأن حجج دين الإسلام أقوى الحجج وبراهينه أقطع الدلائل، فما تحاج مؤمن وكافر إلا ظهرت حجة المسلم على الكافر، وكبت (2) اللَّه الكافر وأدحض حجته.
(وألا تجتمعوا على ضلالة) لفظ الترمذي: "لا تجتمع هذِه الأمة على ضلالة"(3) وزاد ابن ماجه: "فإذا وقع الاختلاف فعليك بالسواد
= وانظر ترجمته في "تهذيب الكمال" 34/ 245. وانظر ترجمة سعد بن طارق أبي مالك الأشجعي في "تهذيب الكمال" 10/ 269.
(1)
سبق برقم (1532) من حديث جابر بمعناه.
(2)
في (ل): ويكبت. والمثبت هو الصواب.
(3)
"سنن الترمذي"(2167) بلفظ: "إن اللَّه لا يجمع أمتي -أو قال: أمة محمد صلى الله عليه وسلم على ضلالة".
الأعظم" (1) مع الحق وأهله، وقد استدل به الغزالي وغيره من الأصوليين على كون الإجماع حجة.
[4254]
(ثنا محمد بن سليمان الأنباري) بتقديم النون على الموحدة، وثقه الخطيب (2)(ثنا عبد (3) الرحمن) بن مهدي البصري (عن سفيان) الثوري (عن منصور) بن المعتمر (عن ربعي بن حراش) بكسر الحاء المهملة (عن البراء (4) بن ناجية) الكاهلي، ثقة (عن عبد اللَّه ابن مسعود رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: تدور) قال الحربي: ويروى: تزول.
قال القرطبي: كأن (يزول) أقرب؛ لأن (رحى الإسلام) تزول عن ثبوتها واستقرارها، ودوران الرحى كناية عن الحرب والقتال، شبهها بالرحى الدوارة التي تطحن الحب؛ لما يكون فيها من قبض الأرواح وهلاك الأنفس و (تدور) تكون بما يحبون ويكرهون، قال في "الفائق": دارت رحى الحرب إذا قامت على ساقها (5).
(لخمس وثلاثين) من الهجرة، وفي هذِه السنة قام أهل مصر وحصروا عثمان رضي الله عنه (أو ست وثلاثين) وفيها خرج سبعة أشهر.
قال الخطابي: يريد -واللَّه أعلم- أن هذِه المدة إذا انقضت حدث في الإسلام أمر عظيم يخاف على أهله بذاك الهلاك، يقال للأمر إذا تغير واستحال: دارت رحاه. وهذا إشارة إلى انقضاء مدة الخلافة.
(فإن يهلكوا) بكسر اللام، أي: إن هلك المسلمون في المحاربة في
(1)"سنن ابن ماجه"(3950).
(2)
"تاريخ بغداد" 5/ 292.
(3)
فوقها في (ل): (ع).
(4)
فوقها في (ل): (د).
(5)
"الفائق في غريب الحديث" 2/ 49.
هذا القدر من الزمان (فسبيل) بالرفع خبر مبتدأ محذوف، أي: فهي سبيل (من هلك) أي: فالهلاك سبيل كل الخلائق، كما هلك من الأمم السالفة (وإن يقم لهم دينهم) أي: وإن لم يهلكوا بل بقوا واستقام دينهم، أي: ملة الإسلام وسلطانه؛ كقوله تعالى: {لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ} (1) أي: في سلطانه وملكه، وذلك من لدن بايع الحسن معاوية إلى انقضاء بني أمية من المشرق بنحو (سبعين عامًا) وبعد انقضاء مدة بني أمية (يقم لهم) انتقلت الخلافة إلى بني العباس. (قال: قلت: أَمِمَّا) يعني: هل مدة السبعين من الزمن الذي (بقي) بكسر القاف (أو) هي (مما مضى؟ قال) بل هي (مما مضى) وسلف من الزمان المتقدم.
[4255]
(ثنا أحمد بن صالح) المصري (ثنا عنبسة) بن خالد الأيلي، أخرج له مسلم في باب وفود الأنصار (قال: حدثني) عمي (يونس)(2) بن يزيد الأيلي (عن ابن شهاب، قال: حدثني حميد بن عبد الرحمن) بن عوف، وأمه أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط، من المهاجرات (أن أبا هريرة رضي الله عنه، قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: يتقارب الزمان) قيل: معناه: قصر الأعمار وقلة البركة فيها، وقيل: هو دنو زمان الساعة. وقيل: هو قصر مدة الأيام على ما روي: "إن الزمان يتقارب، حتى تكون السنة كالشهر، والشهر كالجمعة، والجمعة كاليوم، واليوم كالساعة، والساعة كاحتراق السعفة". وأخرجه الترمذي (3). وقال حماد بن سلمة: سألت أبا سنان عن قوله: "يتقارب الزمان تكون السنة
(1) يوسف: 76.
(2)
فوقها في (ل): (ع).
(3)
(2332) من حديث أنس. وصححه الألباني في "صحيح الجامع"(7422).
كالشهر؟ " قال: ذاك من استلذاذ العيش (1).
قال الخطابي: يريد -واللَّه أعلم- زمان خروج المهدي ووقوع الأمنة في الأرض بما يبسطه من العدل فيها، كما سيأتي، فيستلذ العيش عند ذلك، وتستقصر مدته، ولا يزال الناس يستقصرون مدة أيام الرخاء وإن طالت وامتدت وشمتطيلون أيام المكروه وإن قصرت وقلت.
(وينقه) بفتح أوله (العلم) أي: يقل. وفي رواية للبخاري: "يرفع فيها العلم"(2) ورفع العلم وقلته ترك العمل به، كما قال عبد اللَّه بن مسعود: ليس حفظ القرآن بحفظ الحروف ولكن إقامة حدوده. ذكره ابن المبارك (3)، وخرج الترمذي عن سالم بن أبي الجعد، عن زياد بن لبيد قال: ذكر النبي صلى الله عليه وسلم شيئًا، فقال:"ذلك عند أول ذهاب العلم" قلت: يا رسول اللَّه، وكيف يذهب العلم ونحن نقرأ القرآن ونقرئه أبناءنا؟ قال:"ثكلتك أمك، أوليس هؤلاء اليهود والنصارى يقرؤون التوراة والإنجيل لا يعملون بشيء منها"(4). وفي رواية له: "إن شئت لأحدثنك بأول علم يرفع من الناس: الخشوع، يوشك أن تدخل مسجد جماعة فلا ترى فيه رجلا خاشعًا"(5) وفي مسند زياد بن لجيد
(1) ذكره البغوي في "شرح السنة" 15/ 28.
(2)
البخاري (7062 - 7064) من حديث ابن مسعود وأبي موسى. ورواه مسلم (2672).
(3)
"الزهد" 2/ 57.
(4)
بل رواه ابن ماجه (4048). قال البوصيري في "مصباح الزجاجة" 4/ 193 - 194: ليس لزياد عند ابن ماجه سوى هذا الحديث، وليس له رواية في شيء من الخمسة الأصول ورجال إسناده ثقات: لا أنه منقطع. قلت: وهو بنحوه في "سنن الترمذي"(2653) من حديث أبي الدرداء، وفيه ذكر زياد بن لبيد.
(5)
"سنن الترمذي"(2653) من حديث أبي الدرداء.
بإسناد صحيح على ما ذكره ابن ماجه (1)، وهو يبين أن المقصود برفع العلم العمل به.
وروى الطبراني: "تعلموا الفرائض" وعلموه الناس فإنه أول شيء ينزع من أمتي" (2) ولا يعارض هذا ما تقدم؛ فإن الخشوع من علم القلوب، والفرائض من علم الظاهر، فافترقا (وتظهر الفتن) وفي البخاري: "لا تقوم الساعة حتى يقتتل فئتان عظيمتان دعواهما واحدة" (3) يريد فتنة معاوية وعلي رضي الله عنهما بصفين، قال أبو بكر ابن العربي: وهذا أول خطب طرق الإسلام.
(ويلقى الشح) والبخل في قلوب الناس عن إخراج ما وجب عليهم من الحقوق، فإن قيل: الحرص والبخل ثابت في القلوب في جميع الأوقات؟ قلت: المراد غلبته وكثرته بحيث يراه جميع الناس، ومعنى (يلقى) يتلقى ويتعلم ويتراضى به، كقوله تعالى:{فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ} (4)(ويكثر الهرج) والهرج بلسان الحبشة القتل.
(قيل: يا رسول اللَّه، أيه) هي (أي) الاستفهامية، اتصلت بها هاء السكت، ويحتمل أن يكون الأصل (أيها) ثم حذفت الألف كما حذفت الألف في:(أيما) في رواية البخاري، فإن روايته: قالوا: يا
(1)"سنن ابن ماجه"(4048).
(2)
"المعجم الأوسط" 5/ 272 (5293) من حديث أبي هريرة. ورواه أيضًا ابن ماجه (2719)، والحاكم 4/ 332. وضعفه الألباني في "الإرواء" (1665).
(3)
البخاري (3658، 6935) من حديث أبي هريرة. وهو أيضًا عند مسلم (157).
(4)
البقرة: 37.
رسول اللَّه، أيم هو؟ أي (1): أي شيء (هو؟ ) الهرج (قال) هو (القتل القتل) برفع اللام فيهما، وفي البخاري:"الهرج" بلسان الحبشة: [القتل](2)، وهو إدراج من أبي موسى الأشعري، آخر الحديث.
قوله: (أيه هو؟ ) قال المنذري: أيم هو؟ يريد: ما هو، ولعله: أيما هو، مخففة الياء، وحذفت الألف كما أيش في موضع: أي شيء.
[4250]
(ثنا الحارث)(3) بن مسكين، فقيه ثقة حجة، عاش نيفا وتسعين سنة (ثنا) عبد اللَّه (ابن وهب قال: حدثني جرير بن حازم، عن عبد اللَّه بن محمد) بن عبد اللَّه بن أبي فروة، أخرج له مسلم.
(عن نافع، عن ابن عمر رضي الله عنهما قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: يوشك) بكسر الشين، وفتحها لغة رديئة (المسلمون أن يحاصروا) بفتح الصاد، مبني لما لم يسم فاعله، والأصل يحاصر الكفار المسلمين، حتى يلجئوهم (إلى المدينة) زادها اللَّه شرفًا (حتى يكون أبعد) بالنصب خبر (كان) قدم (مسالحهم) بالسين والحاء المهملتين جمع مسلحة بفتح الميم واللام، وهي كالثغر والمرقب، يكون فيه أقوام يرقبون العدو، لئلا يطرقهم على غفلة، فإذا رأوه أعلموا أصحابهم ليتأهبوا له؛ سموا مسلحة لأنهم يكونون ذوي سلاح؛ أو لأنهم يسكنون المسلحة، وهي كالثغر والمرقب، وفي حديث الدعاء: "بعث اللَّه له مسلحة يحفظونه
(1) البخاري (7061).
(2)
مثبتة من البخاري، وانظر:"صحيح البخاري"(7065).
(3)
كذا في الأصول: ثنا الحارث. وفي "السنن"، و"تحفة الأشراف" 6/ 124: حدثت عن ابن وهب. ولعل ما ذكره المصنف في نسخته من "السنن" أو هو في حفظه من روايات الحديث الأخرى، واللَّه أعلم.
من الشيطان" (1) ومنه الحديث الآخر: "كان أدنى مسالح فارس إلى العَرَب العُذَيْب" (2).
وقال القرطبي: المسالح: المطالع. ويقال: هم القوم يستعد بهم في المراصد ويرتبون لذلك (سِلَاحِ) قال أبو عبيد البكري في حرف السين المهملة من "معجم البلدان": هو بكسر أوله وبالحاء المهملة (3). كالخفراء، يحني: المسلمون والكفار ويجتمعون بين المدينة وسلاح، ثم ذكر الحديث، ولفظه:"حتى يكون أبعد مسالحهم بسلاح" يعني: بزيادة باء الجر على سلاح، وقال عبدة: هو مبني على الكسر عند الحجازيين، وغير منصرف عند بني تميم.
[4251]
(ثنا أحمد بن صالح، عن عنبسة، عن يونس، عن الزهري [قال: وسلاح])(4) موقع (قريب من خيبر) وخيبر بينها وبين المدينة ثمانية بُرُد مشي ثلاثة أيام.
* * *
(1) رواه الترمذي (3534)، والنسائي في "الكبرى" 6/ 149 من حديث عمارة بن شبيب السبئي.
قال الألباني في "صحيح الترغيب"(473): حسن لغيره.
(2)
ذكره الجوهري في "الصحاح" 1/ 376، وابن الأثير في "النهاية" 2/ 389 وغيرهما.
(3)
"معجم ما استعجم" 3/ 744.
(4)
ما بين المعقوفتين ساقط من (ل) والمثبت من "السنن".